نشرة “الانسان والتطور”
الأحد: 1-9-2013
السنة السابعة
العدد: 2193
كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (59)
العلاج الجمعى والسياسة والتطور
حين أعدت قراءة الفرض الذى أنهيت به نشرة الإثنين الماضى، تصورت أنه مقال فى السياسة، وخاصة فيما نمر به فى الوقت الراهن.
قررت اليوم أن أعيد نشر الفرض، على أن تعيد قراءته – عزيزى الزائر- ناسيا أنه فرض للعلاج الجمعى.
بصراحة، وأنا فى العلاج الجمعى، مع هذه العينة العشوائية من الشعب المصرى، بلا ترشيح للانتخابات، ولا تنافس على السلطة، ولا انحياز لأحزاب، ولا حتى صفقات عاطفية، أقول وأنا فى العلاج الجمعى مع هذه المجموعة التى لا يقرأ أغلبها حتى الصحف، اشعر أننى مع وعى بشرى أرقى من كثير مما أشاهد فى مجال التجمعات السياسية، بل واللقاءات السياسية مع الصفوة ، حتى لو كانوا متخصصين فى السياسة.
أكرر أن الأحياء قبل الإنسان استطاعت أن تبقى بدون انتخابات صناديقية
وأن هذه المجموعة العلاجية – مثل أية مجموعة ناجحة- استطاعت أن تتعاون وتتحمل مسؤولية بعضها البعض بدون خطب إعلامية، أو هتافات تحريضية، أو تفسيرات فرويدية.
هل يمكن أن ننقل هذه الخبرة المتواضعة، بل هذه الحقيقة الواقعية إلى الناس لينتبهوا إلى مدى الاغتراب الذى يسيرون فيه أو يساقون إليه.
حين تحدثنا بعد اللعبة عن ما تركته فينا، نبهت على الجميع ألا يبتعدوا عن “هنا والآن” بأى وعد لاحق أو نية مؤجل اختبارها، وأن يحكى من شاء منهم عن أية حركة دبت فى موقفه تجاه نفسه، أو تجاه من خاطبه، أو تجاه المجموعة ككل، وقد لمحت ، كما تعودت مؤخرا ، أن معظم أفراد المجموعة قد التقطوا ما أعنيه بما هو “حركة فى اتجاه”، دون تفصيل ودون كلمات.
يبدو فعلا أنه “فى البدء كان الفعل” ، وأن الكلمة المذكورة فى النص ” فى البدء كان الكلمة ” هى فعل وليست رمزا كلاميا، بل إننى أصبحت أميل إلى هذه النقلة التى أطرحها بالإنجليزية أولا نسبة إلى قائلها لأننى لا أذكر اسمه ، فقد اقترح صاحب التعديل ألا يطلق على الكائن البشرى Human-being وإنما Human-doing، ولتكن الترجمة هى”الفاعل البشرى” بدلا من “الكائن البشرى”
المسؤولية فعل، وليست كلاما، هى تحريك فى اتجاه وليست كينونة فى ذاتها، والمسؤولية البشرية بالذات تكتسب بعدا آخر لأنها تصل إلى مستوى الوعى، وهى لا تكون موضوعية فاعلية إلا إذا كانت فعلا فى اتجاه
سوف أكتفى اليوم بإعادة طرح الفرض طالبا منك – عزيزى اتلقارئ- أن تنسى أنه فرض للعلاج الجمعى، ولتقرأه هذه المرة باعتباره فرضا للتواصل البشرى، ولتقارن ما يجرى فى فصيل من الأحياء التى استطاعت أن تبقى، بما يجرى فى العلاج الجمعى كما وصلك من هذه العينة المحدودة، ثم تنتقل لتقارنه بما يجرى بما يجرى فى الشارع السياسى دون اللجوء إلى القياس بمقاييس تفسيرات الأديان التقليدية ، ولا الأديان الجديدة المستوردة لو سمحت:
الفرض (مع تعديل وتصحيح لا يزيد عن بضع كلمات)
أولا: المسؤولية الموضوعية هى “حركية وعى” تبدأ فى “حضور آخر” “هنا والآن”، فهى أساس العلاقة بالآخر.
