نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 7 – 1 – 2016
السنة التاسعة
العدد: 3051
ص 219 من الكراسة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
طريق المعرفة غير محدود
المعرفة مفتاح السعادة والشقاء
الحلم سيد الأخلاق
الغضب مطية اخطاء لا حصر لها
السماحة جميلة والصبر عذب
الكوارث تتحطم على نافذة الفاعل
الكلام الجميل: يجب أن يصحب بفعل جميل
نجيب محفوظ 18/9/1995
القراءة:
حتى لو كرر شيخنا فهو لا يكرر، فمجرد أن يضيف كلمة هنا أو هناك فإننى أجد الجديد مما يوحى بحضور مختلف لوعى نشط متجدد، وأيضا حين تقرأ سطرا منفصلا يلحق سطر أخر غير ما لحق السطر الأول فى صفحة سابقة، هو أمر يحتاج إلى عناية خاصة وتأمل استلهامى جيد.
نعم “طريق المعرفة غير محدود“، هذا هو شيخنا لا يشبع أبدا من نهل المعارف، لا ليكررها أو يزهو بها: وإنما هو يهضمها لتتنح على سطح وعيه كما تعلمنا من صفحات تدريبه، لكن أن يلحق هذا القول الأقرب إلى ما يصف موقفه من المعرفة طول عمره أن يلحقه سطر آخر يقول: “المعرفة مفتاح السعادة والشقاء” فهو يدعونا إلى النظر فيما يعنى بطريق المعرفة، فأن يكون طريق المعرفة هو مفتاح السعادة فهذه تكاد تكون بديهية، أما أن يكون مفتاح الشقاء، فهذا يرجعنا إلى قضايا كثيرة متنوعة ومتشعبة، فمنذ خرج آدم عليه السلام من الجنة ونحن نحذر من خوض مجال المعرفة المحظورة أو المشروطة، ولو مؤقتا، ولو فى مرحلة بذاتها، ضبط جرعة المعرفة بحيث تتناسب مع جرعة القدرة على استيعاب المسئولية للانطلاق منها إلى معرفة جديدة بلا نهاية هو مفتاح السعادة، أما المعرفة العشوائية أو غير المسئولة والمعرفة المنظرة، والمعرفة الأكبر من القدرة فهى طريق الشقاء، وذات مرة حين كان يصلنى حق مريض فى استعمال دفاعاته للانكار أو المحو، كنت أدافع عن حقه فى ذلك حتى قلت على لسان أحدهم: “يا ربنا! يا ربنا! أَدِمْ علينا نعمة العمى”، وحين أمارس العلاج الجمعى بالذات وفى مأزق التغيير النوعى، على مسار النمو تعلمت أن ألم المعرفة أحيانا يكون أقرب إلى الشقاء نظرا للجدّه والمفاجأة فنتكاتف معا فى المجموعة حتى نجتازه بأمان، فيصبح مفتاح الشقاء هو هو مفتاح السعادة.
ثم إن شيخنا يردف مباشرة أن “الحلم سيد الأخلاق” فى حين أن “الغضب مطية أخطاء لا حصر لها” وهكذا تنظم مجموعة من القيم حتى وهى كأنها تعزف منظومة مصرية حضارية متكاملة لاينقصها إلا أن تراها، ثم يقول:
“السماحة جميلة والصبر عذب” وقد قرن السماحة (وليس السماح) بالجمال فى حين قرن الصبر بالعذوبة، فأتوقف أولا عند السماحة واعترف أننى أحترم هذه القيمة، لكنى أشكك فيها وفى طالبها إلا من الله سبحانه، وذلك لأننى أحيانا أشعر أن السماح نوع من العطاء المشوب بالتفضل، لكننى مع تزايد عملى ووعيى فيما هو “العلاقات البشرية”: من منطلق الوعى البينشخصى بدأت أصالح السماح باعتباره ممثلا للمساحة التى تتحرك فيها العلاقات بما تعنى من اختلاف وإبداعية حركية برامج “الدخول والخروج”، وهو البرنامج الأساس فى جدل النمو، حين قرأت صفة الجمال مقرونة بالسماحة حضرنى هذا الفهم الجديد للسماح والسماحة.
أما أن يقترن الصبر بالعذوبة فقد شدنى هذا المعنى لأن الصبر عادة يقترن بالمرارة وبالعذاب حتى كدت أعود إلى ما خطه بيده لعل الكلمة هى “عذاب” وليس “عذب” لكننى تأكدت أنها “عذب”. صبر شيخى الذى عايشته وتعلمت منه، هو صبر عذب فعلا وقد رحت أستفتى المعاجم فى معنى ما هو “عذب” لأجد أنه “السائغ من الطعام والشراب وغيرهما” فكيف يكون الصبر سائغا إلا أن يكون صبرا يقربنا إلى الله دعاء واستغاثة وعشماً.
ثم أقفز سطراً لأنهى قصيدة اليوم أو سيمفونية الحكمة بقوله: “الكلام الجميل: يجب أن يصحب بفعل جميل” فأنتبه كيف أننا أحوج ما نكون إلى هذه القيمة هذه الأيام بوجه خاص، ويحضرنى الحديث الشريف القائل ما معناه “ليس الإيمان بالتمنى، ولكن الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل”، والجميل هنا هو ما يمكن أن ينبع من إيمان كإيمان شيخنا، وغالبا هو يقترن به، ويصلنى تحديده بأن يصحب الكلام الجميل فعل جميل توكيدا للقيمة التى أصبحت تشكل كل تفكيرى ليل نهار لأنها الامتحان المتجدد لحيوية وجودنا كل ثانية وهى قيمة “هنا والآن” “ومعنى وجدوى أجزاء الثوانى”.
ثم أرجع إلى السطر الذى تركناه أن “الكوارث تتحطم على نافذة الفاعل” وأتساءل لماذا على نافذته وليست على دماغه، وأتساءل هل الكوارث تتحطم أم أنها ترتد إلى فاعلها؟ الأرجح أنها تحطمه قبل أو أكثر مما تفعل بضحاياه.