الوفد: 18/6/2001
قواعد اللعبة
لو كنت مسئولا فى الحزب الوطنى لخجلت أشد الخجل وأبلغه مما جرى أثناء انتخابات مجلس الشورى وهم يدللون على من يدخل اللجان أصلا (ناهيك عن النتائج). ولو كنت مسئولا جدا،إذن لدفعنى خجلى هذا لتقديم استقالتى.
ولو كنت مسؤلا جدا جدا، لقدّمت كل المسئولين عما آل إليه حال البلد، بسبب هذا الحزب، إلى المحاكمة، ولا ترددت فى كشف كل ما أعرف أمام الشعب والقضاء.
هذا الشىء المسمى الحزب الوطنى
ما هى حقيقة ما يجرى، داخل وبسبب هذا المسمى” الحزب الوطني” ؟
لا أحد يعرف، على الرغم من كل هذه المحاولات المتزايدة لعرض الآراء فى كل هذه البرامج الحوارية فى وسائل الإعلام العام.
كلنا نتساءل بعد مشاهدة كل برنامج من هذه البرامج الصريحة : ” ثم ماذا”؟
حزب فلاح كفر الهنادوة
أنا لا أعرف تعريفا محددا لما يسمّى “الصحف القومية”. هى صحف تصدر تحت رعاية المجلس الأعلى للصحافة (وكل الصحف كذلك) لها مجالس إدارة، ورؤساء تحرير، ولكلٍّ بضعة نواب رؤساء تحرير، وهى تنشر، وتُعْلِن، وتكسب..إلخ، لكن ما معنى صفة “قومية هذه تحديدا؟ وهل الصحف الأخرى “غير قومية”، حتى لو كانت حزبية ؟ إن ما ينشر فى هذه الصحف القومية وحدها خليق بأن يُسقط أى وزارة فى أى دولة محترمة.
صحيفة أخبار اليوم العريقة المحيطة، يمثل فيها أحمد رجب ومصطفى حسين وفلاح كفر الهنادوة منبرا للمعارضة يكاد لا يجاريه حزب بأكمله، ثم عامود أنور وجدى الشهير. ثم الآراء الصريحة والخطيرة والمسئولة فى الأهرام بكل إصداراته. كل هذا يُـُكتب، ويـُكتب، ويـُكتب. لمن ؟ ثم ماذا؟
نحن نحتاج لدراسة تتبعية حقيقية تجمع هذه الانتقادات، ثم تطرح الكيدية منها والتشنيعية جانبا، وتستبقى النقد الموضوعى الذى صدر من أناس ليسوا حزبيين، وليسوا متشنجين، وليسوا معارضين بالمعنى التقليدى، ثم نرى ما الذى ترتب عليه حقيقة وفعلا، لا من حيث ماذا جرى للمتجاوزين أفرادا، ولكن من حيث ماذا استفاد النظام من هذا النقد.
هم يحفرون، ونحن الذين نقع فيها!!
لا يهم الناقد الأمين أن يُفصل فلان من منصبه، أو حتى أن يحال علان إلى التحقيق، ويحاكم، ويحكم عليه بالشىء الفلانى. المسألة ليست فردية أصلا. المسألة أن ثمة نظاما يُـفرِز هذه الممارسات، والكاتب الذى يكتب ويصرخ، وينبّـه، ويعرض نفسه لما يعرف وما لا يعرف، ليس بالضرورة موتورا أو حاقدا، الأصل فى الناقد أنه يريد الخير ما استطاع، وأنه لا يستطيع أن يكتم الشهادة. ماذا فعلت فهّامة أحمد رجب طوال هذه السنين، وفيها من القذائف الموجهة، والصواريخ العابرة للوزارات ما يهز عرش أى وزارة كائنة ما كانت؟ ما الذى كسبه الناس من كل هذا النشر، وهذا الصدق، وهذا الكشف؟ هل يكفى أن يأخذ أحمد رجب جائزة الصحافة التقديرية، وأن يعاود مصطفى حسين إصدار مجلته السياسية “كاريكاتير”، وهى تتخفى فى ثوب فكاهى؟.
