نشرت فى الدستور
20/5/1997
كل سنة وأنت “كده”
اعتدنا أن نتبادل التهنئه فى العيد، وأنه كل سنة وأنت طيب، لكنى حين كنت طفلا، لم يكن الأمر يقتصر على العيد، فكلما ذهبت إلى بلدنا فى إجازة الصيف كنت أتلقى من أهلى الفلاحين ترحيبا كريما أنه :”كل سنة وأنت طيب”، ثم إنى كنت أظن أن ذلك بمناسبة الأجازة الصيفية أو الزيارات المتباعدة، ثم إنى عدت أتبادل هذه التحية مستسلما حتى فاجأنى زوج عمتى مداعبا – وكان رجلا يحب المداعبة، وجو المداعبة، وكل ما يساعده على المداعبة – داعبنى قائلا : كل سنة وأنت ”كده” ولما نظرت إليه متعجبا قال لى، أنا أراك 100 %، ألا تريد أن تظل للعام القادم “كده”؟، وكان هذا من بين ما جعلنى أبدأ تأملاتى حتى فى التحيات المعتادة، فأخذت أراجع كلمة طيب، ولماذا طيب؟ وكيف أسمح لنفسى أو أدعو غيرى أن يكون طيبا وإسرائيل جاثمة على أنفاسنا هكذا: وترن فى أذنى الداخلية مايتردد فى الأغنية المرحة “فى الرحلات خاصة” من أنه: لاهوه طيب ولاحاجة دا أهبل وعبيط، وريالته نازلة على صدره أربع قراريط”، ولم تكن تقصد الأغنية أى أوسلو أو كوبنهاجن طبعا.
ثم تطور الأمر بعد الانفتاح العام الذى ظهرت علاماته فى إلغاء إشارات المرور عمليا، إذ يبدو أن جندى المرور قد قرر أن ينفتح شخصيا بأن يتولى أمر تحسين أحواله المعيشية بأقصر الطرق المباشرة، وذلك بأخذ حقه عند المنبع من أصحاب المصلحة، فأصبح يقول “كل سنة وأنت طيب” عدة مرات فى اليوم الواحد، حتى لو أنك مررت عليه عدة مرات فى نفس اليوم، وطبعا لم أفهم فى البداية، ولكنه بتكرار التنشين على العربات “التى هى” (وعربتى كذلك) وكذا مع وضع يده نصف ممتدة ونصف مضمومة إلى جانبه، فهمت، وياليتنى مافهمت.
فالعسكرى بل والخفير كان يمثل لى هيبة ما بعدها هيبة منذ كنت طفلا، إنه هو الحكومة، أعرف ذلك منذ كان الشيخ عبد العزيز يغنى وهو يدق حب البن المحمص فى الحجر متمايلا: “إحنا الخفر إحنا الخفر مترصصين نفر نفر”، وكنت أخاف من الخفير وبندقيته، “شوف الخفير فى وقفته، وهوه عاوج لبدته، تقولش مدفع وانفجر، إحنا الغفر، إحنا الغفر … الخ”، وحتى الآن وأنا أخشى دخول قسم البوليس، دون أى اتهام أو حتى بصفتى مجنى علىّ لذلك فزعت أشد الفزع من هذه الصورة الجديدة لممثل الحكومة- عسكرى المرور-، بالله عليكم كيف تمد الحكومة يدها – هكذا -لأمثالى كمن يبيع مناديل الورق وفوط مسح العربية، لا وألف مرة لا.
ليأخذ عسكرى المرور أربع أضعاف مرتبه، لكن عيب كدا، والمصحف الشريف عيب.