الاهرام: 1-12-2003
قليل من الحياء.. كثير من العدل
من أسهل السهل أن يردوا على أى ملاحظة نبديها حول حكاية وتصريحات حضرة صاحبة الجلالة ملكة جمال الأفغانيات “فيدا ساما دزي” بأنها إمرأة حرة، تعيش فى بلد حر. سوف يردون بأن أحدا لايملك أن يتدخل فيما ترتديه هذه الجميلة و هى تصرح بأنها تريد أن تثبت للعالم أن المرأة المسلمة جميلة وحرة وأنها تمثلها، حيث أنها مسلمة وتمثل جميلات أفغانستان (دون انتخابات حرة) ليكن، ولكن علينا أن ندرك أننا لو احتججنا على هذا التصرف فإننا نثبت أننا متخلفون يحكمنا الكبت الجنسى من ناحية، والقهر الدينى والسياسى من ناحية أخري. وسوف يبادرون ليعلمونا الحرية والأخلاق كما ينبغي، ونحن نقتدى بهذه الأفغانية الجميلة الجريئة.
علينا أن ندرك أن قواعد لعبة ديموقراطيتهم التى لا نفهم فيها الألف من المأذنة تمنع السيد رئيس العالم أو نائبه أو وزير خارجيته أن يعلق أى منهم من بعيد أو قريب بما يفهم منه أنه يتدخل فى حرية أى إنسان.
إن الدليل على ذلك هو أن هذا الرئيس لا يتدخل فى حرية شارون وهو يقتل الأبرياء دون محاكمة وهو لا يتدخل فى حرية شركاته الأمريكية وعبر القارات التى تواصل تلويث البيئة وتوسيع ثقب الأوزون، ربما لتدفئة الأطفال الفلسطينيين المشردين اللذين تهدم بيوتهم البلدوزورات ويلقون فى الشوارع مثل الأمتعة القديمة والبقايا.
***
كما أن الإسلام ليس هو الإرهاب أو النقاب فإن الديموقراطية الغربية ليست هى التعرى الجسدى أو الشذوذ الجنسي. إنه مهما كان إعلامهم حرا، أو يدعى ذلك، ومهما كانت الست ‘فيدا ساما’ الأمريكية الأفغانية جميلة (وهى فعلا كذلك) فإن ظروف الوقت الحالى والمصلحة العامة (مصلحة الأمريكيين أولا) تقتضى أن تكون هناك ملاحظات وتوصيات من هؤلاء المسئولين جدا قد تمنع مثل هذه الإثارة. إنهم لا يبخلون بملاحظاتهم وتنبيهاتهم حول أى إشارة تمس طرف أحباء القلب، وقرة عين عالمهم الحر ‘اسرائيل’ أو حتى تمس أبناء عمومتنا اليهود بصفة عامة.
إن حقوق الإنسان التى يصدرونها إلينا تسمح لجلالة الملكة الأفغانية أن تدلى بأية تصريحات كيفما تشاء أينما تشاء، أما مهاتير محمد فليس حرا أن يعلن رأيه الشخصى حتى بعد أن ترك السلطة، كذلك غير مسموح للفيلسوف العالم الحر الأكاديمى ‘روجيه جارودي’ أن يحسن قراءة وثائق تاريخية مدعما بأساليب موضوعية شديدة المصداقية. أيضا غير مسموح للصحافة المصرية أن تمس من قريب، أو بعيد حلفاءهم الأقرب لمهجة الفؤاد والمصالح…..،
وها هو السفير الأمريكى ينبرى يعلم صحافتنا المصرية أصول لعبة الديمقراطية المعدلة …..
لا أحد يطلب منهم منع الجميلة الأمريكية الأفغانية أن تتعرى كما تشاء، لكننا كنا ننتظر أن نسمع من قادة العالم هؤلاء أى تنبيه أو لوم أو تهديد حتى من أجل مصالحهم وأرواحهم شخصيا مثلا: تحذير يقول ‘إن هذا ليس وقته’، أو إن هذه ليست هى القضية’.
إن الخلافات التى تودى بالأرواح هنا وهناك ليست حول مساحة ما تعرى المسلمة من جسدها لتثبت للعالم حريتها، وإنما يدور حول الخلاف حول استغلال الدين لقهر الناس وقتلهم وأيضا حول استغلال أصحاب المال والسلاح للإعلام والهئيات الدولية لقتل الأبرياء، وتشريد الأطفال وتسطيح الأديان، والاستيلاء على أوطان الغير.
ليس مطلوبا التدخل فى الحرية الشخصية لكن قليل من الحياء يـصلح السياسة، وكثير من العدل ينقذ الأرواح فى كل مكان.