نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 6-11- 2014
السنة الثامنة
العدد: 2624
ص 175 من الكراسة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
يا آل مصر هنيئا (فالحسين بينكم
(أو) هنيئا لى بينكم؟؟)
بشرى لنا نلنا المنى
عجبت لسعى الدهر بينى وبينها
ما شئت لا ما شاءت الاقدار
إلا يا بكر قد طرقَ خيال هاج لى الأرقا
قفا نبك من ذكرى حبيب
ولكن لا حياة لمن تنادى
ودار ندامى عطلوها وأدلجوا
أَثْني على الخمرِ بآلائها، وسَمِّها أحسَنَ أسمائها
نجيب محفوظ
14 أغسطس 1999
القراءة:
ما جاء فى نشرات سابقة (1):
أما الجديد:
- يا آل مصر هنيئا فالحسين بينكم:
لا أظن أننى قرأت الكلمة الأخيرة قراءة صحيحة، فبرغم علمى بعلاقة شيخى بمسجد الحسين، وبحى الحسين، وبناس الحسين، وشوارع وحارات الحسين، وقد أشرت إلى ذلك سالفا فى (صفحة 107 الجزء الثالث نشرة:21-2-2013) إلا أننى لم أتصور أن شيخى يهمه أن يكون رأس الحسين موجود فعلا فى مقامه، أو فى القاهرة كلها، أم هو موجود فى دمشق أم فى أى مكان آخر، علاقة شيخى بالحسين هى علاقة عاطفية خاصة، تبدأ من حبه لله، ثم حبه لجده عليه الصلاة والسلام، ثم حبه للقاهرة ، وناس القاهرة، أى حبه لمصر، أما أن يهنئ أهل مصر بالحسين بينهم، فلا أظن أن مثل هذا يخطر فى وعى شيخى
إذن لقد أسأت أنا القراءة
هل يا ترى يكون الأصح هو: يا آل مصر هنيئا لى بينكم
برغم عدم اقتناعى وعدم حماسى لهذه القراءة التقريبية، إلا أنه إذا فرض على الاختيار فإنى أتصور أن حب هذا الرجل لهذا الشعب (آل مصر) كان يصل فعلا إلى مثل هذا المستوى الذى يسمح بأن نقرأ- ولو تعسفا- فرحته فى أنه بين ناسه بكل هذه الحرارة وهذا الحب، هذا الرجل يعرف كيف يحب، وقد كتبت قريبا فى ذكرى مولده أنه “كيف أحب الله، وأحب الموت كدحاً إليه” الأهرام:1-9-2014
ثم ننتقل إلى الشعر الذى طغى على سطح وعيه.
- عجبت لسعى الدهر بينى وبينها:
حين قرأت هذه الفقرة، لم أتصور كالعادة إلا أنها حكمة جميلة علينا أن نتأملها، وان نقف من الدهر موقف المعترف بالجميل وهو يجمع بيننا وبين من نحب، فلا تصبح كلمة الدهر هى قاصرة على “صروف الدهر”، القضاء والقدر، وأتذكر حديثا شريفا يقول غالبا “لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر”، وبالتالى يجرنا هذا إلى حديث شريف يقول “إن القلوبَ بين إصبعين من أصابع الرحمن، يُقلِّبها كيف يشاءُ”.
لكننى قلت أذهب إلى عمنا جوجل، فإذا به يفجئنى جزاه الله خيرا بأنه شطر بيت لـ “قيس بن الملوح” فى قصيدة من أجمل وأرق ما قرأت له ، قالها فى “العصر الأموى” بمناسبة حبه لـ ليلى العامرية التى نشأ معها وعشقها فرفض أهلها أن يزوجوها به فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش ويتغنى بحبه العذرى.
وقبل أن أنتقل إلى القصيدة أذكركم وأتذكر معكم ما أشرت إليه سابقا عن علاقة الأستاذ بالاستشهاد بالشعر، طوال معرفتى به وأنه نادر ما يفعل، بل وكيف كان استغرابه أحيانا حين أستشهد أنا ببيت من الشعر أكون قد حفظته فى الثانوى، أو أرويه عن ما رواه لى أبى، وقد سبق أن عبرت عن دهشتى كلما ورد بيت شعر قديم فى صفحات تدريبه بهذا الوضوح وما يترتب على ذلك من تداعيات ودلالات، (أنظر مثلا نشرات: 7/11/2013، 2/1/2014 )، وتصورت الآن أنه فى الدراسة الشاملة، سواء قمت بها شخصيا أو قام بها غيرى، يمكن أن يجمع كل ما ورد من أبيات شعر قديمة وحديثة بعيدا عن شعر الأغانى، وخاصة أغانى أم كلثوم، وأظن أننا سوف نجد فيها ما نتعرف به على ذائقة هذا الرجل الذى لم يكتب الشعر أبدا، وهو هو الذى لم يكتب إلا شعرا.
