نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 18 -7-2020
السنة الثالثة عشرة
العدد: 4704
قصة قصيرة
الفراشة (1)
الفراشة تصطدم بزجاج النافذة بهدوء فلا يسمع لذلك صوت، وتعود تصطدم.
هى”جالسة بجوار النافذة تقرأ ولا تقرأ، يدخل ابن اختها (ثلاث سنوات إلا قليلا) ويعدو نحو النافذة ثم يعود فجأة إلى الأريكة التى بجوارها، ويقلب المساند وكأنه يبحث عن شىء، لا يكمل التنقيب وكأنه وجد ضالته، ينصرف بسرعة، لكن صوت بكائه يعلو فى الصالة وكأنه لم يجد ضالته، تعود الفراشة تتحرك ببطء على الزجاج ثم تبتعد
تقوم فجأة، وتضع الكتاب/الرواية جانبا، يبدوا أنها لم تشدّها بالقدر الكافى، تتجه صوب الحمام، لكنها لا تدخله، تعود وتخرج المحمول وتتصل برقم لا يرد، فتعود إلى الحمام وتدخله ثم تخرج منه وهى مبتلة تجفف وجهها وهى ترتدى “الغطفة” ، تصلى الظهر قضاءً، الذى شغلها عن صلاته حاضرا هو “اللاشىء”. خطر ببالها خاطر عن الدعوات التى دعتها لسيدنا محمد صلى الله عليه قبل وأثناء الصلاة، وتتساءل، يا ترى هل هو محتاج لكل هذه الدعوات قبل وأثناء الصلاة طول هذا الزمان من كل المسلمين هكذا؟ أم أننا ندعو لأنفسنا إذ ندعو له؟ راحت تستغفر الله العظيم وتستعيذ به من الشيطان الرجيم. هذا هو جرس المحمول، يسكت قبل أن تصل إليه، ليس رقمه، لن تطلب ذلك المجهول، وعلى من يريدها أن يعيد الطلب إن كان حقا يريدها، تتجه نحو نفس الكرسى، وقبل أن تصل إليه يرن المحمول من جديد، هذا هو رقمه هذه المرة، ترد فى لهفة ثم تواصل الحديث فتتراجع اللهفة، تحدثه عن ابن اختها، وليس عن الفراشة فهى لا تدرى عنها شيئا، وتحدثه عن إصرارها، وكيف أن كل شىء قسمة ونصيب، وأنها كان الود ودها، وأنها ما زالت تحبه، ثم أقسمت أن أحدا لم يدخل حياتها غيره، وقد لا يدخل حياتها أحد بعده، وأن ما حدث هو ما حدث، وفقط.
بعد أن عادت إلى مجلسها وضعت المحمول جانبا وأجهشت ببكاء مكتوم، قامت من جديد وفتحت النافذة فطارت الفراشة دون أن تلحظها، أغلقت النافذة بسرعة فقد دخلت ريح باردة منعشة منذرة معا، عادت وتناولت الرواية، ولأول مرة تلاحظ أن غلافها عليه رسم فرعونى، مع أن الرواية ليس لها علاقة بما هو فرعونى، ولا حتى بما هو مصر، ركنتها بجوارها دون أن تفتحها، وعادت الدموع تنساب من عينيها دون نشيج، دخل الطفل واقترب منها بهدوء، ثم تناول منديلا ورقيا ومسح دمعتين من على خدها فى صمت، ربت على ركبتها وعينيه تسألان، وانصرف وهى تربت على ظهره.
قامت إلى النافذة وفتحتها فغمرها شلال من الظلام يهدر بأمواج عالية من ظلام أدكن، امتد بصرها يحاول اختراق هذه الكتل السوداء المتدفقة المندفعة، فلم تفلح، لفحها الهواء المنعش الجميل فرفعت يدها تلوح بذراعها كله وهى واقفة واثقة تماما مما تفعل، ثم أغلقت النافذة.
عادت وألقت بنفسها داخل المقعد الضخم، ومال رأسها عل صدرها ونظرت فى الساعة قبل ان تذهب إلى الناحية الأخرى، وحين أفاقت عادت ونظرت فى الساعة، ياه!! ست دقائق امتلأت بأحداث دهر كامل، بكل التفاصيل، ثم ما كل هذا الضوء الباهر هكذا؟ ضوء لا لون له ولا رائحة!! أين الظلام القوى القادر؟ّ!! عادت الفراشة تصطدم بزجاج النافذة، ولكنها تصطدم من الخارج، تصطدم بلا صوت أيضا.
وصلتها جلبة الطفل من الصالة،
فابتسمت.
[1] – نشرت فى الموقع نشرة “الإنسان والتطور”: 14-9-2010