نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 4-8-2013
السنة السادسة
العدد: 2165
كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (51)
مؤتمر: العلاج الجمعى والعمليات الجماعية: الأمل فى أوقات عصيبة
(القاهرة 25 – 27 سبتمبر 2013)
الوعى البينشخصى، فالوعى الجمعى، والمقاومة
انتهينا فى النشرتين السابقتين الأسبوع الماضى إلى عرض تجربة “أعمل حلم…” التى جرت فى إحدى جلسات العلاج الجمعى بتاريخ 28-7-2013، مع إضافة تعقيبات محدودة على الاستجابات المتاحة، وكان التساؤل فى علاقة ذلك بالمؤتمر، وإلى أى مدى يمكن نقل هذه الخبرة، خاصة وقد ظهرت الصعوبة حتى مع استعمال لقطات بالفيديو.
ذلك أننى قدمت هذه النتائج وتلك الاضافات فى الندوة العلمية لجمعية الطب النفسى التطورى بمستشفى المقطم يوم الجمعة 2/8/2013. وتوصلت بعد المناقشات إلى عدة ملاحظات حافزة على الاستطراد أوجزها فيما يلى
أولاً: الصعوبة مازالت قائمة فى التعرف على ماهية ما هو “وعى” بشكل عام ثم بالتالى: على تنويعات الوعى وتشكييلاته ومستوياته، وليس أمامنا إلا أن نتعامل معه وكأننا نعرف ما هو، مع أننا لا نتعامل إلا مع ناتج تنشيط مستوياته وتشكيلاته.
ثانياً: إن تنشيط ما يسمى الوعى البينشخصى Interpersonal consciousness هو مرتبط بشكل ما بتنشيط الإدراك ومشاركة الوجدان فى اعتمال (معالجة) المعلومات، ومن خلال ذلك يجرى التواصل بين الشخص والآخر بدرجة عميقة ومحيطة (جنبا إلى جنب مع قنوات التواصل الأخرى الأظهر وربما الأسطح).
ثالثاً: إن الفرض القائل أننا “نبدع أحلامنا” فى الثوانى أو بضع الثانية قبيل اليقظة اليقظة (نشرة بتاريخ 22-9-2010) هو فرض جدير بالاعتبار والاستمرار فى دراسته وأن حركية “أعمل حلم” هى بمثابة تحقيق جزئى له .
رابعاً: إنه توجد مستويات للوعى فى الأحوال العادية أشرنا إلى أظهرها وأهمها: “وعى اليقظة” و“وعى النوم” وبداخله “وعى الحلم” (لعشرين دقيقة كل 90 دقيقة نوم حركة العين السريعة: نوم الريم)، والآن يمكن إضافة مستوى “وعى صناعة الحلم” أو إبداعه) والأخير، وإن كان يحدث أثناء الصحو، إلا أنه يعتبر بعيدا عن وعى اليقظة الحاد، وفى نفس الوقت هو لا يدخل فى وعى النوم، ولا وعى الحلم بالقوة (نوم الريم)،
خامسا: يبدو أن هذا المستوى الأخير من الوعى، وهو مختنلف نوعيا بأية درجة مهما ضؤلت، هو أقرب إلى وعى اليقظة، وأنه هو الجاهز للتواصل فيما يسمى الوعى البينشخصى Interpersonal Consciousness هو الأقرب للإدراك، وفى نفس الوقت أقرب إلا إسهام الوجدان فى عملية موازية لمعالجة (اعتمال) المعلومات.
سادسا: يبدو أن هذا المستوى من الوعى هو الذى يتراكم على مدى عمر المجموعة بحيث يعتبر نواة لتكوين نواة الوعى المشارك فى تخليق الوعى الجماعى Collective Consciousness.
سابعا: من خلال التجربة السالفة العرض يمكن القول: إن وعْىُ “أعمل حلم” الذى هو ليس وعى الحلم أثناء نوم الريم كما ذكرنا، هو وعى إرادى أقرب إلى وعى الإبداع، ولذلك علاقة بما ذهبت إليه فى أطروحتى الباكرة “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع” “بأننا “نبدع أحلامنا”.
ثامنا: إن فرض “دخول مستوى أعمق من الإرادة فى اختيار الحل الذهانى” (باستثناء الذهانات العضوية التشريحية) يمكن أن يفهم قياسا من خلال هذه التجربة.
تاسعا: يمكن قياسا أيضا القول: إن عملية “أعمل حلمى” “أبدع حلمي”، تكاد تقابل عملية “أختار الحل الذهانى” “أتخذ قرار جنونى، “أبدع جنونى” كحل أو كمشروع حل لما أنا فيه أنظر: (نشرة 13-7-2008 زخم الطاقة، والإيقاع الحيوى، واختيار الجنون)، (نشرة 20-7-2008 كيف يكون الجنون حلا؟؟!!).
