نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 18-6-2015
السنة الثامنة
العدد: 2848
مازلنا فى نفس صفحة 198 من الكراسة الأولى (9)
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
الأصدقاء الأعداء المسيح يصلب من جديد
الشيخ والبحر، الصخب والعنف، فرانسوا
ساجان، عن الحرب والسلام، الأخوة كرامازوف
اللصوص، يوسف واخوته، البحث عن
الزمن المفقود، القلعة، الحكمة،
(ك.غ)(1)، الجريمة والعقاب، لمن تدق الأجراس، أحلام شهر زاد ، سليمان
الحكيم، أهل الكهف، سارة، إبراهيم
الكاتب، زينب، ماجدولين
نجيب محفوظ
27/8/1995
مقدمة:
مازلنا يا شيخنا فى نفس الصفحة (198) ولم أتناول من تداعياتك إلا “أحلام شهر زاد” من كل ما وصلنى عبر هذه الصفحة من حجم جهلى، مما أتاح لى محاولة إكمال نقصى.
اليوم (الخميس) يا عمنا أول رمضان، وأنا أذكر كيف كنا نكيف مواعيدنا معك ومع مريديك فيه بما جعل الرمضانات التى أمضيتها معك لها طبع خاص، ومذاق خاص، غير عشرات الرمضانات بدونك، وكم حكيت لك كيف كنا نقرأ القرآن مع أبى وقد تحلقنا فى حلقة حوله: أنا وأخوىّ الأكبر منى، وكان من يخطئ منا يدفع مليما فى حصالة الصدقات فى حين أن الخطأ الواحد من أبى (وكان يقرأ رُبْعا مثلنا حين يأتى عليه الدور ربما لنتقمصه أو لتحسين قراءتنا وربما تواضعا وتعليما) كان يدفع هو عشرة قروش كاملة إذا أخطأ خطأ واحدا، وكانت العشرة قروش تعتبر ثروة هائلة (فى سنة 1940 على ما أذكر).
منذ أيام طلب منى أحد شباب الصحافة أن أكتب “اعترافات رمضانية” لصحيفة يومية ولم أفهم جيدا طبيعة الطلب لكنى تذكرتك يا شيخنا الجليل وكيف كنت تحب أن تسمع حكاياتى عن بلدتنا الريفية، وحين انتهيت من كتابة ما طلب هذا الصحفى الشاب أرسلته إليه وإذا به يهاتفنى ويسألنى من هو “الشيخ سيد” الذى ذكرته فى الرد، مع أننى كنت أوضحتُ بجلاء أن الأرجوزة كانت تسمى خروف عيد الأضحى “الشيخ سيد”، لكن لم تصله الرسالة، وطلب منى توضيحا، ورفضت، وتذكرتك وقلت أشكو لك، ولكى تنصفنى قررت أن أرسل الرد كاملا إليك قبل أن أسألك.
وإليك الحديث أولا:
أول أيام رمضان وآخرها :
وعيتُ بكسر عادات الأكل والشرب (الصيام) قبل أن أمارسها، بدأتْ المسألة بالفخر بالتشبه بالكبار، وعيت بالفطور والسحور، وكنا نضحك على أمى فنعـِدُها بالصيام، حتى تسمح لنا بالسحور، حيث كنا نتصور دائما أن السحور به مما لذ وطاب، ما يجعلنا نتحايل لنتسحر، وعادة ما يكون واقع السحور أقل بكثير من خيالنا حول ذلك الطعام المخصوص للكبارفى جوف الليل، فإذا تسحرنا كان لزاما أن ننوى الصيام جهرة، ثم ما أن نستيقظ حتى نجد أنفسنا فى عز الصيام، ساعة والثانية، ثم تشفق أمنا علينا وتعلمنا أن هناك أنواعا من الصيام خاصة بالصغار مثل “صومة القولحة من الصبح للضحا”، وأسهل من ذلك “صومة المخدّة، كل ما أجوع اتغدى”
ثم إنى غامرت وصُمت فعلا يوما واحدا فى العام التالى، أحسبه أنه كان وفاء لنذر أو وعد صدر قبله بسنة، كان ذلك حول سنة 1940، والأرجح أننا كنا فى يوليو والدنيا صيف قائظ، وكنا نودع رمضان يوم الوقفة من على الأسطح قرب المغرب بترديد أراجيز ودعاء التوديع: “يا بركة رمضان حطى ف كل مكان، يا بركة ربنا حطى عندنا”، ، ونحن نضرب بالملاعق والسكاكين أعواد الحديد ، فنذرت أنه إذا جاء رمضان العام التالى فسوف أصوم هذا اليوم بالذات، لأفرح أكثر، وأنا فى انتظار فرحة الإفطار صباح العيد، وكنت سمعت فتوى من أمى أن من صام هذا اليوم وهو بعد طفلا كتب له صيام الشهر كله، فجاهدت نفسى فى العام التالى حتى صمت يوم الوقفة صوما كاملا حقيقيا، وأذكر أننى بعد العصر رحت ألف على من يشك فى صومى آمِلا أن يختبرنى بإخراج لسانى فيرى أنه جاف كالحطبة، وأن ريقى أبيض كالبفتة،
كان صباح يوم الوقفة غير عصرها: فى العصر يكون الصعود إلى الأسطح، ومعنا العيدان الحديد (الخاصة بتقليت الوقود فى الفرن) ندق بها ونحن نودع رمضان كما ذكرت، أما فى الصباح فإننا نستغرق فى الإعداد للعيد والإطمئنان على استلام الجلباب المخطط ذى الحفيف المعلن لجِدته.
