الأهداء والمقدمة
الأهداء والمقدمة
من دليل الطالب الذكى
فى
علم النفس .. والطب النفسى
عشر محاضرات – (محاورات)
فى الإنسان والطب
(الجزء الثانى)
أ.د. يحـيى الرخاوى
إهـــــــداء
”إلى طالب الطب الذكى الذى يهمه
أن يفعل ما يفيد..
مثلما يهمه أن يحفظ ما يعيد”
يحيى الرخاوى
هذه المحاورات:
جاء تقرير هذه المادة، فى النظام الحديث لكلية الطب تحت إسم “العلوم السلوكية والإنسانية” جاء بردا وسلاما على قلوب أهل تخصصى، كما أعتبرت ذلك بالنسبة لى فرصة جديدة لتعرف جديد على ما يمكن أن تكون عليه دراسة الطب أملا فى أن يعود الطبيب يؤدى دورا شاملا فى المجتمع يعيد إليه شرف لقب “الحكيم” وليس مجرد “المداوي”.
وأتفقت مع زملائى على رؤوس مواضيع يقوم كل منا بتدريسها فى السنة الأولي، وحين بدأنا فى التطبيق الفعلى تفرعت المحاضرات لكل منا حسب الإحتياجات التى واجهته مباشرة من خلال الممارسة الفعلية.
وبعد انتهاء التدريس للمجموعة الأولي، ومن خلال أسئلتهم العامة والخاصة التى كانت تصلنى بوفرة – كالعادة – قبل المحاضرات قررت أن أواصل “هذه المحاولة”، وهى تدريس المادة فى شكل حوار حقيقى أو متخيل، وذلك رغم ما قوبلت به المحاولتين السابقتين (1) من تحفظ، حتى طلب منى أحد الطلبة أن أعيد كتابة الكتاب (أربع محاضرات) (2) بالطريقة المباشرة التى أعتاد عليها الطلبة، وكدت أوافق زملائى وبعض طلبتى على العودة إلى تقديم المادة بهذا الشكل التقليدى (1-2.. إلخ).
ولكنى وجدت فى نفسى مقاومة شديدة، وأصررت على الإحتفاظ بالأمل وخوض هذه التجربة الثالثة بنفس الطريقة.
وعلى الطالب الذى لا تروقه هذه الطريقة أن يرفع الأسئلة ويحفظ الأجوبة وأمرى إلى الله، أما من يريد أن يفكر فليصبر على حتى أقول له ما أتصور أنه أمانة فى عنقى وذلك فى حدود المقرر المتفق عليه فى إطار مهمتى الملزمة والمحدودة.
وحتى أجد حلا وسطا يرضى أصحاب العقول المرموقة فسوف الحق بكل محاضرة موجزا بالعربية وآخر بالإنجليزية (لبعض الطلبة الضيوف الذين لا يعرفون العربية) كما حاولت أن يكون البنط االأسود هو موجز داخل “المتن” بشكل أو بآخر.
[1] – دليل الطالب الذكى: فى علم النفس والطب النفسى.
[2] – دليل الطالب الذكى: أربع محاضرات فى ماهية وتقسيم الأمراض النفسية وعلاجها.
المحاورة الأولى فى: الطب والعلوم الإنسانية
المحاورة الأولى فى: الطب والعلوم الإنسانية
المحاورة الأولى فى:
(الطب والعلوم الإنسانية)
(تبدأ المحاضرة بحضور عدد كبير – على غير المعتاد – من الطلبة االجدد الفرحين بدخولهم كلية الطب، االخائفين من المستقبل، الحريصين على الدرجات، المستكشفين للفروق الرائعة فى مجتمع الجامعة بعد محدودية الفصول، الجاهلين بحقيقة الصعوبات وتحفز المجتمع تجاه تفكيرهم ومستقبلهم، الحالمين المثاليين المحبين الغافلين الطيبين الأنانيين.. الخ) (يسير الحوا وكأنه ليس محاضرة ولا يحزنون وكان طالبا يسأل بذكاء ومعلما يجيب بمسئولية واجتهاد).
الطالب: هل سندرس هذا العلم باللغة العربية و .. ولماذا دون سائر العلوم؟
المعلم: الأصل فى الأمم يا بنى أن تتكلم لغتها الأصلية، وتدرس بلغتها الأصلية، وتفكر بلغتها الأصلية، ولنحمد الله معا أن رضيت كلية الطب أخيرا بالعودة جزئيا إلى الأصل (والأصول)، وأنت بالذات فى بداية الطريق لا أحسبك تريد أن تدرس بغير لغتك التى اعتدتها، فأنت لم تصبك بعد عقدة الخواجة، ولم يلنو لسانك من كثرالرطان بلغات الفرنجة والمستعمرين القدامى والجدد، فهل يرضيك ما كان أم تريد أن أزيد أعباءك وندرس باللسان الأعجمى ؟
الطالب: لا أبدا .. نحن ما صدقنا، ولكنه سؤال للطمأنينة، فماذا سندرس باذن الله ؟
المعلم: اتفقت مع زملائى على أن يكون التركيز هذا العالم على ثلاثة أهداف الأول: هو أن نعرفك بمهنتك وحدودها والمأمول فيها ومنها والثانى: أن نعرفك على ماهية الإنسان وبعض وظائفه وحيله وسماته ودورك كطبيب إنسان يعالج مريضا إنسانا، انت تعرف وهو يعانى، والثالث: أن نعرفك على علاقة الإنسان بالتجمعات الصغيرة والكبيرة ممثل الأسرة والمجتمع، ومع التركيز على علاقة الطبيب بالمريض .
الطالب: وهل ستدرس أنت لنا كل هذا ؟
المعلم: كلا فقد قسمنا فيما بيننا المسئولية، وما سوف أقدمه لك خلال عشر محاضرات سوف يشمل مقدمة عامة اتفقنا على أن تكون مشتركة بين المجموعات الثلاث نعرفك من خلالها على هذا العلم وعلاقته بالعلوم الطبية (وغير الطبية ) الاخرى وعلى طبيعة مهنتك كطبيب وما يتعلق بذلك، ثم ساحاول معك التعرف على ماذا نعنى بكلمة “إنسان” ثم ما يميزه عن سائر الأحياء ثم عن مستويات تواجده وتركيبه، ومع ما يتعلق بتناسق الصحة ونشاز المرضى، وبعد ذلك سوف نحاول أن نعرف بعض الافكار الشائعة والعادات التى تؤثر على مفهوم المرض وقد تفسره وكذلك بعض الممارسات شبه الطبية المفيدة والضارة خارج مهنة الطب وأخيرا عن دور الطبيب ( غير الطبى ) فى المجتمع.
الطالب: وهل للطبيب دور غير طبى ؟
المعلم: بدأنا الذكاء، هذا ما توقعته منك فشكرا، ولكن لتطمئن فانى اعنى دوره بالاضافة الى دوره الطبى فى وصف الدواء واعطاء الحق ومازلت أذكر أرجوزة فى بلدنا تقول أولها “واحد اثنين سرجى ممرجى، انت حكيم ولا تمرجى، انا حكيم بتاع الصحة، العيان اديله حقنه، والمسكين اديله لقمه، نفسى أزورك يا نبى … الخ”
الطالب: ولكن هذا هو الحكيم وليس الطبيب .
المعلم: الطبيب هو حكيم اصلا والحكيم ليس هو من يجلس فى برج عاجى يفتى بالمواعظ النظرية، ولكنه الشخص العالم الذى يعرف ويمارس معرفته فى الحياة اليومية فعلا مفيدا، وتخصص مهنه الطب حاليا فى دورها الوصفاتى والجراحى لا ينبغى أن ينسينا دورها التاريخى الذى نأمل أن يعود ولو جزئيا .
الطالب: وما هو دورها التاريخى ؟
المعلم: ها انت تكثر من الأسئلة حتى لتكاد تذهب بنا خارج الممقرر .
الطالب: ولكنى فهمت أنه لا يوجد مقرر بعد، فلماذا لا تسمح بأن تكون اجابة أسئلتى هى المقرر ؟
المعلم: من ناحيتى – بصراحة – أنا مستعد أن أسمح لكل ما هو ما مفيد، ولو من بعيد، ولكن الالتزام الذ أشرت لك اليه.
الطالب: ( مقاطعا) أجب فى حدود الالتزام .
المعلم: كان الطبيب حكيما يقوم بدور العطاء، والمجبراتى، والواعظ ومصلح ذات البين ( بين المتشاجرين بما فى ذلك الأزواج ) وبالجراحة والتعصب ( فن التضميد) وكل ما يعين إنسانا متألما فى موقف ضعف يتعلق بجسمه أو مزاجه أو علاقاته الأقرب .
الطالب: يا ساتر … وهل ستعلمونا كل هذا ؟
المعلم: نقول كان .. كان، والأن تقلص دور الطبيب حتى أصبح أقرب الى الميكنة، خاصة بعد اغارة الآلات على طرق التشخيص وأحيانا العلاج وكاد يصبح الطبيب مثل عامل التشغيل الذى مهمته أن يصون “المكنة المشخصة” ( بكسر الخاء ) وينفذ تعليمات “الكمبيوتر الطبى الآلى” .
الطالب: ..لا . لا أكاد أصدق، فهل هذا طب أم هندسة أم رياضة ؟
المعلم: واحدة واحدة، ان الاطباء يحاولون ان يراجعوا أنفسهمم، وتدريس هذا العلم لك يدل على ذلك، انهم يريدون أن يرجع لمهنة الطب دورها الفنى فى تناول الإنسان كوحدة كلية وليس مجرد مجموع أجزاء، بالإضافة إلى دورها العلمى المفيد.
الطالب: حيرتنى مهنة الطب.. فقل أخيرا ما هو الطب ؟
المعلم: الطب مهنة إنسانية تقوم على علاقة بين المريض، وهو إنسان فى محنة: نتيجة خلل عضو بذاته، أو اعاقة فى وظائفه كوحدة كلية، أو اضطراب فى علاقاته، وبين الطبيب وهو إنسان حصل من المعلومات والتدريب ما يستعمله فى اعانة هذا الإنسان فى محنته، وهذه العلاقة الاساسية هى الوسيلة الاساسية لتوصيل المعلومات المفيدة لتحقيق الصحة وازالة الاعاقة .
الطالب: ازالة الاعاقة .. ازالة المرض ؟
المعلم: لا تتعجل وسأرجع لتعريف المرض والصحة فى المحاضرة الخامسة .
الطالب: إذا فماذا علينا فى هذه المحاضرة ؟
المعلم: ياليتنى أسمعك يوما تقول ماذا لنا بدلا من ماذا علينا
الطالب: أى والله … أى فرق ..، فماذا لنا ؟
المعلم: لكم الخير كله … وخذ عندك مثلا، موقع علم الطب من العلوم الإنسانية الاخرى وكذلك من العلوم الجزئية التى تدرس الإنسان:
الطالب: هذا طيب فحدثنى عنه، فقد تصورت أن مهنة الطب ودراسة الطب ستعزلنى عن أى علم آخر أو ثقافة أخري.
المعلم: نبدأ بعلم “الإنسان” ويسمى علم الإنثروبولوجيا وأحيانا “علم البشر”.
الطالب: كل العلوم الإنسانية تدرس الإنسان فبم يتميز هذا العلم؟
المعلم: هو علم يدرس “الجنس البشرى” ذات نفسه وليس الفرد البشرى فقط (مثل علم النفس) وهو يدرس المجتمع الإنسانى الكبير بأعماقه التاريخية، كذلك ولا يكتفى بدراسة انتماء العضو للجماعة وطبيعة الجماعات والتجمعات مثل علم المجتمع)، وهو يلجأ إلى دراسة علم الآثار واختلاف الأجناس على مر العصور، أى أنه يدرس الظاهرة البشرية أساسا.
الطالب: إذا فعلم النفس هو الذى يدرس “الوحدة البشرية” والإنثروبولوجيا تدرس “الصنف البشري”.
المعلم: يا ولد.. بدأنا نأخذ ونعطي، ليكن فعلم النفس هو الذى يدرس سلوك الإنسان كوحدة كلية فى ذاتها وفى تعاملها مع البيئة وخاصة ما بها من “أفراد” آخرين.
الطالب: وعلم الاجتماع؟
المعلم: هو العلم الذى يدرس وظيفة وتركيب المجتمعات الإنسانية وانتماء الفرد لعضوية مجتمع بذاته والعلاقات بين مختلف المجتعمات، وأذكرك أن الإنسان مدنى بطبعه فهو لا يكون إنسانا بحق إلا فى مجتمع بحق، وعلى فكرة هناك علم وسط بين العلمين السابقين وهو علم النفس الاجتماعى الذى يركز أساسا على علاقة الفرد بالجماعات التى يتعامل معها.
الطالب: لا تربكنى.. يكفينى علم البشر وعلم النفس وعلم الاجتماع، ولكن قل لي، أين علم الطب من كل هذا؟
المعلم: جاء الكلام.. أننى – والدراسة الجديدة – نحاول أ ن نكبر عقلك، فنبدأ من الكليات إلى الجزئيات، بدلا من النظام القديم الذى كان يبدأ من الجزئيات حتى ينسيى الكل تماما.
الطالب: لا تغمض على الأمور، .. فكيف كان ذلك؟
المعلم: كان طالب الطب يدخل يمضى سنة فى كلية العلوم يعيد دراسة الكيمياء والطبيعة والنبات والحيوان، (والذى منه)، حتى يتساءل داخله: أين الطب يا حسرة؟.. ثم ينتقل إلى السنة الأولى والثانية وهات يا تشريح ويا كيمياء وخلافه، ولا يتعرف على الإنسان كإنسان إلا قرب التخرج وتكون قد تثبتت فكرة التجزيء لديه، حتى لا يعود يستطيع أن يلم نفسه، أعنى يلم عقله وهو يعامل “الوحدة البشرية الكلية”.
الطالب: وكيف ذلك … زدني؟
المعلم: مثلا: يدخل طالب البكالوريوس إلى العنبر ويقول لزميله. تعال يا فلان، سأوريك “حتة طحال – Spleen – ما حصلش”، ويذهبان إلى سرير ما، و يكشفان ملابس عيان ما، وتغوص أيديهما فى بطن هذا “الشيء” الذى على سرير والذى تصادف أن الطحال المطلوب جسه لمعرفة مدى تضخمه يكمن داخله، وينسى هذان الطالبان أن هذا الشيء الذى يحتوى الطحال ليس “برطمانا” فى متحف ولكنه بنى آدم له اسم ربما يكون ( شفيق )، وزوجة اسمها ( بخاطرها) وثلاثة أولاد ( محمد وصبحى ) وبنتين ( زهيرة وهنداوية ) وانه ترك حقله ولا يعرف من يقوم بالزرع بدلا منه حاليا، وانه جاء للقصر … ويا ترى، وانه يتقيأ دما ونفسه ينقطع بعد خطوتين، وان بطنه منتفخ حبتين . وهذا الانتفاخ بعض سببه تضخم الطحال .
الطالب: ماذا تعنى ..؟ هل المفروض أن يأخذ الطالب تاريخ حياته قبل أن يمس طحاله ؟
المعلم: يا بنى .. تصور نفسك مكانه، أنت لاتعلم الطحال من الفشة من القونصة، وهجم عليك امثال هؤلاء الشطار، فأى جرح وأى علاج بعد ذلك ؟ أنك لست مطالبا بأخذ تاريخه للفرجة، بل انك تتعرف عليه ككل، ككيان يحس ويتألم وله مشاكله وأعباؤه، وعند مخاوفه وآلامه وآماله .. ثم تبحث فى العضو المريض، ويتصادف أن يكون طحالا أو كبدا متليفا وهما سبب القيء الدموى … وهكذا …، تذكر هذه القاعدة الذهبية تنجو وتفيد: ضع نفسك مكانه وارض له بما كان يمكن أن يرضيك آنذاك .
الطالب: تقول ان هذا كان هو النظام القديم، فما الجديد ؟
المعلم الجديد هو ما نعمله معا الآن، ومن أول ثانية دخلت فيها كلية الطب نحاول ان نعرفك على مهنتك وعلى ماهية إنسانيتك وإنسانية مريضك وأن نعرفك علاقة الجزء بالكل لا يمكن فصله .
الطالب: عرفنى يا سيدى … وادع لى ألا أنسى فى زحمة ما علينا، ومما ينتظرنى من تفاصيل اجزاء الأجزاء.
المعلم: نبدأ بالأجزاء الأصغر فالأكبر، أو اسمع، سأكتفى بأن اقدم لك شكلا يمثل التصعيد التركيبى للعلوم التى تدرس الإنسان جزئيا وكليا، وترجع أنت بعد ذلك للمحاضرة الأولى عند زملائى فقد تجد تعريفا لكل علم من هذه العلوم .
الوحدة | التركيب | العلم |
الجزئ | العناصر الكيميائية الأساسية | علم الكيمياء |
الخلية | جزئ+ جزئ +جزئ+….(فى وحدة بيولوجية تركيبية معقدة) | علم الخليةCytology |
النسيج | خلية + خلية +خلية… | علم الأنسجةHistology |
العضو (مثل الطرف الأعلى (Upper limb والجهاز مثل الجهاز العصبى(Nervous System) | نسيج + نسيج + نسيج+… | علم التشريحAnatomye.g. Neuroanatomy |
ودراسة وظيفة هذه الأنسجة الأعضاء هى: | علم وظائف الأعضاء Physiology | |
الإنسان | عضو+عضو+ جهاز+جهاز+عضو…الخ | علم النفسPsychology |
المجتمع | إنسان+إنسان+إنسان+… | علم الاجتماعSociology |
الطالب: ما هذه الزحمة يا سيدى …. واحدة واحدة حتى لا أهرب .
المعلم: انا لا تهمنى هذه الزحمة ولكنى أعود لأؤكد لك ضرورة ألا تنسى أن الإنسان المريض هو إنسان متألم ومعاق قبل وبعد كونه مجموعة أجزاء .
الطالب: بسيطة … سوف أفعل، أو سأحاول أن أفعل .
المعلم: تعجبنى .. وكل ما أرجوه من هذا المقرر الجديد هو أن تحاول، وأن تفكر، وأن ترفض، وأن تصر…، وألا تكتفى باعطاء الحقنة ولكن أيضا بالتفكير فى اللقمة، ولا أعنى الصدقة ولكن كما تعنى الأرجوزة: الجانب الآخر الاجتماعى والاقتصادى من الوجود البشرى المعانى، وبهذا تصبح حكيما فنانا تستعمل المعلومات الطبية، وليس آلة حاسبة تنفذ تعليمات عمياء .
الطالب: أتذكر مثلا يقول أطبخ يا جارية .. كلف يا سيد ، وقد كدت أقول علم يا أستاذ .. نفذ يا طالب فمازلت فى أول الطريق .
المعلم: يا شيخ ألقيت علينا ما قد لا نستطيع حمله .
الطالب: بل تسطيع ونصف .. وأول ما تستطيعه ألا تتركنى هكذا وكأننا ندردش فماذا أحفظ، وماذا أدع، أوجز لى ما سبق كما وعدت
المعلم: أملت أن تنسى، ولكن . . اسمع يا سيدى .
الموجز
1- موضوعات هذا العلم تتعلق بالتعريب بماهية الإنسان علاقاته، وتأثير ذلك فى العلاقة بين الطبيب والمريض .
2- الطب مهنة إنسانية تقومم على علاقة بين إنسان مجرب ويعرف الطبيب وإنسان معاق ويتألم ( المريض ) يقوم فيها الأول بمعاونة الثانى للتخلص من آلامه واعاقته .
3- العلوم التى تدرس الإنسان كأجزاء ووحدة كلية ومجموعات هى علوم متعددة منها علم البشر ( ويدرس الظاهرة البشرية ) وعلم النفس ( ويدرس الفرد وعلاقاته ) وعلم المجتمع ( ويدرس التجمعات البشرية (وطبيعتها) أما العلوم التى تدرس الوحدات المكونة للإنسان فتشمل الكيمياء ( وحدتها الجزيء ) علم الأنسجة (وحدته الخلية ) وعلم التشريح ( وحدته العضو أو الجهاز ) وعلم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا ) .
4- أن تعامل الطبيب مع العضو المعتل لا ينبغى أن ينسيه أن الإنسان كائن كلى متألم، له مخاوفه وآماله قبل وبعد أى شيء .
Summary
MEDCINE AND HUMAN SCINCES
1- This course is concerned with introducing the concept of man as a unitary whole . 1st is concerned with the doctor – patient relationship as well as the physician” s role in society .
2- Medicine is not a pure science . Practicing medicine is known as the art of healing . It is a profession through which an expert uses his scientific knowledge, via a responsible and warm human relation to relieve pain and eliminate the handicap of a suffering human being .
3- Related human sciences are anthropology (study of human phenomenon), psychology (study of the individual”s behavior, existence and relation ) and sociology ( interested in human groups and gatherings ) .
4- Related basic sciences include biochemistry ( taking the molecule as its basic unit، histology ( groupings and organization of cells، anatomy ( structure of organs and systems ) and physiology ( function of such systems)
5- The physician should deal with a suffering human being having a diseased organ rather than with a pathological organ that happens to be found in some indifferent organism.
المحاورة الثانية فى: ماهية الإنسان
المحاورة الثانية فى: ماهية الإنسان
المحاورة الثانية فى:
ماهية الإنسان
الطالب: هل تعذرنى اذا قلت لك أنى ذهبت بعد المحاضرة السابقة وأنا لا أعرف تحديدا أبعاد هذا العلم.
