نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 25-9- 2014
السنة الثامنة
العدد: 2582
ص 170 من الكراسة الأولى
عوْد إلى إيمان محفوظ المتجدد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
أخونا يفتخر بانه ابن حضارتين الفرعونية الاسلامية
غيرى على السلوان قادر
الهدى مطلب المؤمنين
(حسبُ هدى فضيلة وخشية)
سيظهر فى هذه المدينة رجل مؤمن
النوم يداعب جفونى
شرف حبيب القلب
عندما يأتى المساء
نجيب محفوظ
29/7/1995
القراءة:
اليوم يبدأ شيخنا بالحمد بعد البسملة: الحمد لله رب العالمين، وقد تعلمنا منه أشكالا وأنواعا من الحمد بلا حصر (بسم الله الرحمن الرحيم) و(الحمد لله رب العالمين) (1)، ثم بعد اسمى كريمتيه،
راح يكتب:
“أخونا يفتخر بأنه ابن حضارتين، الفرعونية والإسلامية “،
واذكر أننى أشرت فى كتابى “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” إلى ما دار بيننا حول من قال هذا القول (ساخرا من تصريح له ، لشيخنا)، وقد أبلغته شخصيا وأنا متألم ما دار حول هذا التصريح فى أحد اجتماعات لجنة الثقافة العلمية، بالمجلس الأعلى للثقافة وحكيت له نقاشنا حول ما قاله هذا الساخر، وسجلت ذلك فيما سجلته عن لقائنا يوم (الأحد 8/1/1995 من نشرة 11-2-2010 فى شرف صحبة نجيب محفوظ) وهأنذا أعيد نص ما دار بيننا، نظرا لأننى أفترض أن قارئ هذا العمل ليس بالضرورة هو” قارئ كتابى الأول:
الأحد 8/1/1995
“……….
….استفسرت منه عن رأى قرأته له، وهو الرأى الذى أرسله لندوة – “نحو مشروع قومى حضاري” والذى عقد بالأهرام يقول فيه “إن السبيل إلى نهضتا هو الإسلام”، فقال لى إنه قال ذلك رابطا إياه بأن يتم هذا فى حوار مع معطيات العلم والآراء الأخرى، فذكّرته أن استعمال كلمة الاسلام تعنى عند كل واحد معنى مختلفا عن ما تعنيه عند الآخر، وأننى أجادل إبنى وزملاءه منذ عامين على التزامى الإسلامى وأننى مدين للغتى ودينى بكثير من أفكارى بل وإبداعاتى فى كثير من المجالات، ثم سألته مرة أخرى عن المزيد حول كلمته تلك التى أرسلها لهذه الندوة فى الأهرام فحكاها لى واضحة مؤكدة، ولم تكن بالنص الذى ذكره الراوى ساخرا، وكأن ما كتبه هنا بتعبير “أخونا ..” يشير إلى احتمال أننى ذكرت هذه الصفة فى حكايتى، أو أنه أدرك ما يبرر هذا الوصف من خلال ما حكيت وأنا رافض متألم، وذكرته بكلماته بعد نوبل بأنه استلهم كلا من الحضارتين الفرعونية والإسلامية، وسألنى بدوره وهل كنت مشاركا فى هذه الندوة؟ (يقصد ندوة الأهرام وليس الثقافة العلمية)، فأجبت بالنفى، لكننى أردفت أن بعض المشاركين قد التقيتهم مساء نفس اليوم فى المجلس الأعلى للثقافة وسألتهم عن كلمته (كلمة نجيب محفوظ) قبل أن تنشر فقال لى د. ميلاد حنا (وكان أحد حضور الندوة) ماطاًّ شفتيه أن الكلمة كانت ماسخة، وأنك لم تقل فيها إلا “أنك مسلم”، وكأنك تتحفظ متراجعا، وذكرتُ له شعورى الرافض لما سمعت هذا التعليق، وخاصة بعد ما قرأت تفاصيل الكلمات فى أهرام الجمعة التالي، ومن بينها كلمته الشاملة، وهى غير هذا الاختزال المخِلّ الذى أبلغنى إياه د. ميلاد، تعجب الأستاذ، وصمت كما يفعل حين يُفاجأ بما يحتاج إلى تفكير، وقال “ماذا يريدون؟ وكأن الأقلية تريد – لكى تشعر بالأمان- أن تكفر أربع وثمانين مليون بنى آدم، إنهم رغم ذكائهم أغبياء، هذا هو ما يتصورونه سبيلا لأمانهم، إن الأمان لا يأتى إلا حين يمارس الناس ما “هم”، وأغلب الناس فى مصر مسلمون، فليمارسوا إسلامهم، وحين يمارسونه بطريقة صحيحة، فإن الأمان سيعم كلا من الأغلبية والأقلية، ولا يوجد سبيل آخر”.