عاشرا: إذا كان الجنون إبداعا مجهضا فإن الحلم إبداع ناقص.
حادى عشر: إن وعى “صناعة (أو إبداع) الحلم إراديا (كما فى التجربة) يتحقق من خلال ميل طفيف Tilting للوعى، ليقع فى وسط وعى اليقظة، أكثر منه اقترابا إلى وعى الحلم، ومع ذلك فهو مختلف نوعيا عن كليهما.
ثانى عشر: إن فعل “أعمل حلماً” ليس مرادفا لأحلام اليقظة.
ثالث عشر: إن أحلام اليقظة أقرب للخيال والتفكير المفاهيمى فى حين أن “وعى الحلم هو وساد وحركية كل من الادراك والابداع”.
رابع عشر: إن المشاركة التى تمت من الآخرين فى وعى صانع الحلم: أولا من جانب قائد المجموعة بالحث أو الاضافة أو السؤال ثم من جانب بعض أعضاء المجموعة أثبتت – بدرجة ما- المشاركة البينية فى نفس حالة الوعىInterpersonal consciousness .
خامس عشر: إن تعقيب بعض المرضى على بعضهم البعض مثل تعقيب “رضا” (وهى الأمية تقريبا) على “احمد” قائلة: “دى قصة دى مش حلم” كان تعقيبا بالغ، الدلالة (نشرة 22-9- 2010 “فرض: “نحن نؤلف أحلامنا) فهو يشير إلى قدرة الشخص العادى – المشارك فى الوعى- أن يفرق بين الحكى مع غلبة الخيال (قصة) وبين معايشة خبرة ابداع الحلم (أعمل حلم) (نشرة 28-7-2013).
سادس عشر: إن أصالة الحلم المصنوع وترجيح حدوثه فى وعى خاص كانت ترصد (فى التعقيب الذى قدمته ) بكل من: ملاحظة “ميل الوعى نوعيا” مهما بلغت ضآلة درجة الميل، بالإضافة إلى سرعة إيقاع الحركة، وبعد النقلات، ووفرة المفاجآت.
سابع عشر: أفترض الآن أن التواصل بين أفراد المجموعة جميعا بما فى ذلك المعالجين يتم من خلال وعى خاص وهو الوعى البينشخصى، وهو قريب من نوعية هذا الوعى (وعى: إبداع الحلم).
ثامن عشر: إن تخليق الوعى الجماعي من خلال شبكية وتداخلات جماع الوعى البينشخصى، هو الذى يصبح الجامع المشترك الأعظم الذى يتخلق منه ما أسميناه الوعى الجمعى.
تاسع عشر: يبدو أن العامل العلاجى الخفى الذى كنا نبحث عنه وناقشنا غموضه فى نشرات: (نشرة 12-5-2013، نشرة 13-5-2013، نشرة 19-5- 2013)، يرتبط ارتباطا وثيقا بنجاح المجموعة فى تخليق هذا الوعى الجمعى، فالانتماء إليه دخولا وخروج in-and-out- program
عشرون: إن هذه العملية برغم ما أظهرت من جاهزية التلقائية وسهولة التناول وعموميته (مع بعض علامات المقاومة والتسطيح) لا تشير من قريب أو بعيد إلى سهولة التواصل البينشخصى على مستوى الإدراك أو على مستوى هذا الوعى، سواء فى البداية أو فى المحافظة عليه أو فى التقدم منه إلى تكوين الوعى الجمعى.
وبعد
يبدو أن العلاج الجمعى من البداية إلى النهاية يتعامل مع الوعى أكثر مما يتعمل مع التفكير أو الألفاظ، وبرغم ما بدا من سهولة الانتقال إلى وعى آخر مهما بدا الاختلاف النوعى ضئيلا، فإن الوصول إلى تنشيط الوعى البينشخصى، ومن ثم تخليق الوعى الجمعى فى المجموعة، هو عملية فنية إبداعية مركبة، تساعد قواعد هذا العلاج فى تنشيطها بانتظام والتزام طول الوقت، وقد وجدت فى خبرتنا أن دراسة العوامل المعوقة لهذه العملية يساعد تماما على مواجهتها فى محاولة التغلب عليها.
وبالرجوع إلى مجموع المواجهة، ومن خلال تقمصى لأفرادها وجدت وصفا تفصيليا لكثير من أساليب المقاومة حتى الإعاقة ، وهو ما ينبغى الإلمام بأبعاده تسهيلا لمحاولة التغلب عليه بما تيسر من تقنيات
وغدا، سوف نعرض مقتطفا من “مجموعة المقامة” يبين صعوبة التواصل لدرجة الفشل فالانسحاب، وذلك من خلال عرض حدة التوقف عند مرحلة الموقف البارانوى Paranoid Position كمثال ينتهى بالانسحاب.