الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى “من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق: الفصل الثامن التقنيات الأساسية فى العلاج الجمعى (3)

كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى “من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق: الفصل الثامن التقنيات الأساسية فى العلاج الجمعى (3)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 13-12-2020

السنة الرابعة عشر

العدد:   4852

   كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى  

 “من ذكاء الجماد إلى  رحاب المطلق (1)

الفصل الثامن

التقنيات الأساسية فى العلاج الجمعى (3)

……………

مراحل تطور العلاقة العلاجية

1- تظهر الأعراض عادة حين تعاق مسيرة النمو، أو تجهض، أو تنحرف، وبالتالى فإن العلاج هو إطلاق التسلسل الطبيعى وتهيئة الظروف المناسبة لاستعادة نشاط هذه العملية لاستكمال المسيرة..

2- قد تختفى الأعراض بعد فترة من بداية العلاج، واختفاؤها قد يكون نتيجة لعودة الدفاعات السابقة للعمل، أو نتيجة لاكتساب دفاعات جديدة أهمها:

 العقلنة Intellectualisation والتقديس Idealisation للمعالج، فالمريض من خلال حركة المجموعة النشطة وتأثير المعالج سرعان ما يفهم طبيعة الأعراض .. ولكنه مجرد فهم عقلانى عادة، ثم هو قد يتحمس للحلول التى يستوحيها من موقف المعالج وإيحاءاته، وهو قد يبالغ فى تعظيم صفات هذا المعالج وقدراته، وبتزايد الفهم العقلى دون عمق الاستيعاب الوجدانى، وبتزايد تصوير المعالج بالقائد أو الساحر، أو صاحب الطريقة .. قد تتلاشى الأعراض فى هذه المرحلة، إلا أن هذا ليس هو غاية المراد!!

 3- تستمر هذه الفترة لمدة تطول أو تقصر حسب كل حالة، وتتوقف هذه المدة على تكوين الشخصية، ونوع التشخيص، وموقف علاقات المريض بالآخرين بكل الدوائر بدءًا بدائرة الجماعة.

4- قد ينقطع المريض عن العلاج فى هذه المرحلة، ويعتبر نفسه قد شفى بالمقاييس العادية.

5- يمكن للمريض أن يتوقف عند أية مرحلة يستطيع التوقف فيها دون إبداء أسباب.

6- إذا استمر المريض فى الحضور بالرغم من اختفاء الأعراض فإن الاحتمال الأول هو أن تكون الحيل الدفاعية وخاصة هذين الدفاعين (العقلنة والتقديس) لم يعودا يشبعانه، مع تزايد ضغط المجموعة لكشف هذه الحيل، فإذا اضيف إلى هذا وذاك موقف المعالج الرافض لاستمرار هذا النوع من التحسن (ويتوقف ذلك على حساباته وتوقيته ومسئوليته وخبرته ودرجة نضجه)، فإن المريض لابد سيواجَه بمرحلة جديدة من العلاج نشطة ومتحدية.

7- هذه النقلة قد تتسم عادة بشكل من الهجوم على المعالج، ويظهر هذا الهجوم فى أشكال مختلفة ظهرت أغلبها فيما عرضه الباحث، كما يلى:

(أ) الهجوم اللفظى المباشر بالسباب أو الاحتجاج أو مقاطعة الحوار.

(ب) اتهام المعالج بأنه “صاحب طريقة” أو “ديكتاتور” أو “مجنون” أو مثالى”…الخ.

(جـ) الهجوم بمخالفة القواعد واختراق الممنوع بشكل متكرر

(د) الهجوم بالتشويش وبإعاقة المجموعة، أو الاحتكار، أو التسخيف.

8- قد يتخذ المريض هذا الهجوم مبرراً لانقاطاعه، ولكنه انقطاع من نوع آخر غير ما ذكر سابقا، فالأول انقطاع “الهارب المستكفى” أما هنا فهو انقطاع ” المحتج الغاضب“، وفى خبرتى فإن هذا الانقطاع الأخير يكون أفضل أحيانا، حيث يكون المريض فيه أقل عرضه لعودة الأعراض بنفس سرعة عودتها فى الحال الأولى، حتى وهو يدمغ المجموعة والمعالج ويصفها بأنها مؤذية أو ضارة  إلخ.

