نشرة “الإنسان والتطور”
16 – 2 – 2012
السنة الخامسة
العدد: 1630
ص 61 من الكراسة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ عبد العزيز
من اهتدى فلنفسه
البصر والبصيرة
الطريق إلي الله
الحمد لله رب العالمين
نجيب محفوظ
أول ابريل 1995
القراءة:
عاد اسم الوالد عبد العزيز يظهر كما ظهر من قبل فى الصفحة (47) نشرة 1-12-2011 والصفحة (51) نشرة 29-12-2011 فى التدريبات، ولم أستطع أن أحدد حتى الآن متى يظهر مع أى تشكيل من التلقائيات، لكن الملاحظ أنه حتى الآن نادرا ما يظهر.
يعود الأستاذ إلى قضية الهُدَى والهَدْى، وإذا كنا قد ناقشنا من قبل ما كتبه صفحة (14) نشرة 18-2-2010 من أن “الهدى لمن اهتدى” ثم دار الحديث فى صفحة التدريب (23) نشرة 1-4-2010 حول هل ينبغى أن يهتدى الإنسان أولا حتى يستحق أن يعيش الهدى، أو أن ينال الهدى أو أن يكمل الهدى، فهو يعود هنا يكشف عن بعد آخر، وهو أننا لا نكافئ الله مصدر الهدى الأول على أننا نهتدى، وإنما نحن نكافئ أنفسنا، إذْ نهتدى.
أبدأ أولا بما أنهيت به قراءة تلك الصفحة الباكرة (صفحة 23 تدريب) كما يلى:
عندى أن حركية الهدى والهداية هى عملية متصلة متصاعدة، ما بين الداخل والخارج فى اتساق لا ينفصل ولا يتصل، “لا ينفصل” بمعنى لا يستقل، و”لا يتصل” بمعنى لا يتلاشى، وأن الحرص على التأكيد على أن البداية من الله ليست اغترابا أو انتظارا لفضل يهبط بالصدفة من بعيد، لكنه حفز أو دعوة أن نطمئن إلى أن نقطة البدء هى أن يقبل الواحد منا هذه المسلمة “ربى كما خلقتنى”، لتنطلق منها هذه الحركية فى تواصل الكدح فى طريق الهداية. هذه البداية من الله الأقرب من حبل الوريد ، والذى وسع كرسيه السماوات والأرض فى نفس الوقت، هى الضمان لاستمرار دفع الفرص للانتماء لهذه الحركية التى متى بدأت فهى الطريق “إلى الهدى”.
ثم ها هو شيخنا يأتى الآن ينبهنا أن نهاية كل مرحلة فى هذه العملية أعنى “الاهتداء المستمر للاهتداء اللاحق” هى للمهتدى أساسا إذ يحدد أن من “اهتدى فلنفسه”.
ارجع إلى التنزيل الكريم أستلهمه:
“قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ” (الآية 108 يونس)
وأيضا: “مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً” (الآية 15 الإسراء)
وأيضا: “فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ” (الآية 92 النمل)
الأستاذ هنا جمع كل هذا مرة واحدة حين كتب:
“من اهتدى فلنفسه”
الآية الأولى تأتى بعد أن تم البلاغ “قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ” (الآية 108 يونس) ثم تنتهى فى رحاب حرية فكرية كريمة من حيث أن الهداية ليست بالوكالة “وما أنا عليكم بوكيل”.
أما الثانية فتكملها “وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى” (الآية 15 الإسراء)”، ثم ترتبط مع الأولى بأن البلاغ لازم قبل طرح اختيار الهداية، “وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً”
أما الآية الثالثة فهى أيضا تنتهى بالإشارة إلى البلاغ والنذير “إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ”
فنقرأ المعانى الثلاثة أنها تبدأ بإظهار الحق، ودون وصاية على فكر، اللهم إلا بالإنذار والتذكرة ثم يترك الوصول إلى الهدى لمن يهتدى، مع التنبيه بأنه إنما يفعل ذلك لنفسه لا أكثر.
أنا أتصور أن هذا المعنى يحمل إشارة من أوضح أشكال الدعوة إلى حب النفس بالمعنى الذى أكرره (والذى أشار إليه إريك فروم) والذى هو عكس الأنانية.
فما أكرم وأطيب أن يكرم المرء نفسه بأن يهتدى هو بنفسه لنفسه فيشرف بشرف الاختيار، وينعم ببداية الكدح كما ذكرنا قبلا فى فكرة تواصل الاهتداء كدحا بلا توقف.
****
ما تبقى فى الصفحة هو إشارة إلى “البصر والبصيرة” وهذا أقرب إلى ما نتدارسه حاليا فى النشرة فى موضوع الإدراك ومستوياته يومى الثلاثاء والأربعاء هذه الأيام، فالبصر مستوى للإدراك، والبصيرة مستوى آخر من الإدراك متكامل معه، وأنصح بالرجوع إليه، وأعتقد أننى سوف أقتطف منه لاحقا بعض ما يشرح الفرق بين البصر والبصيرة عند النشر الورقى.
أما عن “الطريق إلى الله” الذى ظهر فى هذه الصفحة فقد أشرنا مرار كيف أن شيخنا لم يأل جهدا فى تناول هذا الطريق ليس فقط فى روايته “الطريق”، وإنما فى كل ما أشرنا إليه سواء فى قراءة كراسات تدريبه أم فى نقدنا لملحمة الحرافيش وزعبلاوى، ورحلة ابن فطومة وغيرها.
وختاما ينتهى التدريب بالحمد
فالحمد لله رب العالمين
وهل هذا يحتاج إلى تعليق