اليوم السابع
الأربعاء، 9-4-2014
قياس الرؤساء: بالحالة النفسية أم بالانتماء للإنسانية؟
أخشى من هذا التركيز على الحالة النفسية للرؤساء أن يدفعنا للخلط بين المرض والجريمة، دعونا نتساءل: أيها الأولى بالحذر والرفض، الرئيس الذى يسمح لجيوشه أن تقتل الملايين من الأبرياء تحت لافتات الحروب الاستباقية، والشكوك الاستخبارية أم الرئيس المهزوز فى موقف متناقض أو الذى يخرج عن طوره فى خطبة عشوائية؟ إن جرائم التطهير العرقى، وغسيل العقول، واستعمال الأموال القذرة لإذلال الأفقر والأضعف لا تحتاج إلى مرض نفسى ليفسرها، وإنما تحتاج إلى وعى شعبى عالمى ليحول دون التمادى فيها، ومع ذلك دعونى أحكى لكم ما وجدت بالنسبة للحالة النفسية للرؤساء.
ابتداءً: تحت عنوان “الرؤساء المجانين” فى أفريقيا، عثرت على قائمة تضم الرئيس النيجيرى الأسبق سانى آباشا، ودركى غرب أفريقيا، والرئيس الأسبق لجمهورية وسط أفريقيا جان بوكاسا والرئيس الأوغندى عيدى أمين، والرئيسالغينى الحالى يحيى جامى والرئيس النيجرى السابق سينى كونتشى، والزيمبابوى الحالى روبرت موغابى والرئيس المالى السابق موسى اتراورى، وكذلك ملك سويزيلاند الأمير ماخوزتيف دلامينى.
فهل يا ترى هناك عامل مشترك بين كل هؤلاء؟ وهل ظهر عليهم ما أسموه “جنونًا” قبل توليهم أم بعد توليهم؟ وهل تصنيفهم أو تشخيصهم هو نتيجة لكشف طبى عليهم؟ أم أن الحكم صدر عليهم من تصرفات سميت مجنونة حقيقة أو مجازًا، وهل ظهرت وسط شطحات ما يسمى جنونهم، أية اختراقات إيجابية يمكن أن توصف بأنها إبداعية، حتى لو كان ما سبقها أو ما لحقها يوصف بـ”الجنون”؟
كل هذه الأسئلة شغلتنى ولم أجد إجابة شافية عليها وتصورت أنها تحتاج عمرًا للإجابة عليها، لكننى أتصور أن مجرد طرح مثل هذه الأسئلة ينبهنا إلى صعوبة المسألة التى نتناولها، وأن علينا أن نحكم على الرؤساء بأدائهم الإنسانى ونجاحهم الاقتصادى لصالح شعوبهم، ثم عدلهم فى توزيع نجاحات اقتصاد بلادهم، وليس بتصرفاتهم الشخصية وسماتهم وطباعهم.
ثم إنى حصلت على دراسات متفرقة ومتنوعة عن رؤساء أمريكا من أول دراسة قام بها فرويد حول شخصية الرئيس الأمريكى وودرو ولسون وهى دراسة لم تنشر إلا بعد وفاة فرويد، لذلك فهو عمل غير متداول كغيره من النصوص الفرويدية، وتمتد الملاحظات والمقارنات إلى مقارنة ولسون بجورج دبليو بوش، وقد أوضح الباحثون أوجه شبه كثيرة بينهما.
