يحيى الرخاوى طبيب نفسى
نبذة: دعوة جديدا لاقتحام الصعب اعتماد على التفكيرالنقدى، العالم نص، والانسان الفرد نص، والقصيدة نص أدبى، القراء الناقد للنص هى إبداع ثان، وقراءة العالم باعتبار نصا قابلا للنقد خليق بأن يفجر حلولا جديدة.
الأهرام 22-3-2004
قراءة نص العالم المعقد
هذا العنوان الصعب ليس من عندى جاءت هذه العبارة فى نهاية مقال الأستاذ السيد يس (الأهرام الخميس 17 مارس 2004) وهو يدعو خبراء عرب متخصصين ممن لديهم القدرة على “قراءة نص العالم المعقد” لاستخلاص الخطط العربية المستقبلية. فما هو هذا النص المعقد الذى نعيشه على مستوى العالم وهل عندنا القدرة على قراءته ليلهمنا خطة مستقبلية.
كنت قد كتبت مقال هذا العدد عن ضرورة مراجعة فكرة تقديس الديمقراطية على مستوى العالم، وبالتالى على مستوانا المحدود (ألسنا جزءا من العالم) إلا أنى حين قرأت مسودته على بعض الأصدقاء ظنوا (أو خشوا) أننى بذلك أبرر للنظم العربية الحاكمة أن تتمادى فى عدم تطبيق الديمقراطية وكأن هذه النظم تنتظر تبريرا جديدا. المسألة أنى أردت أن أوضح أن إشكالة استحالة تحقيق الأحلام التى تعقد على الديمقراطية باعتبارها الحل المقدس هى ضمن النص المعقد الذى يعيشه ناس العالم معا الآن. العيوب التى تظهر فى ممارسة تطبيق الديمقراطية هى بلا حصر. ليس معنى افتقارنا الشديد إلى تطبيق أى قدر منها أن نتعامى عن عيوبها خوفا من أن نحرم منها بخيرها وشرها، إذا كان لنا دور فى هذا العالم يمكن أن نساهم به، فلن يتحقق هذا الدور بأن نكرر حرفيا ما انتهوا هم من مراجعته وبدأوا فى تجاوزه علينا ألا نكتفى بترديد الشعارات التى تنتهى بكلمة الحل:”الإسلام هو الحل”. “الاشتراكية هى الحل”. “العلمانية هى الحل””. التنوير هو الحل” ومؤخرا: تم الإجماع غير المسبوق على أن: “الديمقراطية هى الحل”: هكذا اتفق أهل اليمين واليسار أهل العلم وأهل الشورى الملكيون والجمهوريون نخبة المفكرين والمثقفين العرب فى مؤتمر مكتبة الاسكندرية (170) أهل “الثقة والثقل”. فى بيروت الآن (بيروت 19-22 مارس) (ممثلو 50 منظمة غير حكومية).
علينا أن نكف عن استسهال الحلول الجاهزة مهما كان مصدرها. كل حل-بلا استثناء- هو مرحلى مادام التطور مستمرا، كل حل هو مشروع لحل قادم. علينا أن نتعلم كيف نقبل الحلول المرحلية لنتجاوزها معا لا لنستسلم لها أبدا. يقول مثلنا العامى “إيش رماك على المر قال الأمر منه قلت قياسا وأنا استشعر مرارة الديمقراطية جنبا إلى جنب مع سحق الدكتاتورية : إيش رماك على الديمقراطية قال الحكم الشمولي”. وثم مثل أقل شيوعيا يقول “تجمز بالجميز حتى يأتيك التين” وقياسا أيضا يمكن القول “دمقرط بالديمقراطية حتى نبدع العدل الحرية”.
اعتدنا أن يصدر لنا أهل المال والسياسة والتقدم والجبروت فى الشمال والغرب ما تيسر من بضائع وأسلحة تقادمت (ليست بالضرورة انتهت مدة صلاحيتها) لكنها لم تعد لائقة بهم وبما استحدثوا بدلا منها. أخشى أن تكون مشاريعهم التى يقدمونها لنا الآن بالنسبة للمبادئ والقيم ونظم الحكم تسير على نفس النهج. هم يعلمون تماما أن الديمقراطية التى يقدسونها (أو يتظاهرون بذلك) لم تعد تصلح لهم ولا لنا علينا أن نتقدم معهم وليس وراءهم، هم ينقدون أنفسهم بأمانة فلننتبه لنتعاون بجدل خلاق.
يجرى فى العالم الآن تياران متعاظمان متصارعان متسابقان، وقد حل سباقهما محل صراعات قديمة بين قيم مغلقة ساكنة . التيار الأول هو : تيار الاغتراب الكمى المالى السلطوى (فريق الشركات العابرة والمافيا الخفية) وقد أصبح فوق الدول والحكومات والتيار الثانى هو تيار المقاومة الشعبية المعرفية التواصلية فى محاولة إبداع مناهج جديدة نتعرف من خلالها على أنفسنا كما خلقها الله لنتميز بالوعى والمعية فى محاولة أن نحول دون انقراض الجنس البشرى بما يفعله التيار الأول.
لم يعد الصراع والتفضيل يتم بين قيم ممهورة بخاتم النهاية (نهاية التاريخ!) (الديمقراطية فى مقابل الشمولية أو الرأسمالية فى مقابل الاشتراكية) وإنما انقلب إلى تنافس أقوى بين الحركة والسكون، بين حتمية حلم الحل النهائى وجدلية الإبداع المفتوح النهاية.
لتكن الديمقراطية هى اختيارنا/اضطرارا !! فى هذه المرحلة دون أن ننسى كم هى مرة وقاصرة، وبذلك نضمن حفز مواصلة السير مع من يهمه الأمر إلى ما يليق بتاريخ الإنسان ووعود تطوره.
نشرت 22 مارس 2004