نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 21-4-2015
السنة الثامنة
العدد: 2790
الثلاثاء الحرّ:
قصة جديدة:
الدوخَهْ والدخان
قالت لزوجها: بعد أن قدمت له “كنكة” القهوة كما اعتادت ليصبها لنفسة كما نبه عليها دائما (وكانت سببا فى خلافات ليست بسيطة فى بداية زواجهما) قالت:
– إيه؟ فيه إيه؟ مالك؟
قال: ماليش
قالت: لأ فيه حاجة مالك؟
قال: شامم ريحة بوتاجاز، روحى اتأكدى من الأنبوبة
قالت الأم: انبوبة إيه واحنا ما شفناش شكل الأنابيب من اسبوعين وأنا عاملا لك القهوة على السبرتاية
قال: برضه روحى أنا اللى فيّا مكفينى وشايف الدخان مالى الشقة.
قالت: دخان إيه يا راجل؟ بقولك عاملة القهوة على السبرتاية
قال: أصلى دايخ شوية وحاسس إنى حاتشَلّ
قالت: بِعْدِ الشر، هوا انت فى إيدك حاجة تعملها وما علمتهاش
قال: بصراحة لأه
قالت: أمال إيه؟
قال: بصراحة آيوه
قالت: لأ بقى، ماتلخبطنيش: بصراحة لأه؟ ولا بصراحة أيوه؟
قال: بصراحة مش عارف
قالت: أمال مين اللى يعرف
قال: ربنا
قالت: ونعم بالله، هو انت مش عايز تِصْبر زينا ليه؟
قال: ما انا صابر أهه، إنتى عايزانى أعمل ايه
قالت: أنا عارفة؟! ما انت عمال تنفخ عمال على بطال
قال: أنفخ فى إيه
قالت: أنا عارفة
دفعت البنت باب الشقة
ودخلت مسرعة وهى تلهث، ثم راحت تنهج بشدة ثم دخل وراءها شابان غريبان مسرعان أيضا، لكن يبدو أنهما يعرفان طريقهما حتى بدا وكأنهما من أهل البيت، ومع ذلك فزع الأب وقفز من على كرسيه وكاد يمسك بالشابين لولا أن أرتمى أحدهما نحوه قائلا:
– إلحقنا يا عمى
بدا أنهما كانا مع البنت ولم يكونا يطاردانها كما خيل للأب والأم لأول وهلة، هدأ الرجل من روع الفتى المستغيث فى حين وقف الآخر متماسكا، فوجّه الأب كلامه إليه:
–خير يا ابنى فيه ايه ألحقكوا من ايه، من مين؟
قال الشاب المذعور بعد أن جلس على الكرسى الذى قرّبه له الأب:
– من الكلاب المسعورة
قال الأب: أنهى كلاب، ما هم كثير
قال الشاب المتماسك:
– كل الكلاب المسعورة زى بعض
قالت البنت: وهى تلتصق بأمها على الأريكة
– أنا ماليش دعوة
قالت الأم: مالكيش دعوة بإيه، طبعا مالكيش دعوة ثم التفتت إلى الشابين، وسألتها: همّا أصحابك؟
قالت البنت: صحابى منين، مانتى عارفانى، هوّا انا ليا صاحب
قالت الأم: إمال إيه؟
دق جرس الباب دقة طويلة متعاقبة فقام الأب متوجسا وفتح الشراعة فرأى وجهين مصريين جدا غير متجهمين، لا تلوح عليهما أية نية لمطاردة أو لعدوان، وحين سألهم عن مطلبهم استسمحا فى الدخول بأدب غير متوقع، فلم يتردد الأب وسمح لهما ولم يلحظ تكشيرة الأم ولا زيادة رعشة البنت، التفت إلى الشابين فوجدهما قد هدآ وكأنهما تغيرا تماما:
عزم الأب على الرجلين بالجلوس وهو يسألهما:
– أهلا بكم، خير إن شاء الله
قال أحدهما (وقد أشار للشابين والفتاة)
– كل خير! بس الأول هُمَّا بخير
قال الأب: زى مانت شايف
قال الرجل الآخر:
– الحمد لله (ثم ملتفتا إلى الأم والأب معا) مش عايزين حاجة؟
قال الأب: كتر خيركم، هو احنا اللى عايزين ولاّ انتم؟ مش تفهمونا إيه الحكاية