لكن أغنية أخرى كنا نرددها أيضا يوم الوقفة ونحن ننتظر العيد فى اليوم التالى، أغنية أذكر كيف انتبهتُ إلى بعض كلماتها فجأة فنغَّصت علىّ فرحتى بقبول التحدى وصوم هذا اليوم الاخير وكأنى صمت الشهر كله: كنا نجرى فى الحارة ونحن نردد” “بكره العيد ونعيـِّد وندبح أبوك الشيخ سيد”، فجأة انتبهت للكلمات أكثر من النغمة، ولاحت لى صورة عم الشيخ سيد البقال الطيب الذى كنا نحبه ويحبنا، عم الشيخ سيد هذا دكانه صغير جدا، لكن موقعه متميز، وهو بلحيته البيضاء وجسمه النحيف يجلس بين الناس على دكّة أمام دكانه، يجلس فى تواضع لا يقارن باللمة التى تتجمع عند دكان ”العراقى” المنافس على الناصية الأخرى، كان يبيعنا الكراملـّة، والنعناع، وأكياس اللب الصغيرة، ويمكن أن نشترى منه شـُكك احيانا دون ضمانات !، وحين نريد أن نخفى ما اشترينا بعيدا عن أعين من يمكن أن يشاركنا فيه، كنا نضعها فى حجرنا ونضع ذيلنا فى أسناننا -حقيقة لا مجازا- ونجرى، برغم تنبيه أمهاتنا أ نفعلُ فمن، يضمن إن كنا نلبس شيئا تحت الجلباب أم لا !؟
ما الذى ألقى فى وعيى فجأة ان كلمات أغنيتنا عن “الشيخ سيد” هى حكم جاد جاهز للتنفيذ ؟ ما الذى قلبها غما هكذا فحرمنى فرحة الإعداد للعيد وفرحة صوم يوم يقوم مقام صوم شهر كامل حسب فتوى أمى؟ نسيت الجوع والعطش ولم يبق الا خوفى على الشيخ سيد الذى يثق فينا، فيمنحنا ما نريد مع أطول فترة سماح من وراء أهلنا ولا يشكونا لهم ابدا، كيف يكون العيد هو فرحة بذبح هذا الرجل الأمير الكريم؟ لم أكن أعرف ساعتها أن هذه الأرجوزة خاصة بعيد الأضحى دون عيد الفطر، وأن “الشيخ سيد” هو الاسم الحركى لخروف الأضحية الذى كان يُسمَّن فى الحظيرة لهذه المناسبة، وكنت – وأنا بكل جهلى هذا- أول ما أفعله صباح يوم العيد هو أن أجرى نحو دكان “الشيخ سيد” لأطمئن أننا كنا “نهزّر” فقط، وها نحن نعيّد دون أن نذبحه، وأنه ما زال معنا، فأهنئه بالعيد، وأشترى منه ما تيسر بجزء من العيدية التى أنتظرها من العيد للعيد.
(انتهى المقال)
…….
ما رأيك يا شيخنا بعد ذلك فى تساؤل الصحفى الشاب؟ أنا شخصيا عذرته الآن وإن كنت قد قسوت عليه فى الرد هاتفياً.
وبعد
يا خبر!! انتهت المساحة ولم أكتب تداعياتى على ما تبقى فى الصفحة، وبينى وبينك يا شيخى الغالى لم استقر عليها بعد، فعرفت أن القلم تحايل علىّ وقرر التأجيل إلى الأسبوع القادم أو بعده لعلى أوفى ما تبقى حقه، وخاصة أنه عرج بى على “لمن تدق الأجراس“، وذلك بعد أن عدت إلى الصفحة واستطعت أن أقرأ الكلمة غير المقروءة وهى تشير إلى هذه الرواية لهمنغواى، كما تذكرت أننى قمت بنقدها وتقديمها فى إحدى ندوات المقطم التى كنتَ يا شيخى تشجعنى على استمرارها وتلومنى إذا أنا اعتذرت عنها، لكننى لم أعثر فى مكتبتى على الرواية الأصل وما خططته فيها كما لم أعثر فى حاسوبى على النقد، قلت فرصة أسبوع آخر أعيد فيه البحث، هذا فضلا عن ما تبقى لنا مما يحتاج إلى تداعيات وتداعيات أو قراءتها، فقد تبقى الكثير مثل “سارة” (العقاد) “أهل الكهف” (توفيق الحكيم) “زينب” (محمد حسين هيكل) “إبراهيم الكاتب” (المازنى)
ما كل هذا يا شيخنا؟ الواجب صعب!!
أنتظر ردك، مع أننى أريد أن أزوّغ من الباقى؟
وكل سنة وأنت طيب
ورمضان كريم.
[1] – كلمة غير مقروءة من الجائز أن تكون “ريبيكا”