نشرة “الإنسان والتطور”
8-5-2011
السنة الرابعة
العدد: 1346
يوم إبداعى الشخصى
قصة لست قديمة جدا
نشرت بتاريخ 15-10-2008
لعلها أكثر تناسبا الآن مع الجارى
ثقوب وخوابير “أمريكانى”
قال له عامل محطة البنزين “لابد من ضبط هواء العجلة اليمنى الأمامية”، ذهب لكوخ الكاوتش الذى بادر صاحبه برش سائل رغوى على كل العجل عجلة عجلة دون استئذان، ليعلن أن هناك ثقوب عديدة فى الجميع، وأنه عنده خوابير أمريكية مضمونة أكثر من ضمان الكاوتش الأصلى، وأن ثمة حادثة قد وقعت أمس قبل محطة البنزين بقليل، وأن هذه الثقوب هى من آثار الزجاج المتبقى، وهات يا تخريم وتخبير، وكلما رشق الرجل المفك المدبب فى ثقب مزعوم، أحس صاحبنا أنه يرشقه فى جسده هو، وامتدت العملية إلى سائر العجلات حتى بلغت الثقوب سبعة عشرة.
أثناء هذه العملية الممتدة أطل وجه فتاة فى حوالى الخامسة عشرة من بين ألواح صفيح الكوخ، خيل إليه أنه رأى هذا الوجه من قبل، وحين انتهى رجل الكاوتش من مهمته، سأله صاحبنا بتردد: “من الفتاة؟”، تعجب الرجل: “أية فتاة؟” قال: “التى كانت تطل بوجهها من بين ألواح الصفيح”، زاد تعجب الرجل وهو يؤكد له أنه ليس وراء الصفيح إلا بركة آسنة، وانصرف صاحبنا بعد أن دفع مائة وسبعين جنيها بالتمام مقابل تشويه العجلات وإفساد متانتها.
ما أن سار بالعربة بضعة كيلومترات حتى سمع حركة فى الكرسى الخلفى، فظن أنها ورقة صحيفة تتطاير، فأحكم إغلاق زجاج الأبواب الأربعة، لم تتوقف الحركة، نظر فى المرآة فرأى كيانا يتحرك حتى يعتدل جالسا على الكنبة الخلفية، فزع حتى كاد يصطدم بعربة مرت بجواره، هى هى فتاة الكوخ، إذن هو لم يكن يتخيل، ابتسمت الفتاة بفتنة خاصة حين لاحظت أنه رآها فى المرآة، قالت ردا على سؤاله إنها اختبأت فى العربة دون استئذان حتى تضمن أنه سيوصلها، وحين سألها:”إلى أين؟” قالت: “إلى أى مكان”، سألها: “ماذا تعنين؟”، قالت:”أنت وما ترى يا سيدى، “أسترنى الله يستر عرضك”، انخلع قلبه بعد أن دخلت المسألة فى الستر وعرضه، قال لها فى غضب مصطنع: “سأوقف العربة وتنزلين، أنا لست من أهل ذلك”، قالت له: “ذلك ماذا يا سيدى؟ أنا لم أقل شيئا”، تراجع وقال لها إنه ذاهب إلى اجتماع اللجنة الاقتصادية العليا للحزب، وأنها وجهة لا تسمح له بأن يوصلها وهى معه، قالت له: “حاضر”، قال لها: “حاضر ماذا؟” قالت: “حاضر، إفعل ما ترى، لكننى حامل”، قال بسرعة وكأنه يدافع عن نفسه: “هذا أمر يعنى زوجك، أنا مالى”، قالت: “ليس لى زوج”، رد فزعا:” وأنا مالى أنا ؟”، قالت:”ألاتذكر يا سيدى؟ أنت أبوه”، رد منفجرا: “ماذا تقولين يا مجنونة”، قالت:” ألا تذكر أيضا أننى ابنتك من ظهرك”، قال لها: “أنا أبوه؟؟ وانت ابنتى يا معتوهة؟”، ثم أكمل بصوت عال وقد بدا وكأنه يتذكر: “ثم إننى لم أتزوج”، قالت: “وهل من الضرورى أن يتزوج الواحد ليكون له ابنة، تنجب منه”؟
داس على الكابح بكل قوته حتى توقفت السيارة فجأة وكادت العربة التى خلفه تصطدم بها لولا أن صاحبها قد داس بدوره على الكابح، قالت الفتاة وهى تقفز من العربة بسرعة، “حصل خير”، قال لنفسه “أى خير!!”، وراح ينظر فى المرآة فرآها تخرج من الباب الخلفى بسرعة، وتجرى إلى العربة التى كادت تصدمه، ورأى السائق الوجيه يفتح لها الباب، ويجلسها بجواره، ثم تمرق العربة بسرعة من الناحية اليمنى وهى تلتفت إليه تلوح له بيدها، حاول أن يلتقط رقم العربة لكنه لم يستطع إلا أن يلحظ أنها لوحات “دبلوماسية” خضراء.
وانطلق بسرعة متوسطة وهو ينظر فى ساعته، ويحاول أن يتذكر المهمة التى يتوجه إليها، فراح يتمتم، “من ذا الذى يستطيع أن يوقف هذا التدهور المتسارع فى اقتصاد البلد؟”، لكنه ما كاد يمضى فى الطريق حتى شك فى سلامة العجل مرة أخرى، ذهب مباشرة إلى كوخ الكاوتش التالى على الطريق، قاس الرجل ضغط العجل وقال له “كله سليم يا سعادة البك، دع عنك هذه الوسوسة، ربنا يسلم لك طريقك”، ثم عاد العامل ينظر إلى الخوابير وهو يقول: “منهم لله، هم عملوها فيك أيضا؟! قال خوابير أمريكانى قال!!، الله يخرب بيوتهم”
ركب سيارته بسرعة بعد أن تأكد من خلو المقعد الخلفى،
ومضى فى طريقه وهو يفكر فى اقتصاد البلد المتدهور.