الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” مقدمة “الكتاب الأول”

“فى شرف صحبة نجيب محفوظ” مقدمة “الكتاب الأول”

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 5-6-2025

السنة الثامنة عشر    

 العدد: 6487

الكتاب الأول:

“فى شرف صحبة نجيب محفوظ” [1]

ابتداء من هذا الخميس سوف نقوم بنشر كتاب “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” بأجزائه الثلاثة.

ونبدأ اليوم بمقدمة الكتاب الأول.

مقدمة

وهل يحتاج هذا العمل إلى مقدمة!!؟

نعم، برغم أنه كله مقدمة، فما هو إلا تسجيل خواطر عابرة، من الذاكرة، لم أقصد حين كنت أكتبها بغير نظام، ولا التزام، أن ترى النور فى شكل منشور إلى الكافة، كل ما كنتُ أفعله، آنذاك، هو محاولة أن أتعرف على هذا الإنسان الكبير، الذى أتاح الله لى فرصة – وأنا فى العقد السابع من عمرى- أن أقترب منه كل هذا القرب، أتعرف عليه، وأتعرف على نفسى من خلاله، نعم لم أكن أعرفه شخصا من لحم ودم قبل ذلك، مع أننى عرفته وعيا محيطا جميلا مرشدا منذ مراهقتى، فقد نشأت فى رحاب وعيه الإبداعى منذ الرابعة عشرة، لكننى أبدا لم أكن من مريديه الأقرب بعد ذلك، ولم أسع للقائه حيث كان يلتقى بكل الناس، لم تتح لى فرصة لقائه وجها لوجه قبل ذلك إلا مرة واحدة فى مكتبه فى الأهرام لساعة أو بعض ساعة، مع بعض الأصدقاء الذين ليسوا من حوارييه أيضا، كان ذلك فى أوائل السبعينيات، ثم جاءت هذه الفرصة الصعبة المتحدية بعد الحادث، لأجد لى قرب نهاية عمرى أبا جديدا، جديرا بأبوة مختلفة، وأنا الذى عشت طول عمرى فى رحاب أبٍ حانٍ قوى قادر، فإن لم أجده شكـَّلته تشكيلا، لكن هذا الوالد لم يـَحْتـَجْ منى إلا أن أتلقَّى أبوته التى وجدتُ فيها شفاء للناس، وأنا منهم، فانتفت منذ البداية شبهة أننى قريب منه بصفتى طبيبا نفسيا، ورحت أكرر هذا النفى كلما أتيحت الفرصة، برغم إلحاح هذا التفسير غير الذكى من الإعلام خاصة، بل إن ما حدث فعلا هو عكس ما شاع، بما يتأكد من خلال هذا العمل بالذات، وهو الذى تركز فى قصيدة خرجت منى فى عيد ميلاده التسعين[2]، وهى قصيدة توضِّح أبعاد هذه العلاقة الأبوية الراعية لى من جانبه، وليس العكس، لمريد ينهل من فيض حضوره الغامر والمعيد لتشكيلنا ونحن حوله، هذا المريد هو المجتهد العبد الفقير إلى المعرفة، وإلى الأب، وإلى الله سبحانه وتعالى، كاتب هذا الكلام.