البيت كاملا الذى ظهر منه الشطر الأول يقول:
عَجِبْتُ لِسْعَي الدَّهْرِ بَيْنِي وَبَيْنَها فَلَمَّا انْقَضَى مَا بَيْننا سَكَنَ الدَّهْرُ
وقد توقفت عند هذا البيت قليلا، حين تصورت أن شعر قيس قد رق وشفَّ بعد فرقتهما، ربما أكثر من غزله بها أيام وصالهما، إن كان قد كان هناك وصال إلا فى مخيلته، وقد وصلنى من هذا البيت كيف أن حبه لليلى كان أمرا مسلما به مكتوبا بإذن القدر (الدهر) ومباركته، فإذا أخذنا بمعنى الحديث السابق، فهو كان نتيجة لإرادة الله يجمع من يشاء من قلوب عباده إلى بعضها البعض، أم الفراق، الذى ورد فى الشطر الثانى فقد صاغه بما يبعدنا عن إرادة الله كمرادف للدهر، لأن إرادة الله لا تسكن، وهذا يقربنا إلى تصور أن قيس اعتبر الدهر هو الحياة بحب ليلى، ثم اختفت الحياة حين افترقا، فسكن الدهر.
فى القصيدة بعد ذلك بيوت شديدة الجمال شعرت أنها هدية من شيخنا للمحبين يتعلمون منها عمق هذه العاطفة حتى الجنون كما أنشدها المجنون وما أحلاه جنونا.
ومن ذلك:
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها *** وينبت في أطرافها الورق النضر
وَوَجْهٍ لَهُ دِيبَاجَة ٌ قُرشِيَّة ٌ ***به تكشف البلوى ويستنزل القطر
……….
فيا حبَّذا الأحياءُ ما دمتِ فيهمِ *** ويا حبذا الأموات إن ضمك القبر
وإني لتعروني لذكراك نفضة *** كمَا انْتَفضَ الْعُصْفُرُ بلَّلَهُ الْقَطْرُ
……….
فلو أن ما بي بالحصا فلق الحصا *** وبالصخرة الصماء لانصدع الصخر
ولو أن ما بي بالوحوش لما رعت *** وَلاَ سَاغَهَا المَاءُ النَّمِيرُ وَلا الزَّهْرُ
ولو أن ما بي بالبحار لما جرى *** بِأمْوَاجِهَا بَحْرٌ إذا زَخَر الْبَحْرُ
- ما شئت لا ما شاءت الاقدار:
هذا آخر ما جاء جديداً فى هذه الصفحة، وهو شطر بيت للشاعر: ابن هانئ الأندلسى (326 هـ – 362 هـ / 938 – 973 م)، أشعر المغاربة على الإطلاق وهو عندهم كالمتنبي عند أهل المشرق، وكانا متعاصرين، واتصل بجوهر الصقلي قائد المعز لدين الله الفاطمي، وقال هذا البيت في مدح الخليفة الفاطمي الإمام المعز لدين الله.
وهذا الشطر هو مطلع القصيدة الشهيرة، وقد بالغ فى المدح حتى اتهم بأنه نوع من الشرك، يقول البيت:
ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
كما جاء فى نفس القصيدة
إن قيل من خيرُ البريّة لم يكنْ إلاّ كمُ خلقٌ إليه يشار
………
شرُفت بك الآفاقُ وانقسمت بك الـ أرزاقُ والآجالُ والأعمار
وبقدرما كرهت علاقة المتنبى بسيف الدولة، رفضت هذه القصيدة التى لو سجلتها كلها لزدتهم نفوراً منها مهما جذل الشعر، لكننى أعود فأتذكر دفاع شيخى عن علاقة المتنبى بسيف الدولة باعتباره وزير إعلامه باللغة المعاصرة، فهل كان ابن هانىء وزرير إعلام المعز لدين الله؟
وهل يا شيخنا هذه هى وظيفة وزراء الإعلام هذه الأيام؟
[1] – بشرى لنا نلنا المنى: ورد هذا النص من قبل فى صفحة التدريب (31) بتاريخ: 4-8-2011 ، ورد هذا النص فى صفحة التدريب رقم (156) نشرة: 29-5- 2014
ألا يا بكر قد طرقا خيال هاج لى الأرقا”: ورد هذا النص فى صفحة التدريب (ص 132) نشرة (7/11/2013)، وأيضا ورد فى صفحة التدريب (ص 141) نشرة: 6-2-2014
قفا نبك من ذكرى حبيب: ورد هذا النص فى صفحة التدريب (ص14) نشرة:18-2-2010
ولكن لا حياة لمن تنادى: وردت هذه العبارة فى صفحة التدريب رقم 6 ، نشرة 14-1-2010 ، وأيضا ورد فى صفحة التدريب رقم 32، نشرة 11-8-2012،
ودار ندامى عطلوها وادلجوا : ورد هذا النص فى صفحة التدريب رقم (10) نشرة: 4-2-2010
أَثْني على الخمرِ بآلائها، وسَمِّها أحسَنَ أسمائها: ورد هذا النص فى صفحة التدريب رقم (106) نشرة: 13-12-2012