فى عدد أخبار اليوم الصادر يوم السبت 16 يونيو 2001 وبعرض الصفحة الأولى، وملء الصفحة العاشرة عنوان يقول “إنهم يحفرون تحت أقدامهم”. من هم أولاء الذين يحفرون تحت أقدامهم ؟ المقال يقول : إنهم أعضاء مجلس الشعب الذين، والذين، والذين إلى آخر ما نعلم، وما لا نعلم، شكرا يا أستاذ إبراهيم، عوّدتَـنا مثل هذه الشجاعة حتى لو اختلفنا معك، لكن بالله عليك : ثم من؟ ثم ماذا ؟ ثم متى ؟ !!ونحن ؟ أخشى ما أخشاه أن يحفروا هم تحت أقدامهم، ونقع نحن فى الحفرة، ويعاد النص من جديد !!!
يا سيدى إبراهيم سعده، حين اشتدت حملاتك ( متخفيا باسم أنور وجدي) قبل التغيير الوزارى الأخير(أو التعديل الوزارى، سمِّّّه ما شئت)،، قلنا نحن المواطنين الذين يتسقطون الأخبار الخفية من صفة وشجاعة و”وصول” هذا القلم أو ذاك، قلنا هذا رجل وطنى متحمس شجاع، قريب من صانعى القرار، ولا بد أن كل هذا الهجوم على من يستحق الهجوم له مغزاه الذى يبشر الناس بالخير، ثم نفاجأ بأن الذى يخرج هو الدكتور جويلى، والمهندس الكفراوى (مثلا)، وأن الذى يبقى هو الخبير ممدوح عبد الغفار، والمهندس عبد المهيمن عبد الكريم الزهاوى، والدكتور أصلان محمد، لا تتعب نفسك عزيزى القارئ لتعرف أى وزارة يشغلها الخبير ممدوح، أو الدكتور أصلان، أو المهندس عبد المهيمن، لأن كله مثل كله.
قواعد اللعبة
لكل نظام قواعد، ومن أولى القواعد وأهمها: تحديد نظام المحاسبة، وآليات التغيير. التغيير فى النظام الحالى، إذا حدث، هو أبعد ما يكون عن وعى الناس وتوقعاتهم.
نريد أن نعرف علانية، مثلا: ما هى الإنجازات والصفات التى تُبقى الوزير فى منصبة لكذا وعشرين سنة قابلة للزيادة، حتى مع تغير رؤساء الوزارات، وما هى الأخطاء والتجاوزات التى يمكن أن تقصر مدّته.
الاختيار بالـعنعنة
قاعدة أخرى يحتاج الناس أن يلمّو ولو ببعض ملامحها، وهى القاعدة التى يتم على أساسها اختيار الوزراء ومن فى مستواهم (المحافظين مثلا). يغلب على ظن كثير من أبناء مصر الطيبين أن بعض التعيينات تتم عن طريق “العنعـنة”. بمعنى أن تصل إلى من بيده الأمر معلومات عن فلان، تصله عن طريق فلان، عن فلان، عن فلان، أنه قال: إن فلانا يفهم فى الأمر الفلانى، وبالتالى يعيّن وزيرا للوزارة الفلانية.
مرة أخرى هذا ليس عيبا فى ذاته، لكن الذين علّمونا منهج العنعـنة من علماء الحديث الشريف نبّهونا إلى مخاطر مصداقية الراوى. من أين يحصل المسئول الكبير عندنا على بيانات تطمئنه إلى مصداقية سلسلة العنعنة التى رشحت له فلانا للوزارة الفلانية ؟
لمن أكتب هذا الكلام، ولماذا؟
هل يمكن يضيف مثل هذا الكلام حرفا ينتقد أداء أعضاء مجلس الشعب أكثر مما احتوى مقال إبراهيم سعده “إنهم يحفرون تحت أقدامهم”. هذا صحفى مسئول متحمس شجاع عالم بما يجرى أكثر من المواطن العادى (مثلى). ماذا يتبقى لعامة الناس أن يضيفوه، أو يهمسوا به، أو يتساءلوا عنه، بعد ما ذكر المقال كل هذه الأسماء الكبيرة المستريحة، وهى ترأس تلك اللجان الخطيرة، والقادرة ؟ إن ما يهم الناس هو التفكير فى سلامة القواعد، وليس فى أخطاء الأشخاص
إذا كنا نريد أن نعرف أين الخطأ، فلننظر مليا فى النظام الذى أفرز قواعد لا يمكن أن ينتج عنها إلا تولى هؤلاء الناس الشطار، لهذه المواقع الحساسة، ثم يحدث ما يحدث، فيُضبط من يُضبط، ويُحاكم من يُحاكم، والذى ينجو من هذا وذاك هو الأكثر حرصا والأكثر ذكاء، وليس بالضرورة الأكثر أمانة، وأكثر إخلاصا، فهؤلاء (الأكثر أمانة) تكون أعمارهم فى المناصب عادة أقصر من أن يتعرضوا لهذه الامتحانات.