قال أحد الرجلين: الحمد لله على سلامتهم، المهم جت سليمة
قال الأب: هيّا إيه اللى جت سليمة؟
قال الرجل الآخر: المهم مافيش أى حاجة وما تقلقوش
قفزت الأم وهى تصيح:
– حاجة إيه؟ ونقلق إيه؟ انتو مين؟
قال الرجل الأول:
– إحنا بس جينا نطّمن على الأولاد
قالت الأم: تطمنوا على مين؟ انتو مين؟
رن جرس التليفون المحمول الخاص بأحد الرجلين وراح يرد بصوت مسموع:
– “تمام يا افندم”، “أيوه حاضر”، “لا أبدا”، “تمام يا افندم”
فزعت الأم وكادت تهجم على الرجل وتنزع منه الهاتف:
– هوّا إيه اللى تمام يا فندم؟ مش تفّهمونا
قال الرجل: هوّا حضرتِكْ عايزاها تبقى مش تمام؟
قال الأب: همَّا الأولاد دول وبنتى عملوا حاجة؟
قال الرجل الأول: والله العظيم ما فيه حاجة، إحنا بس اتطمنا عليهم وحانستأذن حالا
قالت الأم: تستأذنوا وتروحوا فين؟ انتوا جيتوا فى إيه وماشيين فى إيه؟ ومش عايزين تقولوا انتو مين، لأه بقى
قال الرجل الأول: متأسفين يا فندم، ما هو المهم إنهم وحضراتكم بخير
وانصرف الرجلان بسرعة غير متوقعة
التفت الأب للشابين فى حين زادت البنت التصاقا بأمها وسأل الأب الشاب الأكثر تماسكا:
– إيه فيه إيه؟ ايه اللى حصل؟
قال الشاب الآخر المهزوز:
– ولا حاجة يا عمى، هوّا ممكن الآنسة يعنى.. هيه مش مرتبطة، مش كده؟
قالت الأم بفزع: آنسة مين يا جدع أنت هوّا دا وقته؟
قال الشاب: آه صحيح، أصلها جَدَعة قوى
قال الأب: انت اتجننت؟ انت مين انت قوللى، مين انت؟
قال الشاب: أنا مواطن مصرى
قال الأب: إذا كان كده معلش، أصل أنا برضه مواطن مصرى!
ثم التفت إلى الشاب الآخر:
– وانت كمان مش عايز تخطب
قال الشاب:
– أخطب مين يا عمى؟ انت عندك بنت تانية
قال الأب:
– لا ما عنديش، بس ممكن اتصرف
قالت الأم:
– تتصرف فى إيه يا راجل انت؟
ابتعدت البنت عن أمها واتجهت الأم للشاب الأول وسألته:
– هو انت اسمك إيه؟
قال: اسمى عبده
التفتت للشاب الآخر وسألته: وانت؟
قال: اسمى عبده برضه
قالت: يا صلاة الزين “لا والنبى يا عبده”!!! ثم التفتت لابنتها قائلة:
انتى تعرفيهم؟
قالت البنت:
أعرفهم منين؟!!
قالت الأم للشاب الأول:
– هيّا إيه الحكاية بالضبط
قال الشاب الثانى:
– حكاية إيه؟
قالت الأم: حكاية كل حاجة
قال الشاب الثانى: إذا كان كده معلش
قالت الأم: معلش إيه
قال الشاب الأول: ما هو كل حاجة زى كل حاجة
تحرك الشابان فى اتجاه باب الخروج دون استئذان، فجرت الأم وراءهما تكاد تصيح:
– انتوا رايحين فين؟
قال أحدهما: ماشيين
قالت الأم: على فين؟
قال الثانى: مطرح ما كنا
قالت الأم: لأ بقى، كفاية كده
قال الأول: حضرتِك عايزانا نبات هنا ولا إيه؟
قالت البنت وهى تلتفت إلى أبيها: ممكن يا والدى؟
قال أبوها: ممكن إيه؟ انتى اتجننتى؟
ارتفع صوت أغنية قادمة من الشقة المقابلة
فسأل أحد الشابين: هوّا مين اللى بيغنى ده
قالت الأم فى لهجة بين السخرية والشطارة: عبد الحليم حافظ
قال الآخر: لأ، دا هانى شاكر
قالت البنت: جتكوا نيلة لا ده ولا ده دا فريد
قال الأب: يا نهار أسود احنا فى إيه ولا ف إيه؟ هوّ احنا قاعدين فى قهوة ولا إيه
سألت البنت أباها: انت عملت إيه يا والدى؟
