الدستور
7-4-2010
تعتعة الدستور
كل القلم ما اتْقَصَفِ، يطلعْ لُه سِنّ جديد!!
أنهيت تعتعتى السابقة (31 مارس) هكذا: ” ….ما نحتاج إليه هو المشروع القومى، وليس البطل القومى، ولن يكون المشروع قوميا بحق – فى ظروف التحديات المعاصرة – إلا إذا كان جزءا من المشروع الإنسانى العالمى الجديد، (وليس العولمة المشبوهة)، ولهذا حديث آخر..”. بلغنى أن هناك من ينتظر هذا الحديث الآخر، فبدأت الكتابة: ثم توقفت: إيش ضمّنى أن هذا الحديث الآخر، سوف ينشر فى الأسبوع القادم ليصبح الكلام متصلا؟؟!! يبدو أن هذا السؤال خرج نتيجة خبرة الأسبوعين السابقين لهذه التعتعة، حين احتجبت كل الصفحة لضيق المساحة، أسبوعا بعد اسبوع، بمناسبة العدد السنوى، أو لأى سبب آخر، وهذا تنظيم بديهى، إلى أننى ضبطت نفسى متلبسا بغرور مفهوم، يصاب به كل كاتب حين يتصور أن أحدا غيره لا يستطيع أن يكتب مثله، بل كثيرا ما يتصور، أن ما يكتبه هو كفيل بتغيير النظام، وأحيانا بتغيير العالم (وبينى وبينكم، بتغيير الكون) أى والله! تعلمت بعض ذلك من الفنان التشكيلى الرائع المرحوم كمال خليفة حين كنت أزوره، فى حجرته على السطح فى شارع منصور، وأرى نحته من الحمام وهو يكاد يطير حولنا، وأستمع إلى الشيخ إمام وهو يغنى “الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا،.. يا محلى جرية ظباطنا…إلخ” ، فارفض ذلك محتجا أنه ليس هكذا، فظباطنا لم يجروا من خط النار، وأسأل كمال بعد أن ينصرف الجميع عن الحل فيقول إن ما نحتاجه هو “كتاب واحد صادق، جدير بأن يغير الدنيا، ويشير على كراريس كثيرة على الشمال، وأخرى على اليمين، ويقول لى إن الكراريس التى على الشمال مملوءة بمشروع هذا الكتاب، أما التى على اليمين فهى خالية تنتظر دورها، فأسأله وأنا أتساءل ومتى غيرت الكلمات الناس أو النظام؟ فيصر أنه فى البدء كان الكلمة.
ربما مثل هذا الشعور هو بعض ما ينتابنى أنا أو أحد من زملائى فى هذه الصفحة حين تحتجب، نتصور أنه قد حيل بيننا وبين أن نعدل الكون، فأروح أراجع ما كتبت فى التعتة السابقة، فأتصور – مغرورا– أن عند سكرتير التحرير حق: فمن تعتع وعيا ساكنا، فعلية وزر ما ترتب على تحريك الساكن (وهو مبنىُّ على الصمت). طيب، إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لما أكتب، فما ذنب زملائى على هذه الصفحة، وما ذنب القراء؟!! فأتذكر تشبيه كمال خليفة لثورة يوليو: وأن الضباط الأحرار لم يكونوا يقصدونها ثورة هكذا، فقد كانت المسألة هى انتخابات نادى الضباط مع جرعة فائقة من حماس الشباب وحسن النية وأحلام اليقظة، ثم اتسعت عليهم، فصدقوا أنفسهم، وكان يشبّه الذى حدث بثلة كانت تجلس تحت شجرة تفاح تتساقط من إحدى ثمارها العفنة نقاط مزعجة، فأرادوا أن يسقطوا الثمرة الفاسدة، فهزوا الشجرة، فإذا بكل التفاح يتساقط، لأنه كله كان فاسدا عطنا، وكنت أحتج عليه أنه “ولو، إلا أنها تثورت بعد ذلك”،
قياسا على هذا المثال رحت افسر حجب الصفحة هكذا: ربما أراد سكرتير التحرير أن يتخلص من تعتعتى الغامضة المزعجة، لسبب ما، فعصلجت معه ، فاضطر أن يتخلص من كل الصفحة، وأروح أتصنع الندم على أننى السبب فى الحيلولة دون متابعة القراء كل تلك الانوار المضيئة التى تنبعث من قذائف هلوسة د. أحمد يونس آخر الليل، ومن التمتع بدغدغة قلم بثينة كامل التى تدس النقد فى الفكر فيلتهب لاذعا حريفا (سبايسى)، ومن مشاركة د. زكى سالم غضبه المر الساخن معا، ومن مشاركة محمد القدوسى ترحالاته وهو يقلب صفحات التاريخ أو يقلب علينا المواجع، فيسارع أ.د. عماد أبو غازى بتضميد جراح شظايا القدوسى بضمادات أحن من تاريخ أطيب، واخيرا أشعر بالتزامى باعتذار خاص لجارى إبراهيم داوود وهو يكتب النثر شعرا، أو وهو يرسم بريشته هذا البورتريه أو ذاك، أو حين يختلط على الأمر فى لون كتابته، هل هى بلون فانلة النادى الأهلى، أم بلون نزيف الوعى.
يا خبر!! ما هذا؟ انتهت المساحة وأنا لم أكتب كلمة واحدة فيما وعدت، فأكرر الوعد بأنه “..لهذا حديث آخر”، إن كان فى العمر بقية، وإن لم تصل إلى سكرتير أو رئيس التحرير مواضيع أهم، فهو أدرى بشئون تحريره كما يقولون فى بلدنا “أم الاعمى أدرى برقاد الاعمى”، وأتذكر شعرا قديما لى، وأغير كلمة واحدة فيه ليناسب المقام هى “عاجبهم”، بدلا من “عاجبنى”
كل القلم ما اتْقَصَفِ، يطلعْ لُه سِنّ جديد
وايش تعمل الكلمة يابا والقدر مواعيد”
خطف القلم ما العدم أوراق وملاها
وان كان “عاجبهم” وجب، ولا أتنى بعيد