نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 14-8 – 2014
السنة السابعة
العدد: 2540
ص 166 من الكراسة الأولى
الحمد لله رب العالمين
لا إله إلا الله محمد رسول الله
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
خرج الرجل مثقلا بالنعم والفرص
التى جاءته بالوراثه فصاحبه شعور أليم بأنه لم يفعل شيئا وتمنى أن يثبت
وجوده فى مكان غريب بعيد عن الوراثة.
والإنسان كثيرا ما يكون غير مسئول عن خطأ الوالى، كما لا يكون مسئولا عن خطأ الولىّ ولكن عليه أن يسلك خير السلوك فى الحالين
نجيب محفوظ
القراءة:
هل هو مشروع قصة لم تكتمل؟ أم وجهة نظر للأهرام؟ أم خاطر ظهر على سطح وعيه كما اعتدنا التعامل مع هذا الإبداع التلقائى الحر؟
بدأ كالعادة بالبسملة والحمد بعد الشهادتين، وإن كانتا تصلنا فى كل مرة غير ما اعتدنا لتوقظ فينا مستوى آخر من الوعى، ثم يأتى اسمه واسمىْ كريمتيه، وفجأة ولأول مرة يكتب لنا شيخنا هذا الخاطر الذى لابد أن يخطر لكل حامل شريف للقول الثقيل والأمانة الصعبة، خاطر يتناول فيه موضوعا طالما شغلنى بشأن مغزى التوريث فى الإسلام بالذات وأنا أعرف أننى كمسلم أو كبشر لا أملك ما أمتلك إذ أنى لست إلا مستخلف فيه!؟
خطر ببالى يوما ألا أورّث أولادى وأترك ما أنا حارس عليه للحكومة، وهى وضميرها.
لكننى تبينت بالنظر والمتابعة أن كثيرا مما يسمى الحكومة ليس عندها ضمير
ثم خطر ببالى أن أسجل ما أملكه “وَقْفًا” لتكاليف نشر خبرتى وعلمى، لعله يكون تحت مسمى “علم يُنتفع به”،
لكننى تبينت بالنظر والمتابعة أن كل وقف عليه “ناظر وقف”، لا تقل الشكوك حوله عن الشكوك فى ضمير الحكومة،
فخطر فى بالى أن أجعل من شروط الوقف أن يكون ناظره من ذريتى (الذين لهم حق الميراث)
لكننى تبينت بالنظر والمتابعة أنها “هى هى” مع تعقيد شروط حمل الأمانة وخنق حاملها بما قد يعجزه عن حملها أو يضطره إلى الاحتيال للتصرف فيها، حسب الوصية، أو حسب هواه.
إذن ماذا؟
انتهيت إلى التسليم بما أوصى به دينى، وأن المسألة ليست توريث بقدر ما هى “نقل العهدة”، وما دامت الشكوك تحيط بى من كل جانب هكذا، فليس أمامى إلا أن أحسن تربية أولادى وتنقية دينهم ودعم إيمانهم حتى يكونوا أهلا لحمل الأمانة، وحاولت، ولا أضمن أننى نجحت!!، أو أنهم سيحملونها أفضل من الحكومة أو ناظر الوقف.
ما العمل؟
يقول لنا شيخنا أن وعى الوارث ربما يكون أهم من حذر المورِّث، وأننا لا نـِرَثُ النعم فقط (نـِعـَم الله علينا طبعا) وإنما نرث الفرص أيضا، والفرص قد تكون ملوثة مثل تعيين أولاد أساتذة الجامعة، أو رجال القضاء فى هيئة التدريس أو سلك القضاء، بغير وجه حق، وقد تكون فرصا شريفة مثل “شغل المعلم لابنه” فيصبح الابن صبيا لحرفة أبيه لو أحسن “شرب الصنعة” مثلما أسمع عن تقليد قديم، أو لعله تقليد “يابانى” مازال قائما فى بلد يقدس العمل.
هيا نستمع إلى ما قاله شيخنا أولا:
خرج الرجل مثقلا بالنعم والفرص
التى جاءته بالوراثه
فصاحـَبـَه شعور أليم بأنه لم يفعل شيئا
حين يـُثـقل الوارث بالنعم والفرص فيتألم بدل أن يفرح فقد وصلته رسالة حمْل الأمانة حيث خَشِىَ أن يكون ظلوما جهولا، فماذا يفعل؟ يقول محفوظ:
وتمنى أن يثبت وجوده فى مكان غريب بعيد عن الوراثة
ولكن التمنى لا يكفى، وأين هذا المكان (أو المجال) البعيد عن الوراثة، وقد ورث جينات أبيه وأمه دون اختيار؟ فيظل حائرا أمام ما لـَمْ يـَخـْتـَرْهُ، ويهتز الشعور بالمسئولية ليس فقط إزاء ما وَرِثَ من الأموال والفرص التى أتاحوها له، ولكن أمام كل ما ورث. وهم أيضا لم يخطئوا حين ورَّثوه فقد بدا لهم أنهم إنما ينفذون أحكاما وشرائع ثابتة ومُلزمة، لا هم وضعوها ولا استطاعوا تجاوزها،
والإنسان كثيرا ما يكون غير مسئول عن خطأ الوالى،
كما لا يكون مسئولا عن خطأ الولىّ
لكن كل هذا لا يعفى المورث والوراث من مسئولية ، حمل الأمانة،
فشيخنا ينهى قصته، مقالته، حكمته: بأن المسألة فى نهاية النهاية إنما تتوقف على تصرف كل منهما فى حمل الأمانة، وهل سلك بها طريق الخير وأوصلها إلى أصحابها، أو خان الأمانة واستعبط وأعتبرها حقه وحده دون الناس؟
ولكن عليه أن يسلك خير السلوك فى الحالين