نشرت فى الدستور
25-10-2006
كل سنة وانت طيب! يعنى ماذا؟
نحن فى أيام العيد،
يعنى ماذا؟
يعنى نفرح ونهنئ بعضنا بعضا.
بماذا؟
بأننا صًـمنا رمضان تقرّبا إلى الله، وأفطرنا نرجو عفوه.
“هل أنت متأكد؟”
“كل سنة وأنت طيب”، دعوة جميلة، وأمنية طيبة، نتبادلها بصدق كل عيد ما أمكن ذلك، فهل من حقنا أن نتوقف عندها ننظر ونتأمل ونحن نجيب هذا الطيب الذى تمنى لنا أن نكون “طيبين”، نجيبه كالعادة “وأنت بالصحة والسلامة”. أين السلامة؟ ولكن دع هذا جانبا الآن ولنكتف بالنظر فى مسألة “كل سنة وانت طيب”.
أحيانا من فرط توجساتى، ومعايشتى لما يصلنى من رسائل الواقع المر المحيط، أشعر أن كل هذه التهانى الواجبة، والحسنة النية، لو صدقنا فى تأملها لشعرنا بمسئولية ذات طعم خاص، الشعور بالمسئولية لا يتطلب بالضرورة أن نقلبها غما، وإنما قد يكون حافزا يدفعنا أن نضاعف من جدية عملنا ليل نهار، ونحن نرجو لبعضنا البعض أن نعيش عاما آخر “طيبون”. يعنى ماذا؟
“تانى؟!!.
كان لى زوج عمة ليس له علاقة بعمل محدد، الشهرة “فلاح”، أو قل: “من الأعيان”، لا يضر!! وكان والدى يحسده –غالبا- لباله الرائق ودمه الخفيف (هكذا ظننت صبيا)، وكنا – شباب العائلة – نلتف حوله دون سائر الأعمام، ننتظر قفشاته ونناقشه فى مفارقاته وهو يثير فينا بها ما يثير. كان ظريفا –فعلا- متفرغا للظرف بوسائله الخاصة، وكانت من بين مداعباته لنا أن يفاجئنا بتهان فى المناسبات غير مألوفة: حين قال لى ذات عيد – ربما كنت فى الثالثة عشر- “كل سنة وانت كده”، بدلا من “كل سنة وانت طيب”، تعجبت وابتسمت انتظارا لرده على سؤالى “كده” ماذا؟ قال لى: الست الآن راضيا وعال العال، قلت “يعنى!!!”، قال” إن الأسلم أن تجد نفسك فى العام القادم كما أنت”، قلت له “ولم لا أكون أحسن”، قال “وهل أنا منعتك؟ أرنا شطارتك”. أى والله، لكن الحديث لم يتوقف عند هذا الحد، فاستمر لينبهنى أن هذه الدعوة ربما تكون أقرب إلى الواقع من الدعوة الروتينية “كل سنة وانت طيب”
ربما انطلاقا من مثل ذلك تحيرت طول عمرى وأنا أتساءل عما نعنيه تحديدا بوصف إنسان أنه “طيب”، ومن ضمن ذلك أننى رحت أفحص إشاعة “طيبة المصريين”. كان من بين ما نبهنى أن هذه الكلمة “طيب”: لها وعليها تلك الأغنية التى كنا نرددها أحيانا أثناء الرحلات حين يقول أحدنا “فلان ده طيب”، فيرد الباقون داخل حافلة الرحلات عادة “دا لا هو طيب ولا حاجة دا اهبل وعبيط”، فيكرر الحادى “والنبى دا طيب”، فنرد:” دا لا هو طيب ولا حاجة داهبل وعبيط ، وريالته نازلة على صدره أربع قراريط” ..إلخ
قلت إننى لا أريد أن أقلبها غما فى تلك الأيام المفترجة، لكن ماذا أفعل وما حولى يقول أنها ليست مفترجة ولا حاجة، وربما ليست مفترجة أصلا، اللهم إلا إذا تغمدنا الله برحمته فبارك فيما نفعله، فإذا بها تفرج ونحن نظنها لا تفرج،
سيحصل.
فى أوائل السبعينات، كتبت بعنوان: “الطفل العملاق الطيب”، ما يلى: “تلك هى المسألة الصعبة، أن نعطىَ للطفل الحكمة والنضج، دون مساس ببراءته بطهارته بحلاوة صدقه، أن نمضى ناسا بسطاء، لكن فى قوة، أن نشرب من لبن الفطرة سر القـُدرة، لكن فلنحذر دوْماً، من غدر الشر المتحفز، بالإنسان الطيب”.
الشر الآن يتحفز أكثر وأكثر بأى إنسان يتصور أن الطيبة هى التسليم، أو حتى السلام، أو أن الكلام والمناقشات (خصوصا على مائدة المفاوضات) يمكن أن يحل محل العين الحمراء، والبندقية المحشوة، والقنبلة الجاهزة، أو أن السادة رؤساء العالم “جدا” يمكن أن يكونوا طيبين لمجرد أننا شطار ونسمع الكلام و..و”طيبون”، أو أن البقاء للأكثر دماثة وأرق حاشية ، كل هذا يجعل الطيبة رذيلة لا يتمناها أحد لأحد فى العيد أو غير العيد.
لكى تتحقق أمانينا لنا ولبعضنا البعض فى هذا العيد، وكل عيد، علينا أن نفتح عيوننا على آخرها لما يحاك لنا وحولنا، لا لنضع اللوم عليهم، ولا لنتازل عن طيبتنا، لكن لنعمل حتى نحقق وعد الله تعالى أن يرث المستضعفون -عبر العالم- الأرض وما عليها، ويصبحون هم الأئمة وهم القادرون على تحقيق المسألة الصعبة: “الطفل العملاق الطيب”،
فإن لم نستطع واكتفينا بأن ننتظر عطايا ديمقراطية الست كوندا، ورضا السيد بوش، وعطف تابعه بلير، فالأولى بنا أن نرضى بدعوة زوج عمتى: “كل سنة وانت كده!!