نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 1-11-2020
السنة الرابعة عشر
العدد: 4810
كتاب: مقدمة في العلاج الجمعى
“من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق” (1)
الفصل الرابع
البحث العلمى فى العلاج الجمعى (3)
…………………….
أما موقفى الآن كمقدم لهذا البحث فهو أن أضيف للباحث وجهة نظرى فى كونى مادة البحث:
أولا: أنه لابد من اعتبار المعالج ضمن مادة البحث مثل كثير ممن كتب عن أنواع العلاج النفسى، فشخصية الباحث كمادة بحث هى التى تفسر لنا نوع اختياره لمرضاه، ولسنهم، وجنسهم (واختيارهم له كذلك) ثم محتوى العلاج ثم هدفه، وبدرجة هائلة: نتائجه، بل وفى عمق العلاقة: فلسفته فى الحياة ومحتوى نظريته، ولنراجع سوياً فى هدوء – ولو مصطنع – نوع حالات الهستريا والحواز التى عالجها فرويد، ولنراجع اختيار يونج لمرضاه ممن هم فى وسط العمر، ثم ويلهلم رايخ وزبائنه ومن بينهم فردريك بيرلز مؤسس مدرسة الجشتالت .. واختيار أدلر لتوجيه بعض نشاطه للأطفال، ثم نعيد النظر فى شخصية كل معالج لنرى كيف تحدد شخصيته اختياره وفكره النظرى ونتائجه جميعا.
ولست هنا بصدد تحديد وجهة نظرى من هذه المقولة الخطيرة تفصيلا: من أنا؟ ولماذا؟ ولكنى أوافق على انى “شخصياً” .. و”تماما” ينطبق علىّ ما زعمته فى الفقرة السابقة ..، ولكنى أحذر من التمادى فى هذه “الشخصنة” للنظريات العلمية وإلا وقعنا فيما وقع فيه أستاذنا المرحوم الدكتور صبرى جرجس حين عزى كل فكر فرويد إلى ميوله الصهيوينة الخفية…
ثانيا: إن العلاج النفسى إنما يحدث تغييراً فى المريض من خلال التفاعل بين اثنين، لأننا لا يمكن أن نتكلم عن تفاعل يقوم به متفاعل واحد وإلا كان فعلا لا تفاعلا، والمعالج هو الطرف الثانى فى التفاعل ولابد أن نعترف أنه معرض لتغير هو ذاته بل ربما هو ملتزم بالتغيـّر إن كان التفاعل صادقاً فعلا، وفى رأيى أن كل العلاجات التى تدعى أن المعالج “محايد” أو غير متداخل فى التفاعل، إنما تعلن ضمناً أن تدخله أخفى وأخطر، لأن موقف الحياد مستحيل، فإذا كان ممكناً فهو يعلن بشكل ما توقف النمو من الجانبين، لأنه يعنى أن المعالج ثابت مدافع عن ميكانزماته بانسحابه تحت عنوان عدم التداخل، وبالتالى فإن المريض أو المرضى قد يتبعون نفس الأسلوب تحت أى تبرير ظاهر أو خفى، وقد تبينت من الممارسة أنه توجد مثل هذه المجموعات – التى تجتمع تحت عنوان العلاج الجمعى ايضاً – تؤكد بطريقة ما – أن بالتغيير الممكن هو الذى نكتشفه لاحقا وليس الذى نقرره بإرادة مسبقة مما يزيح عن كاهل المترددين الزعم بضرورة التغير وحتمية الصيرورة ..
ولكن لابد من الاعتراف أن إعلان المعالج لنوعية تحيزه، وطبيعة إلتزامه وحقيقة مخاوفه وأبعاد احتياجه..هو السبيل إلى الاقلال من “الاتفاقيات الخفية” بين المعالج والمتردد، وإتاحة الفرصة للتقليل من مخاطر التأثير الذى يختبئ وراء تصوره أو ادعائه الحياد، وكأنى أعلن هنا ضمنا أنه لا حياد فى العلاج النفسى – وأذكر القارئ بلمحة عن العلاج النفسى “المتمركز حول الزبون” (2) Client Centered Psychotherapy والذى ابتدعه روجرز، والذى سمى أيضا العلاج غير الموجه Nondirective Psychotherapy فقد أعلن روجرز شخصياً – مؤخراً – أنه لا يعرف من أطلق عليه لفظ “غير موجه” هذا، واعتذر لفريك فى مقابلة خاصة (فى كتاب عن مقابلات فريك مع الإنسانيين فى علم النفس “مازلو وميرفى وروجرز”) أنه لو كان هو الذى أطلق عليه هذا الاسم فهو آسف، وأنه تراجع لأنه لا يوجد علاج غير موجه .. وإلا لما كان ثم علاج..
