نشرة “الإنسان والتطور”
22-9-2011
السنة الخامسة
العدد: 1483
ملامح الدراسة الشاملة
تجارب فى المنهج
مقدمة:
يبدو أن الشعور الذى أعلنته الأسبوع الماضى، وهو أننى على وشك أن أتوقف، كان مفيدا جدا، فقد فتح لى باب النظر الباكر فى بعض تفاصيل المنهج الذى سوف تسير فيه هذه الدراسة، وخاصة حين ننتقل إلى الدراسة الشاملة، والتى ألمحت إليها سابقا.
بداية: لابد أن اعترف أن علاقتى بالدراسة الشاملة ما زالت علاقة فاترة، مقارنة بحماسى وحبى للدراسة “الواحدة واحدة”، التى اسميتها “تشريحية”، ربما لأن قراءة اللوحات واحدة واحدة هى الطبيعة الأقرب للفن التشكيلى ونقده. وهذه المادة التى بين أيدينا الآن هى لوحات تشكيلية أكثر منها محتوى منظم لعمل إبداعى مقصود لما به، وهذا أدعى أن نكتفى بأن نقرأ كل لوحة مستقلة ابتداءً، بل إننى الآن أتبين أن قراءتى لأصداء السيرة الذاتية كانت أيضا قراءة نقدية للوحات تشكيلية كل لوحة تحمل رسالة قائمة بذاتها وإن كانت غير مستقلة عن الفكرة المحورية لكاتبها، ولا عن بقية محتوى المتحف الجميل.
حين بدأت الدراسة الشاملة للأصداء، بعد أن انتهيت من الدراسة التشريحية، كتبت الفصل الأول بعنوان: “الطفولة نبض دائم“، ثم توقفت، وربما شعرت آنذاك أننى لن أكمل هذه الدراسات مع أننى سجلت عناصرها، فسارعت بنشر الفصل الأول بعد نهاية الدراسة التشريحية دون انتظار أن تصدر مع بقيتها ربما باعتباره عينة لما سوف يأتى بعده مما أوردت من عناصر وعناوين الدراسة التشريحية بعد الفصل الأول: “الطفولة نبض دائم” مثل: (2) الجنس، والجسد، والحس، واللذة (3) الحب والصداقة والعلاقة بالموضوع (4) الصمت، والنداء (النداهة) والخلاء، والكهف (5) الغيب، والامتداد، والكون، والمجهول (6) السعى، والحركة (7) الذاكرة، واستحضار الوعى (8) الله والوجود (الدين، والإيمان) (9) العمر والشيخوخة والموت والخلود (10) التناهى، واللحظة، والنبضة، والهمسة (11) البعث، والولادة، لكننى لم أرجع إلى إكمال ما بدأت حتى الآن، ولا أدرى متى أرجع.
لعل هذا هو اتجاه ما حدث أيضا فى دراستى النقدية لأحلام “فترة النقاهة” فقد قمت بقراءة الأحلام واحدا واحدا حتى الحلم رقم (53) (نشرة 8-5-2008 تقاسيم على لوحات الأحلام، ثم اكملت بمنهج آخر هو استلهام النص بما اسميته تقاسيم، وحين هممت أن أعود لأجرب ولو فصلا واحدا من القراءة الشاملة لكل الأحلام كما وعدت فى المقدمة، لم أستطع، ربما لأنه اختلط علىّ أن أفصل بسهولة بين الحلم الأصل وبين محاولاتى اللاحقة عليه تحت عنوان التقاسيم.
التجربة هنا فى قراءتى لكراسات التدريب فيها شبه مبدئى، وفيها اختلافات بلا حصر عن كل من التجربتين السابقتين وأستطيع أن أعدد بعض ملامح طبيعتها بعد أن وصلْنا إلى هذه المرحلة كما يلى:
أولاً: المادة هنا تلقائية (المتن!) (ولا أحب أن أصفها بأنها عشوائية).
ثانياً: هى مادة مترامية غزيرة (قلت إنها تناهز الألف صفحة).
ثالثاً: هذا يجعل التكرار وارد، وإن كنت حتى الآن لم أشعر أنه تكرار بمعنى مجرد الإعادة، فقد عشت كل صفحة – حتى الآن – باعتبار كل كلمة فيها جديدة، حتى لو كانت اسم نجيب محفوظ (لا توقيعه) أو اسم كريمتيه أو حتى “بسم الله الرحمن الرحيم”، وبصراحة أنا لا أجد تفسيرا سهلا لشعورى هذا حتى الآن فمازلنا فى صفحة (37) من ألف صفحة تقريبا.