هذا الكتاب هو من الذاكرة تماما، بمعنى أننى لم أسجـِّل حرفا كتابة أثناء وجودى معه، ولا أنا استعملت أية آلة تسجيل طوال صحبتى له، كما لم أكن حريصا أن ألتقط صورا معه مثل كل الأصدقاء الطيبين، حتى فى بيتى الذى ظل يتردد عليه أسبوعيا طوال صحبتى له (12 عاما) ولا مع أفراد أسرتى برغم إلحاحهم، ولم أفهم سبب امتناعى هذا بكامل أبعاده إلا وأنا أكتب مقدمة هذا الكتاب الآن، فالظاهر أننى تصورت – كما ذكرت فى بداية ترحالاتى، سيرتى الذاتية[3] – أن “هوس التصوير” (عموما، وخاصة فى الرحلات) قد يحول دون أن ألتقط الوجود النابض للناس والطبيعة بكاميرا الوعى الحى، بل إننى رجحت احتمال تفسير بعض زعم تحريم الصور والتصوير من خلال ذلك، وأيضا حضرتنى فكرة افلاطون عن السرير الصورة من خلال تأملى لعزوفى عن التصوير هكذا، وحين طلبتُ من الإبن الصديق الكريم د. زكى سالم أن يمدنى بما تيسر لديه من صور قد تفيد الناشر، لم يجد لديه لى مع الأستاذ إلا صورة مهزوزة على شاطئ النيل فى فلفلة بجوار كوبرى الجامعة، وأخرى لا أعرف من التقطها ولا متى، وكنت قد بحثت عندى فوجدت عددا محدودا لم يتعد أصابع اليد الواحدة، وكان سبب عزوفى عن التسجيل أوضح من عزوفى عن التصوير، فأنا – كما قلت- لم أكتب حرفا واحدا مما كان يدور بيننا أثناء لقاءاتنا، اللهم إلا مرة واحدة، حين كنت أنسى باستمرار اسم الشيخ “كامل عجلان” الذى حكى لنا شيخنا كيف هجم على الدكتور عبد الرحمن بدوى يحتج على تجهمه، حتى سألتُ الأستاذ عن اسمه عشرات المرات، فيذكره لى وهو يتعجب من نسيانى عشرات المرات، يذكره لى دون ملل، ثم يتساءل لماذا أنا مهتم بهذا الحدث بالذات؟ ولماذا أنسى هذا الاسم بالذات؟ ولماذا ألِحُّ فى استعادته هكذا؟، وحتى الآن أنا لا أعرف إجابة لأى من هذه الأسئلة، ولا مغزى للحادثة التى رواها عنه أكثر من مغزى أى حادثة أخرى، اللهم إلا طريقة حكى الأستاذ للحكاية[4]، فلما تكرر هذا النسيان الغريب أخرجتُ قلما وورقة وكتبت اسم الشيخ.

 أؤكد ثانية أن هذا العمل هو من وحى ذاكرة خاصة، فى ظروف خاصة، فهو مجرد خواطر وذكريات قريبة كنت أكتبها بعد يوم، أو أسبوع، أو لا أدرى كم، من لقاءاتنا اليومية الباكرة جدا، ثم إنه عمل لم يغطِّ إلا بعضا من بداية علاقتى به التى طالت اثنى عشر عاما كما ذكرت (من 1994 إلى 2006) فى حين أن ما سجلتُه من خواطر، وهى ما احتواه هذا العمل لم يتجاوز عدة شهور (حوالى ثمانية شهور)، ولم تكن أبدا بشكل منتظم. وبديهى أن ما سجل فيها ليس هو الأهم ولا الأكثر دلالة، لكنه ما تم بالمصادفة بشكل أقرب إلى العشوائية. كان لى رأى فى كتاب المرحوم رجاء النقاش الذى خرج انتقاءً من تسجيل سجل أكثر من 50 ساعة[5]، على شرائط سمعية، ثم انتقى منها ما شاء كيف شاء دون الرجوع إلى صاحبها، وقد كتبتُ ألوم الكاتب على ذلك، لكن الأستاذ دافع عن هذا الكتاب دفاعا رائعا وكريما، فإذا كان هذا هو موقفى بالنسبة لنقد ما سُجِّل فعلا وتمَّ تفريغه، فكيف يكون الحال وأنا قد اعتمدت على الذاكرة البشرية لشخص جاوز الستين لم يقصد أبدا أن يرصد أو يسجل، لكنه راح يخط خواطره كيفما اتفق من وحى تلقائية ذاكرته كيفما جادت؟ ولإثبات عدم نصّية هذه الذكريات، وربما أشرت إلى ذلك فى متن هذا العمل، فإن أغلب الحوارات التى سجلتها على لسانه (ولسانى غالبا) كتبت باللغة الفصحى، ولا هو ولا أنا ولا أحد من كل الأصدقاء قد استعمل الفصحى طوال لقاءاتنا (اللهم إلا للاستشهاد بنص عابر)، إذن فهى انتقاءات الذاكرة القريبة، والعهدة عليها، ولا بد أن تؤخذ هكذا فى حدودها.

قضية شكلية مهمة، تحريرية أيضا: هو أن أغلب هذا العمل سبق أن صدر مسلسلا فى حلقات فى موقعى الخاصى على شبكة الأنترنت كل خميس فى اليوم الذى خصصته له من النشرات اليومية باسم “الإنسان والتطور”[6]، وكنت لا أراجع النشرة الخاصة بهذا العمل[7]، التى عليها دور الظهور فى الموقع إلا قبل نشرها بيوم واحد، ولم أكن أتدخل إلا لتصحيح الشكل والأخطاء الإملائية، وبعض ترتيب الأفكار، وظل الحال كذلك طوال مدة النشر، وأثناء مراجعة كل نشرة كنت أخشى دائما أن أفاجأ بتكرار قد يُـملل المتابع، وأنا أعترف أننى شخصيا رصدت بعض هذا التكرار ربما بفعل الاعتماد على الذاكرة الشخصية، وربما أيضا بفعل أننى اعتدت معه طرق مواضيع معينة ظلت تلح علينا بلا هوادة طوال هذه الفترة وبعدها، وقد ظل الحال هكذا طوال نشر الحلقات، وأنا أخشى التكرار والخطأ طول الوقت، وكنت أطلب بين الحين والحين من الأصدقاء الذين صاحبونا فى تلك الفترة، والذين يتابعون ما أكتب كل خميس أن يصححونى أولا بأول ما أمكن ذلك، ولم يستجب لندائى غير الصديق   د. زكى سالم، فصححنى عدة مرات لا تزيد عن أصابع اليدين، وفعلا قمت بالاستجابة المناسبة لبعض تصحيحاته التى كانت فى محلها، أما المراجعة قبل النشر لأغلب النشرات، وأيضا بعد جمعها فى مسودة هذا الكتاب، وهى التى اسهمت أيضا فى تصحيح الوقائع وبعض الأسماء أيضا، فقد ظلت مستمرة ومفيدة ودقيقة بجهد وفضل الصديق حافظ عزيز[8]، وذلك طوال النشر المتتابع، وقبل الطباعة النهائية فشكرا لهما بلا حدود..

كذلك كانت لتعليقات بعض أصدقاء الموقع ممن تابع هذه النشرات فضل أن أواصل دون تردد، وأن أتعرف على طبيعة هذا العمل قبل نشره وَرَقـِيـًّا، وأورد بعض ما له دلالة خاصة مما وصلنى فى “حوار/بريد الجمعة” الذى يصدر الكترونيا أيضا فى موقعى كأحد أبواب نشرة الإنسان والتطور اليومية، أورد عينات من التعقيبات فيما يلى:

        • كلما اقرأ ما تروى عن نجيب محفوظ أشعر بغيرة مما يصلنى منك ومنه، وشعور اخر، ربما حركة من نوع اخر…لا أدرى، لكنها حركة ممتعة جدا جدا (شيماء مسلم)

        • “…. ومن ثمَّ فيجب أن تستمر، وتواصل هذه الكتابة الإبداعية المهمة، أو هذا الكتاب البديع عن الأستاذ، وما قد يغيب من تفاصيل، فهو غاب لأنه أقل أهمية بكثير مما بقى فى وعيك الحاد، وهذا الذى بقى هو الخلاصة، ونحن فى أشد الحاجة إلى هذه الخلاصة الراسخة فى هذا الوعى اليقظ.(د. زكى سالم)

        • فى الندوة الشهرية سألتك باستغراب كيف أمر من وعى اليقظة إلى وعى الحلم، وعندما قرأت كلامك عن ما وصلك من نوع الحركية الدمثة بين مستويات وعى الاستاذ شعرت أنه سيأتى يوم استطيع فيه فعل ما استغربته يوم الندوة (د. أسامة فيكتور)

        • عندما قرأت العنوان وهو ” فى شرف صحبة نجيب محفوظ” ثم بدأت فى قراءة المقال شعرت أحيانا – إن جاز لى التعبير – وكأن حضرتك تسرقنا من صحبة نجيب محفوظ إلى صحبة يحيى الرخاوى وبالعكس، وكأن المقال انتقل من حكاية جلسة مشتركة فى التفاعل بين اثنين، إلى جلسة بيننا – نحن القارئين – وبين حضرتك. (د. أيمن الحداد)

        • ... هذه اليومية.. استشعرت فيها عمقا رائعا واستمرارية لا نهائية لعلاقة غاية فى الثراء مع شخصٍ غير عادى من فرط عاديته.….وجدت أننى أتعرف على هذا العظيم بطريقة نقدية أعمق(د.ماجدة صالح).

