نشرة “الإنسان والتطور”
5 – 4 – 2012
السنة الخامسة
ص 70 من الكراسة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
قل أعوذ برب الفلق، من شر ما خلق،
ومن شر النفاثات في العقد،
ومن شر حاسد إذا حسد
الهاكم التكاثر حتي زرتم المقابر
نجيب محفوظ
12/4/1995
القراءة:
ليس فى هذه الصفحة من جديد إلا الآية الكريمة “ألهاكم التكاثر”، فقد سبق أن وردت آيات من سورة الفلق فى صفحة التدريب (43) نشرة 10-11-2011 السورة فى صفحة 12-3-1995 ، واستجلبتْ تداعياتها فحضرت السورة كلها، وتمت قراءتها بتداعيات ما أوحت.
لم يبق لدينا فى هذه الصفحة إلى الآية الكريمة “ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر”، وقد كنت قد قرأت وأنا بعد صبيا تفسيرا لهذه الآية، أنه بلغ من تنافس القبائل أو العائلات فى الجاهلية، أنهم كانوا يتباهون بعدد أفراد القبيلة أو العشيرة، ويصل الأمر بهم إلى أن يزوروا المقابر ليعد كل منهم بقية أفراد العشيرة ممن رحلوا، ويفخر الأكثر عددا على الأقل، ولم يعجبنى هذا التفسير، لأن المعنى كان يصلنى أنه قصر معنى التكاثر فى الآية على حدث محدود مع أنه وصلنى أكبر من ذلك كثيرا إذْ لابد أن يمتد إلى أى تكاثر من أى نوع، وأن هذا السعار التراكمى يظل صاحبه عبدا له حتى رحلته الأخيرة إلى القبر، وتصورت آنذاك أننى جئت بجديد، وخفت أن أكون قد شطحت مبكرا فى هذه السن.
حين عدت اليوم بفضل شيخى إلى تفسير هذه الآية وجدت أن المعنى الذى خطر لى هو المعنى الذى أتت به أغلب التفسيرات: وجدت أن أغلب التفاسير تتحدث عن التكاثر بمعنى أشمل فعلاً، وأنه كل ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله.
فالتكاثر هو فى كل شيء من مال أو جاه أو رياسة أو نسوة أو حديث أو علم، ولا سيما إذا لم يحتج إليه. والتكاثر في الكتب: التصانيف وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها”
أنا عادة لا أقتطف نص تفسير بذاته فى هذه القراءات، ومع ذلك فقد فعلت ذلك بالنسبة لهذا المقتطف لأنه قد أعجبنى فيه أنه جعل العلم الذى لا يحتاج المرء إليه أو لا يستعمله هو نوع من التكاثر، ولعل ذلك أقرب إلى ما نسميه الموسوعية الآن دون تفعيل.
وقد وردت كلمة التكاثر فى القرآن الكريم مرتين فقط، فى هذه الآية، وفى الآية التى تقول: “اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا” الأية (20): سورة الحديد.
وقد تعجبت كيف نسى أغلب المسلمين، خاصة المعاصرين هذه الآيات المضيئة، ثم عدت أفكر من جديد كيف يكون التكاثر حتى فى العلم والمعلومات، أعتقد أن المقصود هو الحصول على علم لا يُنتفع به، فما بالك لو تحصل على معلومات للتباهى أو التفاخر لا أكثر؟ يقول: الأمام الشافعى “ليس العلم ما حفظ، العلم ما نفع” وأنا أقرأ حفظ ليس فقط بمعنى التسميع لأى حفظ من الذاكرة، وإنما بمعنى التخزين، أى أن المرفوض، هو العلم الذى يحفظ فى خزائن الموسوعية أو المنظرة أو التباهى بعيدا عن نفع الناس، لكن علينا أن نحذر من تعميم رفض ما يمكن أن يسمى “العلم للعلم”، لأن تراكمات العلم المتبادل خليقة بأن تثير الجدل بين المعارف مما يؤدى غالبا إلى علم جديد أنفع وأثرى.
أعتقد أن مصطلحات مثل “فائض القيمة”، و”الاغتراب” وكثير من المصطلحات الاشتراكية والجدلية المادية إنما تعبر عن مضاعفات التكاثر بصفة عامة.
علمت عن شيخى أنه فى مرحلة ما كان يرجع إلى بضع صفحات من الموسوعة البريطانية ليس فقط وهو يبحث عن مادة بذاتها، وإنما حبا فى المعرفة، لم ألاحظ أبدا أنه تباهى بشىء يمتلكه ولو كان من إبداعه، ربما يعلن أحيانا أنه أحب عملا من أعماله أكثر من غيره فى مرحلة ما، أما أن يتباهى به فهذا لم يصلنى منه أبدا، لكن موسوعيته كانت تنضح فى كثير من أعماله من أول المرحلة التاريخية حتى “ملحمة الحرافيش”، “والعائش فى الحقيقة”، بل و”أصداء السيرة الذاتية”.