الوفد: 4-4-1987
فى المسألة الانتخابية (4)
قص ولصق
الحزب الوطنى “تحت التأسيس المستمر”
يفخر بعض أعضاء ما يسمى بالحزب الوطنى بانهم حددوا دمه، باغفال 50% من قياداته، نوابه، (أو أى اسم مشابه) وذلك بعم إدراجهم فى قوائمه، وتعبير تجديد الدم هوتعبير غريب فى هذا المقام، إذ هو استعارة طبية غير سليمة، لا تنام عادة ننقل الدم لانجده (إلا فى النادر وفى ظروف أخري)، وانى لأرى أن هذا الذى يجرى هو أقرب إلى نقل الدم منه إلى تجديده-لكن لهذه العملية (نقل ومخاطر، إذ لابد من التأكد من سلامة فصيلة الدم، ومن تماثلها مع المريض المحتاج لها، بل من حاجة المريض إليها أصلا-وبغير ذلك فإن مثل هذه العمليات تهدد حياة المريض كما يهدد التعديل المتكرر جنين الحزب بالاجهاض المستمر فيظل – على أحسن الفروض-تحت التأسيس المستمر.
وأنى اتصور انه جنين معذور، لأنه يفتقر إلى مقومات الحزب الناشى، فيتعملق داخل رحم صناعى دون أى أمل فى ولادة طبيعية، فهو أقرب إلى التكاثر العشوائى بلا أب شرعى، وبلا شارع نابض (هو بمثابة الرحم لأى حزب حقيقي). ذلك أن نشأته تأتى – مكرا – من ‘فوق إلى تحت’، مما لا يسمح بتطور طبيعى أصلا وخاصة بعد هيلامية ‘الفوق’، وعزلة ‘التحت’ فيتمادى التكاثر الصناعى فى صورة مقاعد،وسجلات، وخطب، وخدمات، ومقار، وتوصيات، دون حزب قائم بالمعنى السياسى الحقيقى، لكن الذى نستطيع أن نعترف به بأمانه هو أن ثمة تجمعات تحمل لافته عليها اسمه، واحسب أنها أقرب ماتكون إلى تجمع النقابات الفئوية للحفاظ على مصالحها، مع فارق واحد هو أن الفئة هنا تتصور أن حرفتها هى السياسة بالمعنى الذى شاع فى الثلث قرن الأخير فى مصر المحروسة، وبديهى أن النقابة ليست حزبا ولن تكون، فإذا كانت نقابة عشوائية (بغير حرفة، ولا مواصفات متجانسة) أصبحت تلفيقا مكونا من مجموعة نافرة من هنا وهناك تتماسك مع بعضها البعض بطريقة القص واللصق، لمصالح فردية بحتة وليست حتى فئوية.
ومع ذلك فمن واجب المواطن الذى يحاول أن يتحسس موضع صوته الانتخابى هو أن يعيد النظر بكل اجتهاد فى طبيعة هذا التجمع غير المتجانس لعله يعثر على قطعة متينة هنا، أو بطانة جيدة هناك، فيبنى حكمه على عدل واقع بعيد عن التحيزات المسبقة.
وقد حاولت، فماذا وجدت؟ وجدت أن مشروع هذا الحزب الوطنى، تحت التأسيس’ يتكون من الفئات التالية:
1 – ندرة نادرة من الوطنيين المجتهدين، تعرف اننا مازلنا نحكم - ولفترة طويلة بنظام الحزب الواحد، وهى تريد زن تسارع بالاسهام فى حل مشاكلنا باخلاصها أو خبرتها، فتفضل المبادرة الفورية بالانتماء إلى سلطة قائمة (ودائمة من وجهة نظرها) على أمل أن تجد الفرصة لتسهم – فورا – بما تعرف، لكنها تكتشف حتما أن الأمر غير ذلك، فتحبط المرة تلو الأخرى ثم قد يتورط البعض ويستمر، وقد يعجز البعض فيتوارى وقد يثابر البعض رغم إشلاله، لكن المحصلة الحقيقية تظل بكل اسف أبعد ما تكون عن الفاعلية المغيرة، وكذلك تظل منفصلة عن الشارع السياسى حقيقة وفعلا.
2 – مجموعة مسالمة: فضلت أن ترتاح فى ظل السلطة الحاكمة عن أن تتعرض لمعارك هى فى غنى عنها، فهى تقضى من خلال هذا الحزب المشروع مصالح فردية متواضعة تعينها على الاستمرار فى هدوء اليائس المنتفع.
3 – مجموعة تعودت: عدم التفكير منذ أيام أن كان التفكير محظورا بأمر الوصاية بالكبرى على المقادير والمصائر. فوجدت أن أقرب وسيلة لعدم التفكير هى أن تنتمى إلى الماشى حال ظاهريا) مما لا يكلفها عناء إعادة النظر.
