نشرة “الإنسان والتطور“
23-2-2011
السنة الرابعة
العدد: 1272
قصة أخرى قصيرة قديمة (2): يونيو 2006
مقدمة:
وهذه هى القصة الثانية التى وعدت بها أمس، والتى نشرت بتاريخ 21/6/2006، والتى تصلح لها نفس مقدمة أمس.
شرم الشـيخ – “دافوس”
(1)
(1)
الجندى الواقف أمام كشك المرور فى مدخل شرم الشيخ من ناحية الطور ليس عنده فكرة، ومع ذلك هو يقوم بعمله خير قيام، تماما مثل كثير من الرؤساء والوزراء الذين ليس عندهم فكرة، ومع ذلك يقومون بعملهم خير قيام، ذلك فى البلاد التى لا يحتاج فيها هؤلاء إلى مثل هذه الكماليات التى يقال لها “سياسة”، يمارسونها كهواية فى أوقات الفراغ. قالت له: “ومن قال إنهم يقومون بعملهم خير قيام؟” قال: “هم الذين يقولون”. قالت: “ولماذا نصدقهم؟”، قال: “ولماذا نكذبهم؟”. قالت: “أنا عندى الدليل على صدقهم”، قال: ماذا؟” قالت: ما داموا يبقون فى كراسيهم كل هذه المدد، بكل هذه الثقـة، فلابد أنهم يقومون بعملهم خير قيام”. قال: “الله ينوّر!!!!”
(2)
أخذ الجندى يتطلع فى وجه قائد السيارة بعد أن سابت مفاصله من طول العربة واحمرار وجه السائق صحة وثراء، ثم إن السيارة ذات ثلاثة أرقام “ملاكى القاهرة”، يا رب سترك، سأل الجندى بصوت هادئ: “مصريون؟” ، أجاب الرجل : “بالصلا عالنبى”، فوجئ الجندى، مّنْ هذا الوجيه الخواجة إبن البلد معا؟ كلمة السر (المرورpass word ) هذه لا تصدر إلا من مصرى، إبن مصرى؟ حين تتعقد المسائل هكذا لا مفر من الاستعانة بتوجيهات الرئيس، تماما مثلما يفعل الوزراء. نظر الجندى إلى الأمين يستنقذه، فنظر هذا بدوره إلى حضرة الضابط القابع داخل الكشك من الحر، أحنى الضابط رأسه إلى أسفل، فالتقط الأمين الإشارة، وأشار بيده بالتمرير، فاقترب الجندى من الرجل الوجيه إبن البلد، وفجأة نزل يقين على الجندى أن هذا الرجل يعرف كل الإجابات، فسأله: “هل صحيح أن كل واحد من الذين غرقـوا سوف يأخذ كل هذه المبالغ؟” أجاب الرجل بطيبة مصرية: “ليس هو الذى سيأخذها، بل أهله”، تساءل الجندى: “وهو؟ ماذا استفاد إذن؟”
(3)
يقول بعض مبدعى القصّ أن القصة قد تولد وتتم فى ثانية، لكن كتابتها قد تستغرق سنوات، يبدو أن هذا ما حدث للجندى وهو يؤلف قصة سيرته الذاتية مقدّما :” أخيرا تزوج من بنت عمه جمالات، وأنجب ولدين وبنتا، وكبروا، البنت تزوجت، والولد الكبير يعمل فى المعمار فى ليبيا بعيدا عن أية عبّارة، والولد الثانى أخذ الدبلوم وعاطل من سنوات، وهو ليس له ولد ثالث، مع أنه له ولد ثالث، فقد تعمد أن ينساه فور ولادته، بل قبل ولادته، مع أنه أنجبه قصدا بعد أن بلغه ما بلغه من تفاصيل المبالغ التى قبضها أهل الغرقى، ثم إن هذا الولد الأخير كبر وحصل على تأشيرة عمرة مضروبة، لكنها نفعت، فذهب وعاد على عبارة نجح أن ينزع ألواحا من قاعها كما علّمه أبوه منذ ولادته قبل أن يعلمه المشى والكلام، فغرقت العبارة والحمد لله، وطلع صاحبها براءة مثل الشعرة من العجين ليستطيع أن يدفع المعلوم للأب (الذى أحيل للاستيداع من سنوات)، ومضت الليالى والرجل لا يذوق النوم حتى كاد يجن، فلجأ إلى الصراف يعدّهم له وهو مرعوب من الحسد أكثر من الخنصرة، هذه الآكوام من الرزم تكفيه هو والذين خلفّـوه حتى يوم القيامة، يا ليته أنجب ولدا رابعا.
(4)
قالت السيدة الشقراء الجالسة بجوار الوجيه إبن البلد، قالت للجندى غير عابئة بأبواق العربات خلفهم: ” طيب وماذا عن بقية الذين غرقوا معه؟”. أجاب الجندى دون أن يتساءل كيف عرفت القصة: “هم كم؟”، قالت له” ” يزيدون عن الألف”، سكت قليلا، عجز أن يستوعب الرقم، تماما كما عجز أن يعدّ مبلغ التعويض، قال بهرب متسارع : “وأنا مالى، قصدى وإبنى ماله؟ ذنبهم على صاحب العبارة، كان عليه أن يعمل قاع العبارة من الحجر الصوان، ثم إن أهلهم سوف يقبضون الشئ الفلانى، مثلى تماما”، قالت له: “طيب وافرض أن أم واحد منهم ليس لها إلا ابنها الذى غرق”؟. قفزت من داخله كالبركان كل مشاعر الدنيا معا، فصاح “.. يا خبر اسود ومنيل بستين نيلة، طيب علىّ الطلاق بالتلاتة مانى متجوز من أصله، انشاء الله آكل أنا واهلى التراب بالسم الهارى”.
(5)
سألتْه وقد جلسا فى شرفة الفندق ذى السبعة نجوم، ومياه الخليج تتماوج فى حضن دفء الرياح الهامسة:
– دافوس؟ دافوس، يعنى ماذا؟
أجاب وهو يقترب منها
– “إيش عرّفنى”!
قرأت عينيه، فقالت تغيظه محذِّرة فى شوقٍ لا يخفى:
– خلّ بالك، عذرى قائمٌ لبضعة أيام.
قال فزعا
– “يا دى المصيبة السودا”!! هذه كارثة أكبر من دافوس والعبارة معا.
[1] – مؤتمر دافوس – شرم الشيخ 20- 23 مايو، 2006، المنتدى الاقتصادي العالمي .