مأساة قصر العينى ليست جديدة
حين تكشفت بعض أوراق ما يجرى فى الجامعة، فى قصر العينى وغير قصر العينى حزنت حزنا شديدا، لم أفاجأ. حزنت: ليس فقط لما ظهر من أمور لا أريد التعليق عليها ما دامت بين يدى القضاء، ولكن لأن هذا الذى ظهر، ليس جديدا، ولا غريبا على من يعرف ما يجرى من سنين عددا. حين تتغير القيم، فتصبح المجاملة واجبة مهما أضير بسببها صاحب حق، ثم يصبح هذا الواجب فرضا، ثم يصبح الفرض مفروضا، يسهُلُ ارتكاب ما كان يسمى جريمة، وتكتسب الجريمة اسما آخر، ثم بعد ذلك لا يحرص من يأتى مثل هذا الجرم على إخفائه، بل إنه يفخر به، ثم إنه من فرط ما شاع وفُُرض، يروح يمارسه جهارا نهارا، فيسهل ضبط بعضه بالصدفة فى الأغلب.(مثلما حدث).
انهيار الأخلاق ظاهرة سياسة
أشرت فيما سبق أن ظاهرة شعبان عبد الرحيم هى ظاهرة سياسية وليس لها علاقة بالفن أصلا، هذا رجل يتكلم، لا يغنى. يتكلم ووراءه مجموعة من البنات “تسرسع” بعد كل فقرة أنه “لوو للووو للووو للو، ثم يكمل كلامه وهو يلهث، فينقطع نفسه فيزوووم “إيييييه”، وخلاص. الأمر لا يحتاج لنقد فنى أو أسف على طرب زمان أو أى شىء من هذا القبيل، الأمر يحتاج إلى وعى سياسى نعرف من خلاله أن كلمات هذا الرجل، وصوته الأجش، وقبح أدائه، هو النتاج السياسى للنظام القائم. سواء على مستوى الجمال، أو على مستوى الأخلاق (وهما واحد تقريبا!).
فى أغنيته الأحدث يتقمص شعبان المواطن الفقير المرهق بالأعباء الذى لا يستطيع دفع إيجار مسكنه بانتظام أول كل شهر. يقول شعبان بصوته الأجش ما يبدو من ناحية أنه تحريض على أكل حق المالك، الذى قد تكون حاله أبأس من حال المستأجر، ومن ناحية أخرى قد نكتشف فى كلماته دعوة لا أخلاقية لعدم الالتزام بأى عقد أسوة بوعود الحكومة السنية وهى تتراجع عنها بلا خجل أو تفسير.
تبدأ الأغنية : “مش حادفع الإيجار، واللى انت عايزه اعمله”، ومع التحفظ المبدئى أنه يؤجل الدفع فقط، لا ينكر حق المالك من حيث المبدأ، حيث يتراجع قائلا: “مش حادفع الإيجار، لما أبقى أكمّله”، إلا أن الأغنية بعد ذلك توحى بأن عدم دفع الإيجار هو نوع من الشجاعة، شىء أشبه بالعصيان المدنى، مثلا: ” مش حادفع الإيجار، لو فيها ضرب نار” ثم تحكى الأغنية، (الخطبة السياسية)، كيف أنه يشقى ليل نهار، وأنه يرزح تحت الحسرة والندامة لأنه “ما بقاش غير البيجاما”، بعد أن باع “كل حاجة، ونايم عالحصيرة”.