4 – مجموعة بالقصور الذاتى: فتنتقل بفعل الدفع التلقائى من هيئة التحرير إلى الاتحاد القومى إلى الاتحاد الاشتراكى إلى حزب مصر إلى الحزب الوطنى إلى الحزب الديمقراطى، ولو أسس الرئيس حسنى مبارك حزبا جديدا غدا (حزب الطيبة المصرية المباركة مثلا) لوجدت هذه الفئة نفسها تلقائيا عضوا عاملا فى الحزب الجديد، اللهم إذا منع قانون أحزاب جديد هذا الانتقال، فتصورواكم سيحصل الحزب الوطنى القائم من أصوات أمام حزب مبارك الجديد!!!
5 – المجموعة التى هى: وهى صاحبة المصلحة الحقيقية فى استمرار الوضع هكذا، فهى تستعمل لافتة الحزب (السلطة) فى تنمية الثروة بسرعة، وفى إستعمال الناس، وفى اخضاع الاتباع،أو حتى فى تولى منصف بذاته.. الخ، وهذه المجموعة تجدد صفقاتها الصريحة والضمنية مع هذا الحزب المسكين فتجهض أية محاولا لإستكمال نموه أولا بأول، وهذه هى أخطر المجموعات جميعا، وهى التى يقع عليها الهجوم المستمر من الناس والمعارضة على حد سواء، ومع ذلك فمازالت هى هى المسيطرة على مصير الحزب رغم عمليات نقل الدم المتكررة، لأن جسم الحزب الهش يغلب عليه الفساد فيرفض أولا بأول العضو المقحم عليه مهما كان صالحا.
وبـعـد:
فمع تغليب حسن الظن بالنسبة لمحاولات الترقيع الجارية، رغم الثوب المهلهل، فإن المخلص لهذا الوطن، أو حتى لهذا الحزب، ينبغى أن يدرك فيتدارك خطورة تكرار هذه الانقلابات السرية على السياسة العامة، وخاصة السياسة الاقتصادية، ثم على مستقبل هذا البلد،ذلك لأن محاولة الاستيلاء على هذا الحزب من الداخل بهذه الطريقة، هى فى الواقع الحقيقى محاولات سرية لقلب نظام الحكم، ومع ذلك فلا أحد يدرى إتجاه هذه الانقلابات الصامتة، وان كنا جميعا ندفع ثمنها باهظا ومن ذلك:
1 – إن أى انقلاب سرى، ذى معالم غامضة، يضر أكثر ما يضر بحركة الاقتصاد وبالتالى يضر بفاعلية الحكم ومصالح الناس، فرأس المال قد يتحمل انقلابا صريحا محدد المعالم ليعيد تنظيم نفسه على أساس القواعد الجديدة ولكنه ابدا لا يخاطر فى محور من الغموض والسرية هكذا.
2 – ثم إن كثرة هذه الانقلابات الداخلية تجعل انتماء الندرة المخلصة فى هذا الحزب تجعل انتماءهم إلى الحزب هشا، فهم بالرغم من اخلاصهم لا يكادون يعلمون ‘من’ يريد ‘ماذا’ ولا ‘ماهى الخطوة التالية’ فيظل انتماؤهم معلقا بمجهول لا يتحقق ابدا.
3 – وحين تستمر عمليات الترقيع هذه – نقل الدم غير المتجانس، لا يملك رئيس الحزب إلا أن يتولى الأمر بنفسه كلما اشتدت الأزمات لانقاذ ما يمكن انقاذه، لكن مرة قد يجد الرئيس نفسه انه وحدة يمثل حلم هذا الحزب، وهذا هو الخطر الأكبر، لأن الرئيس بذلك يصبح – وحدة – حزبا قائما بذاته. وحقيقة الأمر أن الناس، حتى مع الوضع الراهن، انما تنتخب الرئيس، وأملهم فيه، حتى ولو كان على رأس حزب جديد، أو قديم، حتى ولو كان على رأس حزب الأمة، وعلى ذلك فاننا لوتركنا الأمر يتمادى على هذه الصورة لوجدنا أنفسنا أن عاجلا أو أجلا، وربما دون رغبة من الرئيس نفسه تحت ظل حماية مصلح فردى حسن النية….. ثم تتكرر اصول القصة القديمة حتما. وبعد:
فإنه يحق لى أن أعلن عن موقعى – كمواطن صاحب صوت انتخابى – انى لن انتخب الحزب الوطنى لأنه ليس هو هو الرئيس الطيب، ولأنه حزب لم يتكون بعد، ولأنى أحب هذا الوطن، ولأنى لم أفقد الأمل بعد.
وحين يتكون الحزب الوطنى – دون الرئيس – اخطرونى لأعيد تنظيم حساباتى !! أم ماذا؟