9- قد يتخذ العدوان على المجموعة ظهور أعراض تكون قد اختفت، أو ظهور مضاعفات جانبية، وقد ينتهى هذا العدوان الصامت، أو العدوان السلبى، باحتمال انسحاب العضو من المجموعة أيضا، على أن استمرار جدوى هذا النوع من الانسحاب (المنسحب الرافض) ومدى فاعليته فى اختفاء الأعراض، وفى استيعاب الخبرات التى استفادها المريض من المجموعة فيما بعد، هو أقل مما ذكرنا بالنسبة للمحتج الغاضب، ويكون هذا الانسحاب أكثر تهديداً للمجموعة وإعلاناً للرفض حين يكون حضور هذا الفرد مرتبط بحضور فرد آخر (مثل انسحاب الزوجة رغم استمرار حضور زوجها) ويشمل هذا الانسحاب بالإضافة إلى الدفاع الذاتى رغبة فى توقف المجموعة ككل وإفشالها (أنا ذاهب .. أرونى شطارتكم وأنتم تكملون!).

10- قد يستمر أحد هؤلاء تحت ضغط المجموعة، أو الشريك، أو التهديد بظهور الأعراض، أو الرغبة الظاهرية فى استكمال “الفرجة”، ولكنه يحاول أن يفرض شروطه ويحوّل مجرى المجموعة إلى مجموعة اعتمادية، أو مجموعة لتمضية الوقت، أو لزعم التميز عن المجتمع الخارجى، فإذا ووجه برفض شروطه أو عدم جدواها: عاد للانسحاب بنفس الأسلوب القديم، أو حاول إفشال المجموعة والتشكيك فيها بكل وسيلة (وقد أورد الباحث أمثلة لهذا الموقف أيضا والذى يمكن أن يلخص فى أنه موقف: “فيها – بشروطى- أو أخفيها” .

11- إذا تخطى المريض هذه المراحل واستمر مع ذلك فى حضور المجموعة، فإنه يكون قد اقترب من احتمال تغير نوعى فى وجوده: وهذا يعنى أن مواجهة جديدة أعمق قد فرضت عليه إذْ لم يعد الاعتماد مقبولا ولا العدوان مبرّرا (وكأن مرحلة الاعتماد تقابل الموقف الشيزيدى (2) فى النمو، ومرحلة العدوان تقابل الموقف البارنوى (3)  وهو الآن على أبواب الموقف الاكتئابى (4)، وفى هذه المرحلة يجد المريض نفسه فى مفترق طرق ثلاث:

الأول: أن تعود الأعراض القديمة، ولكنها عادة تعود بشكل محور وبحدّة أقل.

الثانى: أن تظهر أعراض جديدة بديلة عن الأعراض القديمة، ولكن من واقع ميكانزمات أخرى، بما فى ذلك الجسدنة.

الثالث: أن يواجه المريض انهيار دفاعاته القديمة والجديدة معاً، وبالتالى يواجه اضطراره لمواجهة الواقع بحجمه – بدرجة أو باخرى – وهنا يقترب أكثر فأكثر من أبواب الاكتئاب الحقيقى الذى أصبحت أعتبره الاكتئاب الإيجابى الذى يعلن بداية علاقة حقيقية بالعالم الموضوعى الذى يتمثل “هنا والآن” فى أعضاء المجموعة بعيويهم وميزاتهم، إذ يكتشف المريض أنه لم يعد يصلح أن يعتمد عليهم أو يعتدى عليهم، وهذا الاحتمال الثالث هو-غالبا- ما يقابل الموقف الاكتئابى فى نمو الطفل (عند ميلانى كلاين وجانترب) وكذلك هو ما يقابل “المأزق” Impass (عند بيرلز).

وإن كنت لم أعد أفضل إطلاق لفظ الاكتئاب على المشاعر المصاحبة لهذه المواجهة وأفضل عليها لفظ “الألم” (كما وصفه أحد المرضى فى إحدى الجلسات) ، وهذا الألم  عادة ما يتميز عن ما يسمى الاكتئاب بما يلى:

(أ) إنه يحدث فى وساد من الدراية والاختيار بوعى يقظ.

(ب) عادة لا يصاحبه “شعور بالذنب”

(جـ) يكون الفرد فيه قد تخطى مرحلة الثنائية الوجدانية Ambivalence إلى محاولة الاقتراب من مرحلة تحمل التناقض Tolerance of Ambiguity.

10- قد يدرك المريض ما ينتظره من مواجهة حقيقية للواقع بحجمه وقد يخاف من هذه الخطوة بشكل متزايد، وقد يهيئ للتراجع عنها أساسا بأحد طريقين:

(أ) أن يتحمل الألم وحده تماما، فيلغى وجود المجموعة، وهذه الخطوة تضاعف من الألم بدرجة قد تبرر التراجع عنه بالعودة إلى بعض دفاعاته التى قد يكون قد استغنى عنها، أو إلى طور سابق (مثل طور الكر فرّ أو حتى الانسحاب).

