نشرت فى جريدة الأخبار
17/5/1980
كاتب يحاول أن يمشى على الصراط
حـوار مع د. يحيى الرخاوى مع الكاتبة: عائشة أبو النور
عرفناه كطبيب أمراض نفسية .. استاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة.. وعرفناه ككاتب مقال غير متخصص أحيانا .. وأخيرا عرفناه ككاتب روائى وقصصى وحتى شاعر له عدة دواوين وكان التساؤل الملح هو لماذا يكتب طبيب مهمته قراءة النفوس .. وحل الغاز اللاوعى واللاشعور.. هل ليضيف.. أم ليكشف الغطاء عن ذلك التركان امستعر المسمى بنفس الإنسان؟
انه الطبيب الأديب يحيى الرخاوى وهذا الحوارمحاولة للتعرف على نوعية جديدة من الكتاب .. يجمع بين الطب كمهنة والأدب كهواية .. فماذا يقول؟
ان مادة خيالى نبعت من واقع مهنتى ومن حياتى الخاصة .. الا أنها فى النهاية خيال محض.. لاتصف أحدا بذاته .. لا مريضا .. ولا طبيبا.. وعلى هذا فهى وجهة نظر ..أتحمل وزرها وأكتوى بنارها.. أو أجنى ثمارها وأسيرفى نورها..
كانت هذه الكلمات من المقدمة التى كتبها الدكتور يحيى الرخاوى لروايته الطويلة المشى على الصراط التى تتكون من جزئين كبيرين (الواقعة ومدرسة العراة) وفى الحقيقة أن هذه الرواية تعتبر نموذجا عصريا غير مألوف من الادب الرفيع .. من حيث غرابة الفكرة وتسلسل الاحداث وعمق تحليل الشخصيات والأسلوب الوصفى الساخر ..
وأسأل الطبيب الكاتب:
* لماذا اطلقت على روايتك لقب الرواية الطبية رغم أنها تحمل كل عناصر الرواية الأدبية المعروفة.؟ ثم ما الفارق بينها فى نظرك وبين الرواية العلمية التى يكتبها الدكتور مصطفى محمود .. والكاتب نهاد شريف؟؟
- أنى آسف لإضطرارى استعمال هذا التعبير - الرواية العلمية- الذى تبين – كما يبدو – أنه غير دقيق .. لأن روايتى ليست من نوع الخيال العلمى كما يكتبه هـ .ج . ويلز.. أو حتى الصديق د. مصطفى محمود .. أو الأديب العالم نهاد شريف .. لأن (الطب النفسى) ليس علما بالمعنى الشائع .. فهو خبرة وتجربة.. وحرفة مداواة .. وصحبة مؤلمة .. ومن هنا أتمنى أن تقبلى تراجعى عن هذا الإسم ..
* أيهما أكثر سيطرة على داخلك الأديب أم الطبيب؟
- أننى حرفى فى المقام الأول .. والحرفى أقرب الى الفنان منه الى العالم .. وأن كانت عملية العلاج هى اعادة خلق للطبيب والمريض معا .. فإنى مازلت متمسكا بدور الطبيب أساسا بالمعنى السابق .. مستعملا فى ذلك معلومات علمية وأدوات فنية بلا تعارض .. هذا هو داخلى
*ولماذا لم تتفرغ للأدب وحده .. مثلما سبقك الدكتور يوسف ادريس والدكتور مصطفى محمود؟
- بخصوص حكاية تفرغى للأدب .. فأنا لا أعرف لى قارئا .. ولم استطع أن أحدد وظيفتى الأدبية فى مجتمعى فى هذه الحقبة من تطور بلدى .. ولعل تصورى لها مع ادراك عجزى لا يشجع أن أستمر فيها.. هذا ما أراه حالا، أما مستقبلا فقد تتغير الأمور أن وجد القارئ الذى يعلمنى ماذا أستطيع أن أعطيه اذ آخذ منه
وأتذكر عبارة كتبها الدكتور الرخاوى فى مقدمة روايته تعبر عن – الحقيقة المرة – وفيها يقول:
على أن عمق هذا العمل .. لم يصل كما كنت أود – لخاصة الخاصة الذين عرضته عليهم .. مما جعلنى أتساءل: اذن لمن اكتب زن كان هؤلاء لم يصلوا الى لب المشكلة الكيمائية، الكونية، التى حاولت أن أعرضها فى شكل روائي..
