جريدة التحرير
30-6-2012
تعتعة التحرير
قيم جديدة، فى مجتمع جديد، برئيس جديد !!
(الشاطئ الشمالى: صباح الاثنين 18 يونيو 2012: قبل النتيجة بأسبوع)
أنهى الطالب معوّض أبو السعود معوّض، من قرية قسطا مركز كفر الزيات الإجابة فى آخر مواد الامتحان فى الرياضيات فى الساعة العاشرة مساء الأحد، وكان الامتحان قد عقد من السابعة إلى العاشرة مساء، تصحيحا لخطأ إدارى (وربما أمْنى) …، اتصل المسئولون بالوزارة، وأبلغوها بالخطأ، فأوصت الوزارة بإعدام ما وصل إليهم من أوراق، وأنها سوف توافيهم بامتحان بديل بصفة استثنائية، مع تغيير الموعد.
فرح “معوّض” لكى يراجع مرة أخرى، وأيضا لأن درجة الحرارة كانت قد هبطت بهبوط المساء، خرج من اللجنة راضيا ونظر معوّض فى ساعته، ووجد أنه يستطيع أن يبقى مع أصدقائه لساعتين كاملتين وفعلا: ذهب، وسهر، وضحك، وثرثر، وهاص، ثم عاد إلى أمه مبرنشقا، وأكل نصف الدجاجة بأكملها، وتثاءب وتجشأ، ثم ذهب لينام دون أن يغسل يديه، فنهرته أمه برقة باسمة، فأطاعها برضا سهل، لكنه زوّغ من صلاة العشاء سهوا.
قبيل الفجر، استيقظ معوّض فزعا وهو يصيح بأمه “إلحقينى يامّه” ، تأخرت أمه قليلا حتى ترتدى ما يسترها، ثم ذهبت تهرول نحو سرير ضناها، مع أن الاستغاثة كانت توقفت، وما أن وصلته حتى وجدته جالسا منفرج الأسارير، ثم راح يقهقه، سألته: أليس هو الذى كان يصيح، فأجاب أن “نعم”، فأكملت معاتبة : فماذا جرى وما الذى جعله يقهقه الآن، وهل هى ناقصة!!! فراح يحكى لها عن الحلم المزعج الذى رآه، لكنه أضاف أنه بمجرد أن فتح عينيه، حتى سمع صوت المحمول يرن، فرد عليه، وإذا بناظر مدرسة التجارة الثانوية الاستاذ مرزوق ، إبن خالة أمه، يبلغه أنه نجح وحصل على 98% وعليه أن يحضر أوراقه لمكتب التنسيق، وأكد معوّض لأمه أنه كان فى كامل صحوه وهو يرد، وحين استفسرت أمه عن معنى الأرقام التى ذكرها، شرح لها أنه بذلك سوف يدخل كلية طب طنطا، فلم تتمالك نفسها ورقعت زغرودة أيقظت أبوه والبنات. حين سمعها أبوه وهى تنادى ابنه بالدُّكـْتُر بعد أن حكت له الحكاية، راح يخبط كفا على كف وهو يردد “يامنجّى من المهالك يارب”،
طلب معوّض من أمه أن تحضر له ملابس مكوية حتى يذهب إلى الأستاذ مرزوق يكمل الاستفسار، قبـّلته أمه، وقرأت “قل أعوذ برب الفلق”، ثم طلبت منه أن يصطحب أختيه معه حتى تزغردان له بعد التأكد من الخبر، ويرقيانه من العين أولا بأول.
سار الموكب فى فرح بهيج ، وكان الصباح منعشا، وكلما التقوا بمن يعرفون، اخترعت إحدى البنتين أى كلام مع أخيها حتى تناديه بالدُّكـْتُر أمام الجميع، فاستغرب من استغرب، وفرح من فرح، وحقد من حقد، وأخذ الموكب يزداد فى حدود المعقول، وحين وصل إلى شرفة عبد المعز أفندى المفتوحة ، وجدوه جالسا يقرأ وِرده الصباحى، فاستأذن معوّض من أختيه وكان أغلب المستطلعين قد انفضوا، ودخل يفرّح أستاذه العزيز بالنتيجة التى له الفضل فيها لما بذله معه من جهد فى الدروس الخصوصية، لكنه بقى طويلا فى الداخل حتى قلقت عليه أختاه فاستدارتا وعادتا خجلا، وهما تدعوان بالستر.
