نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 6-8- 2015
السنة الثامنة
العدد: 2897
ص 200 من الكراسة الأولى (4)
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
فجر جديد، وعى المفكرين
مارى انطوانيت ملكة فرنسا
روبسبير رئيس الانقلاب الدموى
صلاح الدين الأيوبى مجد (أو محرر) العرب
المعز لدين الله الفاطمى
المماليك البحرية والبرجية
محمد على الكبير مؤسس مصر الحديثة
الخديو اسماعيل يباشر الحضارة الحديثة
أحمد عرابى رئيس الثورة العرابية
ثم فترة حديثة من التاريخ
نجيب محفوظ
29/8/1995
القراءة:
مازلنا فى نفس الصفحة “200”
لم يتبق لنا فى هذه الصفحة إلا المعز لدين الله الفاطمى، والمماليك البحرية والبرجية، وسوف اكتفى بما صدر تلميحا فى نشرات سابقة عن كل من محمد على الكبير مؤسس مصر الحديثه وعن الخديوى اسماعيل ثم احمد عرابى، وأنا أكاد أكون متأكداً أنهم سيردون فى أى من مئات الصفحات الباقية، وسوف أوفيهم حقهم إذا لزم الأمر.
الذى يحدث لنا وفينا وبيننا هذه الأيام يا شيخنا الكريم ، لا يمكن إدراك حقيقة أبعاده، وعمق خطورته إلا بعودة متأملة ناقده للتاريخ، وددت يا شيخنا لو كنت معنا “هنا والآن” لأناقشك بالذات فى هذه الفتنة الجارية لحفر خندق من الكراهية والحقد بين الشيعة والسنة فى الوطن العربى بوجه خاص، بل بين كل فرقة وأى فرقة، يمكن تسليطها على بعضها البعض عبر العالم.
لابد أنك كنت مشغولا بكل ذلك وأنت تدعونا لقراءة تاريخ “المعز لدين الله الفاطمى” ومن ثـَمَّ بعض تاريخ الدولة الفاطمية فى مصر، فعرفت بفضلك – كما تذكرت- أن المعز لدين الله هو رابع الخلفاء الفاطميين فى افريقيا (تونس حاليا) وأول الخلفاء الفاطميين فى مصر، وهو الامام الرابع عشر من أثمة الاسماعيلية.
ولِىَ المعز لدين الله الخلافة الفاطمية خلفاً لأبيه المنصور، وكان رجلاً مثقفاً يجيد عدة لغات مولعاً بالعلوم والآداب متمرساً بإدارة شئون الدولة وتصريف أمورها كيساً فطناً يحظى باحترام رجال الدولة وتقديرهم، وانتهج سياسة رشيدة، فأصلح ما أفسدته ثورات الخارجين على الدولة، ونجح في بناء جيش قوى، واصطناع القادة والفاتحين وتوحيد بلاد المغرب تحت رايته وسلطانه ومد نفوذه إلى جنوب إيطاليا. (وأنا لا أعرف كيف مدّ نفوذه إلى جنوب إيطاليا!!)، ولم تغفل عينا المعز لدين الله عن مصر، فكان يتابع أخبارها، وينتظر الفرصة السانحة لكي يبسط نفوذه عليها، متذرعاً بالصبر وحسن الإعداد، حتى يتهيأ له النجاح والظفر.
ومن طرائف بعض ما قرأت عنه كيف أنه كان يجمع الحكماء رجال الدين والعلم والتاريخ فى مجلسه فيتبارون ويختلفون ويتحدى بعضهم بعضا بطريقة نابضة حية، تصل أحيانا إلى درجة الطرافة (فى رأيى) كان من بينها حكاية نقل جيل المقطم (حيث أسكـُنُ وحيث كانت لقاءاتنا فى منزلى يا شيخنا كل يوم جمعة)، بصلوات معينة متخذين القبلة بالتناوب نحو الجهات الأربع بالدور، وهم (المسيحيون الذين قبلوا التحدى) يرددون دعاوات بذاتها ويبتلهون: حتى تحرّك الجبل وانتقل فعلاً من بركة الفيل بالسيدة زينب مكان مسجد أحمد بن طولون إلي هذا المكان الحالى ليفسح مساحة كبيرة استطاع الخليفة المعز أن يعمرها وتظهر القاهرة الحالية، (وردت قصه نقل جبل المقطم فى كتابات المؤرخ الانجليزى الفريد بتلر!!) (هل تقترح علىّ يا شيخى العزيز أن أصدق هذه الرواية؟ لماذا؟ وما الدلالة بالله عليك وكيف سجّلها التاريخ هكذا؟).
يبدو يا شيخنا أن غزو مصر، أو بتعبير آخر الاستيلاء عليها من حكم العباسيين بواسطة الفاطميين كان من أهم طموحات الفاطميين وقد حاولوا عامة، والمعز خاصة ذلك مراراً قبل نجاحه، وقد بدأت هذه المحاولات منذ عام 301هـ= 913م أي بعد قيام الدولة بأربع سنوات، الأمر الذي يؤكد عزم الخلفاء الفاطميين على بسط نفوذهم على مصر، وكان فشل كل محاولة يقومون بها تزيدهم إصرارا على تكرارها ومعاودتها مرة بعد مرة، ونبهت هذه المحاولات الخلافة العباسية إلى ضرورة درء هذا الخطر، فدعمت وجودها العسكري في مصر، وأسندت ولايتها إلى محمد بن طغج الإخشيد، فأوقفت تلك المحاولات إلى حين.