ثانياً: إن كل واحد مسؤول عن كل نفسه فى الصحة والمرض، وعلى طريق المرض وطريق الصحة أيضا.
ثالثاً: إن أى قدر من المسؤولية، مهما صغُر، هو جيد ومهم للمشاركة مع مسؤولية الآخر المشارك فتنشط الحركية ويتخلق الوعى الجمعى.
رابعاً: إن تحريك المسؤولية فى جماعة يخفف من رعب المسؤولية الفردية وفى نفس الوقت يعمقها.
خامساً: من يتحمل مسئولية نفسه يستطيع أن يتحمل مسئولية غيره.
سادسا: إن تنشيط المسؤولية بهذا المعنى هو بداية شديدة التواضع لكنها شديدة الأهمية.
سابعا: إن تبادل المسؤولية ينميها ويحفزها ليس بالضرورة بين نفس الشخصين دون غيرهما، وإنما مع أى وعى مُشارك حاضر فى “هنا والآن”.
ثامنا: إن الرجوع إلى التعبير الذى جاء فى المقدمة من أن الحب هو “الرعاية والمسؤولية” يمكن أن يصاغ بشكل آخر يقول: إن العلاقة بين البشر تبدأ بالوعى بالمسؤولية عن كل ما هو أنا، ثم عن الآخر الذى أتحرك نحوه، مع ضمان قدر من الاستمرار والتحمل حتى تؤتى ثمارها، وتمتد تلقائيا إلى دوائر أكبر فأكبر بنفس القوانين ونفس المقاييس.
تاسعا: إن هذا النموذج المصغر يمكن أن يكون هو الجارى أو المأمول عبر العالم فى مراحل التطور الإيجابى لأية مجموعة بشرية تشارك فى تنمية العلاقات الحقيقية كما خلقها الله بدءًا بالمجموعات المتجانسة امتدادا للوطن فكل العالم.
عاشرا: إن الله سبحانه (بالمعنى الموضوعى الآنى أولا) سوف يحاسبنا على حمل أمانة أى قدر من المسؤولية، وأيضا على العمى عن هذه المسؤولية إذا نحن عمينا عنها.
وبعد
هكذا انتهت النشرة السابقة، وقد منعت نفسى من الاستطراد إلى التطبيق الأوسع فى مجال السياسة، لكننى لم أستطع إلا أن أعيد التذكرة بأن مسؤولية كل فرد من أفراد نوع من الأحياء عن كل النوع هى إسهامه فى العمل على الحفاظ على بقاء كل أفراد نوعه، ثم حسب القانون الأحدث الذى يقول “إن البقاء للأكثر تكافلا” يمكن إعادة الصياغة بالقول ” إن مسؤولية كل فرد من أفراد نوع من الأحياء هى فى العمل على الحفاظ على كل الأنواع المتكافلة معا، أى “على الحياة” ، وهذا الفصيل من الأحياء لا يحتاج إلى أن نعين هذا الفرد رئيسا لجمهورية نوعه ..إلخ
تصورى الشخصى أن الله سبحانه سوف يحاسبنا عن مسؤولية كل منا عن كل إنسان على ظهر الأرض، بل وعن كل الأحياء، هذه ليست توصية دينية، وإنما هو استلهام من أى برنامج بقائى لأى نوع من الأحياء نجح أن يبقى حتى الآن.
ما يهمنى هنا هو أن أعترف أننى رأيت هذا العامل يتحرك معنا فى حركية ما هو “علاج جمعى” رأى العين، ليس هذا فقط، بل إننى أكاد أجزم أننى رأيته بأى قدر مهما ضؤل فى معظم افرد المجموعة، وكل مجموعة
إن شئت ان تتحفظ على هذه الاستطرادة، فافعل، وإن شئت أن تتهمنى بما تراءى لك فهذا حقك، لكن من حقى أنا أيضا أن أثبت ما وصلنى دون زيادة أو نقصان
وإلى الغد،
أشعر أنه يحتمل أن أتوقف.