المعلم: اعذرك ونصف، ولعلها مسئوليتى فى طريقة التدريس كما يبدو أنه من طول ما درست الأجزاء، فانه يصعب عليك استيعاب الكليات، ولكنك تخيفنى من موقفك من درس اليوم عن ماهية الإنسان.
الطالب: هلا اخترت كلممة أخرى، لأننى كلما سمعت كلمة ماهية تصورت الراتب الشهرى والعلاوات.
المعلم: ما عليك.. سمها ما شئت، ولكن تعال نتفاهم سويا، اذا يقفز الى عقلك حين تسمع كلمة إنسان ؟
الطالب: الإنسان هو الإنسان هو، أنا وأنت ومن مثلنا، ألا يكفى هذا ؟
المعلم: ولكن وظيفة العلم هو تحديد معالم ممثل هذا القول الشائع وتشريح وايضاح البديهيات.
الطالب: فماذا يقول العلم فيما هو إنسان ؟
المعلم: كلما شاعت الظاهرة وتداول الناس استعمال كلمة ما اختلفت حولها الأراء، وتعدت وجهت النظر، فكلمة إنسان مثلا تستقبل من كل منا حب اهتمامه، والوظيفة التى يستعملها فيها، الهدف من تداولها.
الطالب: مثل ماذا ؟
المعلم: ممثلا، اذا استعمل شعار كلمة إنسان فانه يحملها من الاحاسيس والمشاعر ما يفيد غرضه الشعرى، إذا خطب سياسى مهاجما الحرب فإنه يعلن انها فعل لا إنسانى، وهكذا، وهذه المفاهيم نستطيع ان نقول انها مفاهيم مجردة أو ادبية.
الطالب: مجردة ؟ مجردة من ماذا ؟
المعلم: المفهوم المجرد ( أو التجريدى ) يشير الى ادراك فكرى بحت، غير مرتبط ارتباطا مباشرا بالواقع العينى الذى نمسكه ونحس به ويشع مثل هذا المفهوم المجرد بالنسبة لمفاهيمم مطلقة كالتى تحملها كلمات مثل الحرية أو الكرامة أو ما شابه، واستعمال كلمة إنسان بهذا المفهوم له فائدة متواضعة فى مجالنا هذا، فالطبيب يستعملها بمعناها الأخلاقى والشعرى أيضا، ولكنه فى نفس الوقت يستطيع ان يترجمها الى مفاهيم اخرى أكثر واقعية وأدق تفصيلا.
الطالب: ولكن قبل الدخول فى التفاصيل، كيف يستعملها الطبيب بالمفهوم الشعرى الاخلاقى كما تقول، أو المفهوم المجرد ان شئت ؟
المعلم: مثلا اذا قلنا أن الطبيب إنسان يعالج مريض إنسانا يأمل ويخاف ويتألم الا تجد فى هذا التعبير من المعانى الأدببية ما يفيد هذا المنظور التجريدى، بل ان هناك مدرسة فى علم النفس وعلم الطب النفسى تسمى المدرسة الإنسانية، Humanistic School كلها شعر وكلمات اخلاقية وصفات فوقية…. ،
الطالب: المدرسة الإنسانية؟ وهل المدارس الأخرى غير إنسانية؟
المعلم: عندك حق، لقد أخذوا عليها تخصيصها بهذا الاسم، ما علينا، فكم من أسماء عامة احتكرت لمفاهيم خاصة، المهم أن هذه المدرسة تركز على الإنسان بصفة كائن فاضل، يستطيع أن يحقق الخير من خلال دوافعه العليا، وقد وضعت بعد دوافع الجوع والجنس والأمان دوافع أخرى أرقى مثل الدافع إلى الانتماء وتحقيق الذات والمعرفة كجزء من التركيب الفطرى للإنسان، وبذلك أعلت من شأن الإنسان بعد أن كاد يتشوه بالتركيز فقط على أصله الحيواني.
الطالب: يعجبنى هذا المفهوم المجرد.
المعلم: طبعا لابد أن يعجبك، لكنى أحذرك من التمادى فى التجريد تجنبا للبحث الأعمق والتركيز الواقعى على بقية الزوايا، فاذا نفع هذا المفهوم جزئيا فى علم النفس والطب النفسى فانك تحتاج بالنسبة لتكوينك الطبى العام أن تتعرف على مفاهيم أخرى هامة وخطيرة
الطالب: على شرط أن يكون لكل مفهوم استعماله الطبى المباشر
المعلم: سوف أحاول ألا أعطيك معلومة الا وأظهر لك علاقتها بمهنتك الاساسية وهى الطب عامة (دون تخصيص أو تخصص )، فعندك مثلا مفهوم الإنسان كظاهرة تاريخية.
المعلم: صبرك بالله، ان لفظ “الإنسان” من منظور تطورى انما يشير إلى ذلك الكائن الذى يقف على قمة الهرم الحيوى ليمثل آخر مرحلة معاصرة معروفة لتاريخ الحياة بأكملها.
الطالب: تعنى شيئا مثل نظريات داروين ولامارك ولقد أخذناها فى الثانوية العامة.
المعلم: عليك نور، ولكن تطبيقاتها فى الطب هامة جدا، فعلم الأجنة المقارن compararative Embryology يظهر هذا الاحتمال بشكل مفيد جدا، حيث تتشابه المراحل الأولى لتطور الجنين مع بعضها فى أحياء متعددة تختلف مواقعها على سلم التطور ثم تبدأ فى المراحل التالية تتميز وهكذا.
الطالب: ولكن ما علاقة علم الأجنة بالطب ؟
المعلم: أولا سوف تدرسه مع علم التشريح، ثانيا سوف تحتاج اليه وأنت تفهم بعض الأمراض الناتجة عن اختلال خلقى فى تطور الجنين ثمم ان له تطبيقات خاصة فى علمى شخصيا، أعنى على الطب النفسى
الطالب: حدثنى عنها اعمل معروفا فقد تؤكد أهمية مفهوم الإنسان كتاريخ.
المعلم: لا أحب أن أطيل عليك بتفاصيل فى تخصصى، مع ذلك فان نظرية الاستعادة Recapitulation theory التى أخذتها فى الثانوية العامة والتى تقول ان الانتوجينيا ( تاريخ تطور الفرد ) تكرر الفيلوجينيا ( تاريخ تطور النوع ) قد تفسر عندنا بعض أمراض وأعراض المرض النفسى وخاصة فى حالات النكوص المرضى.
الطالب: ماذا يعنى النكوص المرضي؟
المعلم: لا… عندك، لن تستدرجنى بعد الآن، ومع ذلك فهناك من المرضى النفسيين من يرجعون إلى حالات طفلية أو حتى حالات تشبه سلوك أحياء أدني، وهذا من ضمن ما يؤكد أهمية النظر الطولى للإنسان كتاريخ.
الطالب: لم أدرك هذه الأهمية بوضوح كاف.
المعلم: يا سيدي.. إن الطبيب الذى يفترض دائما أن الإنسان ما هو إلا حيوان أصلا، وقد أرتقى بتعقيد تركيبى معين، لن ينسى الأصل الحيواني.. فى نفس الوقت الذى لن يكتفى به ليميز به الإنسان بوجه خاص، فالإنسان أصبح إنسانا حين أتصف بصفات لا تصف الحيوان مثل التفكير والإبداع والتعاطف والتأجيل كما سنرى فيما بعد.
والفرق بين الطبيب وبين الشاعر من ناحية وبينه وبين عالم الأحياء من نا حية أخرى هو قدرته على الجمع بين مفهوم الحيوانية ومفهوم التفوق البشرى الأخلاقى والإبداعى فى آن واحد دون تعارض أو إنشقاق.
الطالب: ولكن هذا المفهوم التاريخى هو مفهوم طولي، فماذا عن المستقبل؟
المعلم: الله ! الله!! بدأنا فى التساؤل الجد، على كل حال أن مفهوم الإنسان التاريخى من هذه الناحية ينتمى إلى مدارس تنظر إلى الإنسان من منظور النمو الدائم، فتعتبره كائنا دائم التطور، لا ينتهى نموه إلا بالموت، أى أنه يزداد دائما وعيا ومعرفة حتى بعد سن الشباب وسن النضج، وأحيانا ما تكون زيادة الوعى بدرجة مفرطة – أثناء نموه المستمر – سببا فى آلامه وإكتئابه مما يحتاج لمساعدة طبيب، أما عن المستقبل وتطور الإنسان إلى ماذا، فدع هذا جانبا يحله أطباء المستقبل وعليك خير.
الطالب: ولكن أين ما ذكرنا فى المحاضرة السابقة من علوم الكيمياء وما شابه؟ أليس لها علاقة بمفهوم الإنسان؟
المعلم: لها علاقة ونصف، فهناك من يعتبر الإنسان ظاهرة كيميائية لا أكثر ولا أقل، ودراسة الطب قديما كانت تصل فى التجزيئ إلى تأكيد غير مباشر على ذلك، بل أن هناك اتجاه فى الطب النفسى يختزل الإنسان إلى مجموعة من العناصر الكيميائية ويعتبر كل الأمراض النفسية نتيجة لاضطراب كيميائى بالزيادة أو بالنقص، وبالتالى فهو يعتبر العلاج هو إكمال هذا النقص أو معادلة تلك الزيادة، وهذه كلها حقائق مفيدة، ولكنها إذا أصبحت هى الحقائق الوحيدة فإنها تصبح مهينة لمفهوم الإنسان وبالتالى فهى ضارة بالممارسة الطبية عامة.
الطالب: تعنى أن الإنسان ليس كيمياء؟
المعلم: الإنسان ليس كيمياء فحسب، هو تركيب كيميائى معقد حقيقة، ولكن فى النهاية فإن هذا التركيب هو وحدة بشرية لها صفاتها الكلية الصعبة والخاصة التى يتعامل معها الطبيب أساسا، فالطبيب يفهم الاضطراب الكيميائى ويعدله، ولكنه يتعامل مع الكيان البشرى ويترفق به ويعيد توازنه وفاعليته، هذه هى الحكاية.
الطالب: تعنى أن الإنسان كائن حى معقد بغض النظر عن تركيبه
المعلم: ليس بغض النظر عن تركيبه، وإنما “بعد النظر إلى تركيبه”، بل أن كونه كائن حى كما ذكرت يذكرنى بمفهوم أشمل كان ينبغى أن تكون له الأولوية فى فهم الطبيب لظاهرة الإنسان.
الطالب: وما هذا المفهوم؟
المعلم: هو مفهوم الإنسان كظاهرة بيولوجية، فعلم البيولوجى هو علم الحياة(Bio= Life) ولكن للأسف فقد اختزلوا أيضا كلمة بيولوجى إلى ما هو كيميائى أساسا وفيزيائى أحيانا، أما المفهومم الحياتى لأصل الكلمة وأصل العلم فقد توارى خلف أكوام الجزئيات، وكل ما أتمناه أن نعود لاستعمال هذه الكلمة بطريقة أصح، فتعود البيولوجيا تعنى تراكيب الحياة، كما تعنى كلية الحياة، وهنا أستطيع أن أؤكد أن أقرب منظور للإنسان يفيد الطبيب هو النظر إليه على أنه ظاهرة بيولوجية تمثل تركيبا كيميائيا معقدا يؤلف فى وحدته الكلية أعلى الظواهر البيولوجية المعروفة للحياة وهى الإنسان بكل صفات الوعى والإبداع والإرادة فى علاقته بما حوله من مجتمع وأكوان.
الطالب: نعم؟ نعم؟ ما لمفهوم الإنسان والأكوان؟ إلا تكفينا الكيمياء والخلايا والأعضاء… بل والمجتمع، حتى تأتى لنا بسيرة الأكوان؟
المعلم: أن من أهم ما يشرح الظاهرة البشرية هو هذا المنظور الذى يرفض أن يرى الإنسان إلا فى علاقته المتصاعدة مع من حوله، من أول علاقته بالمجتمات الصغيرة مثل الأسرة، ثم المجتمع الأكبر مثل الوطن، ثم المجتمع البشرى العام، ولكن يظهر أن للإنسان علاقة جوهرية ومباشرة بما بعد ذلك، كما يبدو أن هذا من صلب تركيبه البيولوجي، كما أن هذه العلاقة قد تكون من وسائل تواصله بتاريخ نشأته، وهى من طبيعة تنظيم مستوياته ورغم أن علاقة الإنسان بالكون غير قابلة للدراسة حاليا بطريقة مقنعة إلا أن هناك ما يؤكدها بشكل أو بآخر
الطالب: لقد شوقتنى لأهم ما يشغلني.
المعلم: ومع ذلك فلن أطيل عليك فيه، فقط سأكتفى بأن أذكرك أن حقيقة الإنسان كظاهرة كونية لها إرتباط شديد بتاريخ الأديان، وفائدة الإيمان، وتناسق الإنسان فى قمة صحته وفاعليته، ولقد قالت بعض النظريات أن الإنسان هو الكون الأوسط فى حين أن الذرة هى الكون الأصغر وكلاهما يشبه ويرتبط بالكون الأعظم.
الطالب: لأوافقك على الاختصار، ولكن قل لى ماذا يستفيد الطبيب من هذه المعرفة.
المعلم: أظن أن هذا الإهتداء لابد وأن يوع فكر الطبيب لتقبل اتجاهات دينية وإيمانية مفيدة فى تنسيق توازن الإنسان لتحقيق الصحة، على شرط ألا يكون مثل هذا التفكير مدخلا للخرافة، أو للتسليم المطلق للمجهول.
الطالب: بقدر ما أشعر بالطمأنية لهذا الكلام، فإنى أشعر بعجز عن تصور علمى للإستفادة منه كطبيب.
المعلم: لا تتعجل… وتذكر أن الطبيب لابد وأن يستفيد من أى فكرة، وأى احتمال، ومن أى فرض لصالح مريضه، فالطب لا ينتظر حتى يتأكد من “علمية” مادته و “تفسير تطبيبه” لأن المريض لا ينتظر ذلك، وعلى الطبيب أن يباشر حرفته طالما هى توصله إلى هدفه، حتى لو لم يظهر السبب الحقيقى والتفسير المناسب لكيفية وصوله إلى هذا الهدف أو حتى لكيفية حدوث المرض، لهذا يسمى الطب أحيانا علا أمبريقيا Emperical أو تجريبيا، أو كما يقول أولاد البلد “إللى تغلب به ألعب به” شريطة الإستفادة القصوى بالمعلومات المتاحة فى لحظة بذاتها.
الطالب: كفى كفي، وأوجز لى هذه الزحمة كما وعدت.
المعلم: خذ يا سيدى وأمرى لله.
الموجز
1- أن كلمة الإنسان قد تفيد أكثر من مفهوم واحد حسب المنظور الذى ينظر إليها من خلاله.
2- فهناك المنظور التجريدي: وهو الذى يشير إلى الإستعمال الأدبى والشعرى والسياسى للكلمة بشكل مطلق وأخلاقى وعام دون تحديد تركيبى أو واقعي.
3- وهناك المنظور التاريخي: الذى يؤكد على مفهوم الإنسان باعتباره الكائن الحى على قمة الهرم الحيوي، وهو مفهوم يؤكد التاريخ التطورى للنوع البشرى كما يفتح آفاق النمو للفرد بلا نهاية وربما للنوع إلى حيث لا ندري، وفائدة هذا المفهوم للطبيب تظهر فى دراسة علم الأجنة المقارن وكذلك فى فهم بعض حالات النكوص والتشوه الخلقى والمرض النفسي.
4- ثم يأتى المنظور الكيميائى الذى يختزل الإنسان إلى مجموعة معقدة من التركيبات الكيميائية، وهو منظور يساير الميكنة التى لحقت مهنة الطب مؤخرا، وهو هام ولكنه ناقص.
5- ويعتبر المنظور البيولوجى هو أشمل وأعمق لأنه يحوى المفهوم الكيميائى كأساس ولكنه يؤكد على الإنسان كظاهرة حيوية راقية ولا ينسى فى نفس الوقت أصلها الكيميائي.
6- وأخيرا فإن علاقة الإنسان بالكون ليست علاقة ثانوية، فالمنظور الكونى يؤكد على علاقة الإنسان بالكون بل وعلى تشابه الإنسان مع الكون، وهذا المنظور له علاقة بالدين والإيمان، كما أن لهذا المنظور تأثير غير مباشر على الممارسة الطبية.
Summary
THE CONCEPT OF MAN
The word ”human” or man” could be conceived through different perspectives:
1- The abstract perspective refers to man as a more or poetic concept. It rather overlooks man as a concrete structural phenomenon.
2- The historical perspective lays stress on the evolutionary history of man. That ontogeny repeats phylogeny has its bearing on understanding comparative embryology،anatomy and certain psychiatric disorders from a special point of view.
3- The chemical perspective is a reductionistic approach which overlooks the essence of man as a complicated interacting unity.
4- The biological perspective includes all the above three notions and relates the human phenomenon to life in its basic elements as well as in its complex dialectic existence.
5- Man could be visualized as a mesocomos which represents the macrocosms (universe) and reduplicates the microcosms (atom).
المحاورة الثالثة فى: الصفات الخاصة بالنوع البشرى
المحاورة الثالثة فى: الصفات الخاصة بالنوع البشرى
المحاورة الثالثة فى:
الصفات الخاصة بالنوع البشرى
الطالب: فى المحاضرة السابقة جعلتنى اتردد فى استعمال كلمة الإنسان كما كنت استعملها سابقا حتى كدت أفقد التعرف على نفسي.
المعلم: لا تخف… فإن هذه هى أولى خطوات المعرفة، والإنسان ظاهرة مميزة ومحددة بما تميزت به عن سائر الأحياء.
الطالب: وماذا يميزه عن سائر الأحياء؟
المعلم: هناك تعريفات للإنسان تؤكد ما يتميز به بشكل أو بآخر، فمثلا يقال أن الإنسان “حيوان ناطق” أو أن الإنسان “حيوان ضاحك” ويقال فى أسلوب دعابى أكثر أن الإنسان هو الحيوان الذى يورط نفسه بسهولة، كما يقال بسخرية قاسية فيها درجة من الصدق أن الإنسان “هو الحيوان الذى يقتل عن بعد” (1)إلى آخر هذه الأقوال الشائعة والهامة.
الطالب: تريدنى أن أتعرف على ما يميز الإنسان من خلال الدعابة أو السخرية !
المعلم: لماذا رجعت خائفا متعجلا مثل زمان ؟ ولم لا؟ هل لابد أن نأخذ المسألة عدا وحفظا بلا تفكير؟ ليكن، فسأورد لك بعض الصفات الخاصة التى تميز هذا الكائن الحيوى المعتد، خذ مثلا وظيفة الكلام، فلا يوجد كائن آخر يتصف بهذه الصفة الهامة.
الطالب: نسمع أن الببغاء تنطق مثل الإنسان
المعلم: الكلام يا سيدى غير النطق، الكلام هو الواجهة الخارجية لعملية أعقد تجرى فى داخل العقل وتعتمد على الترميز (استعمال الرموز) والتفكير وغير ذلك، ولعلك خلطت بين النطق والكلام من خلال تأثرك بالقول الشائع أن الإنسان حيوان ناطق.
الطالب: لم أفهم جيدا الفرق بين النطق والكلام
المعلم: النطق هو مجرد إصدار أصوات قد تكون مثل الكلام كالببغاء، أو مجرد أصوات خاصة مميزة مثل تغريد الطيور وعواء الذئاب.. الخ، أما الكلام فإن هذه الأصوات هى رموز ذات دلالة، تفيد معني، وتقوم بوظيفة اقتصادية لأنها تسهل الإتصال بين أفراد الجنس البشري، ويكفى أن نتصور أنى أحاورك الآن لأوصل لك هذه المعلومات بغير كلام، فكيف كان يمكن أن أقول وكيف كان يمكن لك أن تفهم، ثم أن الكتابة تعتبر كلاما لأنها تقوم بنفس الوظائف بالإضافة إلى قدرتها على نقل المعانى بعد انتهاء قائلها، أى نتركها أمانة للتاريخ، بما يؤكد استمرارية مكاسب الإنسان جيلا بعد جيل.
الطالب: ولكن تقول أن الكلام هو المظهر الخارجى للتفكير ولم تقل ما التفكير.
المعلم: يقال أيضا أن “الإنسان حيوان مفكر”، حتى ولو لم يتكلم، لمجرد أنه يتميز بهذه الوظيفة العقلية الراقبة.
الطالب: حاضر حاضر… فما هى هذه الوظيفة العقلية الراقبة.
المعلم: التفكير هو عملية تستعمل الرموز أساسا لنقل المعاني، وهى تشمل إعادة الترابط بين المعانى (والرموز) وتهدف لحل المشاكل، وتتوصل إلى التخطيط للمستقبل إذ تستفيد من خبرات الماضى وسوف تدرسها تفصيلا فى العام القادم، وهذه العملية فى أبسط صورها هى مما يميز الإنسان تماما فعلا،
الطالب: ولكنى ألاحظ أن حيوانات أخرى تستطيع أن تفكر أيضا، وأن تحل مشاكلها، مثل الكلب أو القرد أو حتى الطير وهو يبنى عشه، أليس هذا كله تفكير؟ فلم يتميز به الإنسان.
المعلم: قلت لك أن هذا سيأتى فى العام القادم.. ولكن لابد أن تفرق بين الفعل الغريزى حتى ولو كان هادفا، وبين التفكير المتجدد لحل مشاكل جديدة وتحقيق أهداف جديدة.
