نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 23 – 7 – 2015
السنة الثامنة
العدد: 2883
ص 200 من الكراسة الأولى (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
فجر جديد، وعى المفكرين
مارى انطوانيت ملكة فرنسا
روبسبير رئيس الانقلاب الدموى
صلاح الدين الأيوبى مجد (أو محرر) العرب
المعز لدين الله الفاطمى
المماليك البحرية والبرجية
محمد على الكبير مؤسس مصر الحديثة
الخديو اسماعيل يباشر الحضارة الحديثة
أحمد عرابى رئيس الثورة العرابية
ثم فترة حديثة من التاريخ
نجيب محفوظ
29/8/1995
القراءة:
مازلنا فى الصفحة خاتمة المائتى صفحة الأولى من صفحات التدريب، وكأنها (- الصفحة-) تصر على الاكتفاء بهذا القدر كعينة قد تغنى عن ما تبقى (فى حدود 850 صفحة أخرى، فأشعر بمقاومة شديدة لاحتمال التوقف ثم أبقى فى هذه الصفحة التى يريد شيخنا – أو كأنه يريد – أن يتم درس التاريخ فيها بتعريفنا بمصر وحكامها من المصريين وغير المصريين.
الأسماء التى وردت بعد “روبسبير” بالترتيب هى صلاح الدين الأيوبى مجدد (أو محرر)(1) العرب، ثم المعز لدين الله الفاطمى، فالمماليك البحرية والبرجية ثم محمد على الكبير ثم الخديوى إسماعيل، ثم أحمد عرابى.
- صلاح الدين الأيوبى مجدد (أو محرر؟) العرب
أكتفى اليوم بالحديث عن صلاح الدين الأيوبى، وأنا أرجح أن شيخنا كان يحبه مثل كل المصريين والمسلمين والعرب، والفرق – فى تصورى – أنه كان يحبه وهو يعرف نقط ضعفه التى حضرتنى فى تداعياتى على تداعيات شيخى اليوم، فى حين أن كل من أَحبه – من عامة المتحمسين- عادة ما يقع فى خطئنا الأشهر وهو: “تقديس الأفراد، لصالح الاعتمادية المطلقة”، بما لم يعد يليق بشعوب لها تاريخنا القوى الصعب مثلنا!!
والآن إلى شرح بعض ذلك:
حين يحضرنى اسم صلاح الدين الأيوبى أذكر ما درسناه ربما فى مرحلة الثانوى فى الأربعينات، كما تحضرنى بعض لقطات فيلم “الناصر صلاح الدين” وأذكر مناقشاتى حوله مع المرحوم أحمد مظهر فى جلساتنا فى الحرافيش، وفرحتى بإحاطئه بالتاريخ بكل تلك الدقة.
ولد “صلاح الدين الأيوبي” فى قلعة “تكريت” بالعراق سنة (532ﻫ = 1138م) ، وفى الليلة التى ولد فيها غادرت أسرته “تكريت” إلى “الموصل” ، وبعد عام أنتقل إلى مدينة “بعلبك” ، حيث عُيِّن أبوه حاكمًا عليها، وفى هذه المدينة التى تقع الآن فى “لبنان” عاش “صلاح الدين الأيوبي” طفولته وتلقى تعليمه بها ، فحفظ القرآن ودرس الحديث والفقه واللغة والتاريخ ، وتعلم فنون الفروسية والقتال .
فتصورتُ أن هذه النشأة وذاك التنقل يمكن أن نقرأها – بطريقة ما – أنها كانت عاملا خفيا فى مسيرته وهو ينتمى إلى أصله العربى العام دون أن يقتصر على أصله من أكراد العراق، فانتقاله إلى الشام (قبل أن يقسم إلى سوريا ولبنان وفلسطين والأردن)، ثم رحلة حياته كلها توحى بأنه اختلط بالوعى العربى الإسلامى بالعرض، قيل أن يمتد فيه بالطول (ربما).
جاء (صلاح الدين) إلى مصر مع عمه(شيركوه) فى الحملات الحربية التى أرسلها سلطان مصر، وبعد موت عمه تولى(صلاح الدين) منصب الوزارة فى مصر فى عهد الخليفة الفاطمي(العاضد) آخر الخلفاء العباسيين.
كما نجح صلاح الدين فى القضاء على الدولة الفاطمية عام (1171)م، وتأسيس الدولة الأيوبية فى مصر.