فالموقف إذن كالتالى: إما موقف من المعالج معلن وقابل للتغيير والتفاعل والمواجهة، وإما موقف سرى شديد التأثير والمناورة بعيدا عن متناول النقاش والجدل الحيوى، وأخطر المواقف السرية ما كان سريا على صاحبه ذاته .. ونقابل تأثير هذه السرية الخفية أكثر ما نقابلها عند أشد المعالجين حماساً للحياد..
فإذا انتقلنا إلى المعالج كمادة لهذا البحث فإننا نقابل تعليق الباحث فى أكثر من موقع بأن المعالج كان يكشف نفسه، ويعلن احتياجه، ويدافع عن حقه فى الضعف .. الخ وقد اعتبر الباحث هذا دليلا على تطور المجموعة من جهة ودليلا كذلك على نمو المعالج من جهة أخرى، ولكن علىّ أن أثير من جانبى هنا عدة نقاط إضافية:
1- إن إعلان المعالج لموقفه لا يعنى بالضرورة أن هذا هو موقفه، بل قد يعنى محاولة علاجية تحددها مسئوليته، والتزامه فى وقت محدد تجاه فرد محدد فى مرحلة بذاتها من تطوره، على انى أتصور أن هذا التكنيك العلاجى لم يكن ليخفى على عديد من أفراد المجموعة، وأعتقد شخصيا أن مرحلة هذه المجموعة قد تخطت مثل هذا الموقف الحِرَفى الصرف.
2- إن إعلان المعالج لموقف ما بأنه موقفه شخصيا، قد يخفى عن المعالج نفسه أن هذا ليس موقفه.
3- إن إعلان المعالج لموقف ما قد يكون مناورة من نوع التمويه ذى الدرجتين Double Bluffing، فقد يعلن المعالج أنه يتدخل فى حرية الآخرين، وأنه من واقع مسئوليته ملزم بإعلان أنه يعالجهم لسد احتياجه أساسا، فيبدو بذلك وكأنه أمين وموضوعى. ولكن هذا الإعلان فى ذاته – رغم ما يحمل من مظاهر الأمانة والموضوعية – قد يثير فى الأعضاء احتمال أن هذا ليس صحيحاً وأنهم أحرار حقيقة فى اختيار طريقهم دون تأثير غير مباشر من المعالج، وأن المعالج بإعلانه هذا قد كشف ورقه، والباقى مسئولية المترددين، وقد تحمل هذه الاستجابة فى ذاتها خدعة أعمق لأنها قد تغرى المترددين والمرضى بإلقاء أسلحة حذرهم فى حين أن الأمر يسير فى نفس الاتجاه الذى حذّر منه، أو بألفاظ أخرى ” إن كشف ورق المعالج إذ يؤكد تدخله قد يسهل تدخله لأنه لا يثير الحذر الواجب ضد ذلك”.
ولم يكن الباحث – على قدر تصورى– فى موقف يسمح له بأن يصل إلى الشك فى نوايا المعالج لهذه الدرجة، ربما لتعداد العلاقات المتشابكة بينهما، لذلك وضعت هذا الأمر بوضوح هكذا من بداية البحث، وحتى لا يكون الحماس الخادع هو نهاية تصور الحقيقة..، فإذا كان لى أن أعترف فأنا لا أعرف عن نفسى أكثر مما ذكره الباحث وإن كنت لا أستبعد هذه الدرجات الأخرى من التمويه، وهو أمر بعيد عن إدراكى حاليا أتركه لاختبار الزمن.. أو لباحث أكثر تشككا وربما أشجع.. وربما أكثر دفاعا وتخوفا.. الخ ولكنى أخشى فى نفس الوقت أننا لو فتحنا باب التشكيك إلى التمويه المزدوج ثم الثلاثى ثم الرباعى.. أن نصل فى النهاية إلى موقف “الشك المطلق” وليس فقط “الشك المنهجى، (3) وكأن الحقيقة الوحيدة فى كل هذه القضية هى أن الباحث يشك، أما نتاج ما يشك فيه وحقيقته الموضوعية فهى ليست فى متناوله شخصياً (ولا فى متناول أحد بالتالى).
إلى هذا الحد يصل التسلسل الطبيعى إلى الاعتراف بالعجز النسبى أو المطلق عن الموضوعية .. ولكن دون التسليم اليائس بعدم إمكان تحديد حقيقة ما يجرى خارج عقولنا، لأن كل ذلك سيتوقف فى النهاية على من هو “الباحث” الذى يشك، الأمر الذى دعانى إلى أن أضعه هو ذاته كمادة للبحث (وهى الفقرة التالية مباشرة).