الطالب: لا .. لا … ستخرج بنا عن الموضوع، وسأحيلك إلى زميلى الذى تدرس معه الدوافع، وعموما فإن هذه التصرفات التى وصفتها تتحكم فيها أساسا غرائز ودوافع مطوعة فى تركيب الحيوانات وتظهر كما هى عقب الولادة، أما التفكير فقد قلنا أنه يستعمل الرمز ويعيد الترابط.
الطالب: وهل كانت الرموز مفكوكة حتى يعيد التفكير ترابطها
المعلم: لا تكن مناقشا عنيدا ثم تأتى فى النهاية تقول لي: أوجز لي، وتذكر أنى قلت إعادة الترابط وليس مجرد الترابط، والرموز عموما هى موجودة فى عقولنا بالطريقة التى حصلنا عليها، والتفكير يستعملها مثل تكوين جملة مفيدة من ألفاظ متناثرة.
الطالب: ولكن هذا أشبه بالإبداع وليس بالتفكير.
المعلم: عليك نور، وإن كنت لا أدرى من أين جئت بهذه المعلومة الصعبة، الإبداع…!!، هو ذاك وصدقنى لو كان الأمر بيدى لاكتفيت بأن أعرف الإنسان بأنه “حيوان مبدع”، فعندى أن كل ما عدا الإبداع هو تفكير قد يتصف به ما هو أدنى وأن كنا لا نعرف ذلك تحديدا اولا يمكن قياسه.
الطالب: عندك عندك، هل صدقت أنى أعرف الإبداع؟ قل لى ما الإبداع أولا، ثم تحمس كما تشاء.
المعلم: الإبداع هو نوع من التفكير الإنشائي، وهو التفكير الذى يصنع كيانا جديدا أو خلقا جديدا من أجزاء المعطيات القديمة، ويسمى أحيانا الإبتكار أو الخلق، وكلها ألفاظ تعنى أن الإنسان – بما هو إنسان – قادر على خلق الجديد من أجزاء القديم، وهذا ما يميز الإنسان حقيقة وفعلا.
الطالب: تعنى أن كل من لا يبدع ليس إنسانا.
المعلم: قلت لك لو كان الود ودى لفعلت، ولكن لتطمئن فأنا لا أعنى بالإبداع هنا أن تكتب شعر أو تخترع نظرية، ولكن مجرد أن تستطيع أن تعيد النظر فى نفسك وفى ما حولك من منظور جديد بارتباطات جديدة.
الطالب: يا خبر!! ولكن هذا مفزع…,
المعلم: ليكن، وليكن من صفات الإنسان أنه الكائن الذى يستطيع أن يفزع باختياره.
الطالب:لا تعقد على المسائل وأكمل لى الصفات التى يتميز بها الإنسان
المعلم: خذ عندك يا سيدى صفة مرتبطة بالتفكير وهى “التخطيط” أو “الرؤية المستقبلية”، فالإنسان له قدرة خاصة على ما يسمى “بعد النظر” فهو يستفيد من خبرات الماضى ويحسن الحسابات بدرجة تسمح له برسم المستقبل وتوجيه خطواته التالية بشكل مفيد لنفسية ولنوعه معا.
الطالب: شيء أشبه بوزارة التخطيط أو الخطط الخمسية والعشرية.
المعلم: قلت لك أنت طالب ذكي
الطالب: ولكن أقرأ كل يوم أننا هنا لا نحذق هذا ولا ذاك، فهل معنى ذلك أننا لسنا بشرا؟
المعلم: أن كنت تسخر فجاوب على نفسك، وأن كنت جادا فساهم فى اصلاح ما يجرى باستعمال ما وصلت إليه من معرفة، المهم عندى أنك فهمت.
الطالب: وماذا أيضا يميز الإنسان
المعلم: ألا يكفى هذا؟ ولكن ذكرتينى، فيستحيل أن نذكر كل تلك الصفات الخاصة، ونهمل الوعى والإرادة، فلعل من أهم ما يميز الإنسان هو أنه لا يفعل فقط أو يفكر فقط أو يستجيب فقط ولكنه يعى ذلك كله ويعرف ماذا يجرى فى داخله ومن حوله بدرجات متفاوته من اليقظة والإنتباه، وهذا مما يسمى أحيانا بالوعي.
الطالب: ولكن يخيل إلى أن هذا مقلب وليس مزية، فأحيانا ما أتصور أننا لو لم نتمتع بكل هذا الوعى لكان انطلاقنا فى وظائفنا الأخرى أسهل ولربما أنتجنا أكثر.
المعلم: هو تورط فعلا، ولكن يبدو أنه توريط رائع فالإنسان قد وعى حتى بأنه يعى كما يدل عليه حوارنا الآن، وهذا الوعي، رغم ما يحيطه من آلام وتعويق أحيانا، هو الأرضية التى تتم فيها سائر الوظائف النفسية الأخري، وهو الذى يساهم فى التخطيط للمستقبل، وفى تقويم المكاسب والنتائج، وهو الذى يسمح للإنسان أن يمارس إرادته واختياره.
الطالب: صحيح…!! هل الإنسان مسير أم مخير
المعلم: لا عندك، لن تستدرجنى، وسأتركك تجيب بنفسك وكل ما يهمنى الآن أنك تتحاور معى بجزء من اختيارك، وتقرأ هذا الكلام باختيار أيضا لأنك فى هذه اللحظة قد تفضل عليه استذكا آخر أو ترويحا آخر، أما مجرد المناظرة العقلية بين الجبر والاختيار فهى لا تعيننى فيما أريد توصيله إليك وهى الصفة الأخيرة والأهم التى تميز الإنسان وهى الإرادة.
الطالب: ليكن.. فمن خلال ذلك قد أجد الجواب
المعلم: نعم، الإنسان يتميز بالإرادة، وهى الوظيفة التى تمكنه من الإختيار بين بديلين بعد معرفة كافية بها معا، وكذلك مع توافر الفرصة والقدرة لاختيار أحدهما بدل الآخر.
الطالب: لا تعقد المسائل هكذا، فيكفى أن نقول الإرادة هى الإختيار
المعلم: لا .. لا يكفي، لأنى تصورت أن اختيار لا يوضع موضع التنفيذ لابد وأن يجعلنا نشك فى طبيعة القرار الخاص به، وهل هو إرادى أم مجرد لعبة عقلية، فالإرادة بالذات: هى التى تربط حل المشاكل بالتخطيط.. بالتنفيذ.. بالمسئولية.
الطالب: الله… الله!! تعود فتضيق الدائرة حتى يخرج منها أغلب الناس، فأشك فى من يستحق صفة الإنسان بحق.
المعلم: واع.. والله واع، خفف الجرعة كما تشاء وافتح الباب لمن تشاء حتى يدخل كل الناس، والآن أرشوك بالموجز.
الطالب: ولكن قل لى قبل الموجز، ماذا يعنينى أنا أذ أدرس الطب من كل هذا الذى يتميز به الإنسان
المعلم: أعتقد أنك حين تعرف هذه الخطوط العريضة لما هو إنسان سوف تخدم هذه الصفات بوجه خاص وتستفيد منها فى علاقتك بمريضك، وفى تخطيطك لعلاجه، وفى إثارة تفكيره لاتخاذ قرار الصحة، والتخطيط الوقائى للمستقبل، وأنتهز هذه الفرصة لأؤكد لك على بعدين سوف يضيعان فى زحمة المعلومات الجزئية، الأول هو أن الطب الحقيقى هو منع المرض وليس انتظاره حتى يأتى ثم نعالجه والثاني: هو أن الصحة قرار واختيار، مثلما هى انتفاء المرض، وهى نعمة من الله كما أن المرض بلاء صعب لكنه قد ثبت أن إرادة الإنسان تتدخل بشكل ملحوظ فى التخطيط السليم للصحة فى الوقاية والعلاج على حد سواء.
الطالب: والآن.. على بالموجز، يا ليتنى ما سألت
المعلم: هاك هو:
الموجز
يتميز الكائن البشرى بصفات خاصة لا توجد بنفس النوع أو بنفس القدر فى الكائنات الأدنى المعروفة، ومن ذلك:
(أ) الكلام: وهو غير النطق الذى هو مجرد إصدار أصوات، وهو واجهة التفكير، وهو يستعمل الرموز فيوفر الطاقة ويحمل المعانى ويسهل التواصل بين البشر، ويحافظ على انجازات البشر فى صورته المكتوبة عبر التاريخ.
(ب) التفكير: وهو العملية التى تستعمل الرموز للربط بين المعانى ثم صياغتها، وكذلك لإعادة الترابط وحل المشاكل.
(ج) الإبداع: وهو نوع من التفكير الإنشائي، وهو التفكير الذى يصنع كيانا جديدا أو خلقا جديدا من أجزاء المعطيات القديمة.
(د) التخطيط: وهو نوع من الرؤية المستقبلية من خلال الإستفادة من الخبرة السابقة والتفكير ببعد النظر نتيجة للحسابات الواقعية المنظمة.
(هـ) الوعي: وهو الأرضية التى تتم فيها الوظائف النفسية الأخرى وتشمل إدراك ما يجرى بالداخل وبالخارج بدرجة ما، ويمتد الوعى حتى إلى الوعى بهذا الوعى ذاته، وهو يبدو معطلا أحيانا إلا أنه من أهم ما يسمح للإنسان بالحرية والقدرة على الإختيار.
(و) الإرادة: وهى القدرة على إتخاذ قرار يختار بين بديلين معروفى الأبعاد بنسبة كافية، وتشمل القدرة على التنفيذ وتحمل مسئولية نتائج هذا الفعل الإرادي، وتكاد تكون – مع الإبداع – أرقى ما يميز الإنسان.
Summary
Special Characteristics of Man
Man has acquired certain specifying characteristics that are unique to his species. Among the most important are:
1-Speech: is the declared front of the process of symbolic thinking. It is not mere vocalization or pronunciation. It is an economic process that conveys meanings and facilitates inter-personal communication In its written form it extends communication and preserves intellectual human achievement throughout the ages.
2- Thinking is the process of association and reassociation of acquired knowledge (usually in symbolic form) It is a problem solving as well as a goal-seeking process.
3- Creation is a particular type of reassociative and meta-associative thinking. Through creation one succeeds to construct a new whole from old pnrts.
4- Planning is a type of thinking that utilizes past experience to act with for sight. It is a deliberate realistic calculation that could، under healthy conditions، alter circumstances to promote human welfare.
5- Awareness refers to the matrix of consciousness where other functions set in. As a highly evoluted process it looks unique for the human being where one is aware not only of himself and his environment but also of his awareness itself، Although it looks partially handicapping، it is the actual medium where a human being can partially handicapping، it is the actual medium where a human being can perform his free choice and actualize his responsible will.
6- Will refers to the decision making. choosing freely between. two (or more substantially informed alternatives. A decision to be really willful، needs to be realistically excited and one has to be response for its consequences.
[1] – من أغرب ما ألحقت التكنولوجيا بغريزة العدوان فى الإنسان هى أنها سمحت له أن يقيم حربا يقتل فيها أفرادا من نفس نوعه دون أن يعرفهم شخصياً وبواسطة مدافع وصواريخ لا تسمح للقاتل بأن يرى المقتول شخصياً . . الخ وكل هذا لايوجد فى أنواع أدنى من الأحياء، كما أنه فى الأحياء الأدنى يتوقف القتال بين حيوانين من نفس النوع بعد مايسمى بعلامة الاذعان من الحيوان الوشيك الهزيمة من نفس النوع لكن الإنسان قد يواصل العدوان بعد ذلك، وهذا كله دليل على سوء المسار.
المحاورة الرابعة فى: تركيب الإنسان وإيقاعه
المحاورة الرابعة فى: تركيب الإنسان وإيقاعه
المحاورة الرابعة فى:
تركيب الإنسان وإيقاعه
الطالب: حدثتنى عن ما هية الإنسان وعن صفاته المميزة، ألم يكن يجدر بنا أن نتحدث أولا فى تركيباته وتنظمياته.
المعلم: تغلب عليك دائما أبدا الرغبة فى تركيب الوحدات قبل النظر فى الكل، ولعلك لم تتعلم القراءة بطريقة “شرشر”.
الطالب: ماذا تعني، لقد تعلمتها مع عادل وسعاد
المعلم: وهذا ما يسمى بطريقة الجشطالت التى تهتم باستقبال الكل قبل تحليله الى الأجزاء، والتى رفضناها ربما لسوء فهمنا لها أو لسوء تطبيقنا لها، فمن غير المعقول ولا المكن أن نعلم أولادنا الكليات ونحن لا نفعل شيئا فى حياتنا الا الهرب فى الجزئيات.
الطالب: هرب .. أو غيره، مم يتكون هذا الإنسان ذو الصفات المميزة سالفة الذكر
المعلم: ألا تذكر كيف تحدثنا عن أنه يتكون من أعضاء وأجهزة وأنسجة وخلايا وجزئيات، ألا يكفى ذلك؟
الطالب: لقد كلمتنى عن ذلك فعلا ولكن ما وصلنى هو نوع من الرفض أو السخرية لو أوجزنا الظاهرة البشرية فى هذه الحبيبات وقطع الغيار.
المعلم: هذا ما يجره عليك ذكاؤك، بل ما يجدوه على أيضا، وأنا لا أملك ازاء ذلك الاأن أحترمك وأواصل رفض أن يكون الإنسان مجرد قلب + مخ + طحال + كبد . أو مجرد صفوف من الخلايا بجوار بعضها، أو مجموعة من الجزئيات ولكن يستحيل أن نواصل فهمنا له دون تفصيل تراكيب أعقد من الأعضاء وأكثر تداخلا من الأجهزة.
الطالب: هذا ما أعنى تحديدا
المعلم: تعني؟ ماذا وأنا لم أكد أتحسس طريقى معك فيما أثرت من تساؤلات.
الطالب: أعنى التراكيب الأعقد والتداخلات
المعلم: أمرى إلى الله:
نبدأ من المنظور التاريخى للإنسان، فالإنسان اذ ينمو ويكرر تاريخه الحيوى انما يمثل تطور الحياة المعقد وتعقيد المستويات المتداخلة فى تركيبه المتصاعد.
الطالب: لا .. لا.. عندك لو سمحت، واحدة واحدة
المعلم: أقول علينا أن نتذكر ببساطة أن النمو البشرى ليس مجرد زيادة فى الحجم أو تغير فى الشكل وانما هو أساسا تداخل فى التركيب وتعقد فى الوظيفة.
الطالب: مازلت أسأل ماذا تعني؟
المعلم: أعنى أن التنظيمات البدائية فى الطفل أو الأحياء الأدنى (اذا كنا نتكلم عن المنظور التاريخى للحياة أصلا) لا تختفى تماما وإنما تدخل كجزء أساسى فى التريكب الالى الأكبر وهكذا.
الطالب: أخشى أن أعترف أنى مازلت غير فاهم
المعلم: مثلا نستطيع القول أن التركيب الحيوانى البحت موجود فى داخل التركيب البشرى المعقد، ولكنه حين يكون مجرد جزء متداخل فى الكل البشرى فإنه يصبح شيئا آخر يمثل الدواف والطاقة والاصل الحيوى ولا يتميز أبدا بالحيوانية البحتة، ولكنه إذا انفصل عن التركيب البشرى الكلى فانه يصبح الحيوان ذاته.
الطالب: وهل ينفصل الحيوان فى داخلنا عنا، اذا .. لا كلنا والتهم الذين خلفونا.
المعلم: يحدث مثل ذلك فى الأحلام وأحيانا فى المرض النفسي، وقد تظهر هذه الصورة محورة فى بعض أعمال الفنانين، وربما فى أوقات الترويح
الطالب: وما فائدة كل ذلك؟
المعلم: ماذا أفعل لك .. ألست أنت السائل
الطالب: كنت أحسب المسألة بسيطة
المعلم: هى بسيطة فعلا وهامة جدا ولكنا نحن الذين لم نتعود مثل هذا النظر التصعيدى المتداخل، ثم أن فهم الإنسان فى شكل مستويات يعلو بعضها البعض سوف ينفعك فى فهم جهاز معقد مثل الجهاز العصبى وهو الجهاز المسئول فى النهاية عن الصفات المميزة للإنسان، فالمستويات التصاعدية فى هذا الجهاز تشمل الخلية الحسية (مثلا) يعلوها مستوى الأعصاب الطرفية ثم القنطرة فالمخ الأوسط فالمهد والمهيد فالنصفين الكرويين (1) والعكس صحيح وكل من هذه المستويات يحكم الأعلى منها الأدنى بشكل مباشر ومتداخل
الطالب: ولكن أهذه مستويات أم أجزاء؟
المعلم: أن هذا المنطلق يدعوك مباشرة إلى أهمية التفكير فى المستويات التى تشمل الأجزاء لأن كلمة مستوى تعنى أعلى وأدنى وتصعيد وتداخل أما كلمة جزء فتوحى بأنها أجزاء متراصة بجوار بعضها أو حتى فوق بعضها دون تحكم أو تنظيم أو يحزنون.
الطالب: ولكنى سمعت أيضا عن أشياء مثل الشعور واللاشعور فهل هذه مستويات أيضا؟
المعلم: ياليتنى أستطيع أن أجيب بالايجاب، فعندى فعلا أن الشعور هو مستوى أعلى يتحكم فى اللاشعر، وقد رفضت استعمال كلمة اللاشعور وفضلت عليها تعبير الشعور الثانى أو الشعور الكامن، وعلى هذا النسق فاننا نحتوى مستويات من الشعور الكامن يعلو بعضها بعضا ويتداخل بعضها فى بعض، بل ويتبادل بعضها مع بعض فى سبيلها الى التناسق والتناغم.
الطالب: ولكن كيف يتبادل بعضها مع بعض؟
المعلم: خذ مثلا: النوم واليقظة، ففى النوم يسود شعور آخر يخالف الشعور الأول الذى كان سائدا فى اليقظة، هذا هو كل ما فى الامر فالنوم ليس اختفاء حالة، ولكنه استبدال حالة محل أخري، ولا تنس أن النوم يمثل حياة بأكملها مليئة بالأحداث والحركة والتنظيم والفاعلية.
الطالب: لا .. لا .. عندك كنت أحسب أن النوم ماهو الا عكس اليقظة، أى الوجه السلبى لليقظة واذا بك تفتح فيه آفاقا بلا حدود.
المعلم: فعلا، بل أن فى النوم ذات نفسه مستويات، فالأحلام – أو النوم الذى تحدث فيه الأحلام – هو غير النوم الخالى من الأحلام، وهذا مستوى من شعور ما وذاك مستوى من شعور آخر، وهما يتبادلان مع بعضهما مثل تبادل اليقظة والنوم سواء بسواء، يحدث النوم الحالم لمدة عشرين دقيقة كل تسعين دقيقة بالتمام والكمال.
الطالب: يا ساتر استر، كأن الإنسان تركيب فوق تركيب، وتنظيم داخل تنظيم ومستوى أعلى من مستوي، وايقاع متبادل بين هذه التنظيمات وبعضها.
المعلم: هو ذاك تماما، وهذا هو أهم ما ينبغى اعادة النظر فيه من خلال هذا العمل الجديد، بل أن هذه التنظيمات قد رآها بعض المنظري (2)التبادل بين هذه المستويات والتنظيمات هو تبادل بين هذه الكيانات المتداخلة مع بعضها، أو حتى بين حالات تشبه الأشخاص تركيبا.
الطالب: عدت لا أفهم، تريد أن تقول لى أن بداخلى عدة شخوص ولست أنا وحدي؟
المعلم: يا أخى لا تتعجل، فهؤلاء الشخوص العدة ليسوا سوى أنت أيضا، وأنما حسب التنظيم الغائب تظهر صفات بذاتها، فلا شك أن التنظيم الغالب عليك وأنت عار تغنى لنفسك فى الحمام ليس هو هو التنظيم الغالب عليك وأن تحضر المحاضر أو تواصل الحوار الآن، وتتبادل هذه التنظيمات مع بعضها مثل تبادل النوم مع اليقظة أو تبادل الحلم مع النوم الخالى من الحلم وهكذا.
الطالب: يا حلاوة ..، جعلتنى أنظر للإنسان وكأنه تباديل وتوافيق وأدوار ومصاعد بدال من تصورى له مخزنا للمعلومات ومولدا للعواصف.
المعلم: بل هو كذلك أيضا، ولكن هذا البعد الجديد (المستويات والتباديل) هو شديد الأهمية لأنه يقربنا من وجه الشبه بين الإنسان والطبيعة فكما تختلف الفصول وكما يختلف الليل والنهار، تختلف التنظيمات وتتبادل المستويات
الطالب: ولكن عندك، ما فائدة كل ذلك فى مهنتى كطبيب، وكيف أترجمه إلى فعل مباشر يخصنى ويخص المهنة التى سأمارسها
المعلم: عندك حق، ولكنى أحذرك من التحيز، اذ أنى أشك أنك تجرؤ أن تسأل كل اساتذتك من الآن وحتى تتخرج نفس السؤال عن كل معلومة يعطونها لك، كما أشك أنك ستحصل على جواب، وأن كنت أخشى ألا تسأل أصلا فى زحمة الضغط والجزئيات، ومع ذلك فدعنى أحاول أن أجيب، ولأسلك أولا: أليس هدف الطبيب هو تحقيق الصحة لمريضة ومنع المرض عن سليمه.
الطالب: نعم .. هو ذلك
المعلم: ألا يلزم لذلك أن يكون الجهاز البشرى فى حالة من الكفاءة والتنظيم بحيث يحقق هدفه؟
الطالب: نعم
المعلم: هل يكفى للسيارة أن تكون أجزاؤها سليمة حتى تعمل
الطالب: لا .. لا يكفي
المعلم: إذا ماذا تحتاج أيضا لكى تعمل؟
الطالب: لابد من تشغيلها بحيث تعمل أجزاؤها مع بعضها فى تناسق وتناوب لتدفع الطاقة المتولدة الى العجلات بانتظام فتسير.
المعلم: أفلست معى أن الإنسان أحوج إلى الفهم على نفس المستوي؟ بمعنى أنه لا يكفى أن تكون أجزاؤه سليمة، وانما ينبغى أن تكون دوراته منتظمة، ومليئة بالنشاط المناسب لكل دوره حتى تتكامل فاعليته.
الطالب: لم يتضح لى الأمر بالقدر الكافي؟
المعلم: يعنى لابد من النوم لتكون اليقظة نشطة وفعالة، ولابد من الحلم ليكون النوم مفيدا ومثمرا، ولابد من اليقظة ليكون النوم منظما ومرتبا (بكسر النون والتاء تشديدهما) وهكذا.
الطالب: ولكن هناك من لا يحلم وهو ليس مريضا؟
المعلم: المهم فى الأحلام هو ظاهرة الحلم وليس تذكره، كما أن المهم فى تناول الأحلام هو اقتراب مادتها من حالة الشعر اليقظ وليس تفسيرها كما هو شائع، والتفسير لا يفيد شيئا بقدر ما يقرب الحلم من وعى صاحبه اليقظ لا أكثر ولا أقل.
الطالب: تكاد تشككنى فى كل ما كنت أعرف قبلا
المعلم: وهذه هى وظيفة العلم والتعليم الأساسية، فلو كان ما تعرف من شائعات هوالعلم لما احتاج الأمر لوجودى أصلا، ولا لحوارنا ابتداء.
الطالب: وماذا عن الشخوص داخل الشخص الواحد وتاوبها وعلاقتها بالصحة؟
المعلم: على نفس القياس قد يكون من المفيد صحيا أن نسمح لكل مستوى من هذه التنظيمات بالنشاط الترفيهى والترويحى – مثلا – فى الأجازة الدورية خاصة، ويسود النشاط الالتزامى والواجبى فى أوقات العمل الجادة، وبهذا التناوب يقل الصراع ويتأكد التناغم ويزداد الانتاج وتثمر الفاعلة وتتحقق الصحة.
الطالب: كنت أحسب أن الصحة ه باختفاء المرض، لا أكثر ولا أقل
المعلم: بل هى – بالاضافة – تناسق التركيب، وحسن التبادل حتى يكون الإنسان قادرا على اطلاق قدراته ومحصنا ضد الألم المعجز (بكسر الجيم) والاعاقة المعطلة.
الطالب: و هل هذه هى مهمة الطبيب أم مهمة المجتمع ككل؟
المعلم: أفليس من أهداف علمنا هذا هو تأكيد مفاهيم الوقاية، والصحة الايجابية بمعنى التكامل والتفاعلية، وتعميق دور الطبيب كعضو فى المجتمع وليس فقط كمعطى للحقن أو مزيل للأورام؟
الطالب: صحيح، كدت أنسي، وان كان الباب قد فتح على مصراعيه لإعادة النظر فى مفهوم الصحة ومفهوم الطبيب
المعلم: هو ذاك، وليكن هذا موضوع المحاورة القادمة، والآن اليك الموجز حتى لا تظل محلقا فى أجواء الدهشة فتنسى الجديد والقديم معا.
الطالب: .. حقا . فهاتها
الموجز
1- الإنسان اذ ينمو ويكرر تاريخه الحيوى لا يحقق مجرد زيادة فى الحجم أو تغيير فى الشكل وإنما هو يخلق تداخلا فى التر كيب و تعقيدا فى الوظيفة
2- ان التنظيمات الأولية (الطفلية أو الحيوانية) لا تختفى تماما وأنما تدخل كجزء أساسى فى التركيب الأكبر، وهكذا حتى تتحقق الوحدة البشرية المتداخلة والمعقدة.
3- أن التركيب الأدنى اذا انفصل قهرا وبصفة شبه دائمة عن التركيب الأعلى نتج اختلال فى التوازن، وبالتالى نتج النشاز الذى هو أساس بعض الأمراض.
4- أن المستويات المتصاعدة تتبادل مع بعضها فى النوم واليقظة، فى الحلم والنوم الخالى من الأحلام، ما بين الاجازة (الترويح) والعمل، بحيث يحقق هذا التبادل المنتظم مزيدا من التناغم والصحة.
5- أن النوم شعور آخر كما أن الحلم نشاط خاص داخل حالة النوم، وكلاهما هام للصحة والتوازن، وليس المهم فى الحلم ما يحتوي، ولكن أن يحدث، فهو وقاية واقترابه من السطح مفيد، وتفسيره يساعد على ذلك حتى لو لم يكن صادقا، والجميع يحلم، حتى من يتصور غيرذلك اذ لا يتذكر أحلامه بدرجة تكفى للوعى بها واستعادتها.
6- ان الصحة ليست مجرد اختفاء المرض وانما هى أيضا توازن المستويات وحسن تبادلهما لتحقيق فاعلية (وابداع) أكبر، ووقاية أضمن.
Summary
MAN”S STRUCURE AND RHYTHMICITY
1- Human growth and development do not simply achieve increase in size or change in shape but essentially establish a compels hierarchical structure performing complicated a elaborate function.
2- Primitive organization (infantile، child-like، animal .. ete) do not disappear all-together but are a rather included as balic constituents of the higher organization and so on.
3- When the primitive organization is separated and activated independently some disharmont and ill health develops.
4- Hierarchical organizations alternate with each other as regards dominant activity. This is to be illustrated in sleep-wakefulness alternations، dream – dreamless sleep alternation، work-leave alternations and so on.
5- Sleep should be considered as another consciousness” where dreams (a third alternation) occur. Sleep is not simply the negative (passive) aspect of wakefulness، Its occurrence، including dreaming، is preventive against some ill-health Dreaming is essentially preventive and is universal (as proved by E. E. G.) even though one may report that he does not dream (actually he is unable to recall his dreams)
6- Health is not simply the absence of disease. It is basically related to harmony including alternation between hierarchical laves of organizations. This is apt to result in prevention and promote productivity as well as creation.
[1] – The consequive accenting hierarchical levels of the nervous system include the receptor، the peripheral nerve، the spinal cord، the medulla oblongata، the pons، the midbrain، the diencephalons and cerebral hemispheres.
[2] – مثل اريك بيرن فى نظريته عن التحليل التفاعلاتى.المحاورة الخامسة فى: الإنسان والصحة والمرض
المحاورة الخامسة فى: الإنسان والصحة والمرض
المحاورة الخامسة فى:
الإنسان والصحة والمرض
الطالب: حدثتنى فيما سبق عن ماهية الإنسان، وتاريخ الإنسان، ومستويات الإنسان حتى كدت أحلق بعيدا عن الصداع والمغص والسعال، ومادخلت هذه الكلية ألا لأطبب مثل ذلك.
المعلم: يا شيخ .. !! ألم نربط كل معلومة قلناها بمهنتنا مباشرة.
الطالب: حصل، ولكنى أريد تحديدا أكثر، ما هى الصحة ومما هو المرض؟
المعلم: المرض – لغة – هو إظلام الطبيعة بعد صفائها.
الطالب: الله .. الله .. طب هذا أم شعر
المعلم: أقول لغة، لغة، واللغة لا تشأ اعتباطا وانما هى نتاج طويل لتعارف طويل على الظاهرة ومتعلقاتها.
الطالب: أريد شيئا أضع يدى عليه
المعلم: حاضر .. حاضر، صبرك بالله، اذا صح أن هذا هو المرض كما قالت به اللغه فلابد أن نعرف طبيعة الإنسان حتى نعرف كيف تظلم هذه الطبيعة وكيف تصفو.
الطالب: ليكن، فما هى طبيعة الإنسان؟
المعلم: الله أكبر!! إذا ماذا كنا نفعل طوال المحاورات السابقة؟ اسمع، أقول لك ملحة: قال أحدهم لموسيقى من أهل زمان: (بكسر الميم) بعضا من النهاوند حتى ننبسط، فتعجب الموسيقى المنهمك وقال للسامع: لقد كان هذا هو النهاوند فعقب السائل مرتاحا اذا لقد انبسطنا فعلا.
الطالب: تعنى أن ما هية الإنسان وتاريخه وكيمياءه ومستويات تركيبه وايقاعه هى الإنسان وهذه هى طبيعته
المعلم: اذا ماذا أعنى سوى ذلك؟
الطالب: فأين الصحة وأين ؟ تحديدا من فضلك حتى ولو عدنا إلى واحد اثنين.
المعلم: هذا أفضل، ليكن، ولنقل ان الصحة تشمل ما يلى من مستويات مرتبة تصاعديا هكذا.
أولا – سلامة الأعضاء مما يعوق عملها.
ثانيا – كفاءة توظيف كل عضو سليم – على حدة – فى العمل الذى خلق من أجله أو الذى يسمح به تركيبه.
ثالثا – كفاءة توظيف الأعضاء مجتمعه فى الوحدة البشرية أى فى الكيان الإنسانى ككل.
رابعا – كفاءة توظيف الوحدة البشرية ( أعنى الإنسان الفرد) فى القيام بعمله الذى يتميز به حالة كونه إنسانا (وهو ما سبق الاشارة اليه فيما يميز الإنسان) وخاصة نوع الوعى والتفكير الابداعى والتخطيط.
خامسا – كفاءة تناسق هذه الوحدة البشرية مع الوحدات المحيطة الأكبر بدءا بالتكيف الاجتماعى بما فى ذلك الاسهام فى التغيير الى أحسن، ثم الدائرة الأكبر أى التناسق مع ما بعد المجتمع البشرى فيما يسمى بالكون الأكبر وهو البعد الايمانى فى الصحة الذى يتشكل فى كل دين حسب تفاصيل اللغة المستعملة والمرحلة التاريخية. .
الطالب: لا . . لا . . لا . . ياليتنى ماسألت التحديد ,لا الححت فى توصيف مهنتى، هل على أن أحقق كل هذا فى مهنتى كطبيب، سأعدل الكون أنا أم أزيل الزائدة الدودية وأعطى حقنا مضادة للمغص أو كبسولة مضادة للحمي؟
المعلم: أنا لم أقل أن الطبيب هو الذى سيحقق كل هذه المستويات من الصحة، أنت الذى سألت عن الصحة وهذه هى الصحة كما تعلمتها من الطب والنفس والدين والحياة.
الطالب: رأى شخصى إذا؟
المعلم: أبدا، فهذه آراء مطروقة، فالحديث عن صحة المجتمع وصحة الروح ومنهج التناغم وفائدة الايمان كلها قديمة وما فعلت شيئا سوى ترتيبها.
الطالب: كنت أحسب أن الصحة هى عدم وجود المرض لا أكثر ولا أقل
المعلم: هذا هو الشائع المخل، حتى تعريف هيئة الصحة العالمية يقول ان الصحة هى حالة من تمام الشعور بالسعادة (أو الراحة ) – فى كل المجالات: العقلية والجسمية والاجتماعية وليست مجرد – انتفاء المرض.
الطالب: كذا ؟ وما دورى أنا بالله عليك، أعنى دور الطبيب؟
المعلم: دورك ان شاء الله سوف يتركز فى أولا وثانيا أى فى الحفاظ على سلامة الأعضاء (الوقاية) أو ارجاعها للسلامة ( التطبيب)، ثم كفاءة توظيف العضو السليم فى العمل الذى يسمح به تركيبه.
الطالب: اشكرك، ولكن لماذا عددت لى بقية المستويات ؟ مناظر؟
المعلم: وبعدها معك؟ اذا اكتفيت بما تريد سألتنى عن الباقي، وان قلت لك الباقى . . قلت لى وأنا مالى ؟ يا سيدى يدى الم تقل هيئة الصحة العالمية فى كل المجالات (العقلية والجسمية والاجتماعية)، أليس كفاءة توظيف الإنسان فى المجتمع يحقق هدف الصحة العالمية !!! ويتفق مع تعريفها.
الطالب: الى حد المجتمع ,مقبول ولكن مالى أنا بالتكيف مع الكون؟
المعلم: يا سيدى، كان الطبيب فى قديم الزمان كما ذكرت لك حكيما يمثل الإنسان العارف، الذى يقوم بوصف العطارة، والتعصيب، وجبر الكسور، والافتاء فى الزواج والطلاق والمنازعات وأحيانا امامه الناس فى الصلاة، ولم تكن هذه كلها أدوار متعارضة بل لعل العكس هو الصحيح.
الطالب: تريدنا نرجع لزمان ؟
المعلم: لم أقل هذا، ولكن لا تنس الجزء الايجابى فى فكر زمان، ثم خذ عندك، أليس المخ البشرى عضوا من الأعضاء ومن وظيفتك كطبيب حتى فى المستوى الأول والثانى لتعريف الصحة (ص42) أن يعمل بكفادة حسب ما يسمح به تركيبه.
الطالب: يخيل الى أن نعم
المعلم: اذا فاعلم أن المخ لا يعمل فى الأحوال العادية الا بنسبة ضئيلة جدا من كفاءته (مثلا فان المشتبكات العصبية Synapses لا تعمل فى الأحوال العادية الا بنسبة 8 % فحسب) وطاقة عمل المخ البشرى بلا نهاية، فاذا عمل النصفين الكرويين معا Cerebral hemispheres عبر الجسم المندمل Corpus callsun فان الابداع هو أحد نتاج هذه الكفاءة العليا، ومن أركان الابداع هذا التناغم مع الدوائر الخارجية الاخري، بدءا بالمجتمع وامتدادا فى الأكوان .
الطالب: صعبت على الأمور، ومع ذلك فهل أنا طبيب أم عامل تشغيل، أشغل هذا العضو فى كفاءته وأدير ذاك الجهاز بعد راحته.
المعلم: ماذا جري؟ هل تستسهل أم ماذا؟ أقول لك ما كنت أنوى تجنب الحديث فيه لعلك تقتنع: أن اختلال توازن المستويات الأعلى التى تتصور أنها “ليست عليك أو ليست من اختصاصك” يؤثر على توازن المستويات الأدنى حتى يختل عمل الأعضاء، بل وتظهر الأعراض التى سوف تقوم بعلاجها.
الطالب: لا .. لا .. زدنى شرحا وقل أمثلة
المعلم: صبرك .. لا تتعجل، ومع ذلك فهناك مثالا اذا قلنا أن ما يميز المستوى الأعلى للوجود هو “الكلام” للتواصل مع الآخرين (وهو وظيفة مخية عليا) فاننا نلاحظ أنه اذا حرم الإنسان العادى من التعبير المناسب عن نفسه وما يعتمل بداخله أصيب الجسم بأعراض وأمراض نسميها لغة الجسم Body Language، وكنوع من التبسيط للايضاح يمكن أن تتصور أن الموظفة التى لا تستطيع بلع رئيسها(دون أن تدرك ذاك تماما فضلا عن انعدام الفرصة للتعبير عن ذلك بالكلام مثلا) تصاب بغصة فى حلقها (صعوبة فى البلع وخاصة عندما تلقاه)، وحتى بالعامية يقال أن فلانا يقف لى كاللقمة فى الزور، والزوج الذى لا يستطيع التعبير عن رغبته فى التخلص من حماته بعد طول الزيارة، قد يتقيأ دون مناسبة وكان عضلات بطنه تقول ما عجز عنه اللسان.
الطالب: ولكن هذه أعراض وأمراض فى تخصصك على ما أعتقد، وأنا أعد نفسى كطبيب أولا قبل أن أفكر فى هذه التخصصات.
المعلم: هذه أمثلة فحسب، ثم أنك فى أى تخصص ستحتاج لهذا الفهم الشامل لمعنى الصحة ومعنى المرض.
الطالب: طيب، اذا وافقت على أن الأعضاء تختل (أو وظيفتها تضطرب) إذا عجز الإنسان عن التواصل مع المجتمع والتناغم معه، فما حكاية تناغمه مع الكون هذه؟
المعلم: آه، هذا أمر يطول شرحه، وهو يرتبط مباشرة بعلاقة الدين والايمان بما هو صحة وما هو تناسق وسأفرد له المحاورة التالية بأكملها، فهل توافق؟
الطالب: وهل يمكن الا أن أوافق؟ أنت صاحب الرأي، ولكن لا تنس بداية الحديث، فما المرض الا أن يختل تركيب عضو أو وظيفة؟
المعلم: يمكن أن تعتبر أن المرض هو اختلال تركيب أو عمل عضو أو أكثر من الأعضاء بحيث يعاق عمله من أثر التوقف أو شدة الألم، بما يترتب على ذلك اختلال التوازن والعلاقة بين مستويات الإنسان وتراكيبه، وبين الإنسان وما حوله (مجتمعا فكونا)، ويمكن أن تعتبر الخلل فى التوازن والترابط مباشرة.
الطالب: ما أصعب ذلك.
المعلم: بل تأمله، تجده أنه منطقى رغم الاطالة، وكل ما هو منطقى هو سهل.
الطالب: وما هى وظيفة الطبيب اذا؟
المعلم: هو أن يسهم فى اصلاح هذا الخلل الذى أعاق التركيب، وأن يعيد هذا التوازن الذى تسبب انعدامه فى احداث الألم المعطل أو الشلل.
الطالب: ولكن كيف؟
المعلم: لا عندك .. تريدنى أن أقول كل ما ستدرسه خلال الست سنوات القادمة فى كلمتين، لا تكثر من مثل هذه الأسئلة والا أنت حر.
الطالب: خلاص، خلاص، ولكن لو سمحت، أنا كنت أتصور شيئا عن الخلل واصلاحه ولكن هذه أول مرة اسمع عن حكاية التوازن والمستويات فزدنى كلاما مبسطا.
المعلم: خذ مثلا: نحن نعلم أن سلامة خلايا الكليتين تسمح لهذا العضو بتصفية وافراز الفضلات من الدم الى البول.
الطالب: حصل
المعلم: ولكن لتقوم الكليتين بذلك هى تحتاج الى ضربات القلب ليدفع الدم اليها، والى ايقاع المخ ليواصل تنظيم ضربات القلب، وكفاءة التمثيل الغذائى فى الكبد لتحدد ما سوف يتم افرازه وهكذا.
الطالب: فهمت، فهذا هو التناسق بين الأعضاء وبعضها، ولكنك تحدثت عن توازنات كثيرة حتى اختل توازني.
المعلم: يا سيدى خذ مثلا: الجهاز البصرى أو السمعى (العينين والأذنين .. الخ) وهما بشكل ما جزء من الجهاز العصبي، فسوف تجد أن كفاءة البصر والاذنين تسمح بالرؤية والسمع، ولكنهما مجرد مدخل للتوازن مع العالم الخارجى للتعرف عليه، والانتفاع به، وعمل علاقة مع الآخرين تحقق التوازن الاجتماعى الذى هو جزء من الصحة لا محالة.
الطالب: هكذا؟
المعلم: فاذا انتقلنا الى المخ لوجدنا التوازن أهم لكفاءة عمله، ولعلك تذكر فى المحاضرة السابقة حديثنا عن التوازن بالتبادل والتكامل بين النوم واليقظة، وبين نوعى النوم (الحالم واللاحالم) وهكذا، وهذا التبادل والتوازن هو الذى يسمح للمخ باستعمال السمع والبصر (كما ذكرنا) وباستعمال الكلام فى الحصول على المعلومات وللتواصل مع الآخرين، والتكيف مع المجتمع.
الطالب: انطلقت أنت وسبحان من يوقفك، ولكن هل المخ أيضا هو المسئول عن حكاية التوازن مع الكون؟
المعلم: تسأل .. ثم تحتج، هذا هو أنت، ومع ذلك فهو طبعا المسئول عن ذلك أساسا، أم أى عضو آخر تحسبه هو المسئول عن الايمان والمعرفة الدينية؟ أظفر اصبعك يافتى ..؟
الطالب: يكفى هذا ونؤجل هذا الموضوع للمحاورة التالية كما تقول.
المعلم: هو ذاك .. وتحيتى لذاكرتك، وهاك المكافأة:
الموجز
1 – المرض هو اختلال تركيب أو عمل عضو أو أكثر من الأعضاء بحيث يعاق عمله من أثر التوقف أو فرط الألم، بما يترتب على ذلك اختلال التوازن والعلاقة بين مستويات الإنسان وتراكيبه، وبين الإنسان وما حوله (مجتمعا فكونا).
2 – الصحة ليست مجرد انتفاء المرض – بالمعنى الشائع – لذلك فيستحسن فهم مستوياتها المتصاعدة على النحو التالى:
(أ) سلامة تركيب الاعضاء وكفاءة عملها.
(ب) سلامة تنظيم “الكل” (الوحدة البشرية – الفرد) وتناسقه، واطلاق قدراته.
(جـ) كفاءة التناسق بين الفرد وبين ما حوله من مجتمع وأكوان.
3 – التطبيب هو العملية التى يحاول بها شخص مختص (فى العادة) أن يمنع المرض أو يزيله ليحقق الصحة ويحافظ عليها وينميها.
4 – ان سلامة عضو وكفاءته يحتاج عادة الى سلامة سائر الأعضاء وكفاءتها، ثم ان سلامة الإنسان ككل يحتاج – ايضا – الى سلامة المجتمع وتحقيق علاقات نافعة ومتكاملة معه، وأخيرا فان البعد الايمانى فى الوجود يعلن الحاجة الى توازن ممتد لما بعد مجرد المجتمع البشري.
5 – ان اختلال تركيب أو عمل مستوى أدنى قد يؤثر مباشرة أو بطريق غير مباشر على المستوى الأعلي، والعكس صحيح فقد يؤثر عدم نجاح التوازن على المستوى الأعلى فى المستوى الأدنى وهكذا.
Summary
Health and Disease
1- A disease (illness) usually refers to the impairment of the structure or function of an organ or more، so much so that the organism is handicapped as a result of cessation of functioning or interfering pain.
2- Health is not merely the absence of disease it is better perceived on hierarchical levels as follows:
a) Intact healthy structure of different organs as well as their efficient functioning.
b) Intact wholistic organization of the human unity (the individual) including its internal harmony and liberation of his abilities.
c) Fulfillment of the adequate harmony between the individual and society as well as between himself and the cosmos.
3- Medication is the process whereby an expert specialist (in most cases) tries to prevent or eliminate the disease to achieve، maintain، and promote health.
4- The health and efficiency of a certain organ usually necessitates the health and efficiency of most other of most other organs. Moreover، the (P. 49) individual”s health requires a substantially healthy society that facilitates useful motivating and integrating interpersonal relations. Ultimately، the faith-religion dimension in human existence declares the need for an extending harmony on a higher. level could be reflected on the structure or function of some lower level.
المحاورة السادسة فى: الإنسان والدين والصحة
المحاورة السادسة فى: الإنسان والدين والصحة
المحاورة السادسة فى:
الإنسان والدين والصحة
الطالب: تذكر أنك أجلت حديث الصحة بمعنى التوازن مع الكون الى هذه المحاضرة، وهأنذا أتطلع لاجابة عن كل ما سبق من تساؤلات.
المعلم: ياليتك تتعلم كيف تسمح لعقلك بالصبر على بعض التساؤلات دون اجابة، هنا يبدأ الابداع، ومع ذلك فنحن نقترب من منطقة بها من الاجابات ما يفوق طاقة البشر، ولا أكتمك حديثا أنى لا أنوى أن استرسل فى هذه المنطقة الخطرة أكثر من احتياج مهنتك، ودعنا نبدأ بالمنطقى والبسيط.
الطالب: ياليت
المعلم: أولا، لعلك لا تنكر أهمية الدين فى مجتمعنا هذا، فى وقتنا هذا؟
الطالب: أبدا، بل لعل العودة اليه هى الحل.
المعلم: لا تتعجل، ولا تفرح وأنت شاب باستعمال كلمة “العودة” بهذه السرعة لاننا لم نذهب حتى نعود، ولكن دع الحوار يتسلسل، فالدين مهم، أليس كذلك؟
الطالب: طبعا، فى كل زمان ومكان.
المعلم: حتى لنكاد نتعلم من التاريخ أن الإنسان يبحث عن دين وعبادة من واقع فطرته السليمة، حدث هذا فى كل عصر وفى كل حال.
الطالب: أكاد أعرف ذلك.
المعلم: ولعلك تعرف أيضا أن من ترك الدين (والفن) فقطع اتصاله بالبعد الآخر من وجوده عاش مغتربا ناقصا مهما حشر فى ظاهر عقله من جزئيات المعلومات.
الطالب: أسمع ذلك.
المعلم: من هنا كان لزاما أن نحترم الدين أكبر احترام، ونستفيد من عطائه أكبر فائدة، وخاصة فى مهنتنا هذه.
الطالب: ياليت، ولكن كيف ذلك؟
المعلم: أولا لنذكر هذه الأقوال والاعتقادات الشائعة والهامة والجادة والراسخة فى حديث المرضى وكثير من الأطباء من أن “الله هو الشافي”
الطالب: صحيح، فماذا يفعل الأطباء؟
المعلم: آه.. هنا يبدأ التساؤل، يقولون أنهم “وسيلة الله” الى الشفاء.
الطالب: معقول .. ولكن..
المعلم: الا أنى أحب أن أذكرك فى هذه الأمور بحقائق أساسية هى الأهم فى موضوعنا هذا، وهى القاعدة لكل تفكير سليم لخير البشر، ومن ذلك تحقيق صحتهم.
الطالب: هاتها، وعجل …
المعلم: أولا – أنه يستحيل أن تتعارض ارادة الله مع خير البشر.
ثانيا- ان القاعدة الاساسية فى الدين السليم انه “لا ضرر ولا ضرار” فكل ما هو ضار هومخالف للدين.
ثالثا:- أن الايمان يوثق علاقة الإنسان بالحياة، ويمد آفاقه ووعيه إلى ما بعد ذاته فيحقق التوازن الاعلى الذى يؤكد التوازن الأدنى والتوازن مع الفاعلية هو الصحة كما سبق ان ذكرنا.
رابعا- ان من تعليمات الدين الصحيح ان يأخذ الإنسان من كل معطيات المعرفة ما يفيده ويفيد بنى جنسة ويفيد الحياة عامة.
الطالب: هذه مباديء اساسية لا خلاف حولها.
المعلم: اتفقنا، وتستطيع بعد ذلك ان تتأكد من ان الايمان الصحيح يدعم الصحة الصحيحة حتى أعلى مستوي، وأن العلم يسهل هذه المهمة.
الطالب: نعم، وهناك من التفسيرات الحالية للقرأن ما يدل على أن بعض الايات قد شخصت امراضا ووصفت علاجا ناجحا لكثير من الحالات التى عرفها العلماء والأطباء مؤخرا.
المعلم: لا. . لا. . عندك، أنا لست متحمسا لهذه البدعة المسطحة التى تفسر العلم بالدين وتفسر الدين بالعلم، لأن كل من هذين النظامين يتكلمان لغة خاصة بهما، وهما وسيلتان من وسائل المعرفة، والاثنان معا يهدفان لخير الإنسان وصحته وتقدمه، ولكن لكل منهما طريقه المستقل لتحقيق ذلك، ولا يوجد أى مبرر أن نثبت الدين (كأنه يحتاج إلى اثبات) بمنطق علمى متواضع قابل للتغيير، كما لا يوجد داع يدفعنا ان نصفق للعمل اذا ما أتانا بما أثار به الدين، ان هذا السبيل التلفيقى يضر بالدين والعلم معا.
الطالب: انت بهذا تهزنى من أعماقي، فكم فرحت بتلك التفاسير التى قربت بين الاثنين.
المعلم: معك حق ولك ان تفرح، لان هجرنا للدين كان يحتاج الى هذه الرشاوى شبه العلمية بعد ان طمست حواسنا ولم يعد ثمة سبيل للتوازن مع الكون بالعبادة والماشرة فاحتجنا الى منطق العلم وبراهينه، لكن هذا اذا افادك وأفاد الشباب أمثالك كمسكن عاجل يطمئنكم بعض الوقت فهو لن يصمد امام اختبارات علمية ومحكات زمنية أعمق وأخطر، فما الداعى لأن نفرح بتفسيرات سطحية وكأنها دعايات لبضاعة راكدة، فى حين ان الحاجة إلى الدين أعمق وأسبق والزم من كل دليل.
الطالب: ولكنى أطمئن للتفسير العلمى أكثر.
المعلم: اطمئن كما تشاء، ولكن ماذا يكون الحال لو تغيرت المعلومة التى تصفق لها الان باعتبارها دليل على صحة الدين، هل يتغير الدين وراءها.
الطالب: اربكتني.
المعلم: ابداً، تعال نستفيد من معطيات العلم وارشادات الدين معا فى مهمتنا المحدودة لصالح المرضى ولتأكيد الصحة.
الطالب: هذا هو، مالى أنا بهذه القضية، لابد ان استعين بكل ما يساعد لاحقق نجاح مهمتى كطبيب.
المعلم: اتفقنا، ومن اول ما يمكن ان تستفيده من هذا الموقف هو ان تعلن تواضع الطبيب، فمادام الله هو الشافى بالمعنى الديني، والتوازن هو الصحة بالمعنى العلمي، فالطبيب ليس أله، هو عالم خبير يجتهد، وعلى الطبيب و المريض واهله ان يجتهدوا معه ليحققوا ارادة الله بالشفاء، ويؤكدوا توازن الفرد وفاعليته.
الطالب: أى والله.
المعلم: ثم تستفيد بأن تؤكد المبدأ القائل ان المهم ان تفعل كل ما تستطبع وكذلك المريض والاهل بلا أدنى تقصير، ثم تترك النتيجة على الله.
الطالب: وكيف اوصل هذا الى المريض وهو يثق فى وينتظر منى ان احقق له النتائج بطبى وشطارتي.
المعلم: ان ترك النتيجة على الله لا يعنى تقصيرك أو تقصيره بل يعنى قبول كل ما يحدث واعتباره نقطة للانطلاق منه من جديد لتحقيق ما هو احسن، وبذلك لا يتعجل المريض الشفاء فى مرض مزمن يحتاج لصبر طويل، وكذلك لا يعتمد المريض على لمسات الطبيب السخرية دون جهد وتعاون من جانبه.
الطالب: وماذا يفيدنى أيضا فى مهنتى من الموقف الدينى الايجابي؟ زدني
المعلم: ان توثق علاقة المريض بالحياة، فكلما كان المريض يمارس الحياه باعتبارها أمانة من الخالق تبين له أكثر فأكثر إنه ليس من حقه ان يهمل فيها وبهذا زادت فرص الشفاء.
الطالب: صحيح وعلى ذلك فليس من حقه اذا ان ينتحر.
المعلم: فى مجتمعنا هذا، اعتقد ان من أهم ما يقلل نسبة الانتحار هو هذه العلاقة بالحياة واعتبار أن الولادة والموت ليسا من اختصاصنا نحن كبشر . . فى قليل أو كثير، أما ما بينهما (ما بين مولدنا وموتنا) فنحن نجتهد قدر الطاقة للوفاء بحقه وأداء أمانته حسب ما نكتسب من علم وخبرة.
الطالب: هذا أمر مريح لعل كل المرضى يدركونه؟
المعلم: والأصحاء أيضا واحسب ان من بين ما تلزمك به وظيفتك ى المستقبل ان شاء الله هو ان تعلم مرضاك كيف يدركونه؟
الطالب: ولكن أظن انه ينبغى ان ادركه أنا أولا بالقدر الكافي.
المعلم: عليك نور، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولكن أياك ان تنتظر حتى تدركه ثم تبدأ، فأنت سوف تدركه أثناء ممارستك مهنتك، وأثناء احتياجك إلى عون المريض، وعون كل قوى الخير فى العالم ضد اغارة المريض وتشويه الطبيعة الإنسانية به.
الطالب: يخيل إلى أنك تحاول افهامى أن المرض ليس سوى ما يكون ضد الفطرة والطبيعة، وبما ان الدين هو الفطرة فهو ضد المرض.
المعلم: ياولد!!. . هكذا يكون الكلام، ولكن أحذرك ان تتصور ان الفطرة هى الطفولة أو البراءة، فهذا تفكير مثالى عاجز، انما الفطرة هى التوازن والحركة الأمامية والنمو المستمر، والدين اذ يمثل العلاقة بين الإنسان وربه هو درجة هامة من التوازن، والطب اذ يساعد فى توازن العلاقة بين الاعضاء أولا ثم مع المجتمع ثم مع المستويات الاعلى انما يتجه نفس الاتجاه.
الطالب: اذا صح هذا، فهل يصح لى أن أوافق على ما يسمى العلاج بالدين، بقراءة الآيات والرقى أو تكرار الدعوات.
المعلم: اسمع، خذها قاعدة “ان كل ما يساعد المريض من غير ان يحول دون التداوى بكل المتاح من علم وتخصص وخبرة – فى نفس الوقت – مقبول بدون قيد ولا شرط” وأولى الأمور لتطبيق هذه القاعدة هو الاستعانة بالآيات والدعوات لاننا بذلك (1) نوثق العلاقة بالحياة (2) وندرب التوازى مع ما بعدنا (3) ونرجح الخير من كل جانب فى مواجهة الشر والنشاز والنشوية من أى مصدر.
الطالب: فهل يحق لى أن أنصح بالتداوى الدينى مادام فيه كل هذا الخير؟
المعلم: انك اذا تمارس مهنتك تستعين بكل ما يعينك من كل مصدر، ولكنى أنصحك ألا تبدأ بالنصيحة، فالناس تختلف، واستقبال احدهم غير استقبال الآخر، انك تنتظر وتوافق على ما هو ايجابى من خارج اختصاصك وتمضى فى طريقك العلمى فى نفس الوقت مستعينا أنت أيضا فى أداء مهمتك بقوى الخير من كل اتجاه، المهم ألا تؤجل أعطاء مساعدة طبية فى سبيل تفضيل علاج دينى عليها.
الطالب: تعنى أنه لابد أن يسيرا جنبا إلى جنب؟
المعلم: هذا اذا عرض المريض أو أهله ذلك، ولكن الطب علم وحرفة تمارس فى حدودها، وهذه المساعدات الآتية من مصادر ايجابية أخرى تأتى أولا حسب بيئة المريض واعتقاده، ومدى ايجابية موقفه.
الطالب: أظن أنى كدت أفهم، ولو أن الطريق أمامى طويل حتى أحذق ما فهمته.
المعلم: ياولد!! هذا هو السبيل الصحيح للتعلم، تأخذ الفكرة وتهضمها على مهل، وتختبرها فى الممارسة، ثم نحورها وتزيد عليها فتصبح معلما بحق.
الطالب: ربنا يستر.
المعلم: سيحدث، فنراجع سويا أهم ما ورد فى حورانا المختصر اليوم.
الموجز
1- الاعتقاد فى الدين، والحاجة إلى الدين والايمان من الاسس العميقة لمجتمعنا هذا فى عصرنا هذا، وربما كان نفس الأمر صحيحا بالنسبة لسائر البشر عبر التاريخ.
2- أن من المتواتر على السنة المرضى والأطباء أن الله هو الشافي، وقبول هذا المبدأ يسهل مهمة الطبيب، ويجعله أكثر اجتهادا وأكثر تواضعا فى نفس الوقت، فالطبيب يصبح وسيلة يجرى الله عن طريقها الشفاء، فعليه أن يكن عند حسن نيه مريضه، وحسن موضع أمانته العلمية.
3- أن من القيم الدينية ما يعين فى عملية التطبيب فعلا، ومن ذلك تأكيد العلاقة بالحياة، وتسهيل التوازن مع ما بعد الإنسان الفرد، وتجنب الضرر والأهمال.
4- أنه لا يوجد تعارض بين الابتهال إلى الله بالدعوات أو استعمال أياته لتوثيق توازن الفرد مع أعماقة وما بعده معا، وبين ما يؤديه الطبيب من خدمات وما يهدف إليه من ترجيح القيم الصحيحة والصحية، بل أن كلا المحورين يساعد بعضهما بعضا، دون حاجة إلى اللجوء إلى التسطيح المخل بمحاولة تفسير الواحد بلغة الآخر.
5- ان من فضائل هذا الفهم الأشمل هو التأكيد على اتقان العمل مع احترام النتائج حتى ولو لم تأت بثمارها كاملة أو مبكرة بالدرجة الكافية، وهذا الفهم يطيل فى نفس الطبيب، ويؤكد صبر المريض، ونمى المثابرة فى معركة الاثنين ضد المرض باعتباره التشويه الناشز لتوازن دوائر الطبيعة والإنسان ليس إلا جزء من هذا التوازن الأشمل.
6- ان المهم ألا يحل التداوى الدينى السطحى البحت محل التداوى الطبى العلمى تماما، لأن ذلك قد ينتج عنه الضرر، وبالتالى يخل بالمبدأ الأساسى فى الدين من أنه “لا ضرر ولا ضرار”.
summary
RELIGION and HEALTH
1- Religious needs and practice represent a basic phenomenon of our cullure in our age. In general، its origin may reside in human nature and history.
2- Rather frequently one encounters a common belief among both، patients and physicians that ”God is the healer, and that the doctor should be an efficient means to that effect. This attitude should be taken as the least handicapping for medication.
3- Some religious values could efficiently help in the process of healing. such as enforcing the ties with ”life,” enhancing harmony at higher levels (cosmos) and avoiding harem and neglect.
4- There is no actual contraindication between religious healing and medical healing as long as the former does not substitute the latter.
5- Perfection and deficiency are the ultimate requirements form the practicing physician. then، are to be accepted in a realistic way which is partially congruous with some positive religious values.
المحاورة السابعة فى: المعتقد والشائع حول المرض والصحة
المحاورة السابعة فى: المعتقد والشائع حول المرض والصحة
المحاورة السابعة فى:
المعتقد والشائع ..حول المرض والصحة
الطالب: كان حديثنا عن التداوى بالدين توفيقا ملائما وان كان يحتاج إلى عودة ومراجعة، ربما، ولكن قل لى بالقياس ما هو قولك فى التداوى بأشياء أخرى ووسائل أخرى ليست دينية ولا طبية، وما رأيك فى العادات والتقاليد والتفسيرات العامة المتعلقة بتفسير المرض وتوجيه التداوى بناء على تفسيرات متأثرة بهذا الشائع أو ذلك المعتقد؟
المعلم: واحدة واحدة، يخيل إلى انك فتحت الابواب والنوافذ المقابلة مرة واحدة فكدت أصاب بتيار اللهفة المعرفية المتحفزة، ورغم ذلك فأنك اذا فكرت معى فى القاعدة العامة السابقة، فسوف تجد اجابة عن اغلب تساؤلاتك، بمعنى أنه لا ينبغى أن نقف ضد أى تفسير أو عادة أو مساعدة مادامت لا تحل محل المساعدة العلمية الطبية، وذلك حتى لا نخلق معارك جانبية، وفى نفس الوقت لا ينبغى ان نتحمس لها أو ننصح بها ابتداء.
الطالب: ولكن هناك تفسيرات تبدو شديدة الغرابة رغم أصولها الشائعة.
المعلم: نحن لا نهتم كثيرا بمدى عملية أو ثبات التفسيرات الخاطئة، فحتى التفسيرات الطبية ليست نهائية وليست فوق مستوى الشبهات ومع ذلك فأعطنى مثالا يشغلك.
الطالب: الاعتقاد فى الحسد مثلا.
المعلم: آن، هذا اعتقاد شائع فعلا، وله جذورة، لقد قفزت بنا فجأة إلى وسط الحلبة، ومع ذلك فلو أن مريضا اعتقد أن مرضه، وليكن التهابا فى الامعاء، هونتيجة حسد من شخص بذاته فهل سيمنعه ذلك من التداوى بالعقار المناسب فى الوقت المناسب.
الطالب: فى الأغلب لن يمنعه، حسب بيئته وثقافته والمتاح من فرص التطبيب
المعلم: اذا لم يمنعه، فما عليك ان اعتقد أنه محسود أو منظور أو مسحور
الطالب: أنت الذى وسعتها علينا، تذكر، .. ومع ذلك فماذا لو منعه؟
المعلم: عليك أن تتجنب أى معركة جانبية تعارض بها فكرة مثل الحسد، ولكن عليك أن تركز جهودك على أن العلاج الصحيح هو أهم وسيلة لاحباط نتائج المرض حتى لو كان بسبب الحسد.
الطالب: ولكن الحسد، هل هو حقيقة؟ خاصة وأنه ذكر فى القرآن؟
المعلم: معى أنت أم معهم؟ وماذا يهمك ان كان حقيقة من عدمه؟ ثم ألم نتفق ألا نستشهد بالعلم فى الدين ولا العكس؟
الطالب: لا .. لم نتفق. هذا رأيك، وهو يبدو وجيها، ولكن الحسد ذكر فى القرآن.
المعلم: يا سيدى ان تأثير الناس على بعضهم البعض بالخير أو بالشر أمر بديهي، ونحن نعرف التأثيرات المباشرة الصريحة أكثر مما نعرف التأثير غير المباشر، فيمكن أن ترى جرحا فى جبهة شخص نتيجة لاعتداء وقع عليه بآلة حادة كانت فى يد شخص آخر، ولكن يصعب أن ترى اعاقة شخص نتيجة حقد موجه من شخص آخر.
الطالب: فأنت تعترف بالحسد، وكل قضيتك أنك لا تراه يحدث، ولا تعرف كيف يحدث أثره؟
المعلم: أنا لا أعترف بشيء أو أنكر شيئا بوجه خاص الا اذا تعلق مباشرة بمهنتي، ثم أنى أعلمك فضيلة التواضع العلمي، فمادام العلم لم يصل لكل الحقائق ولم يهتد لكل التفسيرات، فماذا يفيدك لو فتحت نوافذ عقلك لريح الملاحظة المتجددة والتفكير المغامر؟
الطالب: هل تعنى – بقبولك فكرة الحسد – أنه بالامكان أن تضر نظرات شخص بشخص آخر؟
المعلم: مصمم أنت على هذه الفكرة – وعلى أنى قبلتها – ولا أدرى لماذا؟ وهو كذلك، اسمع ياسيدى ما فكرت فيه بهذا الشأن: هناك علم قريب من علمنا اسمه علم الباراسيكولوجىParapsychology
(أو ما بجوار علم النفس) وهو علم يدرس ظواهر بشرية تبدو خارقة بلغتنا الحالية مثل التواصل عن بعد (التليباثي( Telepathy
وكذلك التحريك النفسى Psychokinesis وما شابه، وهو يدرسها فى المعامل وبطريقة منظمة، وهم لم ينتهوا بعد الى حقائق نهائية وتفاسير ثابتة، وقد تكون ظاهرة الحسد ضمن طائفة ما يسمى بالتحريك النفسى ولكن الاثر لا يكتفى بأن يحرك شيئا من مكانه دون لمسه أو بمجرد النظر (وهذا هو التحريك النفسي) وانما قد يمتد – فى حالة الحسد – الى اخلال توازن فرد بنفس القياس وقد اتفقنا أن اخلال التوازن هو المرض بشكل أو بآخر.