(ب) أن يكثف جرعة الألم بأن يبالغ فى ضرورة تحمل مسئولية من حوله كدليل على ارتباطه بالواقع وعلى اشتراكه فى المسيرة، ولكن هذه المبادرة غير المحسوبة قد تضاعف أيضا من هذا الألم حتى تبرر فى النهاية انسحابه بعيداً عن تحمله.

11- إذا احتمل المريض هذا الألم الحى، مستغلا وجوده فى المجموعة لتخفيف حدته، ومعايشة مسئوليته فإن وظيفة المجموعة فى هذه المرحلة تكون فى أشد حالات فعاليتها وهى تعنى أساساً:

إن هذا الألم ضريبة الحياة، وأننا نعانيه “معاً” – لا بالنيابة أحدنا عن الآخر – وبالتالى فإن جرعته يمكن أن تكون محتملة: هيا نواصل”.

إذا حدثت هذه الخطوة فإن المريض ينتقل إلى مرحلة المأزق ومنها إلى مرحلة “الولاف” الإرادى اليقظ، أو مرحلة الديالكتيك الحى، أى الجدل التطورى

12- هذه الخطوة الأخيرة هى التى تحدد هدف العلاج كله وهو “إحياء ديالكتيك النمو بطريقة عملية  ومباشرة وواعية نسبيا إلى حد ما” وهى نهاية وبداية معاً حسب قانون الجدل الحيوى المستمر، فهى نهاية لكل ما سبقها من خطوات، وبداية أيضا، ولكنها متى استقرت فإنها تحتاج إلى فترة كمون وممارسة متأنية تنبعث بعدها مسيرة جديدة (5) ..، وكل ما ينبغى أن أشير إليه هنا قبل شرح هذا المفهوم تفصيلاً فى موقعه هو أن ” تحقيق الموالفة الأعلى” يختلف فى كثير من أبعاده عن الشائع عن العلاج النفسى فأقرر مؤقتا فى إيجاز:

(أ) إن هذا العلاج لا يسعى إلى “كبت” الجزء الآخر من النفس، كما هو الحال فى العلاجات التى تعمل على تقوية ضبط النفس والتعويض الشعورى.

(ب) إن هذا العلاج لا يهدف إلى تسوية تسكينية كحل وسط – إلا كمرحلة مؤقتة– ذلك الحل المعيق الذى يتم عادة باتفاق سرى بين أجزاء النفس، (مستوياتها) إذ يلبس كل جزء (مستوى) صفة الجزء الآخر ليقدم للوجود ما يسمى “خداع التحسن” (إن صح التعبير) وقد يكون هو المقابل لما أسماه إريك بيرن “التلوث” أو لعله المقابل أحيانا أيضا للتشخيص المعروف فى التصنيف الشائع تحت عنوان “اضطرابات الشخصية”، وكل ذلك هو بمثابة إعلان عن توقف النمو بشكل أو بآخر.

(جـ) يهدف هذا العلاج حفز السعى نحو تحقيق “الموالفة الأعلى” بين قوى النفس المتعددة المتواجهة المتناقضة ويتم ذلك من خلال تحديد هذه القوى، ثم فصلها عن بعضها، ثم إعادة المواجهة، ثم إفشال استقلال أى منها، ثم دفعها  إلى التلاحم الجدلى لتشكيل النقلة التالية على مسيرة النمو

(وكل هذا سوف نعود إليه بالتفصيل).

خلاصة القول: بعد تحديد معالم هذا العلاج وهدفه وخطواته:

1- إنه علاج عملىّ، له هدف بعيد غير معلن وهو حفز استمرار مسيرة النمو،  ولكنه يقبل كل الأهداف الوسطى التى تفرض عليه ويعتبر نتائجها المستقرة مرحلياً (وليس نهائيا) من إيجابياته.

2- إنه من الناحية التطبيقية لا يهمه التنظير أو المواصفات الطوبائية الهروبية بقدر ما يهمه وضوح المقاييس التى يقيس بها خطوات مسيرته، وأهم هذه المقاييس:

(أ) اختفاء الأعراض المعيقة ولو مرحلياً

(ب) إرساء علاقة تسمح بالرجوع لاستكمال المسيرة إذا عادت الأعراض.

(جـ) إدراك طبيعة الاختيار، ومن ثم المسئولية فى حالتى الصحة والمرض.

(د) التكلم باللغة السائدة .. والارتباط بالواقع بما فيه  بعد “الزمن”،. وتحمل مشقة التكيف، مع استمرار النمو.

[1] – يحيى الرخاوى (مقدمة فى العلاج الجمعى (1) من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق) (الطبعة الأولى 1978)، (والطبعة الثانية 2019) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net  وهذا هو الرابط.

[2] – Schizoid Position

[3] – Paranoid Position

[4] – Depressive Position

[5] – أنظر فيما بعد علاقة هذا العلاج بحركية الديالكتيك

 

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *