الوفد: 5-3-1987
فى مسألة الانتخابات
لا للصفقات: الملوثة بإشعاع السلطة
أكاد أعلم أنه لا قيمة لصوتى الانتخابى، ولا جدوى من الادلاء به، فلا معنى لتعريضه كل بضع سنوات للإهانة والتشوية والتمويه، ومع ذلك فما إن يلوحون بانتخابات ما، حتى يقفز (صوتى هذا) إلى بؤرة وعيى، إذ يتصور أنه (وسط الاحد عشر مليون ناخب) سوف يكون الصوت المرجح لمن يوليه أمره لفترة قادمة.
ورغم علمى بمدى الشطح الذى يمكن أن يعنيه هذا التصور، إلا أننى أتمادى متغزلا فى بطاقتى الانتخابية، وأحاول أن أحد من شطح خيالى للتعظيم من قيمة صوتى هذا، فأعجز، فأروح أبحث عن مصدر هذا الوهم الملح الذى يصور لى أننى اختار فعلا: وانتخب فعلا، وأشارك فعلا، فتطل على صورة مشرقة من العهد البائد – وأنا من باب الاخوان المسلمين (حول سنة 1950) لم يفرض على أحد رأيا، ولم يشل فكرى بأمر، أذهب مع أقرانى الشباب نستمع إلى فتحى رضوان، أو من يزكيه، مثل سامى داود، ثم نذهب إلى سرادق آخر فنستمع إلى زكريا لطفى جمعة أو زغلول، فارجع وأنا اقارن مزهوا بنعة ربى على بالعقل والارادة، ثم تطل على صورة أخرى من بلدنا، والنقاش يحتدم بين أحمد أبو نوار (بائع الصحف) وبين الشيخ الكفيف محمد أبو عبد الحافظ، وكأنهما الحكام الفعليون، فأنام – حينذاك – لأشارك – فعلا – بما يصل وعيى، إذا أسود ورقة ترجح جانبا ما، لكن ما إن حصلت على البطاقة الانتخابية ‘جدا’، حتى تولت السلطة العسكرية أمرى (تسليم مفتاح)، ثم ورتتنى أنا وبطاقتى – دون إذن طبعا – إلى وزارة الداخلية، فأخذوا ينتخبون ويستفتون ويعلنون ويحتفلون بنتائج تصويتى وأنا قابع فى بيتى إلا ماندر فقد تولوا أمرى – لا مع الشكر- منذ ذلك الحين وحتى تاريخه!!
وليس معنى أن أعطى صوتى لهذا أو لذاك أنى أوافق عليه كما هو، بل المعنى الأهم أنى أرى فى حركته ما يمكن أن أحقق من خلاله أملي:
فإذا أنا أعطيت صوتى للتجمع مثلا: فانى أفعل ذلك:
(1) لأن حزب التجمع قد حدد موقعه الأصيل حين رفض اللون الباهت والحل الوسط.
(2) ولأنه حدد انتماءه الواضح لسواد الناس والكادحين.
(3) ولأنه حدد فكره المعلن فيما هو يسار، مثل كل يسار.
لكننى – وهذا هو الأهم – أتصور انى بصوتى هذا (!!!) سوف أحقق أملى فيه، وكان أملى فيه هو شرطى عليه، أملى في:
1 – ألا يكون تجمعا بعد الآن، فقد تجمع الآخرون كيفما اتفق، فى حين أن هذا الحزب قد اختار أن يتميز فتميز.
2 – إن يكون مع ‘العمل’ قبل أن يكون مع ‘العمال’، فالعمل هو صانع الحياة، وصانع الإنسان، بما فى ذلك العمال.
3 – إن يسبق ‘جورباتشوف’ فى ثورة التنوير والمرونة والسماح والتحريك، فلا ينتظر النور الأخضر من خارجه ابدا، ليستمر مبدعا بحق، لا تابعا بإذن.