الطالب: ياليتنى ما سألت، أخفتنى بحق، فمن أين لى بالأمن اذا كنت عرضة لايذاء الآخرين عن بعد، حتى دون لمس، وقد كنت أحسب أنك ستفسر ظاهرة الحسد بالايحاءوما الى ذلك، وأعذرنى اذا قلت لك أنك جئت تكحلها .. عميتها.
المعلم: أهذا ما علمتك يافتي؟ تسأل السؤال وكأنك تريد أن تعرف، وأنما أنت تريد تأكيد ما فى ذهنك، فاذا أجبتك بما لا يروق لك ثار اعتراضك وطال لسانك.
الطالب: ماذا أفعل لك، تركتنى نهبا لتحريك الناس، أعنى حسدهم، فما هو الدواء؟
المعلم: ياسيدى أنت السبب فى هذه الانحناءة بعيدا عن مهمتا الأصلية، ومع ذلك فهى تبدو مفيدة، لأنه كما أن ايذاء الناس للناس قد يقدر أن يخلخل توازنهم، فان رد هذا الايداء بتأكيد التوازن محتمل، ولعل المعروف من أن الله سبحانه قد حفظ خاتم الأنبياء صلواته عليه – من حسد حاسديه انما كان يعنى أن التوازن الأعلى يبطل فعل التخلخل الأدني، وعلى نفس القياس فان الاستعانة بالله “من شر حاسد اذا حسد” قد يفيد تفوق التوازن الأعلى والأقوى ضد ما هو أدني.
الطالب: هكذا معقول ومطمئن، ولكنى ضبطتك وأنت تفسر العلاج الدينى بالنظريات العلمية؟
المعلم: هذه واحدة لك، ولا أملك الا أن أعترف بذكائك، ولكن لتذكر أن الحسد ليس مرضا ولكنه ظاهرة، أنت الذى جرجرتنا اليه، فاضطررت أن أجرجرك الناحية الاخري.
الطالب: عذر ضعيف، ومع ذلك فاعترافك يكفيني* فماذا عن اللمسة الأرضية، ومس الجان، والعمل.
المعلم: الله .. الله!! سكتناله دخل بسؤاله، كل هذه معتقدات لها أيضا مايبررها بلغة اختلال التوازن، فاذا كنت تذكر ما قلناه فى المحاورة الرابعة عن تركيب الإنسان ومستوياته المتداخلة المتوازنة معا، فانى أفترض أن اختلال التوازن يفكك هذه المستويات ويخل بتآزرها بعضها مع البعض الآخر، وبالتالى يستقبل الواحد منها أحيانا تأثير المستوى الآخر الذى تخلخل والذى يكمن داخل تركيبه، يستقبله وكأنه تأثير خارجى ويتحدث عن مس الجان واللمسة الأرضية وما الى ذلك.
الطالب: تعنى أن الجان فى داخلنا؟
المعلم: قلت أفترض، أفترض، كما افترضت من قبل أن كلمة “تحت الأرض” تعنى “تحت الشعور”، فاذا وقع أحدهم وقيل له “اسم الله عليك وقعت على أختك تحت الأرض أحسن منك” فانى أفسر ذلك – افتراضا .. ومثلا – على أن الوقوع قد يترتب عليه فقد التوازن وإطلاق سراح مستويات كامنة بشكل مستقل مما قد يؤثر على الفرد، ومسارعة العامة بتقبل هذا الداخل والاعتراف بتأثيره، (بالبسملة والقبول) يخفف من المضاعفات المحتملة الناتجة عن المبالغة فى انكاره، وخاصة بعد ما تقلقل بالوقوع (وربما الارتجاج)، وقد وصل العامة الى كل هذا بحدس تلقائى وملاحظات تراكمية مفيدة.
الطالب: لم أفهم شيئا.
المعلم: ليس مهما أن تفهم جدا، المهم أن تتعلم كيف تتقبل الجانب الايجابى من الحدس الشعبى دون حماس زائف تدمغ به كل المعتقدات التى لا تفهمها باعتبار أنها خرافة، لمجرد أنك لا تفهمها.
الطالب: لكن حكاية أختك تحت الأرض هذه، أليست خرافة مائة فى المائة؟
المعلم: لتكن خرافة أو لا تكون، ولكن عندنا مثلا عالما عظيما أسمه كارل يونج رأى أن بداخل كل ذكر أنثى كامنة، وأن بداخل كل أنثى منا ذكر كامن، فاذا اعتبرنا أن الداخل هذا هو ما يعبر عنه العامة بـــ “تحت الأرض” لأمكن التخفيف من غلواء الاتهام بالخرافة لمجرد جهلنا أو اعتزازنا بمنطقنا العلمى (رغم اهتزازه) أكثر أضعافا مضاعفة من احترامنا لحدس العامة المتوارث.
الطالب: حدس؟ حدس؟ ماذا تعنى بالحدس؟
المعلم: وبعدها معك؟ الحدس هو المعرفة المباشرة الفطرية جزئيا) دون تفسير منطقى أو تجريب محدد.
الطالب: يعنى هى ليست معرفة علمية؟
المعلم: ليكن، علما بأنى لا أدعوك للاعتقاد بنتائج الحدس الشعبى بلا قيد ولا شرط، ولكنى أوصيك بعدم التسرع فى رفض معتقدات الناس، وخاصة الراسخ منها، فقد ننجح فى تفسيرها مستقبلا، وقد نستفيد منها حاليا دون تفسير، المهم أن نتذكر طول الوقت أنك صاحب حرفة عملية قبل أن تكون عالما معمليا، وأن لك هدفا محددا عليك أن تحققه بكل وسيلة متاحة، فمعركتك هى مع التوازن ضد النشاز، مع الكفاءة والفاعلية ضد الاعاقة والتعطل، مع الحركة النشطة ضد الخمود والتنافر، أى مع الصحة ضد المرض وقاية وعلاجا طول الوقت
الطالب: يعنى الذى اغلب به العب به، كما قلت من البداية.
المعلم: نعم ولكن لا تنس أن التزامك العلمى يحد من نفعية هذا المبدأ، فلابد أن تغلب لصالح الصحة وضد النكسة أو المضاعفات بمعنى ألا تفرح بمعتقد غير علمى يزيل الأعراض ظاهرا وسريعا وفى نفس الوقت قد يترك المريض أقل استقلالا وأكثر استهدافا لعودة المرض أو لمضاعفاته.
الطالب: وما هو المقياس الذى سأقيس به هذه العادة الشعبية من تلك، أو هذه المساعدة غير الطبية من أخري*
المعلم: المقياس هو مقاييس الصحة التى تحدثنا عنها فى المحاورة الثانية، فكل ما حقق الصحة ثم منع حدوث المرض لأطول فترة، من حقك أن تستعمله أو تسمح باستعماله، وكل ما عدا ذلك أو ضد ذلك عليك أن ترفضه أو تتحفظ ازاءه.
الطالب: هذا هو المهم، ولكن ذلك يضع على كاهلى مسئوليات فوق قدراتي.
المعلم: لا تتعجل فأنت قادر أكثر من تصورك، ومهنتك التى اخترتها هى مهنة محورية تستطيع أن تسهم فى المعرفة وفى الصحة وفى التقدم بأكثر فعلا مما تتصور.
الطالب: كفى كفى، سأمتلىء غرورا وأنا أعرف عجزى فما أنا الا تلميذ مجتهد أحسن الحفظ وأتى بمجموع ووجد نفسه هنا، فتأتى أنت تنفخ فى لتطالبنى بأن أميز بين الضار والنافع من بين معتقدات عمرها آلاف السنين، لقد كنت أفضل أن أعتبر كل ما خالف ما سأدرسه خرافة واستريح.
المعلم: هل المهم أن تستريح أم أن تتقن عملك وتريح؟
الطالب: أخشى لو أنى سايرتك واعترفت بالأصول الهامة لهذه المعتقدات أن يترتب على ذلك أن أستسلم لما يترتب عليها من مداواة بلدية خرافية
المعلم: كنت أتمنى بعد كل ما سبق أن أسمع رفضك للمداواة الضارة لأنها ضارة أو معطلة عن مداواة أنفع بدلا من رفضها لمجرد كونها “بلدية”، ومع ذلك فتحفظك فى محله، فقد يترتب على التفسير الخاطيء اجراء خاطيء.
الطالب: هذا هو، فماذا أفعل أنا؟ مثلا اذا ترتب على اعتقاد مريض ما أنه عنده لمسة أرضية فذهب يدق زارا، هل أقف متفرجا عليه؟
المعلم: خطر فى بالى لثانية أنك لن تكتفى بالفرجة بل رأيتك تهم أن تتمايل فى الدقة معه؟
الطالب: أنا؟؟ على كل حال فقد خطر فى بالى أيضا – بعد أذنك – أنه لست أنا الذى ..
المعلم: فهمت فهمت، ولعل الحق معك، ولكن دعنا نعود لتقييم حكاية الزار هذه كمثال تنطبق عليه القواعد السابقة، ولكنى أذكرك أولا أن شعبنا ليس عنده من أدوات التنفيث الموسيقى البدنى أى فرصة مناسبة، فلا هو ترك القديم واعترف به ليتمتع به ويشارك فيه ولا هو استوعب الحديث المزعج القادم من بلاد الفرنجة، كففنا عن مهرجانات وكرنفالات مولد النبى ونحارب سائر أنواع نشاط التنفيث الموالدى الجماعى ثم ننتقد الرقص الافرنجى والموسيقى الصاخبة، وكأننا شعب – دون سائر البشر – لابد أن يعيش وقورا جدا، – طول الوقت – ولا يسمح له بأن يتحلل من وقاره الا حين يتبادل النكات القبيحة أو يمارس لعبة السخرية الجارحة.
الطالب: تريد أن تفهمنى أن للزار وأمثاله وظيفة ايجابية فى حياتنا؟
المعلم: الزار والذكر والغناء الجماعى فى العمل وفى الأفراح، كل هذه المظاهر والنشاطات لم تخترعها الشعوب بالصدفة وانما لتسد احتياجات وتحقق توازنا.
الطالب: توازنا؟ “تاني”!!
المعلم: ماذا هناك؟ لا تعجبك كلمة توازن؟ حقيقة أنا كررتها كثيرا واحب أن أضيف هنا أنى لا أعنى بها تعادلا، أو حلا وسطا ساكنا، أو تسوية هامدة، وانما أعنى بها اتساقا وتناغما فى حركة.
الطالب: لهذا تحبذ الاتساق والتمايل فى حلقات الذكر ودوائر الزار؟
المعلم: أنا لا أحبذ ولا يحزنون، أنا أقول أنه مادامت الظاهرة موجودة وشائعة، فلم لا نعرف أصلها ووظيفتها، ونستفيد من ايجابياتها، حتى نستبدلهابما يؤدى دورها دون سلبياتها، ولك هذا ينطبق على جميع الوسائل الشائعة لمداواة المرضى بأساليب غير طبية مثلما ذكرت.
الطالب: ومثل ماذا أيضا؟
المعلم: لا .. لا .. لقد طال بنا الحديث فدع هذا للمحاورة التالية.
الموجز
1 – الطب مهنة عملية تستعمل المعطيات العلمية المتاحة وفى نفس الوقت لا ترفض أى اجتهادات شائعة أو معتقدات شعبية طالما أنها لا تضر، وأنها لا تحول دون الخطة الطبية والعلاج رغم أنه قد يكون له أساس من الملاحظات المتواترة كما قد يمكن تفسيره ببعض الاجتهادات العلمية اللاحقة، ووجود الظاهرة بشكل أكيد لا يعنى استسلامنا لها، وعدم تفسيرها وحده، لا يبرر رفضها، وانما على الطبيب أن يحترم الشائع، وأن يبحث عن تفسير أن وجد، والا يخلق معركة جانبية ضده طالما هو لا يحول دون فائدة علمية طبية مؤكدة، وأن يستفيد من ايجابياته أن وجدت.
2 – بعض الظواهر التى تسمى خارقة مثل التليباثى Telepathy
(التواصل عن بعد) أو التحريك النفسى Psychokinesis قد دخلت معامل الأبحاث ومازالت بلا تفسير نهائى حتى الآن، ومع ذلك فهى ظواهر لم يعد أمامنا مفر من الاعتراف بوجودها، وقد تكون لها علاقة ببعض المعتقدات مثل الحسد، ولكن لا هذا ولا ذاك يبرر استسلامنا للشائع دون حذر، ولا هو يبرر الغاءنا لوجوده خوفا من أضراره، المهم الاستفادة من كل ايجابي، واذا كان الحسد – كمثال – هو تأثير إنسان على إنسان حتى يفقد توازنه فهناك قوى خيرة أكبر توجد فى معطيات العلم وفى فيض الايمان تساعد على اعادة التوازن، بل وتمنع دون اختلاله أصلا.
4 – أحيانا يمكن ترجمة لغة المعتقدات الشائعة الى لغة نظريات حديثة فاللمسة الأرضية قد تعنى التأثر بفعل نشاط التركيب الداخلى المثار، وما تحت الأرض قد يعنى ما تحت الشعور .. وهكذا.
5 – قد تكون لبعض الممارسات العلاجية الشعبية، أو الدينية أو العاداتية الشعبية وظيفة وقائية للتنفيث أو للابقاء على التوازن أو المشاركة كما سيأتى بعد.
Summary
Folk and Popular Beliefs around Health and Disease
1- Medicine is a practical profession rather than a pure academic science. It utilizes every scientific information or popular tradition to prevent and cure illness as well as to promote health.
2- It is not useful or necessary to reject folk interpretations of certain disease so long as they do not lead to harmful management. Some such beliefs may have their parallel explanations through current theories، though using a different language.
3- Some parapsychological phenomena have no satisfactory explanation although they are under investigation through sophisticated laboratory procedures. Certain phenomena such as ”psychokinesis” may give modest clues to understanding a related phenomenon like the ”evil eye”. If the latter”s effect is understood through its disharmonizing influence on human balance، it is logical to accept certain higher harmonizing procedures as counter-phenomena preventing the evil”s eye disharmonizing effect.Some religious techniques could achieve such a goal.
4- Some popular habits، beliefs and traditions could have a preventive or a curative role in certain disharmonies.
المحاورة الثامنة فى: المداواة غير الطبية
المحاورة الثامنة فى: المداواة غير الطبية
المحاورة الثامنة فى:
المداواة غير الطبية
الطالب: الأن وقد فتحت الباب على مصراعيه لكل اسهام يحافظ على الصحة ويساعد فى أزالة المرض حتى هززت أملى فى أحتكار مداواة الإنسانية، هلا حدثنى عن كل الممارسات المفيدة بشيء من التفصيل كما وعدت.
المعلم: لا أخفى عليك أنى فرح ببصيرتك المبكرة وان كنت أتوقع أن تنطمس رويدا رويدا، فحذار، ولكن الا يجدر بنا أن نتفق أولا على حقائق مبدئية تفسر لك لم فتحت الباب كما تقول؟
الطالب: أفعل بى ما تريد، وتصور أنى أنا الذى أختار.
المعلم: لا. . لا. . ما هذا كله؟ !، اننى اذ أقترب من نهاية المقرر أجد شخصا آخر لم أعد أستطيع أن استدرجه أو “أسرح” به، المهم، أقول لك ما أريد، فقد خطر ببالى أن من الأفضل أن نقسم الأمراض فى مرحلتنا هذه من حيث وضوح أسبابها وأرتباط العلاج بهذه الأسباب على الوجه التالي:
أولا: أمراض معروفة السبب معروفة المظاهر معروفة العلاج، مثل أغلب الحميات، وبعض الأصابات والالتهابات، وهذه مجموعة يقف منها الطبيب موقفا حاسما وقاطعا، يرفض به أى تأجيل أو مزاحمة بما يسمى الطب البلدي.
الطالب: ياساتر، أسميته “الطب البلدي”
المعلم: ها أنت تقاطعنى فتحمل ما يترتب على ذلك، نعم أسمه الطب البلدي، وكان يعرف “بطب الركة” وأحيانا يسميه أخواننا العرب “الطب العربي” ومثله شائع فى الهند – مثلا-ومعترف به ومرخص له.
الطالب: طيب. . طيب، رجعت فى كلامي، أكمل تصنيفك من فضلك.
المعلم: ثانيا: أمراض معروفة المظاهر ومعروفة العلاج مع أنها غير معروفة السبب، مثل بعض أمراض الحساسية وبعض الامراض النفسية البسيطة، وبما أن العلاج معروف ونتائجه مضمونه، فالحسم الطبى جائز، واستبعاد أى مشورة بلدية أو غير ذلك ممكن، اللهم الا إذا كان وظيفتها أن تطمئن المريض وأهله دون التأثير على العلاج الطبى المضمون.
الطالب: طمأنتنى ياشيخ، فماذا بقى بعد ذلك؟
المعلم: ثالثا: أمراض معروفة المظاهر نجتهد أزاء علاجها دون قول فصل، وهى غامضة الأسباب أيضا، مثل بعض الأمراض النفسية والعقلية مثل بعض أنواع الفصام وبعض الأمراض المزمنة والمستعصية مثل الصدفية (مرض جلدي) وأحيانا ” الربو” (رغم أحتمال كونه أحيانا من أمراض الحساسية)، وهذه المجموعة من أكبر الامراض عرضة للفتاوى غير الطبية، والوصفات البلدية وما الى ذلك، وهذا بديهى لطول مدتها، وتعثر شفائها، ولا بأس من فتح الباب هنا لبعض المساعدات الشائعة المجتهدة فى الحدود التى أكدناها سابقا وهى عدم الاستغناء عن المساعدة الطبية المعروفة حتى ولو لم تأت بالنتيجة المرجوة سريعا.
الطالب: هل انتهى التقسيم؟
المعلم: ليس بعد، فهناك من الأمراض ما نحاول أن نرجعه لسبب واضح ولكنه غير مباشر وغير صحيح على اطلاقه، لكن من يؤمن به قد يشفى بالتخلص منه بايمانه ببقية الاعتقاد.
الطالب: ياساتر استر، بدأنا فى الالغاز، .. ماذا تقول بالله عليك؟
المعلم: خذ ياسيدى مثلا، هناك من البيئات الريفية من يعتقد أن عجز الرجل ليلة عرسة (الدخلة) هو نتيجة لان خصما أو منافسا قد ربطه وهو تعبير ذو دلالة يفيد الاعاقة، وهذا ليس هو السبب الحقيقي، وعادة ما يكون السبب هو الحرج والارهاق والخجل والخوف من آراء الناس .. وغير ذلك، الا أن من يعتقد اعتقادا حاسما أنه “مربوط” قد يستفيد ويشفى اذا اعتقد اعتقادا حاسما مضادا أن احدهم “فك رباطه” .. وهكذا.
الطالب: هذا اشبه بما يقال عن “العمل” و “فك العمل”.
المعلم: قلت لك أنا لا أفتح ولا أقفل، أنا أفسر واحترم ما يجري، فالى ان تزول امثال هذه المعتقدات رويدا رويدا بفضل نتائج الطب العلمية الأكثر فائدة لابد من فهم مايجرى والاستفادة من ايجابياته بالقدر الممكن، وخاصة اذا تذكرت أن احتياجات الناس للخدمات العلاجية أكبر بكثير جدا من قدرة البلاد النامية على الوفاء بها، وفى حالة اخفاق العلاج البلدى يلجأ المريض عادة الى الاستشارة الطبية.
الطالب: ويكون قد أضير حتما بالتأخير؟
المعلم: بصراحة هذا جائز، ونحن الآن لا نفاضل بين علاج بلدى وعلاج طبي* فالأخير عادة أفضل وأضمن بل وربما أرخص فى بعض الأحيان.
الطالب: أرخص؟
المعلم: نعم، فقد كنت قديما أكثر حماسا لبعض الأجراءات البلدية أكثر من الآن متصورا أنها فعلا ارخص حتى أبلغنى بعض مرضاى عن مبلغ ما يدفع فى ليلة الزار الواحدة فوجدته أضعاف أضعاف ما يدفع عند أكبر الأطباء فانزعجت.
الطالب: انزعجت لما يدفع أكثر مما انزعجت لما يعتقد.
المعلم: بصراحة انزعجت واطمأننت فى نفس الوقت أن هذه المبالغة فى التكاليف قد تسهم فى ذاتها فى الاقلال من التداوى غير الطبى بعد طول المدة وبالتجربة والخطأ.
الطالب: اذا، فهذه الممارسات، فضلا عن تأسيسها على فكر خاطيء فهى مجال لاستغلال خطر.
المعلم: فعلا، فان الذين يقومون بالمداواة غير الطبية حاليا ليسوا فوق مستوى الشبهات، بعكس ما كان يحدث قديما، فقد كان حكيم القرية أو شيخ القبيلة أو كبير القوم، سنا ومعرفة بأى صورة، هو الذى يقوم بذلك، وعادة بدون مقابل، أما الآن .. فان حرص الممارس البلدى على تثبيت جذور الأعراض لتعود مرة ثانية للمريض فيعود اليه المرض يكاد يكون هو القاعدة للأسف.
