نشرة “الانسان والتطور”
الأحد: 25-8-2013
السنة السادسة
العدد: 2186
كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (57)
تنشيط المسؤولية المتبادلة فى العلاقات البشرية
اعتذار مبدئى:
كان المفروض أن أواصل اليوم ما وعدت به الأسبوع الماضى، وكيف نحيط بهذا “الموقف البارانوى” فى العلاج الجمعى، وذلك بعد أن ناقشت الفرق بين “الموقف” و”الموقع”، لكن وصلتنى فجأة عدة كتب شديدة الأهمية، شديدة الثراء والإثراء ، من أحد طلبتنى، أعتذر عن ذكر اسمه اليوم حتى أتأكد وأعرف اسمه بالكامل من بينها كتاب باسم
Object relations, the self, and the group :A conceptual paradigm
By: Charles Ashbach and Victor L.Schermer
First published in 1987 by Routledge & Kegan Paul Ltd. This edition published in the Taylor & Francis e-Library, 2005.
فرحت بقدر ما أخُرجت، فرحت لأننى تذكرت الكتاب العظيم الذى بدأت منه رحلتى فى التنظير لنظريتى “النظرية الـتطورية الإيقاعية” Evolutionary Rhythmic Theory وكان اسم الكتاب لمؤلفه هـ. جانترب
Schizoid Phenomenon Object relations and the Self
(هل لاحظتم الشبه بين الاسمين؟)
رحت أتصفح محتوى الكتاب الجديد، فوجدته شديد الأهمية ومتعلق تعلقا مباشرا بما كنت أنوى أن أكتب عنه فى هذه الحلقة: عن كيفية إحاطة وتناول آليات العلاج الجمعى لهذا الموقف البارنوى، مع أننى على يقين ابتداء أننى قد أختلف مع ما سياتينى من هذه المدرسة فى التفاصيل، ذلك لأن اختلافى مع مدرسة العلاقة بالموضوع هو جوهرى برغم انطلاقى منها، وذلك فيما يتعلق بعلاقتها بما هو “بيولوجى”، وأيضا لما هو “تطور”، حتى أن ميلانى كلاين رائدة هذه المدرسة أخذت على فرويد بيولوجيته فى مسألة الجنس والغرائز، فى حين أننى أرجعت -فى نظريتى- كل مواقف العلاقة بالموضوع الخاصة بهذه المدرسة إلى جذورها البيولوجية التطورية ، وربطت بين ذلك وبين القانون الحيوى Biogenic Law (اى نظرية الاستعادة Recapitulation Theory لإرنست هيكل) ، المهم: قررت أن أؤجل الكتابة فى هذه النقطة بالذات حتى اطلع على وجهة النظر التى وردت فى هذا الكتاب الذى فاجأنى فأحرجنى.
فى نفس الوقت ، تذكرت أننى يوم الأربعاء الماضى كنت فى السابعة والنصف من هذا الصباح (الأربعاء 21 أغسطس) فى جلسة من جلسات “العلاج الجمعى” التى أعقدها فى قسم الطب النفسى فى قصر العينى كل أربعاء منذ أربعين عاما، ولعبنا لعبة علاجية من نوع آخر: وهى أن نضيف “جملة بذاتها” على أى قول يقوله أى منا مهما كان يخرج منه كيفما اتفق، هذه الجملة كانت: “وانا مسؤول عن كده “. وهى لعبة ليست من ابتداعى بل إننى أخذتها عن “فريدريك بيرلز” رائد العلاج الجمعى الجشتالتى، على ندرة ما أخذت منه (فيما لا يزيد عن خمس لعبات تقريبا، فى حين أننا مارسنا وابتدعنا مئات الألعاب النابعة من ثقافتنا وواقع خبراتنا)، هذه اللعبة بوجه خاص، شدتنى هذا اليوم، ربما لانشغالى الشخصى بالموقف الذى نمر به فى بلدنا فى هذا الوقت بالذات فيما يتعلق بالمسؤلية الفردية، والمسؤولية الجماعية، وأيضا لأنها تختلف نوعيا عن الألعاب التى سبق أن قدمتها فى هذا الكتاب، وفى النشرات عموما، بل وفى سائر البرامج التى استعملت الالعاب فيها، لأنها لا تعتمد على إكمال نص ناقص مثل لعبة “أخاف أقول كلام من غير كلام لحسن… (أكمل) مثال: (نشرة 14-7-2013 “أنا خايف اقول كلام من غير كلام لحسن…”) بل هى أن يُلحق اللاعب المشارك جملة ثابتة بأى كلام يبتدعه تلقائيا.