قلت له، إن المشكلة تتمثل في حكاية :”يمارسونه بطريقة صحيحة”، من الذى يستطيع أن يطبق كل هذا الخير؟ ومن له حق وضع مساحة الحركة أو تحديد طول حبل القيود، قال: هذه هى مشكلة كل القوانين والنظريات: التطبيق وليس القانون نفسه.
وسكت
وسكتُّ – أيضا – على مضض.”
(انتهى المقتطف)
الفقرة التالية كتب فى نفس الصفحة:
“الهدى مطلب المؤمنين”
وقد تعجبت لهذه الصياغة المفاجئة لى، كيف يكون الهدى مطلب المؤمنين وقد اهتدوا ؟ّ! إلا اننى تذكرت ما كتبته فى تداعيات سابقة (نشرة 28-1-2010 صفحة التدريب رقم “8” و صفحة التدريب رقم “9” من الكراسة الأولى) عن كيف أن الهدى والإيمان واليقين عمليات مستمرة دائما أبدا، وكيف أن الله سبحانه يهدى من اهتدى، وأنه ينادى االمؤمنين أن يؤمنوا، وهكذا يكون الإيمان مطلبا لمن اهتدى، ويكون الهدى من نعم الله على المؤمن الحق، بحيث لا يتوقف النبض الكادح إليه، ولا يكل السعى أبدا، وفيما يلى ما جاء فى هذا السياق كما اثبتـُّهُ سابقا وأنا أؤكد حركية إيمانه الحيوى المتجدد أبدا:
“…… “الهدى لمن اهتدى”، هذا المعنى شغلنى كثيرا جدا، وهى قضية مهمة بالنسبة لى، وقد انتبهت إلى أنها مهمة بالنسبة له أيضا استوقفتنى طويلا مع ما وردنى من تداعياتها، مثل: “إن الهدى هدى الله”، و”…الله يهدى من يشاء”، كل هذا يثير التساؤل البدئى الذى يقول: كيف يكون الهدى لمن اهتدى؟ وهل ينبغى أن يهتدى الإنسان أولا حتى يستحق أن يعيش الهدى، أو ينال الهدى أو يكمل الهدى، تماما مثلما استوقفتنى الآية الكريمة ” يا أيها الذين آمَنوا، آمِنوا…”، لقد آمنوا فعلا، فكيف يؤمنون من جديد. كان ذلك حين كان تفكيرى يميل إلى السكون نوعاً، أما حين تحرك وعيى مع حركية المعرفة، وعلمت أنه “لا شىء فى ثبات”، لا الهدى ولا الإيمان ولا حتى الموت، بمعنى أن كل شىء، وكل فكر، وكل وجدان، هو فى حركة متجددة، وبالتالى يكون الهدى (الجديد المتجدد)، لمن اهتدى (لمن حسِب أنه وصل إلى غاية السعى، فإذا بالهدى طريق بلا نهاية، فعاد يواصل السعى على السبيل الممتد).
لعل هذه الحركة المتجددة بلا نهاية فى إيمان محفوظ ، قد تأكدت لى مؤخرا من جديد فى نقدى الأخير لابن فطومة، مقارنة برحلة ساحر الصحراء لكويلهو، ذلك أنه حين وصل قنديل العنابى (إبن فطومة) إلى ما حسبه “الجبل”، وهو من بداية رحلته لم يسعَ إلا ليصل إلى “دار الجبل”، أقول “حين وصل لم يصل”، فها هو يظهر أمامه فى الأفق البعيد جبل آخر على مدى الرؤية، جبل لا يصله إلا من يسعى إليه “فردا”، لتنتهى الرواية ، الرحلة، كما تنتهى الحياة، تنتهى وقنديليسعى، كما كان محفوظ يسعى، وكما كان يرجو لنا أن نسعى، مثله، ومعه، وبعده قنديل يصل إلى الجبل ليواصل إلى دار الجبل…(قارنت ذلك بوصول الشاب إلى أسطورته الذاتية بداخله فى رواية ساحر الصحراء، مع الفارق الكبير جدا)
مادامت العملية مستمرة، لأن نبض الحياة/الموت هو عملية إيقاع حيوى مستمر، مما جعلنى أرى الموت-أخيرا- باعتباره “أزمة نمو”، فالفرصة متاحة لمن لا يكف عن الحركة، والهدى ليس له حجم محدد، ولا نهاية معروفة، وهو ليس مرتبطا أيضا بمضمون بذاته، وفاتحة الكتاب تشهد بذلك، فهى لم تحدد الصراط المستقيم (اهدنا الصراط المستقيم) كما خنقه بعض المفسرين بغير وجه حق، وإنما أشارت إلى السائرين فيه، ليهتدوا، فيهديهم الله، فيهتدوا، فيهديهم الله بلا توقف، فالهدى هو “مطلب المؤمنين” على هذا الطريق الطويل الذى يكون فيه المطلب هوهو الغاية.