الطالب: أخيرا تعترف بخطورة ما ليس طبا؟
المعلم: وبعدها معك؟ أنا معترف منذ البداية، ولكنى أحاول أن أقدم لك معنى المعتقد وتاريخه وطبيعة الممارسة وحدودها وانحرافها من واقع الحال حتى تشعر بواجبك، وفى نفس الوقت تفتح صدرك وتنشط عقلك.
الطالب: أخفتنى فى البداية حتى كدت أعتقد أنى سأتساوى مع “الكودية” أو “العطار”.
المعلم: على فكرة، اننا نسينا أن نتحدث عن طب العطارة، فهو مازال شائعا فى كثير من الأحياء الشعبية فى القاهرة والمدن أكثر من شيوعه فى القرية، وهذا يريك كيف أن البيئة تؤثر حتما، على نوع المعتقد الذى يسمح له أن يسود، ففى حين تسود فكرة العمل واللمسة فى القرية تسود فكرة الحسد والعطارة فى المدينة، ولكن لتذكر أن هذا ليس بقاعدة أبدا، بل أن الذى يحدد سيادة فكرة أو معتقد هو نجاح التداوى به لفترة ما فى ظروف بذاتها فى منطقة معينة.
الطالب: وهل يداوى العطار هو الآخر بنفس طريقة الربط وفك الربط، أو العمل وفك العمل، أو اللمسة وصرف الأسياد؟
المعلم: هناك بعض العطارة التى تؤخذ دون أن تحتوى أى مادة لها تأثير فعال على المرض المعني، أى المرض الذى تعطى من أجله، وأغلب هذه العطارة هو ما يرتبط بالقوة البدنية والتنشيط الجنسي، ولكن هناك من العطارة ما هب من مواد تفيد فى الغرض المحدد لها ومنها عطارة البدانة، وبعض العطارة التى تستعمل فى بعض أمراض الجلد أو السعال وما الى ذلك.
الطالب: واذا كان فيها حقا مواد مفيدة، فلماذا لا تستخرج وتستعمل بشكل طبى منظم.
المعلم: عندك حق، وقد تم استخلاص المادة الفعالة من بعض أنواع العطارة لبعض الأمراض، وأهمية ذلك حاليا بالنسبة لك ليس فى معرفة أى مادة تصلح لأى مرض فقد تسمع عنها فيما بعد فى علم الأقربازين PHARMACOLOGY,
ولكن أهمية ذلك فى علمنا هذا هو أن تتعلم معنى احترام التداوى الشائع، ومعنى ضرورة الملاحظة الدقيقة والبحث عن جوهر كل شيء دون غرور واحتكار مطلقين.
الطالب: فهمت الآن بعض دور المداواة، وضرورة الملاحظة، ولكن هناك من النصائح الطبية والصحية ما يتبادله الناس دون حاجة الى حكيم أو عطار أوكودية كما أن هناك من العادات والأقوال ما يتعلق مباشرة بالصحة والمرض فما هو موقفى منها؟
المعلم: ياسلام!! هذا ما كنت أرجو أن نتحدث فيه، عمرك أطول من عمري.
الطالب: ومناسبة عمرك وعمري، هناك أيضا أمثال عامية بل وتفسيرات أحلام تفسر المرض أو تتوقع المرض بشكل أو بآخر، فأين يقع كل ذلك من علمنا هذا، ومن مهنتى المستقبلة أن شاء الله.
المعلم: والآن من الذى يفتح الباب على مصراعيه يا فتاى العزيز؟
الطالب: كلمة عابرة عن كل ناحية تكفينى فأنت تعلم البلاوى التى تنتظرنى فى العلوم الأخري*
المعلم: أعلم للأسف، وكم تمنيت من الأول أن يسأل كل أستاذ مختص نفسه عن كل حرف يدرسه، لم يدرسه، وماذا سيتبقى منه عند التخرج، وماذا يهم الممارس العام منه، وماذا ينبغى أن يؤجل للتخصص، اذا لأخرجنا اطباء بحق.
الطالب: لا تقلب مواجعى لو سمحت وكفى استطرادا؟
المعلم: اسمع ياسيدى باختصار: بالنسبة للعادات، ينبغى أن تقاس بالمعايير العلمية والطبية وما يثبت منها أنه مفيد يبقى ويدعم، وعكس ذلك يحارب – برفق وبالتدريج – فعادة النظافة المستمدة من الدين لا يمكن أن يختلف عليها اثنان أنها الصحة بعينها، وعادة تجنب الامتلاء والتخمة، وعادة تجنب النوم والبطن ملأى وغير ذلك من عادات مشابهة كلها عادات طيبة ومفيدة، وعلى النقيض من ذلك توجد عادات سيئة وسلبية: فان عادة الافراط فى تقبيل الطفل من فمه وعادة اكرام الضيف بالأكل لدرجة الارغام ومثل ذلك هى من العادات الضارة بلا أدنى شك.
الطالب: هذا صحيح ونحن هنا لا نكتفى بأن نعدد الضار من المفيد فخبرنى ما هو موقف الطبيب من كل هذا التعود السلبى والعادة طبع ثان كما يقولون.
المعلم: حقيقة أن العادة بعد أن تتأصل تصبح جزءا من الكيان البشرى الا أنه بتكرار الضرر، والربط بين الخسارة والعادة، وبشكل تدريجى متصاعد ومن خلال ثقة المريض بطبيبه ومن خلال تغير المجتمع ككل ستتأصل العادات الحسنة دون السيئة لا محالة.
الطالب: دعنا من العادة فماذا عن النصائح الطبية الشائعة؟
المعلم: أعتقد أن موقفنا منها ينبغى أن يكون متعادلا بحق، فالذى تعود عليه الناس دون ضرر، حتى ولو لم يكن ذا معنى يمكن أن يستمروا فيه لو أصروا، مع افهامهم بهدوء عدم ثبوت جدواه، ومثال ذلك أن كثيرا من الناس ينصحون بعدم أكل البيض مع نزلات البرد حتى لو لم تكن هناك حساسية للبيض، وقد لا يكون هناك ما يدعو لهذا الامتناع، الا أن الاهل اذا رأوا ذلك فليفعلوه بلا ضرر، وهكذا.
الطالب: تعود ثانية الى المبدأ الدينى الصحى الطبى المعتبر بانه لا ضرر ولا ضرار.
المعلم: ولماذا لم تكمل: السياسى الحضارى الأخلاقى التمام.
الطالب: أنت ما تصدق حتى تسترسل، لا ياعم عد بنا الى آخر المطاف وقل لى شيئا عن الأحلام التنبؤية بالصحة والمرض، والواصفة لعلاجات مختلفة، أين تقع من قضيتنا اليوم.
المعلم: تذكر فى المحاضرة الرابعة أننى نبهتك الى أن ظاهرة الحلم هى أهم من محتوى الحلم ذاته، وبالتالى فالتفسير المباشر بما جاء فى الحلم ينبغى أن يؤخذ بحذر شديد، وكذلك فالنصيحة المستمدة من الحلم ينبغى أن تؤخذ بحذر أشد فكثيرا ما تكون عند المريض نتيجة لارتفاع فى درجة الحرارة، أو لارتفاع فى درجة الحرمان من شىء بذاته وأنت تعلم أن الجوعان يحلم بسوق الخبز، والمريض يحلم بتاج الصحة وهكذا
الطالب: يعنى نعتبرها كلاما فارغا كلها، ونخلص.
المعلم: يا أخى أنت ما صدقت فوجهت عدوانك دون تردد، لا ياسيدى ليست كلاما فارغا وانما هى رؤية متواضعة يؤخذ منها ما يريح المريض، ولا تعارض منها مالا يضر، وليس بها من كلام فارغ الا ما يضر حسب القاعدة.
الطالب: ياذى القاعدة، فعلى بالموجز اذا حسب القاعدة.
المعلم: ليكن.
الموجز
1 – ان أبواب مساعدة المريض ينبغى أن تظل مفتوحة لأى اتجاه ايجابى حتى ولو لم يكن مستندا الى علم طبى واضح طالما أنه لا يضر ولا يحل محل علاج طبى أكيد وانفع وأسرع.
2 – يمكن تقسيم الامراض حسب معرفة السبب وارتباطه بالعلاج، فما هو معروف السبب قابل للشفاء بازالة السبب لا ينبغى ان يزاحم فيه الطب أى اجراء آخر، وما هو غير المعروف السبب لكن يوجد له علاج ناجح يعامل تقريبا نفس المعاملة مع بعض السماح لما يساعد بالاضافة وليس كبديل، أما الأمراض غير معروفة السبب ومتعذرة العلاج فقد يستعان فيها بما لا يضر وما لا يؤجل علاجا طبيا اذا رأى المريض أو الأهل ذلك، وفى كل الأحوال لا ننصح بفتح معركة منافسة مع أى اجتهاد علاجى الا فى حالة الاضرار أو تأخير العلاج الطبى الأهم والانجح.
3 – هناك من الامراض ما يفسر بمعتقد خاطيء، وقد يشفى بمعتقد عكسى وخاطيء أيضا، وقد نضطر للسماح بمثل ذلك لو كان هناك قصور فى العون الطبى المناسب، ولو كانت الوسيلة الشافية قريبة وطيبة ومؤقتة وغير مستقلة وذلك مثل الربط وفك الربط …. الخ.
4 – طب العطارة قد يشمل الايحاء جزئيا، الا أن هناك فى بعض العطارة ما هو ذو مفعول خاص ومناسب، والبحث العلمى لا ينكر ذلك ويحاول استخلاص المادة الفعالة المفيدة من كل عطارة ثبت نجاحها فى مرض بذاته.
5 – أن من أخطر مضاعفات اللجوء الى الطب البلدى – غير الاضرار المحتمل – هو تثبيت جذور المرض رغم زوال ظاهره مؤقتا، وكذلك التعرض لاستغلال وسوء الاستعمال.
6 – هناك عادات شائعة ونصائح تناسب الصحة وتدعمها، وأخرى تضر بها وتمهد للمرض، وثالثة لا تضر ولا تنفع، وبنفس القاعدة العامة لا يحارب بشدة الا الضار منها، وينمى النافع، ويترك المتعادل حسب راحة المريض وأهله حتى يتحور وحده مع تطور المجتمع وتفسير العادات، وفى جميع الأحوال نتذكر أن استئصال العادة أو تحويرها أمر صعب يحتاج لوقت وتدريج.
7 – ان الاعتماد على تنبؤات الاحلام وبلاغاتها فيما يتعلق بالصحة والمرض ينبغى أن يؤخذ بحذر شديد لدرجة الرفض فى أغلب الأحيان، لارتباط أحلام المريض باضطرابه خلال المرض وحرماناته وآماله المكبوتة مما قد يجعل محتوى الحلم أبعد ما يكون عن الافادة.
Summary
Traditional Healing
1- Traditional healing may help in combating diseases partioularly in developing countries where there is a definite shortage in medical services in relation to the actual need of the masses.
2- Diseases with a known cause that could be combated should be promptly treated by removing the cause. Diseases having an indefinite etiology but with known curing remedies should also take the full chance of specific therapy. Chronic and refractory diseases especially those having vague etiologies and poor specific remedies may invite some extra-medical healing in addition to the traditional medical help.
3- A certain disease may set in through some faulty convictions and could be equally removed by similar counteracting faulty beliefs. This form of healing may be permissible in a particular environment and as a limited temporary، first aid help.
4- Certain “condiments” help patients through traditional sugge stibility. Other condiments have specific active agents agents that have proven useful for special diseases،Some such agents are already extracted and are widely used in medical pharmacology.
5- Some major hazards of folk medicine consist of fixation of the underlying pathology through achieving temporary symptomatic relief. Also، such remedies may open the gate widely for unchecked abuses and frequent recurrence of symptoms.
6- Habits and traditions related to health and disease are to be left untouched unless they are definitely harmful.
7- Dream content related to health and disease should be cautiously interpreted, and, perhaps, better avoided in most cases.
المحاورة التاسعة فى: أدوار الطبيب الأخرى
المحاورة التاسعة فى: أدوار الطبيب الأخرى
المحاورة التاسعة فى:
أدوار الطبيب الأخرى
الطالب: تحدثنا طويلا عن المرض والمريض، وأظن أن موضوعنا الأساسى هو أيضا الإنسان والطبيب، وبعد أن جعلت من حق كل إنسان أن يداوى مع الطبيب، فماذا من حق الطبيب أن يفعل غير المداواة
المعلم: تعنى من حقه أم من واجبه؟ لعل من أهم ما يضيفه هذا المعلم الصغير المتواضع هو أن يفتح آفاق الطبيب الى ما بعد دوره المحدود فى اعطاء الحقن أو ازالة الزائدة، ولعلك تذكر أول محاضرة وما أشرنا اليه من دوره فى المجتمع الأوسع، ويبدو أن الأوان قد آن لنمعن النظر فى هذا الموضوع أكثر فأكثر.
الطالب: هذا ما قصدته .. ولعل توسيع مفهوم مهنة الطب تجعلنى أكثر اقبالا عليها وأكثر طمأنينة لحسن اختياري.
المعلم: هو ذاك ولنبدأ بدور الطبيب فى الوقاية، ولن أطيل فى هذا كثيرا فقد يكون موضوع علم بأكمله هو علم الطب الوقائى أو ما يسمى بالصحة العامة أو طب المجتمع، ولكن هذا الدور قد يأخذ شكلا محددا بالنسبة للمريض الفرد ولأقاربه حيث ينبغى أن يضع الطبيب نصب عينيه ألا يعود المرض أن كان ذلك فى مقدوره ومقدور مريضه.
الطالب: ولكن هذا دور طبى محدود بالمهنة أيضا.
المعلم: ماذا تريد اذا؟ هل تريد أن تقفز على تخصصات غيرك ماداموا قد قفزوا على تخصصك.
الطالب: لا أظن، ولكنى أحسب أنى أريد ربط مهنتى وشخصى بكل هذه الحفلة من الصفات المميزة للإنسان والآفاق التى فتحتها أمامى بهذه المحاورات.
المعلم: ليكن، ولتعلم أن من أهم وظائف الطبيب هو أن يعرف معنى المرض ودلالته مثلما يعرف اسمه وعلاجه، وأن يخطر المجتمع (أو من يهمه الأمر) بهذا الأمر ورأيه فيه.
الطالب: رجعنا للالغاز ثانية، لست فاهما شيئا؟
المعلم: لا تتعجل سأقول لك حالا ما يفهمك، أو لنبدا بالأمثلة فهذا أفضل، أظن أن انتشار البلهارسيا والعجز عن التخلص منها بهذه الصورة المتحدية يعنى معان اجتماعية وحضارية خطيرة أكثر من مجرد تواجد دودة البلهارسيا فى مياهنا وأحشاء مرضانا.
الطالب: أظن ذلك.
المعلم: فتصبح مهمة الطبيب هنا أن يعلن – من هذا المنطلق – مدى تخلفنا، وأن حرب البلهارسيا هى حرب التخلف أساسا، وأن ثروتنا البشرية القومية مهددة بالمعنى الاقتصادى المباشر.
الطالب: هذا طيب، وهو دور يتعدى الدور العلاجى والوقائى معا فهل لديك مثال آخر؟
المعلم: أظن أنه يحق لى أن أستشهد بأمثلة من تخصصى فهذا ما أفهم فيه أكثر فاسمح لى بذلك، ولعل من أبسط ما تعنيه انتشار الأمراض النفسية والعقلية وزيادة نسبتها هو درجة عدم التوازن السائد بين المستويات وبعضها، سواء كانت مستويات تركيب الذات أم تركيب المجتمع أم فى العلاقة بالطبيعة.
الطالب: رجعنا لعدم التوازن.
المعلم: يخيل الى أننا ألفنا هذه اللغة ولا أجد مبررا للسخرية.
الطالب: عذرا فعلا، فأكمل ماذا تعنى أمراض تخصصك؟
المعلم: ان اختفاء أو نقص الأمراض الدورية (التى تأتى بشكل متكرر، مثل مرض الاكتئاب الدورى المتبادل مع الهوس وكأنها توازى دورات فصول الحياة) مع زيادة الأمراض التكلسية فى شكل اضطرابات الشخصية وتبلد العواطف، ان هذه النقلة قد تعلن انفصال الإنسان عن الطبيعة مما قد ينذر بتدهور فى التركيب البشرى على المدى الطويل
الطالب: رغم أن كلامك صعب الا أنى سأقبل جوهره وهو أن الطبيب صاحب الاهتمام الشامل ببنى مجتمعه وبنى جنسه يمكنه أن يقوم بدور المترجم والانذار المبكر.
المعلم: هو ذاك.
الطالب: فماذا عن الأدوار الأخري؟
المعلم: الطبيب معلم ومرب رغم انفه، فهو لا يزيل المرض فحسب بل يعمل العادات الصحية، بل أنه بحفاظه على رفع الحياة من خلال الفهم الأعمق للإنسان باعتباره صاحب قدرات متزايدة، وأن دوام الصحة مرتبط ارتباطا مباشرا باستمرار اطلاق قدراته وحسن استعمالها، وهو يؤدى دور المربى بطريقة ناجحة لانه يؤديه بطريقة غير مباشرة.
الطالب: هذا أفضل من الالقاء والاملاء، وماذا أيضا؟
المعلم: وهو قاض أحيانا، فبطريق غير مباشر أيضا، قد يكون الطبيب – وخاصة حين يسمى طبيب العائلة، أو طبيب الأطفال ذو العلاقة الممتدة مع الأسرة، أو الطبيب النفسى قد يكون فى موضع ثقة بحيث يثق فيه أطراف العائلة اذا ما تنازعوا فيما بينهم فيستطيع بصفته المحايدة والقادرة أن يدلى برأيه بل أن يصدر حكمه بما يسمح باعادة الوفاق واستمرار الحياة الأسرية.
الطالب:أذكر ذلك.
المعلم: تذكر ماذا؟
الطالب: لا .. لا شيء، أمور خاصة، وماذا أيضا؟
المعلم: وقد يقوم الطبيب بدور المستشار فى شئون متعددة بوصفه صاحب بنك معلومات يحصل عليها بالصدفة والانتباه من مرضاه.
وبصفته أيضا قادرا على العلم بمريضه أحواله وظروفه، وبصفته أخيرا محايدا بالضرورة وموضع ثقة، وهنا تأتى مشورته حتى فى أمور غير طبية مفيدة وهادفة اذا كانت العلاقة مع مريضه تسمح بذلك، والمفروض أنها تسمح.
الطالب:يخيل الى أن هذا يكفي، فلم يبق الا أن تقول لى أنه سيقوم بحساب احتياجات الحديد المسلح فى عمارة مريضه المقاول.
المعلم: مازلت تسأل، ثم تسخر بقسوة من اجتهادى للاجابة؟
الطالب: كنت أريد خطوطا عامة ليس الا
المعلم: الخط العام الذى يربط هذا المقرر كله هو أن دور الطبيب الأوسع هو علاج المريض الفرد ومشاركة الناس مشاكلهم والاسهام من موقفه فى حلها على المستوى الفردى والجماعى بالقدر الذى يسمح له بأن يكون موضوعه – وهو الإنسان – له أكبر فرصة للانطلاق دون أعاقة ليستثمر قدراته فى صالحه وصالح مجتمعه وصالح جنسه.
الطالب: أريد أن أكف عن الأسئلة حتى تكافئنى بجعل هذه المحاورة قصيرة لاستطيع أن أستوعب كل هذه الأعباء.
المعلم: ليكن وسأكف عن الأجوبة بالتالي، ويخيل الى أن هذه المحاورة لا تحتاج الى موجز اذا يبدو أنها اعادة لبعض المعلومات التى وردت من قبل فى محاولات سابقة.
الطالب: ليكن ما تريد فأنا أشعر أن هذه المحاورة برمتها ما هى الا موجز أصلا، ومع ذلك فان أوجزت لى بضعة أسطر أكون شاكرا.
المعلم: ليكن حتى لا نكسر القاعدة:
الموجز
1 – للطبيب أدوار أضافية غير المداواة المباشرة.
2 – فهو قد يفهم المجتع معنى أعراض بعض الأمراض، وقد يفسر انتشار مرض بذاته فى وقت بذاته، أو احلال مرض بذاته محل آخر، ومن خلال هذا الفهم قد يكون واجبا عليه أن يعلن ما رأى وينذر بما يخشي.
3 – الطبيب مرب ومعلم بطريق غير مباشر – وهذا أفضل – فهو لا يحافظ على الصحة فحسب بل يطلق القدرات أيضا وينمى الثروة البشرية.
4 – قد يكون الطبيب – بسبب حياده وعلاقته والثقة الموضوعة فيه – حكما قاضيا عادلا ناجحا يساهم فى حل بعض اضطرابات العلاقات.
5 – قد يعمل الطبيب – من موقع آفاقه المتسعة – بصفته مستشارا محايدا، وعونا ايجابيا فى ما يهم مريضه ومن اليه.
Summary
Other Roles of the Physician
The physician”s role should extend beyond writing a prescription or performing an operation. He can indirectly act as a consultant (even in non-medical affairs), a neutral judge, and a teacher promoting human growth which is the basic preventive process against any patho logical disharmony or alienation. The sharing responsible physician may be able to see the meaning of the prevalence or incidence of a certain disease or of a shift from one disease to the other. As such, he may partly perform the role of a social alarm system.