استنجدت به مدينة “دمشق”، فتحرك إليها، وتمكن من السيطرة عليها وضمها إلى” مصر” كما ضم “حماة” و”بعلبك” و”حلب” وهذه الوحدة الإسلامية استغرقت من “صلاح الدين الأيوبي” أكثر من عشر سنوات من الجهد الشاق والعمل الجاد من سنة (570ﻫ = 1174م) حتى سنة (582ﻫ = 1186م) ، وفى أثناء ذلك لم يدخل فى حروب مع الصليبيين حتى تكتمل خطته فى الإعداد لمحاربتهم .
ظهر صلاح الدين فى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى)، واستطاع أن يوحد الأمة ويجمع شمل “مصر” و”الشام” و”العراق” فى يوم من أعظم أيام الإسلام، وقد بهر هذا البطل أعداءه قبل أنصاره بسماحته وأخلاقه الكريمة ..
ولعل أهم ما وُصِفَ به مـَدِيحاً هو قولهم أنه: “كان فارسًا نبيلاً وبطلاً شهمًا وقائدًا إنسانًا، التزم بأخلاق الإسلام وشريعته السمحة التى تدعو إلى العفو والإحسان”.
بعد أن أقام “صلاح الدين” دولة قوية واطمأن إلى وحدتها وتماسكها انتقل إلى الخطوة الأخرى وهى قتال الصليبيين وطردهم من البلاد ، وبدأ سلسلة من المعارك انتصر فيها، ثم حقق النصر العظيم على الصليبيين فى معركة “حطين” سنة 583ﻫ = 1187م( ، وأصبحت الطريق ممهدة لأن يفتح “القدس” التى ظلت تحت أيدى الصليبيين لمدة تزيد على تسعين عامًا، فتقدم “صلاح الدين” إلى مدينة “القدس” وحاصرها حصارًا شديدًا حتى استسلمت.
وتجلت سماحة “صلاح الدين” فى دخوله مدينة القدس ، فلم يثأر للمذابح التى ارتكبها الصليبيون عندما احتلوا المدينة، ولكنه سمح لكل صليبى أن يفتدى نفسه، كما أعفى أكثر من ألفين من الأسرى من دفع الفدية ؛ لأنهم لم يكن معهم مال ليفتدوا به أنفسهم، كما أطلق سراح كل شيخ وامرأة عجوز، ومنح الأرامل واليتامى والمحتاجين أموالا، كلُّ حسب حاجته .
كل هذا لم يمنع هذا المتحمس سارد هذا التاريخ الطيب أن “يستدرك” قائلا: “…قسّم دولته بين ١٧ ولدا وأخا و كانت له أبنة واحدة “, فتقاتلوا بعده ومزقوا المملكة شر ممزق حتى جاء أجلهم على يد المماليك, وفى سنة ٧٥٦هـ / ١٢٥٩ م، دخل “التتار” بلاد المسلمين حيث وصل هولاكو بعساكره الى الشام”.
هذا الاستطراك المثبت فى ذلك المرجع القديم وصلنى استطرادا أمينا حذرا، وقد جرجرنى إلى ماورد مؤخرا في تقرير لصحيفة “المصرى اليوم” بتاريخ 5/3/2015، تحت عنوان “الوجه الآخر لصلاح الدين”، وهو الوجه الذي رسمه عدد من المؤرخين المصريين والعرب، بحسب تقريرها، تحت عنوان “مع الناصر العباسي”، حسن الأمين، قال: “إن “صلاح الدين” عقب انتصاره في معركة حطين، وتحرير القدس، رفض طلب الخليفة الناصر، بإرسال جيشه، للمشاركة في تحرير فلسطين كاملة، ونشر الكاتب الرسائل التي بعثها (الناصر) إلى (صلاح الدين)” نقلا عن كتاب “الأصفهاني”، وفق ادعائه، وكان سبب الرفض حسب رأى المؤلف أن “صلاح الدين أدرك أنه في حال تحرير فلسطين كاملة، ستصبح ولاية خاضعة للخلافة، وبالتالي سيصبح هو الآخر أحد الولاة التابعين للخليفة”.
ويتابع المؤلف حسن الأمين: “بدأ صلاح الدين يُمهد للصلح مع الصليبيين، والتسليم لما يحتلونه من أرض الوطن، لأنه خشي أن يُرسل الخليفة جيوشه إلى فلسطين، ولكي يتفرغ هو لها، فلابد من إنهاء حالة الحرب مع الصليبيين، فأرسل أخوه (العادل) للاتصال بالصليبيين، وفي الوقت ذاته كان يُرسل رسائل إلى الخليفة يطمئنه فيها بأنه لم يستسلم للصليبيين”، وفق زعم التقرير.
(فهل يا ترى هل أعاد التاريخ نفسه بعد ثمانية أو تسعة قرون؟!)