سألنى المرضى والزميلات: نقول أى كلام؟ قلت نعم: أى كلام، حتى لو بدا كلاما فارغا، غير مناسب وبدأنا: واستمرت اللعبة بانسياب أكثر كثيرا مما توقعت، وكان من المفاجآت المفيدة، أن كثيرا من المرضى انتبهوا إلى مسؤوليتهم عن أعراضهم ، وعن أنفسهم، ثم عن غيرهم ، دون أية خطابة أو مبالغة أو تردد.
ثم إنى طورت اللعبة أكثر ليكون الخطاب، مرة “أنا كذا ثم أخرى: “أنت” كذا. .مع إضافة نفس الجملة، ” فتعجبوا مرة أخرى، إذ كيف أقول لآخر مثلا: “إنت النهاردة بعيد قوى عننا…” ثم أضيف و”انا مسؤول عن كده”، مع أننى أتهمه هو بالبعد، لكنهم استجابوا، ولعبوا، ووصلهم المطلوب. فرِحتُ بتحريك المسؤولية هكذا، وأن هذه اللعبة -على بساطتها- قللت كثيرا من المبالغة فى استعمال ميكانزم “وضع اللوم” على الآخر كما قللت من حيلة “التبرير” الجاهز.
ثم إنى طلبت من المشاركين أن يعبروا عما تحرك فيهم بعد اللعبة، فأعلن كثير منهم أنه اكتشف دوره، بدرجة ما، فيما هو فيه، وأيضا فى ما هو عند الآخر، بل عند الجماعة كلها، وأنه لم يكن يعرف ذلك بهذا الشكل، ثم سألتهم عن تصورهم لما يترتب على هذا الاكتشاف من احتمال تغير فى موقفه، أو فى فعله، يبدأ من هذه اللحظة، فاستجاب عدد غير قليل استجابات إيجابية واعدة.
ثم إنى طلبت من المشاركين أن يعبروا عما تحرك فيهم بعد اللعبة، فأعلن كثير منهم أنه اكتشف دوره، بدرجة ما، فيما هو فيه، وأيضا فى ما هو عند الآخر، بل عند الجماعة كلها، وأنه لم يكن يعرف ذلك بهذا الشكل، ثم سألتهم عن تصورهم لما يترتب على هذا الاكتشاف من احتمال تغير فى موقفه، أو فى فعله، ذلك الذى يبدأ من هذه اللحظة بعد اللعب مباشرة ، فاستجاب عدد غير قليل استجابات إيجابية واعدة.
رجعت إلى نص اللعبة وتطور التفاعل كما سجل صوتا وصورة، ووجدت أنها من أنسب الألعاب التى يمكن أن تعيننا فى الاقتراب من، أو التمهيد للموضوع الأصلى عن “العلاج الجمعى، والعلاقة بالموضوع” بما يشمل كيفية التحرك بين مواقع النمو (التطور) المختلفة، المتتالية، والمتبادلة، فقررت أن أعرض نص اللعبة اليوم، ثم أرجع لمناقشة توظيفها وغيرها فى مسألة “العلاقة بالموضوع” بعد أن أكون قد اطلعت على ما تيسر فى هذا الكتاب الهدية الرائع (ليتنى أستطيع!).
تفريغ النص
…………….
……………
د.يحيى: إحنا من يوم ما أبتدينا يا د. دينا لعبنا أى لعبة؟ دى سادس جلسة. مش كده
د.دينا: لأه، مش فاكرة، أنا المرات اللى كنت فيها مالعبناش
د.يحيى: اللعبة اللى خطرت لى اسمها “أنا مسئول عن كده”، بس نشرح فكرة اللعب للجماعة الأول: فيه حاجه أسمها “لعبة”، أولاً: ساعات نقول شويه كلام ونكّمله بأى حاجة، واحنا حنشوف دى بعدين، لكن فيه طريقه تانيه إن أحنا نقول أى حاجه ونختمها بجمله معينه، الطريقه التانيه دى نادر ما بنعملها هى عبارة عن إن الواحد يقول أى كلام ويقول بعده جملة مثلا النهاردة حانضيف: “وأنا مسئول عن كده”، يعنى أى كلام من أول مثلا “اللون الأحمر ده دمه ثقيل” لغاية: أى حاجة، وبعدين “أنا مسئول عن كده” أى كلام بقى، مثلاً أنا مش فاهم حاجة وأنا مسئول عن كده البلد ديه مش نافعه “وأنا مسئول عن كده” يعنى بنقول أى كلام: رباط الجزمه مفكوك وأنا مسئول عن كده “أنت مش حا تخف” وأنا مسئول عن كده، وفعلا أى كلام إنشا الله عليك، أو على غيرك، أو على حاجه عامة أو على حاجه خاصه وتنهيها بكلمه “وأنا مسئول عن كده” بس كل واحد يخاطب كل واحد بأسمه يا فلان ويقول أى جملة: تخصك أو تخصه أو تخص حاجه عامة المهم “هنا ودلوقتى” وينهيها بكلمة “وأنا مسئول عن كده”. مين يبدأ؟
أحمد ناجى: عم ياسر أنا هنا ودلوقتى
د.يحيى: يا أحمد: جمله من غير مقدمات وتروح لاحقها من غير تفكير “وأنا مسئول عن كده”.