هذه سياسية، لا أكثر ولا أقل. هذه تصبيرة لمن لا يستطيع منّا أن يدفع الإيجار، بل إننى تصورت أن كثيرين ممن يتهربون من الضرائب، يخاطِبون الحكومة بنفس المنطق، وهم يتقمصون هذه الأغنية “مش حادفع المبيعات، واللى ف ْ قرنك انْفُضُهْ ” !!!.
هذه المصادر الشعبية هى المصادر التى ينبغى أن ينتبه إليها من يريد أن يقيّّّم النظام.
يا سادتى الكرام
أفيدونا أفادكم الله عن تعريف حقيقى لما هو “الحزب الوطنى”، وما هو “مجلس الشعب”، وما معنى وجود قضاء مستقل ما دامت أحكامه لا تنفذ؟ وما هو مجلس الشورى، وكيف لم يصدر تصريح رسمى يدل على الخجل مما جرى هنا هذا الشهر، تحت اسم “انتخابات”؟ وهل هذا الاسم يعنى نفس ما جرى فى إيران، ناهيك عن إنجلترا فى نفس الوقت؟
انتبهوا أيها السادة.
نحن فى شهر يونيو الحزين، كل من يحب هذا البلد، وحكامنا لا يكرهونه حتما، لا يريد لهذا اليوم أن يتكرر، لكن عنوان إبراهيم سعده “إنهم يحفرون تحت أقدامهم” يجعلنا نضع كل احتمال، لا قدر الله ولا كان.
ومع ذلك : لا أملك إلا أن أتفاءل
حمدت الله أن مرّ 5 يونيو وأنا فى إجازة من الكتابة فى هذه الصفحة حتى لا أضطر للولولة والعديد من جديد، المرارة لا تزال فى فمى، بل فى كل خلاياى. وجدتُ بين أوراقى أصل مقال قديم كنت قد كتبته فى هذه المناسبة (5 يونيو) فى يوميات الأهالى، كان فى يونيو 1996، حين قرأته أحسست أننى أكتبه الآن. وأن بعض ما به يؤلم ويصبّر معا:
كنت قد استلهمت فى فقرة منه شعر صلاح عبد الصبور وهو يبدأ رافضا قائلا
“لا أملك أن أتكلم”، ثم يعود صارخا ” لا أملك إلا أن أتكلم،…يا أهل مدينتنا، يا أهل مدينتنا”، إل أن قال ” انفجروا أو موتوا “
كلما مرّ علىّ5 يونيو،أتلفَّت حولى أتساءل: هل تعلّمنا؟ هل تغيّرنا؟ فأجدنى أقبض على إصرارى على التفاؤل كالقابض على النار، ففاض بى ما بى آنذاك، مما جعلنى أقول:
لا أملك أن أتفاءلْ
لا أملك أن أتفاءل وروائح جثث الأطفال تلوّث وعيى
لا أملك أن أتفاءل والغول الأمريكىُّ يواصل صفق الأبواب أمام صفوف المرصوصين المنتظرىن العفو السامى:
الأفقر يطلب صدقََهْ، والأغنى يدفع أجرَ المرتزقــَـــهْ.
لا أملك أن أتفاءل والوغدُ القاتلُ للأطفال يلعّبُ لى الحاجبَ ويشير بإصبعه الوسطى ما لا يــُــكتب
يغضب قاتُلنا، لو صرخ المقتولُ ” كفى”،
لكننى عدت متراجعا، مثل صلاح عبد الصبور، وأنا أهتف قاهرا يأسى وواقعى، قلت:
لا أملك إلا أن أتفاءل
لا أملك إلا أن أتفاءل، والوعى المقهور يولـِّـد فعلا يصبح قـــدَراً أمضَى،
صدِّق أن الطينَ النابضَ بدماِء الشهداءِ هو الرحم الواعد بالقادم أقوى.
صدِّق أن الزمن كيانٌ لا يُخدع.
قد يسكتُ دهرا،
فإذا ما نطق توارى الزيف بلا ذكرى
صدِّق أن الزبد يروح جفاءا،
والنافعُ يبقى.