نشرة “الإنسان والتطور”
4-4-2011
السنة الرابعة
العدد: 1312
يوم إبداعى الشخصى
قصة قديمة: (10)
تعبير!!
(1)
“هذا طريق مسدود”. هذا ما قاله أبوها وهو يراقبها من خلفها وهى تحاول أن تجعل الفأر فى أقصى المربعات يصل إلى قطعة الجبن فى المنتصف. احتجت غاضبة: لماذا قلتَ لى؟ كنت سأعرف وحدى، قال لها: ولكنكِ علّمتِ بالقلم فعلا فى الطريق المسدود، ولا سبيل للرجوع، قالت له: من الذى قال لك إنه لا سبيل للرجوع؟ قال: لا أحد، ولكننى خفت عليك أن تفشلى. قالت: وحضرتك مالك؟
أحس بتنميل فى يده، فعرف أنه كان يستعد لصفعها على قفاها، فنهر كفه ومضى.
(2)
وقفت هى هذه المرة خلفه وهو يفرد الصحيفة أمامه وسألته عما يقرأ، فأجاب بجدية ظاهرة: “اقرأ الإعلانات كما ترين”، فتمادت تسأل: ألا قل لى يا والدى، لماذا خلق الله لنا العقل؟ قال لنقرأ به الإعلانات؟ قالت: ماذا؟ فأكمل وهو يخفى سخريته أكثر: بصراحة يا حبيبتى أنا أقرأ الإعلانات باعتبارها ألغازا تحتاج إلى حل، فلا عندنا ما نشترى به، ولا أنا أفهمها، قالت: ربما لأن حضرتك لا تستعمل عقلك كما يجب. قال غاضبا: ما هذا؟ أنت قليلة الأدب. قالت له: “لماذا يا والدى؟ لقد نبهونا فى المدرسة أن من يستعمل عقله بغير الطريقة التى قالوا عنها سوف يعاقب، وأن ذلك عيب يستأهل الاعتذار؟ قال: ماذا!!!؟ قالت: ألا قل لى يا أبى هل معقول أن يخلق الله لنا العقل كما هو هكذا مع أنه حرام؟ قال: هكذا ماذا؟ ألا يكفى أن تحلي به ألغاز ميكى، وأفك أنا به ألغاز البورصة والإعلانات؟ قالت “بورصة” يعنى ماذا؟ قال: لا أعلم، ثم أردف: المهم: ما الذى سمحوا لك أن تستعملى عقلك فيه؟ قالت: أعبر به عما قالوه كما قالوه، قال لنفسه: ربما لذلك غيروا الاسم من مادة “الإنشاء”، إلى مادة التعبير!! ليختصوا هم بالإنشاء، ونختص نحن بالتعبير عما أنشأوه. ثم علا صوت تفكيره الصامت وهو يسأل نفسه: لكن مالفرق بين التقرير والتعبير والتفكير؟ سمعته البنت رغما عنه فسألته: ماذا تقول يا أبى؟ قال: لا شىء.
(3)
سمعتْ الزغاريد والدفوف خارج باب الشقة وهى “طالعة السلالم يا ما شالله عليها،فتراقَصَ داخلها سرا بعد أن اطمأن أن إطار جسدها انغلق عليها بدرجة كافية، متبعا تعليمات صدرت إليه بمجرد أن بدأت النتوء فى صدرها تتحسس طريقها إلى ما خلقها الله، وبتكرار اتباع تلك التعليمات حذق جدار الجسد لعبة التصلب، قالت لأمها: قولى لى يا أمى: هل استعمال الجسد حرام مثل استعمال العقل؟ قالت الأم: ومن قال لكِ إن استعمال العقل حرام؟ قالت: الناس الذين يفكرون نيابة عنا؟ وهل ترقص الراقصات فى الأفراح نيابة عنا أيضا؟ قالت الأم: لست فاهمة شيئا. ماذا بك يا بنت؟ تمادت البنت وجسدها يتقافز داخل نفسه يتابع الأنغام والدفوف على السلالم (ياما شالله عليها)، قالت: أقصد يعنى: لماذ خلق الله لنا الجسد؟. قالت الأم: لتسكن فيه الروح، قالت البنت: وهل الروح تحتاج إلى سكن؟ ثم إن الأستاذ قال لنا إنه ليس لنا دعوة بالروح، لأنها من أمر ربنا فقط، همست الأم لنفسها “صحيح”!! ثم أكملت لنفسها أيضا: إذن لماذا خلق الله لنا الجسد؟. ولم تحاول أن تتذكر أن هذا السؤال هو هو الذى يطرأ على ذهنها كلما جمعها السرير مع زوجها الفاضل جدا، عادت إلى البنت تسألها: مالذى جعلك تفكرين هكذا؟ قالت البنت: حين عرفت من الأستاذ ورؤسائه أن من يفكر بعقله لابد أن يعتذر، وربما يذهب إلى النار، وجدت جسدى يفكر بسهولة أشجع. قالت الأم: هل جننت: جسدك يفكر؟!!؟ قالت البنت خائفة: أعنى يعبـّر، قالت الأم: ألعن، أنت تخرفين، يعبر يعنى ماذا؟ عن ماذا؟ قالت البنت: ربما يمكنه أن يكتب موضوع التعبير أحسن، قالت الأم فزعة أكثر: لقد جننت فعلا، أو لعلك تمزحين، إغربى عن وجهى. تمتمت البنت وهى تمضى: أليس ربنا هو الذى خلقنا هكذا؟
(4)
الزفة ما زالت طالعة السلالم يا ما شالله عليها، ثم إنه “باسم الله الرحمن الرحيم حانفرح الليلة”. سألت البنت ربها: كيف يا ربنا نفرح وقد حرموا عقلنا من الإنشاء فالتعبير، ثم حرموا جسدنا من الرقص والتفكير؟
فتحت باب الشقة متسحبة، كانت الزفة قد اختفت فى الدور الأعلى، فلمحت قطة جرباء تجرى على باسطة السلم وفى فمها فأر حى.
إنها تكره القطط،
ولا تحب الفئران.
نشرت هذه القصة: بتاريخ 12/7/2006