وبعد
السطر التالى حيرنى، وهو صعب القراءة حتى كدت أعتبره مما لا يقرأ معتذرا، لكننى عدت وقلت لعله: على أحسن الفروض “حسْبُ هدى فضيلة وخشية” ، ثم تجرأت ووضعت من عندى ألف لام التعريف قبل هدى لتصبح “حسب الهدى فضيلة وخشية”، ولو أننى غير مقتنع بما فعلت، ولا أنا مطمئن لقراءة آخر كلمة على أنها خشية
ثم يتأتى تحد آخر، ليس فى قراءة ما شخبط أثناء إبداعاته التدريبية التلقائية، وإنما فى معانى ما قد تشير إليه
العبارة تقول ” سيظهر فى هذه المدينة رجل مؤمن”
يا ترى أى مدينة تقصد يا شيخنا الجليل؟ وهل هى تلك المدينة، أعنى هذه المدينة،التي تمثل الحياة المعاصرة التى انتهت إلى ما انتهت إليه، وأنا لم أسمعك ساخطا أبدا على أى من قيم هذه الحياة المعاصرة، دون أن تمتنع عن نقد ما يصلك من سلبياتها؟
شيخنا بصفة عامة هو أول من يقدس حياتنا المعاصرة ويأمل فى العلم أكثر من أى منهج آخر، ويعتبر أنه هو الذى سوف ينقذ الإنسان إذْ ينجح فى مواجهة سلبيات التحدى التى تحيط بالإنسان المعاصر (والجنس البشرى،عامة) فى هذه الفترة من تطوره؟ لذلك أستبعد أن يكون ما كتبه هنا هكذا إنما يعنى ضمنا أن “هذه المدينة” ليس فيها حتى الآن “رجل مؤمن”، ولو كان واحدا
هل كلمة “سيظهر” تشير بشكل مباشر أو غير مباشر إلى ظاهرة الحلم الإنسانى العام طولا وعرضا بما يسمى ، أو يمثل : “المهدى المنتظر” واذكر أننى كم ناقشته فى هذه الفروض والأفكار كما تظهر فى ممارستى المهنية عند بعض المرضى (نشرة 19-9-2013 صفحة التدريب رقم “125” من الكراسة الأولى)، ثم مكافئاتها فى الحياة العامة عند الأسوياء دون تسميتها كذلك.
ثم هو ينهى تدريبه اليوم بثلاث أغنيات اثنتين منها أشعرتانى أنه “كبس عليه النوم” أثناء التدريب، فأنا لا أعلم فى أية ساعة من النهار كان يمارس هذه التدريبات، وكنت أرجح غالبا أنه يمارسها فى الصباح، ولم يخطر لى أن أسأله أبدا عن ذلك، الأغنيتان هما “النوم يداعب جفونى” (2) (ولم يذكر الأصل: جفون حبيبى)، وعندما يأتى المساء” (3)، وقد سبق استلهامهما فى يوميات سابقة،
وبين الأغنيتين أغنية ثالثة “شرف حبيب القلب” (4). سبقت الإشارة إليها أيضا.
[1] – صفحة التدريب رقم (20) نشرة 18- 3 – 2010 من الكراسة الأولى، وفى صفحة التدريب رقم (7) نشرة: 21-1-2010، ورقم (36) نشرة: 8-9-2011 ، ورقم (44) نشرة: 17-11-2011، ورقم (49) نشرة: 15-12-2011، ورقم (55) نشرة: 26-1-2012، ورقم (61) نشرة: 16 – 2 – 2012، ورقم (67) نشرة: 29-3-2012، ورقم (87) نشرة: 2-8-2012
[2] – ( نشرة 30-6-2011 صفحة التدريب رقم “27” من الكراسة الأولى)، ( نشرة 22-11-2012 صفحة التدريب رقم “105” من الكراسة الأولى)، ( نشرة 12-9-2013 صفحة التدريب رقم “124” من الكراسة الأولى)
[3] – (نشرة 23-2-2012 صفحة التدريب رقم “62” من الكراسة الأولى)، و (نشرة 17-7-2014 صفحة التدريب رقم “162” من الكراسة الأولى “
[4] – ( نشرة 22-11-2012 صفحة التدريب رقم “105” من الكراسة الأولى)