ثالثاً: الباحث
تعودنا فى التفكير العلمى السائد فى مجال علمنا هذا ألا ندرج الباحث تحت موضوع “مادة البحث” إلا إذا استخدمنا مقولة الاستبصار Introspectionكوسيلة للبحث حيث يكون فيها الملاحـِـظ هو نفسه الظاهرة تحت الملاحظة، ولكنى هنا أدرج الباحث تحت مادة البحث من باب آخر وهو أن الباحث فى موقفنا هذا يصدر فى النهاية أحكاما نابعة من إدراكه لمجريات الظواهر، سواء كانت أحكاماً بالنسبة للعينة التى انتقاها ليقدم من خلالها وجهة نظره ويدعمها، أم طريقة سلسلته للأمور، أم تقييمه لما يجرى أم تفسيره لكل ذلك، فهذه الخطوات كلها تشمل أحكاما .. فهى ليست إطلاقا مجرد تسجيل ملاحظات والربط بينها، وهو بمجرد أن يصدر هذا الحكم للمتلقى (القارئ أو الطالب أو الباحث الزميل أو المقيّم للبحث) فإنه يصبح بذلك مادة فى بحثه ونتيجة فى نفس الوقت .. ومن حق كل هؤلاء أن يقيّموه هو ذاته من خلال ما يقدمه .. وكأنى بهذا أضيف صعوبة جديدة فى موقفنا البحثى هذا وهى ان البحث برمته منذ انتقاء الموضوع إلى انتقاء الطريقة إلى انتقاء عينة المعلومات إلى طريقة عرض النتائج إلى تفسيرها … كل ذلك هو فى مقام مادة البحث التى ينبغى وضعها فى الاعتبار ونحن نتناول البحث .. وإلا فنحن معرضون لخداع مضلل … وما دام الباحث أصبح “أداة البحث” و “مادته” معاً فإن تناول هذا “المتغير” بدقة وتمحيص: بما له من صفات الأمانة العلمية وسعة الأفق، وما عليه من دفاعات ومخاوف داخلية، يعطى للبحث مكانه الدقيق فى الكشف عن جوانب ما يبحث، إذ لا يمكن أن نكون موضوعيين بحال إذا أهملنا موقف الباحث من الحياة، ومدى رؤيته، وطبيعة علاقته بالوجود وبذاته .. بما فى ذلك فلسفته وموقفه من الدين والسياسة والزوجة والأولاد (كما أشرنا) .. لأن كل ذلك يحدِّد بطريقة أو بأخرى اتجاهاته من البحث من هذا النوع، وقد تكون النتيجة الهامة التى يخرج منها قارئ لمثل هذا البحث أن هذا الباحث عاجز عن الرؤية الشاملة، أو أنه ظالم خائف، أو أنه عادل شجاع إلى آخر هذه الاحتمالات المتنوعة….
وهذا يرجعنا أيضا إلى ضرورة إعداد باحثين لهم كفاءة خاصة، وصفات خاصة، وإلا فنحن أمام باحثين من “المريدين” أو باحثين من “المدافعين الخائفين” لا أكثر ولا أقل..
وكل هذه الاعتبارات تنبهنا ثانية إلى أنه ما دام الباحث “إنسانا” فى مجال “علم انسانى” فلا سبيل إلا بالمغامرة، ولا أمان إلا بالحذر، وحتى إذا تصورنا أننا أمام عقل إلكترونى محكم .. وأننا سوف نترك له الحكم النهائى بحساباته الآلية .. فإننا سنواجه بالتساؤل العملى: “من الذى سيغذى هذا العقل بالمعلومات؟ أليس إنسانا له موقفه ومميزاته ..” أيضا؟
****
وبتنوع مادة البحث من المرضى والمترددين إلى المعالج إلى الباحث ذاته نجد أنفسنا مرة أخرى – ليست أخيرة– فى موقف يكثف مرحلة صعبة مرّ بها التفكير العلمى ردحا من الزمن، وأعتقد أنه لم يتحمل غموضها وتشابكها، فإذا به ينتهى فى كثير من الأفكار المعروضة كبدائل عن هذه الصعوبة إلى حلول ملتبسة أو جزئية، لا أجد مناصا من التلميح إليها:
1- فقد لجأ فريق إلى الاكتفاء بقياس “جزئيات السلوك” ونسوا أثناء ذلك أن انتقاء قياس هذا الجزء من السلوك دون ذاك، وانتقاء هذه الأداة للقياس دون تلك، إلى آخر عمليات الانتقاء والتخطيط، هى جميعاً من ضمن موقف ذاتى قد يكون هروبا من مواجهة مشاكل كلية أعمق مثل التى طرحناها سابقا، وقد وضعنا هذا الاتجاه فى مأزق تشويه الانسان بتجزيئه دون غائية او عمق شامل، وإن كنت لا أنكر أن إتقان معرفة الجزء هو سبيل لازم لتجميع معالم الكل فى أحيان كثيرة.