وتغمرنى الدهشة وأتساءل .. لماذا يتخل معظم القراد عن اطلاق سراح قدرات ذكائهم وخيالهم الخاص .. ليتفهموا فمتعتة غير محدودة الرموز ذات الأبعاد اللامتناهية فى العمل الإبداعى .. لماذا الكسل والإستسهال فى الرقبال على الأعمال الأدبية السهلة المباشرة التكررة .. أين متعة القارئ فى تالكشف والتحث عن ما وراء تحصره فى دور المتلقى السلبى اللنص الأدبى .. لكنها تدعوه بترحاب للإشترتاك معه فى عملية التحث والتحليل ومتعة الإكتشاف الجماعى للكون .. والإنسان .. والحياة!
وأعود للطبيب الذى يهوى ركب الصعب:
ماذا أردت أن تعبر من خلال شخصيتى عبد السلام المشد وغريب.. بطلى روايتك المشى على الصراط؟!
-عبد السلام المشد هو المصرى الذى فتحت عليه أبواب وعيه بداخله وخارجه معا .. دون استئذان، وبجرعة أكبر مت قدرة استيعابه .. وهو المريض الذى يشخص الأطباء مثلما نشخصونه .. وهو الساعى الى ما بعد حدود جلده طولا وعرضا . وهو الذى فرض معالمه دون أن يستأذننى من واقع نمو النسيج الروائي.. فهو عبد السلام المشد أولا وأخيرا، أما غريب، فهو الإنسان الخاذف المنسحب المثقف المتفرج
*والمرأة فى كتاباتك .. أى مكانة تحتل؟!
- المرأة عندى هى أصل الوجود .. وهى مشروع تطورى ثائر .. وهى كتلة الألم المسحوق بخطى الظالمين من كل حدب .. وصفية فى روايتى المشى على الصراط هى مثال كل ذلك ..
* وهل تجعل الإنسان مخيرا أم مسيرا فى شخوص قصصك؟؟!
- الإنسان مسير حتى يختار .. وما لم يختر الإنسان فهو لم يولد بعد !
*من هو انسان القرن العشرين فى تعريفك الخاص؟
- انسان القرن العشرين، هو الإنسان الذى لا يتخلى عن شرف وعيه فى سبيل سلامة سيره.. وهو الذى يصر على امتداده فى الكون وفى التاريخ دون اغتراب أو تأجيل .. وهو الذى يستطيع زن يستقل دون زن ينعزل .. وزن يؤمن دون أن يذهل .. وأن يحب دون أن ينمحى !!
وأخيرا أسأل د. يحيى الرخاوى:
* إذا كان العالم يتعامل مع الواقع كما هو .. والفنان يصوره لنا كما يجب أن يكون .. فكيف ترى الواقع والمستقبل بما أنك تجمع بين الصفتين معا؟!
يجيب..
- أن التفرقة بين العالم والفنان ينبغى أن تخف حدتها .. فالعصر الحاضر لا يسمح للفنان أن ينفصل عن معطيات العلم .. ولا يسمح للعالم أن يسجنا فى معلوماته النعقصة .. وينبغى أن يتحدا فى أن كلا منهما مبدع فى المقام الأول:
أما كيف يجب أن يكون العالم، فهذا زمر خطير .. اكتفى بزن استبعد منه الصور الشائعة ذات البعد الواحد .. فهو ليس عام الحب .. ولا عالم الحنان .. ول عالم الرفاهية . ولا عالم الواجب كما شاع ويشنع ولكنه عالم الوعى والحركة المستمرة الموصلة بين الإنسان والكون !