4 – إن يتعهد الديمقراطية – نفس الديمقراطية التى أوصلته للحكم – يتعهدها بعد أن يلى السلطة، فيقبل هزيمة مثل هزيمة ‘ميتران’ فرنسا، أملا فى عودة مثل كرايسكى .. إيطاليا.
5 – إن يتبرأ مما لا ذنب له فيه – بل لعله ضحيته – من فلول الحكم العسكرى، والتنظيمات السلطوية السابقة لظهوره.
6 – إن يحتوى نبض الإيمان، فيمتد فكره – حقيقة وفعلا – إلى ما بعد الذات الإنسانية – وما بعد الحياة الدنيا – بفعلها من واقع تطورى حقيقى، وليس باستعارة أية من هنا، وحديث من هناك، تأييدا لفكر قائم ثابت.
أما إذا أنا أعطيت صوتى للوفد الجديد (انظروا كيف انى حائرة بصوتى هذا رغم أنى سأتذكر ذلك بحسرة بعد أن اتبين أى اقدام وطئته، وأى أوحال لطخته) أقول: إذا أعطيت صوتى للوفد، فذلك لأنه:
(1) امتداد طبيعى لحركة شعب حقيقى، شعب ليس مستوردا، وليس أثارا فى متحف، وليس ارقاما على ورق.
(2) انه ‘حاضر’ ماثل على المصاطب، وفى الدواوير، وتحت ظلال الاشجار، وعلى جانبى الحارات، ووسط هدير المكن.
(3) انه فكر نشط انى يحترم الواقع كما هو، بما يوحى باحتمال السماح بحركية إصلاحية مطردة.
(4) انه واقع ديمقراطى فعلا، يعد باحتمال الاختلاف فاستمرار الحوار.
لكننى – وهذا هو الأهم أيضا – أمل فيه أكثر مما أرى فيه، ومازالت أمالى – من بعد معين – هى شروطى، ذلك أنى أتصور أننى – بصوتى هذا-سوف أحقق أملى فيه – أن يكون:
1 – أن يكون جديدا جدا، بقدر ما هو وفد أصلا، أى أن يكون ‘الوفد الجديد’ حقيقة وفعلا، فارى الشاب من ابنائنا ينتمى إليه ليس لأنه ابن وفدى قديم، ولكن لأنه أمل وفدى جديد.
2 – إن تتضح معالمه أكثر فأكثر ليؤكد على العدل والمشارك – لا الاشتراكية – فى المسئولية والعائد، وان يدافع لصراحة أشجع عن اليمين، باعتباره الأكثر تناسبا مع مرحلة تطورنا، وأكثر قدرة على اطلاق قدراتنا، وان يتذكر ف يهذا المقام – مثلا – كيف تكسب تاتشر اكثر فاكثر، كلما كانت أوضح فاوضح.
3 – إن يتمادى فى اطلاق الحريات – كل الحريات – فتتسع مساحة الوعى، وتتعد اطراف الحوار فى كافة جميع المجالات، حتى تشمل كل رأى، مهما كان.
4 – إن يتقدم اكثر فاكثر، ومن خلال الواقع الجديد، لخدمة الأقل فرصة، والاكثر حرمانا، والاغرز عرقا.
5 – إن يستوعب حركة الإيمان المتطورة فى رحاب دين الفطرة الاسلام، وكل الأديان هى فى عمقها – عند الله، الاسلام، فيترعرع وعى الشعب المؤمن بما يتقدم به صفوف البشر مواكبا العصر، وليس متهربا من مسئولية ابداعه خلف جدار جامد يتصور انه الدين الثابت، لأن الله -سبحانه – غاية مسعى، ونور طريق، وليس الدين حائط مبكى ولا فلول اطلال ولا نقوش آثار.
وبعد…..
فهل يا ترى مازال يحق لى أن آمل ان تكون للكلمات قيمة؟
ولم لا؟
ألم تكن الكلمات – يوم كانت الانتخابات انتخابات – هى نبض الحقيقة، ومنار الوعي؟
فما لهذه ‘الصفقات’ الملوثة باشعاع السلطة وخدر الجمود تملؤ الساحة؟
الحمد لله.