2- أما الفريق الآخر فقد لجأ إلى رفض البحث العلمى – فى مجال الإنسانيات – بصورته هذه تاركا الأمر إلى الإنطباع والتأمل الشخصى من خلال التجربة التلقائية وإصدار الأحكام على مسئولية مصدرها، حتى كادت المسألة أن تصبح – فى تقدير هذا الفريق – أقرب إلى التفكير الفلسفى من موقع التأمل بعد الاستيعاب، وقد هوجم هذا الفريق واتهم أنه يرجع بالعلم إلى ما اسموه “البحث على مقعد وثير”، أى بعيداً عن الممارسة العملية والتجارب وإعادتها إلى آخر هذه القصة..، وفى رأيى أن هذا الفريق قد أضاف إلى علمنا قدراً من التنوير لا يقل عن الفريق الأول .. بل لعله يزيد، وأن اتهامه “بالبحث على مقعد وثير” هو اتهام من لم يعرف معاناة التفكير الخلاق وهو يبحث عن جديد… لا يلتزم فيه إلا بصدق ذاتى يحاول أن يقربه من الصدق الموضوعى، فالمقعد فى رايى ليس وثيراً أبدا، بل هى معاناة متصلة، يرجع الحكم فيها إلى ضمير يقظ قادر على رفض كل مسلمة مسبقة .. على مسئوليته (دون أن يجن).
3- أما الفريق الأخير فقد اكتفى “بالخبرة الفنية” ورفض البحث فى الجزئيات بزعم أنه تشويه للحقائق الكلية، ثم خاف من إصدار الأحكام الانطباعية، حتى أصبحت المسألة – فى تقدير هذا الفريق – نوعا من سر المهنة، ينتقل من معلم إلى صبى بالمحاكاة فالتقمص فالتعاطف فالتفجر من الداخل، وسار التعليم فى هذ السبيل هو شبيه بكل الوسائل المعروفة فى أى حرفة من الحرف .. وكانت الدلائل تشير إلى ان الأمور تسير فى اتجاه سليم نافع .. هو استمرار نجاح الحرفة فى أداء المطلوب منها، ورغم أن هذا هو الطريق العملى السائد عند أغلب الممارسين – خاصة فيما يخص خبرتنا وظروفنا – حيث تعتبر كل مقابلة للمريض نوع من البحث العلمى، وكل نتيجة للعلاج تقييم لهذا البحث، وكل خبرة من أستاذ لطالب هى إعطاء سر المهنة، إلا أن هذا السبيل يضعنا فى مأزق حقيقى لأنه يبتعد بنا عن معنى العلم التقليدى، مما قد يعرض المهنة إلى النفى بعيدا عن ما هو “علم مؤسسى” اللهم إلا إذا وجد هذا الفريق وسيلة أو وسائل ينقل بها الخبرة “العلمية” إلى دوائر أوسع فأوسع، حتى لا تصبح حكراً على فئة محدودة معرضه للانقراض تحت مسمى سر المهنة، وهذا مطلب صعب فى كل فن وحرفة إبداعية.
وبعـد
هكذا نجد أنفسنا فى هذا البحث وقد التزمنا بشق طريقنا الصعب “بما يمكن” دون استسهال يلبس ثوب الموضوعية، أو تنظير هو أقرب إلى التفلسف (لا الفلسفة) أو صمت يلبس ثوب الحرفية ويكتم سر المهنة.
ولعل تقييمى الأول لما منحنا هذا البحث هو الطمأنينة إلى أنه بإمكاننا أن نخترق كل هذه الصعوبات برغم شدتها، إذ أن تسجيل الملاحظات بهذه الدقة والشجاعة – مهما كانت انتقائية – ثم عرض الآراء صريحة دون شعور بالنقص أو اختباء وراء الأرقام، ثم الحماس الظاهر لهذه الآراء دون تردد .. ثم التفسير ووجهة النظر الشخصية فى جلاء محدد.. كل ذلك هى خطوات لازمة على مسيرة البحث العلمى، وهى خليقة أن تثير حواراً، على الجميع أن يواجهوه بشجاعة، ثم يأتى الزمن يحكم بين الجميع على مراحل متتالية، إذ يصدر حكمه على المدى القصير بمقياس انتشار الفكر وفائدته العاجلة، ثم على المدى الأبعد بمقياس استمرار الفكر وتحديه، ثم على المدى المطلق بمقياس الإسهام فى مسيرة التطور للنوع كله.