ثم سرد المقال مآخذ شديدة الإزعاج عن احتمال وقوع صلاح الدين فى نفس الخطأ الذى يقع فيه أغلب الحكام العرب خاصة إذا انتصروا فألَّهَهم ناسهم، ذلك أن المؤلف أضاف أن “صلاح الدين اعتبر أن البلاد التي يحكمها ملكا له، يملكها كما يملك القرى والمزارع، لذلك قسمها على ورثته”. ونقل الكاتب عن “ابن كثير” طريقة التقسيم، قائلا: “ذهبت مصر لولده العزيز عماد الدين أبو الفتح، ودمشق وما حولها لولده نور الدين علي، وهو أكبر أولاده، وحلب لولده الظاهر غازي غياث الدين، والكرك والشوبك وبلاد جعبر وبلدان كثيرة قاطع الفرات لأخيه العادل، وحماه لابن أخيه الملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر، واليمن بمعاقله لأخيه ظهير الدين سيف الإسلام، وحمص لأسد الدين بن سيركوه بن ناصر الدين بن محمد”.
(هل رأيتم جذور التوريث الذى قيل أنه وراء ما حدث عندنا مؤخرا فى مواجهة شبهة ترتيبات لتوريث واحد فقط حكم مصر!!)
وفي هذا الشأن، نقلت الصحيفة عن “المؤرخ حسين مونس”، قوله: “قسم صلاح الدين الإمبراطورية ممالك بين أولاده وأخوته وأبناء أخويه، كأنها ضيعة يملكها، لا وطنا عربيا إسلاميا ضخما يملكه مواطنوه”، على حد قوله. (بل وأضافت) وأنه سرق أموال الأزهر وحرق مكتبات الفاطميين ورفض تحرير فلسطين!!
لكن انبرت أقلام مضادة ترد على كل ذلك وتتهم الصحيفة بمحاولة تشككيك البسطاء من المصريين في رموزهم وتاريخهم ، وأن ما نشرته هو تحدٍ واضح للحقيقة وللتاريخ وأن كل إنسان عاقل يعلم أن ما ينشرونه كذب وإشاعات، وافتخر المدافعون بأن صلاح الدين انتصر لأهل السنة حين قهر بني عبيد (الشيعة الرافضة في مصر) ومحا دولتهم، وأعاد قصر القاهرة إلى السنّة مرة أخرى، ومحى تخاريف الشيعة، وأعاد الإسلام إلى مسيرته على نهج النبوة.
(نفس القصة؟!!)
وبعد
أنا لا أوافق على مقولة أن “التاريخ يعيد نفسه” فهو دورات مختلفة حتى لو تشابهت مظاهرها ومراحلها، ثم إننى مع ذلك احتفظ بوجهة نظرى أن “التاريخ حمّال أوجه”، وأنه فى أحسن الفروض “وجهة نظر”.
لكن شيخنا علمنا كيف يكون التاريخ مصدرا للإبداع، بل إن الإبداع الأصيل يستلهم التاريخ الموضوعى من خلايانا ويلبسه بعض حقائق التاريخ المرصود، ثم يعيد صياغته إبداعا ليكون تاريخا جديداً أصدق، وأكثر عمقا، وأعم إفادة.
ألم تبدأ يا شيخنا بثالثوت تاريخ “عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة واستمرت مسيرتك حتى أولاد حارتنا مرورا بـ إمام العرش، ورحلة ابن فطومة والعائش فى الحقيقة ويوم قتل الزعيم.
كل ذلك وأنت تجدد لنا التاريخ لتعيشه بمسئولية متجددة من خلال إبداع بديل عن التسليم لوجهات نظر مسجلة بأضعف الوسائل وأكثرها اهتزازا: الحكى والصنعة، والكتابة الانتقائية بالصدفة (وأحيانا لحاجة فى نفس يعقوب).
ونظل فى نفس الصفحة حتى الأسبوع القادم، فمازال أمامنا الحديث عن “المعزل لدين الله الفاطمى”، و”المماليك البحرية والبرجية”، وقد نضيف ما تيسر إلى ما سبقت الإشارة إليه عن “الخديو اسماعيل” و”أحمد عرابى”.(2)
[1] – لم أستقر على أى الكلمتين كتب شيخنا أنظر الصورة.
[2] – أكرر الإشارة إلى ما ورد سابقا “محمد على” ورد هذا النص فى صفحة التدريب 111، نشرة 6-6-2013 .
– ” الخديو اسماعيل” ورد هذا النص فى صفحة التدريب 111، نشرة 6-6-2013 .