(ياترى هل انقلبت الآية حاليا فأصبح خطر الشيعة حقيقة ينبغى عمل حسابها؟ هل –إن كانت خطرا – يأتى الخطر من الشرق فى أيامنا الآن؟ لكن يبدو أن الخطر علينا والطمع فينا يأتى ياشيخنا هذه الأيام من أقصى الغرب وأقصى الشرق، من العولمة والشرذمة على حد سواء )
كانت مصر خلال تلك الفترة تمر بمرحلة عصيبة، فالأزمة الاقتصادية تعصف بها والخلافة العباسية التي تتبعها مصر عاجزة عن فرض حمايتها لها بعد أن أصبحت أسيرة لنفوذ البويهيين الشيعة، ودعاة الفاطميين يبثون دعوتهم في مصر، وجاءت وفاة كافور الأخشيد سنة (357هـ=968م) لتزيل آخر عقبة في طريق الفاطميين إلى غايتهم، وكان كافور بيده مقاليد أمور مصر، ويقف حجر عثرة أمام طموح الفاطميين للاستيلاء عليها.
وحين تولى زمام الأمور أبو الفضل جعفر بن الفرات ولم تسلس له قيادة مصر، وعجز عن مكافحة الغلاء الذي سببه نقص ماء النيل (!!!)، واضطربت الأحوال، وضاق الناس بالحكم، كتب بعضهم إلى المعز يزينون له فتح مصر!!! (هل رأيت؟!) ولم يكن هو فى حاجة إلى من يزين له الأمر، إذ كان يراقب الأوضاع عن كثب، ويمنى نفسه باللحظة التى يدخل فيها مصر فاتحا، فيحقق لنفسه ما عجز أجداده عن تحقيقه، فأمر المعز بحفر الآبار فى طريق مصر، وبناء الاستراحات على طوال الطريق، وعهد إلى ابنه “تميم” بالإشراف على هذه الأعمال. (هل ثم وَجْهُ شبه؟).
أرسل المعز لدين الله إلى مصر واحدا من أكفأ قادته ألا وهو جوهر الصقلى الذي نجح من قبل فى بسط نفوذ الفاطميين فى الشمال الأفريقى كله، ولم يجد الجيش مشقة في مهمته ودخل عاصمة البلاد فى 17 من شعبان 358هـ= 6 يوليو 969م دون مقاومة تذكر، وبعد أن أعطى الأمان للمصريين، رأى جوهر الصقلى أن الوقت قد حان لحضور الخليفة المعز بنفسه إلى مصر، وأن الظروف مهيأة لاستقباله فى القاهرة عاصمته الجديدة، فكتب إليه يدعوه إلى الحضور وتسلم زمام الحكم فخرج المعز من المنصورية عاصمته فى المغرب وحمل معه كل ذخائره وأمواله
وصل المعز إلى القاهرة فى 7 رمضان 362هـ = 11 يونيو 972م، وأقام في القصر الذي بناه جوهر، وفى اليوم الثانى خرج لاستقبال مهنئيه وأصبحت القاهرة منذ ذلك الحين مقرا للخلافة الفاطمية، وانقطعت تبعيتها للخلافة العباسية السنية.
قضى المعز لدين الله القسم الأكبر من خلافته في المغرب، ولم يبق في مصر إلا نحو 3 سنوات، ولكنها كانت ذات تأثير في حياة دولته، فقد نجح في نقل مركز دولته إلى القاهرة، وأقام حكومة قوية أحدثت انقلابا في المظاهر الدينية والثقافية والاجتماعية في مصر، ولا تزال بعض آثاره تطل علينا حتى الآن، وجعل من مصر قلبا للعالم الإسلامي ومركزا لنشر دعوته الإسماعيلية والتطلع إلى التوسع وبسط النفوذ.
وبعد
والله العظيم يا شيخنا الجليل كنت أنوى أن أنهى هذه الصفحة اليوم، لكننى حين وصلت إلى تعبير “وجعل مصر قلبا للعالم الإسلامى ومركزاً لنشر دعوته الاسماعيلية …الخ” سمعتك تطلب منى – وأنا فى حال – أن اعرّف أصدقاءنا أكثر بكافور الاخشيدى، وقد ورد ذكره فى تاريخ المعز، وسوف أبحث علاقته بالمماليك هؤلاء وهؤلاء، وقد اكتشفت فى سيرته غير ما وصلنى من المتنبى طبعا، وأيضا استدرجنى هذا التاريخ إلى النظر فى تاريخ ودور طائفة “الاسماعيلية”، بل وإلى مراجعة تاريخ “الحاكم بأمر الله”، الذى لم يصل عامة الناس عنه إلى ما يثير التندر والفكاهة، لكننى اكتشفت بفضلك أن أيا من هؤلاء يحتاج نشرة مستقلة.
لكننى أعدك أن أنشر موجز ما وصلنى مما يهمك أن يهمنا فى الأسبوع القادم، وأن أكتفى بهذه الجرعة الدسمة من هذا التاريخ المؤلم الهام الرائع التى دعتنا مائدة صفحتك إليه!