هذا، وقد انتقل الاهتمام مما يسمى التحليل النفسى للرؤساء إلى النمط السلوكى لهم وكلام كثير مهم فى علم النفس السياسى، لكن سواء كان هذا هو الأصوب أم ذاك فإنه من المتفق عليه أنه يصعب تحديد الخط الفاصل بين السواء والمرض فى مثل هذه الحالات خاصة أنه كان يقال إن علم النفس السياسى يمكن أن يساعد المسئولين فى اتخاذ بعض القرارات أو أثناء المفاوضات أو غير ذلك، لكن القائمة التى وصلتنى والتى تتناول أحوال الرؤساء الأمريكيين تضمنت عددًا متنوعًا من الأحكام وطرق التقييم التى تراوحت بين الخيانة الزوجية، والأمانة الشخصية، والتذبذب السياسى بحيث يكاد يصعب وضع عتبة فارقة تحدد: متى أصبحنا فى منطقة يقال عنها “المرض”، تحديدًا، فاختلط السياسى بالأخلاقى بالمرضى اختلاطًا متداخلاً زاد الأمر إشكالاً، كتاب: “الأخلاق الرئاسية– التنبؤ بالأداء فى البيت الأبيض”، تأليف جيمس دافيد باربر.
كذلك أخذت بعض الدراسات التاريخ الأسرى للرئيس، مثلما حدث مع ترشيح جون كينيدى للرئاسة. فقد كانت أخته مارى تعانى اضطرابًا نفسيًا لم يلبث أن تحول إلى إعاقة عقلية بعد خضوعها لمحاولة علاج عن طريق جراحة دماغية، ما أدى إلى بقائها نزيلة مصحة عقلية حتى نهاية حياتها، ولكن هل أثر ذلك على استهدافه للمرض أو على أدائه أو كان سببًا فى اغتياله لإبداعه واستقلاله؟
أما آخر ما حصلت عليه وضاعف من مخاوفى من الدخول إلى هذه المنطقة، فقد كان كتابًا عن خمسة من الرؤساء العرب وهو كتاب ألفته حديثا “موريال ميراك وايسباخ” وهى كاتبة أمريكية من أصل تركى وعنوانه “المجانين فى سدة الحكم”: اتهمت فيه خمسة رؤساء عرب بالجنون، وأنهم يعانون من حالات نفسية تتمثل فى مرض البارونيا كونهم لا يريدون أن يواجهوا حقيقة أنفسهم، ويعتبر هذا الكتاب أن الربيع العربى نقطة تحول فى التاريخ العربى، الذى أعطى المحتجين الشباب الزخم لتحدى الأنظمة الديكتاتورية القائمة والراسخة للمرة الأولى، والمطالبة بالديموقراطية”…الخ، ويقدم هذا الكتاب “نظرة نفسية فى الإجراءات والاستجابات من هؤلاء من أول زين العابدين حتى الأسد، مرورًا بمبارك، فالقذافى، وعلى عبد الله صالح، والكتاب ينظر إليهم من وجهة نظر نفسية إكلينيكية دون مقابلتهم أو فحصهم، وقد وجدت أنه من الصعب علىّ أن أجد عاملاً مشتركًا يسمى “الجنون” بين أقصى “القذافى” على ناحية وأقصى “مبارك” على الناحية الأخرى، أو أقصى “بشار الأسد” وأقصى “زين العابدين بن على” وفى نفس الوقت شعرت أن مثل هذا التحليل إنما يغفل العامل الأهم الذى يجمع بينهم فيما يسمى “الربيع العربى” وهو إرادة أمريكا وإسرائيل فى التخلص منهم لصعوبات مختلفة، هى غالبًا متعلقة بانتهاء عمرهم الافتراضى ودورهم فى تحريك المنطقة للاندماج تابعين مطيعين للإمبراطورية المعولمة الجديدة برئاسة أمريكا ووزارة إسرائيل “أو العكس” لصالح المال العولمى المفترس، جنبًا إلى جنب مع أخطاء هؤلاء الرؤساء وتماديهم فى الاستهانة بوعى شعوبهم الجمعى النامى، وغياب العدل.
بالله عليكم ما هو الأولى بالدراسة والانتباه، كل هذه المؤامرات والتكيتيكات المعدّة منذ سنوات، أم حالتهم النفسية والعقلية حتى لو اقترح القذافى رحمه الله دولة “إسراطين” وهو اقتراح جرىء مبدع.