قال: فى إيه؟
قالت: فى الحاجات اللى انت قلت لنا عليها
قال الأب: كل خير
التفتت البنت إلى أمها وسألتها: صحيح يا أمى هوّا عمل كل خير
قالت الأم: بقى لو هوّا عمل كل خير يبقى بالمنظر ده
قالت البنت: ربنا كبير، ربنا معانا
سمع صوت مفتاح بالباب ودخل الأخ مندفعا وحين رأى الشابين هلل وكاد يقفز وهو ينقل نظرته بينهما:
-انتو هنا؟ إزيك يا عبده
ردّ الاثنان فى نفس واحد: زى ما انت شايف،
ثم أردف المتماسك:
– أخيرا جيت؟ كنت حاتودينا فى داهية
قالت البنت لأخيها:
– همّا سابوك إمتى؟
قال الأب منزعجا وهو يلتفت إلى ابنه:
– سابوك منين، هما كانوا مسكوك؟
قال الأخ لأبيه:
– لا ما فيش حاجة
قال الأب:
– مافيش حاجة إزاى! (ثم مشيرا إلى الشابين): همّا مين دول ويعرفوا أختك منين؟
قال الأخ: أسألها، أنا مالى
قالت الأخت: يسألنى عن إيه؟
قال الأخ: أنا عارف؟
انقطعت الكهرباء فجأة، وساد الشقة ظلام كامل وصاح الأب:
– ماحدش يتحرك من مكانه
قال الإبن:
– فيه إيه يا والدى يتحرك يروح فين؟
قال الاب:
– أنا إيش عرفنى الضلمة بيحصل فيها إيه
قالت الأم:
– ما تعقل يا راجل يعنى حايحصل إيه
قالت البنت:
– عيب يا والدى مش كده
فجأة سمع صوت الباب وهو يفتح ووقع أقدام تتسارع ثم عاد النور فجأة وتبين أن الشابين والأخ قد اختفوا تماما، قفزت البنت واندفعت نحو الباب وهى تصيح:
– أخويا
جرت الأم وراءها:
– إيه ماله، بس انت عارفة العيال دى مين، ما هما أصحابه برضه؟
قالت البنت: وانا حاعرفهم منين؟
قال الأب: مش ناداهم بأساميهم قدامك وقال يا عبده؟
قالت البنت: هوّا عبده دا اسم؟ أنا مالى أنا؟ أنا خايفه على أخويا
نظر الأب فجأة: نحو المطبخ وصاح فى الأم: أنا مش قلتلك أقفلى انبوبة البوتاجاز، ثم أمسك رأسه، وبدا وكأنه يدوخ ويوشك على السقوط، ومال على الكرسى ووضع رأسه بين كفيه وراح ينشج بصوت خافت ثم ارتفع النشيج رويدا رويدا حتى صار بكاء قويا مرّا.
فُتِحَ الباب فجأة بعد أن دار فيه مفتاح يعرف طريقه واندفع الابن عائدا ورأى منظر أبيه وسمع صوته فاندفع نحوه واحتضنه قائلا:
– مش كده يا والدى أنا بخير، كلنا بخير، هوّا فيه إيه؟
رفع الأب رأسه وهو يمسك بيد ابنه بقوه ويضُمها إلى صدره ويقول:
– الحمد لله على السلامة خلاص مش حاطلقها.
قالت البنت: ياليلة سودا مش حتطلق مين؟
قال الأب: أمك
قالت البنت إلى والديها معا: هو انتوا كنتوا حتتطلقوا
قالت الأم: أبوكى اتجنن يا حبيبتى
قال الأب: انا اللى اتجننت برضه؟ … طب قولولى الأول إيه اللى جارى؟ ومصر بخير ولا رايحة فين؟
قال الأخ: بخير طبعا يا والدى
قالت البنت: هى بخير وحتبقى بخير أكثر إن شاء الله
قال الأب: خلاص أنا كنت خايف عليكو
قال الأخ: علينا برضه
قال الأب: بصراحة لأه، انا كنت خايف على مصر
قالت البنت: ما احنا عارفين، الحمد لله على سلامتك
قال الأب: سلامتى وسلامة مصر
قالت الأم: وهى تتجه للمطبخ: أنا رايحة أعمل لك فنجان قهوة تانى
قال الأب: بس والنبى تقفلى اسطوانة البوتاجاز كويس، لحسن الغاز مستورد من إسرائيل وحاطين فيه سموم
قالت الأم: وهى تمصمص شفتيها متألمة: حاضر مِنْ عِنيّه