أحمد ناجى: أنا دلوقتى خايف من الموت وأنا مسئول عن كده
د.يحيى: برافو، كده بالظبط، أنا الود ودى الحقيقه تعملها يا أحمد مع كل الناس فى المجموعة، بشرط تقول لكل واحد حاجه مختلفه
أحمد ناجى: ماشى
د.يحيى: ومالكش دعوه لها معنى ولا ملهاش معنى، بس المهم ما تقولش هنا ودلوقتى ولا مقدمات ولا حاجة، أنت عملتها كويس كتر خيرك بس حاسأل زملاتى الأول عشان الوقت: نعملها مع كل الناس ولا ثلاثه أربعة؟ ولا مع واحد بس؟ زى ما أنتوا عايزيين مثلاً أحمد لعب مع ياسر يبقى كده يبقى ياسر يشتغل عليه الدور وكفاية، مش كده أخف شوية ياللا يا ياسر
ياسر: يا أحمد يافيصل أنا عاوز أتكلم وخايف أتحرج وأنا مسئول عن كده
د.يحيى: ياللا يا أحمد يا فيصل إختار حد وقول له أى جمله عليك، عليه، عموما، بس هنا ودلوقتى
أحمد فيصل: يا رضا أنا مش حاجى تانى متأخر “وأنا مسئول عن كده”
د.يحيى: ياللا يا رضا لأى حد: يبقى عليه الدور يا فلان أى جمله وبعديها أنا مسئول عن كده
رضا: يا عصام أنا خايف على بلدى وأنا مسئول عن كده
د.يحيى: مع حد مالعبش ياعصام
عصام: يا “رنا” مفيش فايدة فى الشعب المصرى وأنا مسئول عن كده
رنا: ياشيماء شكلك منورة النهارده “وأنا مسئولة عن كده”
شيماء: يا مدام “مها” أنا إن شاء الله حانجح فى دراستى وأنا مسئولة عن كده
د.يحيى: طبعا كتر خيرك إحنا قولنا أى جمله بس لو كانت هنا ودلوقتى تبقى أفضل بس ماشى
مدام “مها”: يا دكتورة دينا أنا تعبانه وأنا مسئولة عن كده
د.دينا: ياعم محمد فى كذا حد مش موجود معانا النهارده “وأنا مسئولة عن كده”
عم محمد: يا دكتورة ريهام مصر حاتفضل مصر وأنا مسئول عن كده
د.ريهام: أنا محبطه “وأنا مسئولة عن كده”
د.يحيى: طيب كلكم لعبتوا طيب أى حد ينقى ألعب معاه
عم محمد: (رفع إيده)
د.يحيى: يا عم محمد أنا “لوحدى” وفى “غاية الألم”، “وأنا مسئول عن كده”
تطوير
د.يحيى: طيب ممكن نعمل كذا تطوير فى اللعبة دى، شوفى يا د. ريهام، كان فيه حاجات اتقالت عمومية بالنسبة لعصام، ورضا، وعم محمد مثلا عملوها يعنى لمصر وكده، ودى مقبولة لإننا بنقول أى كلام، لكن أنا باقترح نلعب تانى ونحدد مرّة “أنا” ومرّة “إنت” فاللى لعبها “أنا” يلعبها “إنت” إيه رأيك يا ريهام
د.ريهام: موافقة، ياريت
د.يحيى: إحنا عاوزين حاجه هنا ودلوقتى من غير ماتقولى هنا ودلوقتى اللى لعب “أنا” حايلعب “أنت” واللى لعب “أنت” حايلعب “أنا” واللى لعب عمومى حايلعب الاتنين “أنا” و”أنت”.
