نشرت فى الدستور
25/9/1997
كمننا؟
تسري اللغة الجديدة بين الشباب, والحرفيين, والناس الذين هم تحت , رغم أنف المثقفين والمجمعيين والأكاديميين, ولا بد أن لذلك دلالته, إذ لا بد أن الألفاظ الجديدة تنشأ نتيجة حاجتنا إليها. ولما كنا في أشد الحاجة إلي لفظ يدل علي”كل شيء”, ولا”يدل علي شيء”, ليسقط كل واحد منا ما يريد عليه, ظهر لفظ” كمننا” .
وقد التقطته من أغنية ظريفة بعيد ولادته, وبديهي أن يتوقع القاريء من أستاذ جامعي وهو يتكلم في مثل هذا: أن يشجب , وينبه إلي المستوي الهابط الذي وصلنا إليه , وأن ينعي الذوق الرائق الرقيق وهو يتذكر” جددت حبك ليه”, وكلام من هذا, ولكني أكتب لهدف آخر, فأقول:
علي من يريد أن يواكب الجاري ليعرف نبض الناس أن يحترم الظواهر الشائعة-دون أن يستسلم لها أو يوافق عليها- فالشائع هو شائع, لا أكثر ولا أقل, له ما له وعليه ما عليه, وقد شاعت لغة جديدة بيننا, فعلينا أن نجتهد في البحث عن سبب شيوع هذه اللغة, ثم النظر في غاية ذلك, والبحث عن معناه, وقد اخترت لفظ كماننا لحداثة ظهوره, وقلت أعرضه كمثال حي قبل أن يترهل, أو يتحول, أو يتشوه.
وبدون النظر إلي سياق الفيلم (الاسماعيلية رايح جاي)الذي ظهرت فيه الأغنية, وهو فيلم تافه كما بلغني, وبغض النظر عن صوت محمد فؤاد, ومشاركة محمد هنيدي, فقد رجحت أن لفظ”كمننا’ قد ظهر ليحل لمن اخترعه -ولنا- صعوبات معاصرة, عجزت اللغة الحالية عن تفسيرها, ففي تصوري أن حياتنا قد أصبح جانب كبير منها فارغا من المعني والهدف والمنطق, مما احتاج إلي لفظ جديد,غامض, شامل: يستوعب هذا الفراغ, وينبه إليه , وقد خطرت ببالي عدة مسائل لم يكن عندي لها جواب, وإذا بهذا اللفظ”كمننا’يقفز ليسد الفراغ, مثلا : ما معني أن يستهين مجلس الشعب بأحكام محكمة النقض؟ الجواب ليس أنه”سيد قراره’ فهذا تعبير قديم لم يعط أحدا تفسيرا لشيء, لكنك إذا جاوبت أن معناه أنه”كمننا’ , فقد يكون ذلك أكثر فائدة , بل لو أن أحدهم شرح لي إعادة الإنتشار في الضفة بأنه”كمنننا’ لفهمت أكثر من فهمي لما يجري حاليا, وربما تكون”كمننا’ هي الإجابة المناسبة التي تفسر ما يجري في التعليم والمجاميع العملاقة في الثانوية العامة, وكذلك لشرح النظام العالمي الجديد, وربما يستغل اللفظ لتفسير اغتراب البحث العلمي عندنا, كما أن نفس اللفظ”كمننا’ قد يفسر بعض المناهج شبه العلمية الفارغة, أو بعض الأرقام الرسمية الغريبة, أوالمعونة الأمريكية أو غير ذلك مما تعجز اللغة السائدة عن تفسيره.
جرب أن تجيب بهذا اللفظ ”كمننا’علي بعض ما غاب عنك منطقــه-غير حب ليلي وحب لولو, وغير شرب الكازوزا في العجوزة مع استكاوزا ”ليه’؟, وسوف تجد ما يسرك, أللهم إلا إذا كان السؤال مما يجلب الحزن والحسرة بما لا يطاق, مثل مذابح الجزائر أو حادث التحرير, إذ لابد من اختراع لفظ جديد يستوعب كل هذا الخطر والخلط والعشوائية والظلم والعبث.