وضع عبد المعز أفندى يده على جبهة معوّض وهو يحاول أن يهدئه، ولم يبادر بتكذيبه صراحة، بل راح يخبره أنه شخصيا منتدب لتصحيح أوراق الثانوية العامة من أول الأسبوع التالى، وأن التصحيح قد يأخذ ما بين ثلاثة أسابيع إلى شهر، وأن ما سمعه فى المحمول لا بد أن يكون امتدادا للحلم، و معوّض تتسع ابتسامته وهو يشفق على أستاذه العزيز ويتعجب كيف لا يصدقه، ازدادت شفقة عبد المعز أفندى على تلميذه الذى لم يكن نجيبا جدا، وعاد يضع يده على رأسه ليتأكد من عدم وجود حُمّى، وطلب منه أن ينتظره حتى يلبس ويذهبان معا إلى الأستاذ مرزوق ليتأكدا من الأمر.
وصلا إلى بيت الأستاذ مرزوق، وبكل حرج دق عبد المعز أفندى الباب ففتح لهما الرجل بنفسه وهو مشعث الشعر، وتأكد عبد المعز أفندى أنه أيقظه فاعتذر جدا ثم أسرع بسؤاله وهو يغمز بعينه عما إذا كان قد هاتف الولد معوّض هذا الصباح فى المحمول، وحين سأل الأستاذ مرزوق “مـَنْ معوّض هذا؟”، التفت عبد المعز أفندى خلفه فلم يجد أحدا بجانبه، فاعتذر مرة أخرى، ولم يشرح أكثر من ذلك، ولم يستطلع الأستاذ مرزوق أكثر من ذلك، وفضـّل أن يذهب ليكمل نومه.
رأى عبد المعز أفندى أن يمرعلى منزل الحاج ابو السعود ليطمئن على الولد معوّض قبل أن يعود إلى بيته، لكنه فوجئ بأن أحدا ليس بالمنزل وأخبره الجيران أنهم جميعا ذهبوا إلى الساحة حيث تعقد “سويقة” القرية ليحتفلوا بالدُّكـْتـُر، لم يكذب عبد المعز أفندى الخبر، واتجه إلى السويقة وهناك وجد زفة أشبه بزفة طهور ابن اخته، والجميع يهللون ويباركون، وكلمة الدُّكـْتـُر المعجزة تتردد بينهم، بفرحة طيبة غامرة، فصفق بيديه ودعا مرة أخرى بالستر، وعاد وهو يردد : لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
(المقطم: 25 الإثنين يونيو 2012: بعد إعلان النتيجة)
بعد شهرين …أخبر معوّض أمه أن نتيجة مكتب التنسيق قد ظهرت، وأنهم رشحوه “بالقرعة” لكلية الطب لأنهم سوف يقومون بتجربة جديدة بإدخال عدد من الحاصلين على مجاميع متواضعة، ليثبتوا أن مواد كلية الطب لا علاقة لها بمجاميع الثانوية العامة ، قالت أمه: أنا قلت لأبيك : إن مروزق ابن خالتى لا يكذب أبدا، لكن يا إبنى والله ما أنا فاهمة،
قال معوّض بأمانة وطيبة: ولا أنا !!
(انتهت القصة)
****
كنت قد كتبت الجزء الأول من هذه القصة قبل ظهور نتيجة انتخابات الرئاسة، أعرّى فيها للشباب، ما حدث من السيد المرشح الذى أصبح رئيسا -وفقه الله- وذلك خوفا عليهم من تشويهٍ أخلاقى محتمل، ثم ظهرت النتيجة، فعدلت عن النشر، ثم عدلت عن العدول، قلت: ربما يكون فى نشرها ما يوصل للشباب أن الطريقة الخاطئة تظل خاطئة، حتى لو ثبت أن نتيجتها صحيحة، كما أنى أملت فى سيادة الرئيس أن يبدأ باحترام وعى الناس، والمنطق السليم والشباب خاصة، ويستغفر الله ونحن ندعو له ولنا، ويتقدم باعتذار للناس عامه والشباب خاصة عن هذا التجاوز، وأنا متأكد أنها ستكون بداية طيبه، لفترة واعدة، مع خالص التهنئة
هكذا نبنى القيم الجديدة، والمجتمع الجديد، برئيس جديد.