رابعاً: ربما يرجع شعورى الشخصى هذا الذى أَنْكَرَ التكرار مهما تكررت نفس الألفاظ إلى أننى عايشت عملية كتابة هذه التدريبات شخصيا يوميا، على الأقل على مدى الشهور الأولى من التدريب.
خامساً: إن السياق الذى ترد فيه الكلمة المكررة سواء فى موقعها فى الصفحة، أو ترتيبها على وجه الصفحة، أو طبيعة ما يرد قبلها أو بعدها يصلنى متداخلا مع كتلة الوعى الذى اسميته “جبل الوعى” (نشرة 28-7-2011 قراءة فى صفحة 30) وهو الذى تطفو على سطحه هذه الكلمات فى سياقها المتميز المختلف مهما تكرر.
سادساً: إن الاستلهام الذى يحضرنى من المكرر، أو من السياق، وكذلك التداعيات فالاستطراد وهما بعض ما تثيره فىّ هذه الكلمات (المكررة) يختلف من صفحة إلى صفحة، ومن ذكرى إلى ذكرى ومن حالة وجدانية إلى أخرى، فيختلف التلقى، وينتفى التكرار.
تجربة منهجية (سوف أرجع عنها غالبا):
وعدت الخميس الماضى فى نهاية الحلقة أن انطلق مما جاء فى صفحة التدريب رقم “37” عن “الصبر” أكمل به ما اقتطفته مما سبق كتابته استلهاما من ورود نفس الكلمة “الصبر” فى الست وثلاثنين صفحة السابقة، وتحديدا، صفحات (1 ، 2، 3، 32)، وكنت أنوى أن اكتفى بما سيرد بعد ذلك ولو بالنظر فى عدد مماثل من صفحات التدريب، وقلت تكفى ثلاثون صفحة أخرى حتى أتمكن من المقارنة المبدئية، لكننى وجدت أن هذا ليس كافيا اختبارا تجريبيا للمنهج، ثم انفتحت شهية طمعى، وقلت أبحث عن كل ما جاء عن الصبر فى الألف صفحة معا، لكننى تراجعت بإصرار حيث شعرت أن علىّ أن أقرأ صفحة صفحة أولا كما فعلت فى الـ 36 صفحة السابقة قبل أن أسارع بالنظر فى مجرد ورود الكلمة وتكرار ورودها كما ذكرت حالا، ذلك لأننى انتبهت إلى ما كنت أحذر منه منذ البداية وهو أنه شتان – مثلا – بين ورود كلمة الصبر فى “أراك عصى الدمع شيمتك الصبر“،(نشرة 30-6-2011 قراءة فى صفحة 27) حيث تحضرنا أم كلثوم كل مرة بطريقة متجددة نادرة، وهى تترنم بكلمات أبى فراس الحمدانى، وبين ورود الصبر فى تعبير “الصبر من الإيمان” (فقط)، ومثال آخر: شتان بين كتابة قول شائع مثل: “الصبر مفتاح الفرج”، وبين تعبير جديد تماما يقول: “الصبر طيب وجميل”، وقد ناقشت من البداية فى قراءتى (ص2) (نشرة 31-12-2009 قراءة فى صفحة 2) كيف يكون الصبر جميلا ، واقتطفت بعض ذلك الأسبوع الماضى، وحين واجهت هذه الصعوبة وغيرها، قلت أكتفى حالا بربع الصفحات (250 صفحة تقريبا) كعينة، وإذا بى أفاجأ بكم متنوع أورد مسودته فى الجدول التالى:
كلمة (الصبر) | صحفة | عددها |
الصبر طيب | 37- 92- 95- 99- 110- 144- 172 | 7 |
مرارة الصبر | 103 | 1 |
الصبر جميل | 2- 13-52- 92- 100- 144- 148-157- 172 | 9 |
الصبر جميل وطيب | 171 | 1 |
الصبر طيب وجميل | 103 | 1 |
شيمتك الصبر | 27-51- 63- 127- 151- 166- 187 | 7 |
الصبر مفتاح الفرج | 157- 160 | 2 |
الصبر مع الصابرين | 195 | 1 |
الصبر من الإيمان | 32 | 1 |
الصبر عذب | 226 | 1 |
الصبر (فقط) | 236- 245 | 2 |
الله مع الصابرين | 1 | 1 |
إن الله مع الصابرين | 52 | 1 |
إصبر إن الله مع الصابرين | 154 | 1 |
الصبر جميل، جميل الصبر | 238 | 1 |
اللهم صبرك | 147 | 1 |
هكذا رفضت بشكل حاسم أن يكون مجرد تواتر تكرار لفظ معين أكثر من غيره له أولوية فى الدلالة تسمح لى أن أنطلق فى قراءتى لتجليات الأستاذ التلقائية فى التدريب فى الدراسة الشاملة كما بدأتها.
