نشرت فى جريدة الأخبار
22/10/1985
قبل الكتابة عن الهيرويين
تفضلت هذه الصفحة النشطة رأى الشعب بدعوتى للإسهام بالكتابة فى موضوع اليوم حرب السم الأبيض، وماكان لى أن أعتذر أو أتلكأ، ومع ذلك فقد وجدت صعوبة وحرجا، ذلك أن خاطرا قديما قد عاودنى يتساءل عن دور الكلمة فى هذه القضية ومثلها.
إذ ما جدوى الكتابة، هكذا هنا، والآن؟
هذا بالرغم من أنه قد سبق لى النشر هنا وهناك، وبالذات ف يهذه الصفحة، وبترحيب حان، حيث لم يرفض أو يشجب من محاولاتى إلا أقل القليل، لكنى منذ زمن توقفت، وتنقلت، وحاولت، وترددت، ثم لزمت الصمت إلا قليلا، ويجدر بى وأنا أعود – والعود أحمد – أن أوضح لنفسى وللقارئ حدود التزامى، وغاية أملى، ودوافع عودتى، ولن يتضح ذلك إلا بالعودة لأسباب توقفى، فأقدم تصورى لذلك فيما يلى:
أولا: فقد رجحت أن الكتابة، إذا لم تأت ثمارها ولو بعد حين، فإن التوقف عنها قد يكون أكثر أمانة، إذ أنى لما حاولت أن أختبر تأثير ما أكتب فى الصحف السيارة عند مختلف من يصادفنى من القراء وجدتنى أمام أحد قارئين، الأول: يتساءل ماذا أعنى متهما اياى بالغموض، مادمت لم أقل ما أعتاد سماعه، أو ما ترسخ فى ذهنه تماما، والثانى: يطرب لأسلوب رصينن كذا ؟ دون أن تصله فحوى الرسالة التى حملتها الكلمات، فما الجدوى ؟ أما أندر الندرة، فهو ذلك القارئ الذى يقول هذا هو..
إلا أنه يردف ولكن من يقرأ ومن يسمع ؟؟؟ – وفى كل الحالات وجدتنى أتراجع متسائلا فلماذا نكتب؟؟.
ثانيا: لاحظت أن ما أكتب انما يصنف بالمكان الذى أنشر فيه أو بالصفة التى تسبق اسمى، أو تلحق المقال، فعادة ما يظن أنى أكتب علما نفسيا، أو طبا نفسيا، لمجرد أن تخصصى حول ذلك، وقد يظن أنى معارض لمجرد أنى نشرت رأيى فى صحف المعارضة… وهكذا، وكل هذا صعب على من مثلى، حتى أنى حاولت أن أخرق القاعدة وأكتب فى صحف المعارضة مايعارضها، معارضة المعارضة: ضرورة حيوية: الأهالى 11 أغسطس 1982، الإختلاف الصعب فى الزمن الصعب: الوفد 16/5/1985 الا أن الحوار توقف، ليس من جانبى أساسا، ففضلت أن أعزف عن المبادرة بالكتابة إلا مضطرا، مكتفيا باحتمال الإستجابة لما يطلب منى ان كان عندى ما يقال.
ثالثا: لاحظت أن أقلاما كبيرة و قديمة بمعنى راسخة تحتكر التفكير نيابة عنا، ولا شك أن أساتذتنا الرواد من أمثال أستاذنا زكى نجيب محمود، هم موضع الفخر، ومنارات المعرفة، فأستاذنا هذا – مثلا – يعلمنا جيلا بعد جيل كيف نفكر، وكيف نكون أمناء مع الكلمة.. الخ..، ولكنه يخطئ ويصيب مثل كل عقل بشرى، ويقترب ويبتعد اليس هو من جيل آخر؟ ويضر وينفع س بمنتهى استقامة القصد، وإزاء كل ذلك فالبد لما يقول من رد وردود بحجمه وربما فى نفس الموقع أو مايعادله، وقد جربت مرة ومرة أن أرد عليه وفى نفس الصحيفة، فلم أجتز الحدود، فاضطررت لتشر بعض الرد فى صحيفة معارضة الأحرار وتصورت أن فى ذلك ظلما للكاتب الأول والرائد، والأهم منذلك أنه ظلم للقارئ حتما، ففضلت ألا أعاود الكرة حتى أتأكد من أن ثمة احتراما حقيقيا لرأى آخر مجتهد يخطئ ويصيب بدوره، وتلكأ القلم فى يدى حتى تراخت.