المحاورة الأخيرة فى: المراجعة والامتحان
المحاورة الأخيرة فى: المراجعة والامتحان
المحاورة الأخيرة فى:
المراجعة والامتحان
الطالب: والآن أنهيت ما علينا بالنسبة للجزء الخاص بك فى هذا المقرر.
المعلم: نعم وهذه آخر محاورة أرجو أن تكون فيها حرا تسأل فى أى شيء سبق أن غمض عليك أو فى أى شيء أخر حتى لو كان خارج المقرر.
الطالب: خارج المقرر؟ ومن يضمن لى الا تصبح اجابتك مقرررا مادامت قد أصبحت معلومة معلنة؟، لا ياعم خلنا فى المقرر.
المعلم: كما تشـاء.
الطالب: أولا كيف سيكون الامتحان فى هذه المحاضرات؟
المعلم: جاء الكلام وان كنت حاولت جاهدا أن أفصل فعل المعرفة عن فعل التحصيل للامتحان، والواقع أنى لا أعرف اجابة محددة، ولكن الشائع أن يكون امتحان أعمال السنة من نوع الأسئلة متعددة الأجوية وامتحان آخر العام من نوع المقال.
الطالب: يخيل الى أنه سيصعب على بعد هذه الطريقة الحوارية أن أجيب تحديدا على سؤال صغير، أو أن أكتب مقالا، فالمسألة كلها كانت سؤالا وجوابا، أخذا وعطاء.
المعلم: لا شك أنى احترم هذه الصعوبة وان كنت لا أظن أنها ستكون موجودة عند التطبيق فعلا؟.
الطالب: فأعطنى أمثلة وهيا تجرب.
المعلم: أولا بالنسبة للأسئلة متعددة الاجابة تأخذ سؤالا أو اثنين – كعينة – من كل محاضرة.
الطالب: هذا عين الصواب.
المعلم: المحاضرة الأولي:
1 / 1 دراسة الطب يمكن أن تعتبر:
1- دراسة اكاديمية علمية بحتة.
2- دراسة نظرية إنسانية مجردة.
3- دراسة عملية تستعمل العلم والنظرية معا.
4- دراسة تتطلب التدريب والخبرة مع العلم.
5- الاجابة 3، 4 صحيحة.
6- كل ما سبق صحيح.
الطالب: بسيطة، طبعا الاجابة 3، 4 هى الصحيحة، يبدو أن الأمر يحتاج للمنطق السليم أكثر مما يحتاج الى ما درسنا وتحاورنا حوله.
المعلم: ليكن، فالمنطق السليم هو المرشد والمنقذ فى كل آن، فخذ مثالا آخرا يحتاج للدراسة مع المنطق حتما:
1 / ب – علم الانثروبولوجيا (علم البشر) هو علم يدرس:
1 – السلوك الإنسانى الفردي.
2 – الظاهرة البشرية وأعماقها التاريخية.
3 – علاقة الفرد بالبيئة القريبة
4 – تركيب جسم الإنسان كوحدة متآلفة.
الطالب: الاجابة الثانية هى الصحيحة، لكنها احتاجت منى الى التذكر الصحيح مع المنطق السليم.
المعلم: لا ياشيخ، اليك عينة من المحاورة الثانية.
2 / – الإنسان ما هو الا:
1 – مفهوم شعرى تجريدى بحت.
2 – حيوان لا يتميز عن غيره من حيوانات.
3 – مجموعة عادات وسلوك معاد.
4 – حيوان اكتسب صفات وظائف عالية.
5 – معادلة كيميائية صعبة.
الطالب: الاجابة الرابعة هى الصحيحة، ولكن قل لى كيف يأتى الامتحان المقال.
المعلم: انه كما تعودت طول عمرك، وأظن أن المقال سوف يكون اجابة على سؤال بعنوان المحاورة برمتها مثل “تحدث عن: ماهية الإنسان”
الطالب: وفى هذه الحال: هل أرص الأسئلة والأجوبة؟
المعلم: أياك، فما عليك الا أن ترص الأجوبة فحسب، فاذا كنت خائبا أو متعجلا أو حذقا فرص الموجز واشرحه من عندك حسب ما تتذكر من القراءة القديمة أو من حضور المحاضرة.
الطالب: بسيطة.
المعلم: الحمد لله أنك قلت بسيطة، فأخشى ما أخشاه أن يقول زملائى أنى صعبت عليك المسائل لمجرد التجديد، فها أنت تشهد أنها “بسيطة”.
الطالب: على شرط أن يأتى الامتحان بسيطا، ولكن لنعد الى لعبة الأجوبة المتعددة فهى أظرف وفيها مراجعة ممتعة، وصلنا الى المحاورة الثالثة
المعلم:
3 / أ – أصح الأقوال من بين ما يلى أن:
1 – الإنسان حيوان ناطق.
2 – الإنسان حيوان مفكر متكلم.
3 – الإنسان حيوان عادل.
4 – الإنسان حيوان منفعل.
الطالب: الاجابة الثانية هى الأصح طبعا.
المعلم: ولكن لاحظ صيغة العبارة الأولى حين استعملت كلمة “أصح” بما يعنى أن الاجابات الأخرى قد تكون صحيحة ولكنها أقل صحة مما اخترت.
الطالب: شكرا، هذا تنبيه فى محله، فقد غاب عنى الفرق فعلا، فالى بمثال آخر.
المعلم: خذ يا سيدى
2/ب – الابداع العلمى والفنى:
1- صفة عامة للثدييات.
2- صفة خاصة بالانسان.
3- وظيفة حيوانية عامة.
4- صفة ثابتة لكل الأحياء.
الطالب: الاجابة الثانية، هى الصحيحة، رجعنا إلى المنطق السليم.
المعلم: الحمد لله، رغم أننا لم نكن قد ابتعدنا عنه، فهناك سؤال من المحاورة الرابعة
4/أ- التنظيمات البدائية فى الطفل:
1- تختفى تماما ويستحيل ظهورها.
2- تدخل كجزء أساسى فى التركيب التالى.
3-مرحلة شاذة فى النمو.
4- يمكن أن تستعيد نشاطها مستقلة فى ظروف خاصة.
5-1، 3 صحيحتان.
6-2،4 صحيحتان.
7- كل ما سبق صحيح.
الطالب: رغم أنها سبع اجابات إلا أنه من البديهى أن تكون الاجابة السادسة هى الصحيحة.
المعلم: الحمد لله أنها بديهية وليست فقط منطق سليم.
الطالب: سهلت علينا الأمور، ولم يكن هناك داع للمشاجرات والمحاورات سالفة الذكر.
المعلم: بذمتك؟ ألم تفتح عقلك؟
الطالب: ومن أدرانى أن تفتيح عقلى أفضل؟ إنه خطر ليس له إلا ستر الله
المعلم: ربنا يستر، فهل تريد سؤالا آخر من نفس المحاورة؟
الطالب: أحسن، لأن هذه اللعبة راقت لى
المعلم: خذ يا سيدى
4/ب- ظاهرة النوم هى:
1- عكس ظاهرة اليقظة تماما.
2- وظيفة سلبية للراحة
3- نشاط متبادل مع اليقظة.
4- وظيفة يمكن الاستغناء عنها.
الطالب: الاجابة الثالثة هى الصحيحة
المعلم: ننتقل إذا للمحاورة الخامسة.
5/أ- الصحة هى:
1- مجرد انتقاء الشكوى.
2- عدم الذهاب إلى الطبيب.
3- مجرد سلامة الأعضاء كل على حدة.
4- سلامة الأعضاء والأجهزة وكفاءة توظيفها.
الطالب: الاجابة الأخيرة هى الصحيحة، وأقول لك سرا، فهى أطول الاجابات!!
المعلم: كذا؟ سوف أعكس الوضع حالا.
5/ب- المرض هو:
1- ما يجعلك تذهب للطبيب دون تأخير.
2- التوقف المؤقت عن أداء بعض الوظائف أثناء النوم.
3- فقد التوازن والخلل والاعاقة.
4 – الاعتقاد بضرورة الكشف الصحى الدوري.
الطالب: الاجابة الثالثة هى الصحيحة، فعلا، ليست المسألة مسألة طول أو قصر.
المعلم: هذا هو، ومن المحاورة السادسة:
6 / أ – أى العبارات صحيحة:
1 – العلاج الدينى هو بديل عن العلاج الطبي.
2 – العلاج الدينى قد يسير موازيا للعلاج الطبي.
3 – العلاج الدينى ضد العلاج الطبي.
4 – العلاج الدينى خرافة مؤكدة.
الطالب: الاجابة الثانية هى الصحيحة.
المعلم: يبدو عليك السرور من هذه اللعبة الجديدة فلننتقل الى المحاورة السابعة:
7 / أ – ظاهرة الحسد:
1 – لها علاقة “بالتحريك النفسي”.
2 – واردة فى القرآن.
3 – يمكن أن نقاومها بتوازن أعلي.
4 – 1، 2 هما الاجابتان الصحيحتان.
5 – كل ما سبق صحيح.
الطالب: كل ما سبق صحيح.
المعلم: هذا طيب، فاليك مثال آخر من نفس المحاورة.
7 / ب – الاعتقادات الشعبية لتفسير المرض:
1 – ينبغى رفضها تماما.
2 – ينبغى قبولها تماما.
3 – ينبغى احترامها واهمالها.
4 – ينبغى الانتفاع منها ان أمكن.
الطالب: هذا سؤال صعب لأنه يخيل الى أن الاجابة الثالثة والرابعة كلتاهما صحيحتان.
المعلم: أخيرا بدأت تكتشف أن هناك أسئلة صعبة، ولسوف ترى فى الامتحان ما هو أدهي.
الطالب: لا .. اعمل معروفا.
المعلم: أداعبك يافتي ولكن ألا ترى مع أن الاجابة الرابعة أصح؟
الطالب: نعم، بناء على مبدأ أن الطب مهنة عملية ينبغى الانتفاع بكل شيء يفيد هدفها.
المعلم: اذا؟
الطالب: اذا الاجابة الرابعة أصح.
المعلم: وهذه هى القاعدة، أن تأخذ الأصح مادام المطلوب اجابة واحدة، حتى ولو لم يأت نص فى رأس السؤال على أن تنتقى الأصح.
الطالب: شكرا، هات الثامنة حتى ننتهي.
المعلم: 8 / أ الطب البلدى والوصفات الشعبية:
1 – ينبغى تجريمها بحكم القانون.
2 – ينبغى احتقارها واستبعادها.
3 – تدل على تفاهة التفكير دائما.
4 – لا يصح الالتفات اليها أصلا.
5 – كل ما سبق خطأ.
الطالب: يخيل الى “أن كل ما سبق خطأ”، ولكن هل هذا يجوز؟
المعلم: ولم لا؟ كل ما يهديك اليه التفكير السليم سينقذك حتى ولو لم تكن قد ذاكرت بدرجة كافية، كان الله فى عونك فى ما عليك.
الطالب: صحيح، ويخيل الى أن مثالا واحدا أصبح يكفينى فهات الأخير وشكرا.
المعلم: آخر مثال من المحاورة التاسعة.
9 / – دور الطبيب فى المجتمع النامى:
1 – أن يداوى المرضي
2 – أن يفهم معنى ظاهرة مرض بذاته.
3 – أن يشير وينذر من واقع ممارسته.
4 – أن يؤكد قيم المجتمع الايجابية.
5 – كل ما سبق صحيح.
الطالب: يخيل الى أنك سهلت الأمور أكثر من اللازم وكأنك تداعبني* وأخشى أن تنقلب المسألة فما فى الامتحان حين تأتى أسئلة أصعب.
المعلم: أنت قدرها وزيادة، وليس فى المسألة دعابة فان شئت دعابة ختامية فهى ليست فى المقرر ولا تحتاج اجابة بداهة:
الدعابة الأخيرة: هذا العلم الجديد (سلوكيات .. الخ)
1 – لا لزوم له الا لو ..
2 – مفيد ولكن ..
3 – طب ليس كالطب لأن..
4 – “أى كلام” حتى لو ..
الطالب: هذا أصعب سؤال، ولا أعرف هل أجيب أم أكمل النقط.
المعلم: لا هذا ولا ذاك .. اليست دعابة؟
summary
The Excamination
The examination may take the form of an essay such as ”Write an account on the concept of health and disease”or ”the social role of a physician”. It may take the form of multiple choice questions such as:
Check the appropriate answer:
Medicine is considered as:
a) a purely academic science.
b) a purely theoretical abstract humanistic science.
c) a practical profession utilizing both scientific information and theory.
d) all of the above.
(C is the correct answer)
بعد المحاورات للتعارف والمكاشفة
بعد المحاورات للتعارف والمكاشفة
بعد المحاورات
للتعارف والمكاشفة
المعلم: والآن .. هل يمكن أن تتصور معى ماذا سيبقى لك بعد تخرجك مما تدارسناه.
الطالب: أظن أنى سأتصور أنى سأعدل الكون من موقعى الطبى الخاص، حتى أصدم بواقع لا أعلمه، لعله تجارة المهنة أو صعوبة الرزق أو هجوم الآلات، فأتراجع أو أنسي، أو أتصور غير ما يجري، فأدعى … و ….
المعلم (مقاطعا): عندك، عندك، حسبتك خدعت بمعسول الكلام وكنت أنوى أن أرد عليك بما قلت، فسبقتني.
الطالب: ولكن قل لى: ماذا فعلت أنت بعد تخرجك؟
المعلم: دعنا من هذا الحديث الشخصي، فهو قد يضر ولا ينفع، فتأويل السلوك الواحد يدخل فيه الصدق والاعتراف كما يدخل فيه التبرير والادعاء، ولنحتكم لعمل عام متعلق أشد التعلق بما تدارسناه، أقوم بمسئولية اصداره “بعد تخرجي” (متعدد المراحل)، ألا وهو مجلة فصلية (تصدرها جمعية طبية ثقافية) باسم “الإنسان والتطور” حاولت من خلالها أن أربط الطب بالإنسان بالتطور.
الطالب: سمك لبن تمر هندي.
المعلم: قبلت مزاحك مع ألم متزايد، ومع ذلك فدعنى أقتطف لك من آخر عدد (يناير 1982) من مقال مدرس للأمراض الباطنية وليس النفسية) فى معهدك هذا يقول فيه “ان صراع البشرية مع الجهل لا يقل ضراوة عن صراعها مع الفقر والانفجار السكاني”.
الطالب: هل هذا أمراض باطنية؟
المعلم: هذا كلام طبيب، لم ينس (بعد) صلته بالعالم الأوسع والمعرفة الأشمل.
الطالب: تريد أن تقول لى أنك تواصل ما درسته لنا من خلال “جمعية” و “مجلة” فهل يا ترى هذا هو الحل المراد من طب العباد.
المعلم: لعل انتقال القضية من معاناة فرد الى مسئولية جمعية يحمل معنى الأمل فى الجماعة والمستقبل جميعا.
الطالب: لست مقتنعا ..، ولست مدركا علاقة ما تقول بما درسنا.
المعلم: أعتقد أن من حقي، وحق الجمعية أن تظهرك على بعض ما نفعل، وخاصة وأن اصدار هذا الكتيب بهذه الصورة بهذا الثمن هو بعض ما تفعل.
الطالب: هات ما تريد… ولا تكثر من الدوران.
المعلم: … أول عينة أظهرك عليها هى مقطع من ديوانى “سر اللعبة” وهى محاولة لكتابة أحد فروع علمى باللغة العربية شعرا، حيث جاء فى قصيدة “هربا من هربي”.
”قد أنجح أن أبقي
أن يدفع قلبى الدم
أن تطحن أمعائى ما يلقى فيها
أو يقذف جسدى اللذة،
لكن أن أحيا إنسانا؟!
هذا شيء آخر
لا يصنعه العدوان أو القسوة
لا يصنعه الهرب أو اللذة
لكن يبنيه الحب النبض الرؤية
الآلم الفعل اليقظة
الناس “الحلوة”
الطالب: صحيح .. هذا صحيح .. له علاقة بما درسنا، ولكنه يؤكد المفهوم التجريدى للإنسان، ألم تقل أنك “بيولوجي”..؟
المعلم: كيف أوصل لك تداخل المفاهيم، دائما تعود بى الى المقرر، لقد هاجمت المفهوم التجريدى هذا فى ديوانى بالعامية، ونعيت الإنسان حين يتحول الى مجرد كلمات يتبادلها أصحاب العقائد المستوردة من المنظرين، فقلت فى ديوان “أغوار النفس”:
”دا القبر رخام
والنقش عليه آخر موضة، خلاله مقام
وصنايعى واصل من “بره” . أميله كلام
واللى دفنوه سوا من مدة، نسيوا المرحوم كان مين أتاريه كان شبه الإنسان.
الطالب: هذه الرؤية مؤلمة، شديدة الايلام، من أين لك بها؟
المعلم: من ذاتي* حين تنصهر على نار حكمتهم، هؤلاء الذين تسمونهم مجانين، وقد كتبت عملا أطلقته عبر أفواههم وأسميته “حكمة المجانين: طلقات من عيادة نفسية” واليك احداها (وهى الف طلقة وطلقة) الطلقة (313): “اذا استطعت أن تنحت فى وجه العدم تضاريس الألم .. فأنت تعرف طريقك، وسبحان من يحيى العظام وهى رميم”.
الطالب: يا ساتر استر، لا أفهم شيئا.
المعلم: الطلقات لا تفهم وهى تخترق العقول، ولعل من الأفضل أن أريك صورة من حكاية أهدأ، ظهرت فى عهد أسبق باسم “عندما يتعرى الإنسان: صور من عيادة نفسية”.
الطالب: فرجنى .. بلا ازعاج.
المعلم: قلت فى نهاية الحكايات.
”… هناك من يشنق نفسه بحبل … ومن يشنق نفسه برباط عنق، هناك من يغرق فى النيل ومن يغرق فى بحر الحقد والحسد، هناك من يموت بالتسمم الغذائى ببكتريا السلمونيلا .. ومن يموت بالافراط الغذائى والجنسي، هناك من يلتهم الأقراص المنومة حتى الموت . ومن يلتهم التحف ويغوص فى طبقات السجاد حتى الموت .. وكلهم يسعون للهلاك بجد وتصميم.
الطالب: هذه حكمة الحكايات فأين الحكاية؟ … لا أخالك كتبت قصة بحق. فعلا؟
المعلم: لم أكذب خبرا، فحاولت توصيل رؤيتى من خلال رواية طويلة (نالت تقديرا رسميا مع استمرار شكى فى وصولها آلى أصحابها)، رواية من جزئين تحت اسم المشى على الصراط، الجزء الأول أسميته الواقعة، ولم يدرك أحد ما عنيت بالاسم (وربما بالمحتوى) فاليك لقطة أستغل من خلالها بكارتك لعلك تلتقط ما فات من هو أكبر منك، قلت على لسان “عبد السلام المشد” بطل الجزء الأول:
استئذان، سوف أجمع نفسى حالا بعد أن كدت أتبعثر لأهرب عند أول منحني”.
الطالب: فهل هذا ما عنيت بالواقعة؟
المعلم: طبعا لا ..، أنا أريك بعض العينات لنتصادق أو نفترق على خير، ولعل الجزء الثانى من هذا العمل، وهو المسمى “مدرسة العراة” وهو الأصعب، هو الذى أتاح لى أن أقول على لسان أبطاله ما عجزت عن الافصاح عنه مباشرة من خلال علمى أو عقيدتي، فهل تسمع معى ابراهيم الطبيب وهو يصيح:
”يا ناس يا هوه .. مندفعونى الى معركة متصلة لتحدى سلياتكم وهى داخلى ترعي، من يرانى يصفعنى بها، ومن يعمى عنها يتحدانى بها من داخله هو، وحدتى بلا حدود، وحيرتى دوامة بلا قرار، ومع ذلك فان اجاباتى حاسمة، وسأستمر بلا تردد”…
الطالب: ولكن من هو عبد السلام المشد؟ ومن هو ابراهيم الطيب؟ ولكن قبل ذلك، ما علاقة كل هذا بمقررنا هذا فى وقتنا هذا؟
المعلم: هذا حديث زائد، بدأناه بالوصلة ما بين الطب والناس، فانتهى منا كما رأيت، وقد حذرتك من البداية حتى لا تقرأه.
الطالب: ولكنى قرأته مضطرا، ربما بسبب هذا التحذير ذاته، وربما خوفا من أن يكون من المقرر.
المعلم: ذنبك على جنبك، وشطارتك أن تمحوه حتى تحتفظ بمقاعد خلايا مخك للمدعوين الرسميين.
الطالب: ما أخفى تحايلك.
المعلم: وما أذكى بكارتك.
(انتهت المحاولة .. ويا ترى!!)
المعلم: قلت لك أنا لا أفتح ولا أقفل، أنا أفسر واحترم ما يجري، فالى ان تزول امثال هذه المعتقدات رويدا رويدا بفضل نتائج الطب العلمية الأكثر فائدة لابد من فهم مايجرى والاستفادة من ايجابياته بالقدر الممكن، وخاصة اذا تذكرت أن احتياجات الناس للخدمات العلاجية أكبر بكثير جدا من قدرة البلاد النامية على الوفاء بها، وفى حالة اخفاق العلاج البلدى يلجأ المريض عادة الى الاستشارة الطبية.
رحمة الله عليك يا ايها العالم الجليل