نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 27-4-2017
السنة العاشرة
العدد: 3526
فى رحاب نجيب محفوظ
قراءة أخرى للأحلام الأولى (16- 52)
تقاسيم على اللحن الأساسى
نواصل تقديم الــ 52 حلما الأولى بأسلوب: “التناصّ النقدى“
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (16)
هنأنى الطبيب المساعد على نجاح العملية.. عقب إفاقتى من التخدير أشعر بارتياح عميق وبسعادة النجاة الصافية. دخلت الحجرة فجاءت الممرضة بكرسى وجلست مقتربة برأسها من رأسى. تأملتنى مليا ثم قالت لى بهدوء شديد:
– طالما كانت أمنيتى أن أراك راقدا بلا حول ولا قوة!
ثم قالت باحتقار وحقد
- جاء وقت الانتقام
وقامت وغادرت الحجرة تاركة إياى فى دوامة من الحيرة والقلق والخوف، كيف تتصور تلك المرأة أننى أسأت إليها على حين أننى أراها لأول مرة فى حياتى، وجاء الطبيب الجراح ليلقى على نظرة فتشبثت به قائلا:
- أدركنى يا دكتور فإن حياتى فى خطر!
فأصغى إلىّ وأنا أقص عليه ما جرى. وأمر بعرض الممرضات المكلفات بالخدمة فى العنبر على ولكنى لم أعثر على الممرضة بينهن
وغادرنى الدكتور وهو يقول:
- ‘أنت هنا فى كامل الرعاية’
ولكن صورة الممرضة لم تفارقنى
ولم تغب عنى الوساوس.
وكل من دخل الحجرة نظر إلىّ بغرابة كأننى أصبحت موضع تساؤل وشك. وتراءى أمام عينى طريق طويل ملئ بالمتاعب.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
وقررت أن أهرب من المستشفى دون انتظار سماح الطبيب، وحاولت أن أتحسس موضع العملية ، فإذا بى أكتشف أن الاربطة كثيرة ومحكمة، ولا بد أن تحتها غرز كثيرة ، وأنها تحتاج إلى غيار ومتابعة ، فتراجعت وزادت مخاوفى وكدت أرتجف تحت الغطاء، فدققت الجرس، فحضر الطبيب الطيب بدلا من الممرضة، فحمدت الله، واعتذرت له أننى أزعجته بدق الجرس، فقال لى أنه لم يسمع الجرس، وأن ما جاء به هو أمر آخر، وكان وجهه متأثرا لأمر ما ، فسألته عن هذا الأمر، فقال لى إن نتيجة فحص العينة التى استأصلناها جاءت غير ما توقعنا، وحين استبنت منه أكثر، زاد وجهه شفقة، أو ألماً، لست أدرى، وأردف: إنه ورم خبيث ولا بد من استئصال جديد للغدد وغيرها، بأسرع ما يمكن، سألته: ومتى ذلك؟ قال دون تردد: غدا أو بعد غد.
ثم وجدتنى فى حجرة العمليات وأثناء ما كان طبيب التخدير يغرز الإبرة فى ذراعى التفت ناحية الممرضة التى تساعد الجراح، فإذا بها هى هى التى تـَوَعَّـدْتنى، فقفزت من على سرير العمليات وأنا بملابس التعقيم واندفعت عدوا وخرجت من حجرة العمليات وخراطيم المحالييل فى ذراعى، ووقعت زجاجات المحاليل، وكسر بعضها، ورحت أعدو فى طرق المستشفى والممرضون خلفى يصيحون أننى جننت، وحين أمسكوا بى اعترفت بجنونى وطلبت نقلى إلى مستشفى الأمراض العقلية، وأن أمزق إقرارى بقبول الجراحة مهما كانت ضرورية ، وأجل الجراح العملية وهو يهددنى ويشفق على، وحين سألنى بعد ذلك عن سبب كل هذا قلت له بعض ما كان من هذه الممرضة التى تساعده، فتعجب وقال لى ، ولكنها زوجتى وتعمل معى من سنين فى حجرة العمليات وليست لها أية علاقة بعنابر المستشفى، وأنا متأكد أنها لا تعرفك ،ثم إنها طيبة لا تحمل ضغينة لأحد على وجه الأرض، قلت له: “ولا لشارون ولا لأوباما”، فنظر لى بتمعن أكثر ربما ليتأكد من جنونى، ثم قال: دعنا من الحديث فى السياسة من فضلك، فقلت له وهل حياتى وسلامتى بعيدتين عن السياسة؟!
فانصرف وهى يلـّوح بيديه.