وحكم الزمن هو الفيصل النهائى فى كل مبحث يتجرأ فيعلن أنه رأى زاوية من زوايا الحقيقة.
وأعتذر فى النهاية إذْ أطلت حتى انتهيت إلى هذه النهاية المزعجة والمسئولة فى نفس الوقت، ذلك لأنى من أشد الناس إشفاقا على إضاعة وقت الباحثين – وخاصة الشباب منهم – فى توهم موضوعية لا وجود لها إلا بقدر الاعتراف بعجز الباحث ومحاولته هو نفسه التطور للاقتراب من الموضوعية فى كل مناحى حياته، وكذلك فإنى من أشد الناس حرصاً على تذكير كافة الباحثين فى مجالنا هذا بضرورة التسجيل وإبداء الرأى دون مخاوف أو تردد أو تلكؤ، ثم يتواصل الحوار والتصحيح وتتمادى المراجعات بغير نهاية.
…………….
ونقدم الأسبوع القادم: الفصل الخامس: “جدل العقول وحركية تخليق الوعى الجمعى”
[1] – يحيى الرخاوى (مقدمة فى العلاج الجمعى (1) من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق) (الطبعة الأولى 1978)، (والطبعة الثانية 2019) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net وهذا هو الرابط.
[2] – مدرسة العلاج المتمركز حول العميل أو مدرسة العلاج المتمركز حول الشخص بالإنجليزية : Person-centered therapy هى العمل الرئيسى الذى نشره كارل روجرز عام 1951. وتُعد من أوضح الأمثلة على المدارس الإنسانية فى العلاج النفسي. صنفها النقاد كونها ممارسة لعلاقة إنسانية عميقة من الفهم والقبول حيث يقوم المعالج بإظهار الانفتاح والتعاطف والتقدير الإيجابى غير المشروط، مع أهمية إبرازه الاستماع العميق المتمعن للعميل والمحاولة الأمينة للدخول إلى عالمه الخاص لمساعدته على التعبير عن ذاته وتطويرها.
تُؤكد هذه المدرسة على أن العميل هو مركز العملية المشورية وليس المعالج، حيث أنها تؤمن أن كل إنسان لديه القدرة الكامنة على التعامل مع مشكلاته واستخراج الموارد الكامنة فى نفسه لإزالة الأسباب المعوقة لنموه الشخصي. كما تُوكد أيضًا على أولوية الفرد فى مقابل الجمود والعقائدية الموجودة سواء فى الدين أو فى المدارس النفسية الجامدة مثل التحليل النفسى الكلاسيكي.
كارل روجرز (8 يناير 1902 – 4 فبراير 1987) عالم نفس أمريكى هام، قام مع أبراهام ماسلو بتأسيس التوجه الإنسانى فى علم النفس السريري. ساهم أيضا بتأسيس العلاج النفسى غير الموجّه الذى سماها العلاج المتمركز حول العميل ليؤكد أن نظريته يمكن تطبيقها فى كل التفاعلات بين الأشخاص وليس فقط على التفاعل بين المعالِج والزبون.
اعتقد روجرز أن الدافع الأساسى لأفعال البشر هو الرغبة فى التحقق الذاتى وأن المشاكل النفسية تأتى من عدم التلاؤم بين “الذات” و”الذات المثالية” و”الذات العملية”. بحسب روجرز فإن الفجوة بين المسموح به وبين الإحساس الذاتى قد يؤدى إلى الكبت. قام روجرز بالتشديد على مساوئ الكبت مثله مثل سيجموند فرويد ولكنه اختلف عن فرويد بقوله أن الكبت ليس أمراً محتما. ويختلف روجرز عن فرويد أيضا بنظرته المتفائلة للطبيعة الإنسانية.
[3] – يقول ديكارت: “يجب النظر إلى كل ما يمكن أن يوضع موضع الشك على أنه زائف” ولا يقصد ديكارت بذلك الحكم بزيف كل شيء، أو بزيف كل ما يوضع محل الشك، بل يقصد أنه لن يقبل بأى شيء على أنه حقيقى ما لم يُخضع لامتحان الشك، الذى يستطيع به الوصول إلى شيء يقينى عن طريق برهان عقلي.