د.ريهام: يا ياسر إنت النهارده قربت شوية “وأنا مسئولة عن كده”
د.يحيى: أنت لعبت إيه يا ياسر أنا نسيت آه أنا خايف أتكلم وأنا مسئول عن كده طيب فاضل “إنت” ومش ضرورى نفس الشخص نقّى حد تروح رازعه “إنت” وتكمل
ياسر: إنت يا أحمد (فيصل) جيت فى ميعادك، جيت بدرى عن كل مره “وأنا مسئول عن كده”
د.يحيى: ياللا يا أبو حميد لحد مالعبش
أحمد فيصل: يا رضا إنت قلقان وأنا مسئول عن كده
د.يحيى: إنت بقى حاتلعبها الإثنين علشان إنت لعبتها عمومى لمصر
رضا: يا “رنا” “أنا” قلقان فعلا “وأنا مسئول عن كده”
يا رنا “إنتى” أحسن “وأنا مسئول عن كده”
د.يحيى: ياللا يا رنا
رنا: يا شيماء أنا شيفاكى أحسن “وأنا مسئولة عن كده”،
يا شيماء أنا حاسه بسعاده “وأنا مسئولة عن كده”.
د.يحيى: أنتى المره اللى فاتت لعبتى أنا ولا أنتى؟
د.دينا: قالت لشيماء أنتى منوره النهاردة “وأنا مسئولة عن كده”
د.يحيى: أنتى لعبتى “أنا” فاضل “إنت” بقى
شيماء: يا عم محمد إنت سرحان وأنا مسئوله عن كده
د.يحيى: إنت يا عم محمد المره اللى فاتت لعبت مصر فتلعب مع حد: “أنا” مرة و”إنت” مرة.
عم محمد: يا أحمد يا ناجى أنا إبتديت تتحسن “وأنا مسئول عن كده”،
وبعدين إنت (كلام غير واضح) …. “وأنا مسئول عن كده”
د.يحيى: (لأحمد ناجى) إنت لعبت “أنا” المره اللى فاتت فاضل “إنت”
أحمد ناجى: ياشيماء أنا شايفك شايله هم “وأنا مسئول عن كده”
د.يحيى: ديه “أنا” لسه “أنت” مره ديه ومره ديه
أحمد ناجى: “يا أحمد بس” إنت صامت زياده عن اللزوم “وأنا مسئول عن كده”
د.يحيى: ياللاّ يا أبو حميد مرة “أنا” ومرة “إنت”
أحمد بس: (لأحمد ناجى) إنت اللى كلامك زياده عن اللزوم وأنا مسئول عن كده
د.يحيى: ليه بتقول لأحمد وهو لعب، مين اللى مالعبش؟ عصام أو الدكتورة ريهام ياللا يا أحمد
أحمد بس: (للدكتورة ريهام) أنتى جايه متأخره وأنا مسئول عن كده
د.يحيى: فاضل أنا بقى
أحمد بس: (للدكتور يحيى) أنا بقولك الله يباركلك والله يخليك وأنا مسئول عن كده
د.يحيى: فاضل مين مالعبش؟ مدام “مها”
مدام مها: “إنت” يادكتور كويس جدا “وأنا مسئولة عن كده”،
يا دكتور يحيى “أنا” بحبك وأنا مسئولة عن كده
د.يحيى: فاضل انا مين اللى يختار ألعب معاه
د.دينا: أنا مالعبتش المره التانية
د.يحيى: يبقى إنتى الأول إتفضلى
د.دينا: يا دكتور يحيى أنا حاسة إنى أنا أحسن اليومين دول وأنا مسئولة عن كده
د.يحيى: فاضل عصام
عصام: يا دكتور يحيى “أنا” ناجح فى حياتى العمليه وأنا مسئول عن كده ،
يا د. يحيى “إنت” إنسان كويس وأنا مسئول عن كده
د.يحيى: أنا لعبت “أنا” المرة اللى فاتت: يبقى فاضل “أنت”
إنت يا أحمد يا ناجى صعب جدا، وأنا مسئول عن كده
انتهى النص
وغدا نقدم بعض ما تبعه، ثم بعض ما يمكن الخروج منه فيما يتعلق بما يلى:
- مدى الوعى بحقيقة المسؤولية
- ما يترتب على تنشيط البصيرة فى هذه المنطقة
- ما يترتب عن ذلك فى تحريك “العلاقات فى المجموعة” (العلاقة بالموضوع)
- كيف يمكن أن يكون الواحد مسؤول عن الآخر، دون إذن منه
- ما يستجد.