رابعا: لاحظت أن كل صحيفة لها حدود رسمتها لنفسها لا تتعداها، وهذا مقبول وبديهى، لكنى كنت أتوقع وأمل أن تكون حدودا متحركة مرنة، تواكب نبض الفكر ومغامرة التجاوز ولكنى حين الختبرت هذه المرونه هنا وهناك، كانوا يزيحونى من هنا الى هناك وبالعكس، فلم أتمكن من نشر كلمتى لا هنا ولا هناك – فلماذا استمرار المحاولة، وأين؟.
خامسا: لاحظت أن بعض الزملاء الأكاديميين قد تصوروا أن مجرد التخصص الأكاديمى يفتح لهم أبواب الكتابة للرجل العادى، فى كل الأمور كل الأمور ومن ثم الفتوى فى كل القضايا كل القضايا.. فرحت أقرأ لهم معتذرا، ثم مندهشا، ثم متحفظا، ثم ناقدا، ثم رافضا – حتى خفت أن أكون مثلهم وأنا لا أدرى، وتمنيت أن نكف جميعا عن هذه الكتابة حتى لا نزيد من جرعة الوصاية على حرية التفكير تحت بريق الإستسلام السلبى للإسم الأكاديمى أو اللقب العلمى، ذلك أننا أخذنا ننام ونصحو على هذه النصائح المعادة – وكأنها العلم المتميز: مثل: أنه على الأم أن تحب اتنها جدا – دون مناقشة مفهوم هذا الحب المتغير مع ايقاع العصر، أو مثل: على الشباب أن يكونوا طيبين – فرحت أمتلئ غيظا مع الناس الذين يحترمون عقولهم، وجعلت الوم نفسى خشية أن أكون ممن يكررون البديهيات مسبوقة باسمهم دون وعى كاف، فأخذت هذه الأجازه عن الكتابة حتى جاءنى هذا الطلب.
سادسا: لاحظت أن إذا كتبت شيئا جديدا، أو غير متوقع، قوبل بالتوجس وربما الرفض، ولكنه لا يواجه بالتلقى المحاور بالرد، وحتى فى المرات النادرة التى سعدت فيهها بالرد توقف الحوار بعد الجولة الأولى لم ينشر ردى عل أبى سيف يوسف فى الأهالى، كما لم لم ينشر ردى عل زميل انتقد تنبيهى إلى عدم الإفراط فى العمرات السياحية – فى عمود أحمد بهجت – علس حساب بقية النوافل والعبادات الواجبه مثل قيام الليل – وإنارة العقل بالنهل من المعارف.. فأين الحوار ؟.
لكل هذا وغيره كان لزاما أن أتوقف عن الكتابة التلقائية مكتفيا بالإستجابة المحدودة، اللهم إلا إذ الحت قضية مهمة مثل حادث تونس الذى أرسلت رأيى فيه فى صورة فنية لم تنشر حتى تاريخه ربما لفرط عريها – ولكمن هذا التحدى الجديد فى حرب هذه السموم له موقع آخر فى علمى وخبرتى ووجدانى، فأين أذهب من نفسى ان اعتذرت أو تلكأت؟.
لكنى أردت أن أنبه فى هذا المقال المقدمة: أنه رذا كانت كتابة تحصيل الحاصل مقبولة غصبا فى أى موضوع عابر، فان أخطر خطرها يتجسد إذا تناول العلماء والمختصون هذا الموضوع بمجرد ترديد ما هو معروف، ذلك أن أغلب المعلومات عن مخاطر هذا السم هى قديمة وبديهية، واستعمال اسلوب النصح والإرشاد، والترغيب والترهيب أو الدعاية العابثة المتعجلة، أو عقد مؤتمرات شكلية، أو ترويج بضاعة طبية كل ذلك هو أخطر من الصمت، وسيأتى تفنيده تفصيلا فيما يلى من مقالات أتناول فيها: الهيرويين 1 التوقيت والمفاجأه 2 تفنيد التفسيرات الشائعة 3 ثم المعنى والدلالة 4 المحاذر حول الحلول المعروضة 5 وأخيرا اقترتاحات الحلول العاجلة والخطة الممتدة.
وإلى حديث آخر.