الوفد: 27-3-1987
فى مسألة الانتخابات، وتصنيف المتدينين:
بل الإنسان على نفسه بصيرة
ولو ألقــى معــاذيره
لابد من أن أعلن زسفى ابتداء إذ أجدنى مضطرا هذه الأيام إلى أن أواصل ابداء رأيى كمواطن مهموم ومهان، أواصل ذلك بكل إصرار رغم كل ما يحيطنى من مظاهر اللاجدوي. لكننى أفعل ذلك ابلاغا لأمانتى واعلانا لكلمتى حتى لا يعايرنى أحدهم فى المستقبل متسائلا إذ يقول: أين كنتم؟ ولو سكتم؟ فأقول:
بعد أت تميز من تميز وتحالف من تحالف، بدا لى – كمسلم – أن من واجبى أن احدد موقفى من منطلق دينى هذه المرة، كما حددته من منطلق فكرى فى مرات سابقة فهذه الأمانة التى أحملها بفضل ربى – وهى أسلامى – لها على حق أن أوديها إلى أهلها، وأهلها: هم كل من ألقى السمع وهو شهيد.
فأنا لا أتصور أن تدور المعركة الانتخابية الحالية، أو أية معركة فكرية موازية بين الاسلاميين واللا اسلاميين (كما يتضمن اللفظان من معان غريبة مستحدثة) ولا أتصور أن فض التحالف مثلا بين الاخوان (فضلهم على شبابى شخصيا لا ينكر) وبين الوفد (وتاريخه والأمل فيه لا يحد)، أقول أنى لا أتصور أنه بعد هذا الانفضاض يحق لاحد أن يوحى بأن الوجه الاسلامى والنبض الاسلامى والتوجه الاسلامى قد انحسر إلا عن مجموعة اسمت نفسها كذلك، ذلك أن المواطن العادى الذى لا ينتمى إلى هذه الحركة المحدودة عالية الصوت هو مسلم بحق فطرته، ونبض توازنه وفضل ربه، فالاسلام – بما هو فطرة الله التى فطر الناس عليها – هو أكثر غورا فى الوجود وتنظيما للتناسق البشرى والكونى من كل التنظيمات الطافية على السطح، سواء التنظيمات الرسمية أو الثللية أو السلطوية أو القاهرة أو النافرة… ولكن لابد من إيضاح وتفصيل فهاكم أياه..
القضايا المطروحة:
إن المتتبع للنقاش الدائر بين من يسمونهم الاسلاميين وبين العلمانيين سوف يتبين أنه نقاش يغلب عليه الدوران حول الشكل والقشور إلا ما ندر وعندى ان مراجعة متانية هى جديرة بأن تظهر لنا الصورة بأبعادها الأوضح على الوجه التالي:
ليست القضية هى أن الاسلام دين ودولة، أم انه دين بلا دولة، وبالتالى فالدولة: دولة بلا دين، ذلك ان الاسلام بما هو فطرة الله السليمة: هو كل شيء كل شيء…
وليست القضية هى ان أية الحجاب نزلت تختص نساء النبى أم كافة نساء المسلمين، فحجاب العقل هو الكفر الصريح أولا وقبل كل شيء…
وليست القضية هى أنه يحيا الوفد مع الاخوان، أم يحيا العمل مع الاخوان، لأن القضية هى انقذونا بالاسلام – بما هو فطرة الله – من اغارة شياطين الغرب وماديى الشرق ومن تفاهات الإنسان المعاصر المغرور بتقنياته وعلمه المحدود..
فإذا كان الأمر كذلك لك وكان لنا كمسلمين أن ننتهز فرصة هذه الانتخابات – رغم محدوديتها – لنعيد ترتيب المسائل التى تمكن أن يسهم اسلامنا فى الوعى بها، ثم تحمل مسئولية معايشها، لا مجرد مناقشتها فإن ذلك يتطلب منا محاولة الإجابة عن اسئلة جوهرية قد أطرح بعضها كما ألحت عن وعيى على الوجه التالي:
1 – هل الاسلام هو عقيدة لاحقة تشغل ظاهر فكر النفس أم انه موقف وجود دتغلغل فى خلايا البشر؟ (خلط الإيمان بلحمه ودمه ليس للنار فيه نصيب).
2 – هل فى الاسلام من المعالم الحياتية المعاصرة والمنهج التربوى السليم ما يمكن أن ينقذنا من هذه الاغارة الغربية والمادية الساحقة والمدمرة.
3 – هل الاسلام هو تفسير آيات وأحاديث بما توهمنا أنه ‘علم حديث’ (طبى وغير طبي)، أم انه فاتح لآفاق معرفة بغير حدود. لابد أن يهتدى بمثلها أى علم وفن أحدث؟
4 – هل الاسلام هو سياسة ودولة فقط؟ أم انه سياسة ونبض مشاعر وموقف وجود وطريقة تفكير ومنهج تنفس ومرونة تطور وجدل تجديد؟؟
5 – هل الاسلام مقصور على من أعلن اسلامه، إذ تفضل عليه رب العالمين بان ولد مسلما، أم انه كامن راسخ فى كل خلايا البشر مسلمين وغير مسلمين بما هى فطرة الله وطبيعة الخلق.. (ان الدين عند الله الاسلام).
وفى محاولة الاجابة عن هذه الأسئلة يمكن أن نرتب قضايانا الوجودية والواقعية بشكل يسمح لنا أن نكون عند حسن ظن ربنا بنا إذ حملنا الأمانة فحملناها..
ومن خلال ترتيب قضايانا بكل مسئولية حضارية ووعى فائق يمكن أن نختار من الأحزاب من هو خليق بأن يحقق بعض ما نأمله فى هذه القضايا، وأستطيع ترتيب القضايا المبدئية كما تشغلنا، الآن أو كما ينبغى أن تشغلناعلى الوجه التالي:
فأول هذه القضايا هو تهيئة الفرصة للمسلمين وغير المسلمين أن يتبينوا فطرة الله فى أنفسهم وفى الآفاق لعلهم ينتهون…
وثانى هذه القضايا هو أن نعدل الوضع إلى ما ينبغى أن يكون عليه فلا نتمحك بالاسلام لنرجح فئة سياسية على أخرى وانما نفتح أبوابه للناس جميعا فالناس اما مسلمون أو مشاريع مسلمين. ولن يكونوا كذلك إلا بالكدح المتصل إلى وجه الحقيقة ابداعا واكتشافا فيحاسبنا الله – وهو العليم الخبير – بجدية محاولاتنا طول الوقت، وليس بحذق اختبائنا فى تصوراتنا وبهذا فقط قد يمكن ان نخترق التحدى الملقى علينا من المادية الغربية حيث اتصور أن أسعد ما يسعد هذه الحضارة المادية هى ان ترانا سجناء افكارنا تحت زعم التمسك بما لم نؤمر بالتمسك به بهذا الجمود الحرفى بل انى اعتقد ان للغرب مصلحة خطيرة فى توفقنا عن الابداع رغم ادعاء الثورية الاسلامية!!
فمن خلال هذا ومثله احسب انه من حسن العبادة وكمال الأمانة هو ان نكف عن تصنيف الناس بما يصيحون وانما أن نحدد اسلامية الإنسان بما هو قدوة مبدعة هادية مهدية تمشى على الأرض مسئولة وامينة فالمسلم هو مسلم بما هو حركية دائبة ووعى يقظ يفتح الآفاق جميعا لترعرع الفطرة السليمة، يظهر ذلك فى الموقف السياسى والأخلاقى والبحث العلمى وموضوعية الكلمة وعدل التوزيع وشهادة الحق، وحساب النفس وأمانة الشهادة (إدلاء الصوت الانتخابي) دون خوف من حكومة أو هرب فى شعار..
وكأنى بالناخب المسلم وغير المسلم يصف الناس والاحزاب هذه الأيام من منطلق حضارى إيمانى إلي:
فريق يحرر العقل فتنمو فى رحابه فطرة الله بالبحث والموضوعية والعبادة والمراجعة وجهاد النفس والكدح.. إلى وجهه تعالى وهذا هو المسلم أكرمه الله..
وفريق يقيد نفسه فى إطار.. علم محدود وخوف ممدود.. وقيد مفروض وهو الدائر حول نفسه ندعو ان يهديه الله.
فلنضع اصواتنا حيث تترعرع فطرتنا، ولنتذكر ان الله تعالى سوف يحاسبنا على امانة حمل حرية تفكيرنا وامانة حقيقية اختيارنا لمن ينمى هذه الحرية ويتعهدها، ولنحذر ان تخدعنا مخاوفنا بان نستسهل الحل الهرب…
’بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو القى معاذيره’
وصدق الله العظيم