****
إلى هنا وانتهت الاستطرادة المنهجية الطويلة نسبيا وقد أوقفتها حسماً مؤجلا تناول الصبر فى كل التدريبات إلى الدراسة الشاملة (الألف صفحة) داعيا الله تعالى ألا تلحق بسابقتيها (الدراسة الشاملة لكل من أصداء السيرة وأحلام النقاهة).
إن كان فى العمر بقية.
ثم نعود إلى الصفحة (37)
ص 37 من الكراسة الأولى (أسجلها مرة ثانية)
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
الهدى من الله
الصبر طيب
الله غفور رحيم
هو مالك السماوات والارض
نجيب محفوظ
5/3/1995
****
القراءة:
أشرت فى الأسبوع الماضى إلى سبق قراءتى كيف يكون الهدى من الله (1) ثم اقتطفت كما جاء فى المقدمة، ما ورد فى صفحات 1، 2، 13، 32، وأخيرا أنهيت النشرة بوعد أن أعود إلى ما حضرنى من البحث عن ورود الصبر وتجلياته فى القرآن الكريم، وقلت بالحرف:
“…. وإذا بى أمام بحر من المعرفة حول تشكيلات الصبر وتنويعاته وتجلياته”، وكنت أعنى تحديدا ما ورد فى القرآن الكريم، كما ألمحت أيضا إلى مثل ذلك بالنسبة لما كتبه الأستاذ فى نفس الصفحة “مالك السماوات والأرض” ووعدت بالعودة إلى كل ذلك.
وحين هممت اليوم بالوفاء بوعدى خفت أن يختلط الأمر على المتلقى ويتصور أى احتمال للمقارنة، وأيضا وجدت أن الاستطرادات والاستلهامات من قرآننا الكريم تحتاج لمساحة أكبر واستقلال متميز ووقت كاف. ففضلت التأجيل.
ملاحظة ختامية (اليوم)
حين رحت أتصفح قراءتى للست وثلاثين صفحة السابقة، وجدت أن كثيرا منها يستلهم القرآن الكريم بمجرد أن يرد ذكر الله عز وجل فى تدريبات الأستاذ أو ذكر آية كريمة أو حتى ذكر جزء منها، كما أننى لاحظت أيضا كيف يبدأ الأستاذ كل تدريباته تقريبا (لست متأكدا) باسم الله الرحمن الرحيم، مرة أو أكثر، وأحيانا تسبقها الاستعاذة “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم” (مثل صفحة 46 & 47& 81 أو …أو إلى .. 140 & 161)
وقد خطر لى – دون جزم – أن ما اسميته جبل الوعى الذى يكمن تحت ألفاظ كل صفحة من صفحات التدريب له علاقة بشكل أو بآخر بريح هذا المصدر الأساسى – القرآن الكريم – مع أننى لم ينم إلى علمى تحديدا أن شيخى قد حفظ القرآن طفلا، كما أننى لا أعلم تفاصيل علاقته به مبدعا وعابدا، وإن كنت أرجح إيجابية وتواصلا معه بلا حدود،
وقد سبق أن ناقشت ما وصلنى منه مباشرة بعيدا عن مجرد ورود آية كريمة هنا أو جزء من آية كريمة أخرى هناك فى تدريباته حين كنت أتحدث أساسا عن ما وصلنى من علاقة شيخنا بالله عزوجل واعتراض بعض الأصدقاء على أننى أقوّله ما لم يقله فى هذا الصدد بما أراه فيه مما هو ليس الحقيقة من وجهة نظرهم.
أختم هذه الملاحظة بأن أنبه بوضوح أن لمحات الأستاذ فى التدريب هكذا قد سمحت لى أن أتعرف من جديد على كتابى الكريم من زوايا لم أعتدها، وهذا فضل آخر من أفضال شيخنا المتجددة.
شكرا يا شيخى الجليل واسمح لى أن أهب بعض ثواب ذلك إلى حسابك وإن كنت أعرف أننى أحوج ما أكون إلى هبتك لى ودعواتك، كما أعلم أنه: “قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً”
الحمد لله
وإلى الأسبوع القادم مع نفس الصفحة، (الاستطراد إلى الصبر فى القرآن الكريم).
[1] – نشره رقم (881) بتاريخ 28-1-2010 ، نشره رقم (1469) بتاريخ 8-9-2011، وربما أيضا علاقة الأستاذ وثقته برحمة ربنا غير المحدودة (نشرة 28 -7- 2011 – العدد 1427 قراءة فى صفحة 30).