        • يطل علىّ نجيب محفوظ من كل هذا السرد بأنه: لا يمكن لأى مبدع حقيقى وزاهد أصيل ومفكر أبدى مثل نجيب محفوظ إلا أن يكون بكل هذا الحضور المتوارى طول الوقت!!!!! (د.محمد أحمد الرخاوى).

        • “..هذه اللقطات الإنسانية الرائقة هى مددنا للحياة، أفرح بأننى أعيد اكتشاف نجيب محفوظ وقراءته مرة أخرى..” (د. وليد طلعت)

        • “أردت أولا أن أعلق على الصحبة أنها وصلت حقيقة إلى أنها أصبحت إبداعا مُتّعْتِعا بحق، ليس عرْضا أو تذكراً أو خلافه” (أ.يوسف عزب).

        • “.. ذكريات الصحبة. هى مليئة بالدفء والألفة وقد جعلتنى “أعرف” محفوظ كما لم أعرفه، ولا علاقة لهذا بكونه نبى أو إله، إنها مشاعر إنسانية جميلة.. من يمنع نفسه من أن يسبح فى تيارها خوفا من أن تصيبه عدوى الحب… كم يظلم نفسه بهذا !(د. أميمة رفعت).

        • “.. ماذا كنا سنفقد لو لم تسجل ما عشت، وماذا سوف يحدث لو تكررت هذه الحوارات الآن وسجلت بين النخبة فى بلدنا ممن لايزال فى قلوبهم حبا لها وقرأها طفل فى الثانية عشرة يتوق أن يرى شيئا نظيفا فى عالمه الصغير النامى(د. محمد شحاتة)

        • … إلخ….إلخ.

نقطة أخرى ليست أخيرة، هى أننى لاحظت أننى تحدثت عن نفسى، وعن بعض علمى أحيانا أكثر من اللازم، أحيانا أكثر من تسجيل أفكار الأستاذ وآرائه ووجهة نظره، حتى أننى فكرت أن أخفف الجرعة فى النسخة الورقية الجامعة الحالية، لكننى كنت كمن يقوم بعملية تجميل قبيحة، تفسد الأصل، وكأنها بمثابة عملية “شد المتن” لأنها قد تفقد العمل نبض التلقائية الوجدانية، تماما كما تفقد عمليات التجميل بـ: “شد الوجه” القدرة على التعبير الوجدانى الرقيق والعميق، فتراجعتُ وأنا أقول لنفسى:”ما دام هذا هو الذى كان، فهو الذى كان”، والتمست لنفسى العذر فى أن الأستاذ شخصيا (وبعض الحضور) هم الذين كانوا ينكشوننى لمثل هذا، بل إنه شخصيا – كما سوف يلاحظ القارئ غالبا- كان شديد الحرص على أن أكمل ما ألمح إليه من آراء، خاصة إذا ما اقتصر اللقاء علينا نحن الاثنين، خصوصا ما يتعلق بمعلومات من علمى أو مهنتى كان حريصا أن يعرفها شخصيا، مع أننى أبنتُ له مرارا (كما سوف يظهر فى المتن أيضا)[9] أن علاقتى بما يقدِّسُه هو تحت مسمى “العلم”، هى علاقة ضعيفة جدا ليس فيها أدنى تقديس، بل لعل فيها من النقد لسوء استعمال العلم المؤسسى المعاصر، وخطورة إغارته على مناهل المعرفة الأخرى، ما كان يصل أحيانا إلى تعرية هذا العلم حتى الشجب، وكان هذا مما أثار بيننا خلافا حادا عدة مرات، فقد كنت أوضِّح له، ولمن يحضرنا، طول الوقت: أن موقفى وفروضى نابعة من ثقافة ناسى البسطاء، ومن ممارستى المهنية وفكرى الناقد طول الوقت، وفى كل مرة أتردد فى إكمال ما أندفع لسرده أجده حريصا بالغ الحرص على أن أكمل ما أبدأه من حديث يبدوا علميا أو نفسيا أو سمِّه كما تشاء، ويروح يصرّ أن أواصل، كما سوف يلاحظ القارئ. كنت أحيانا كثيرة أتوقف، لكى أقرا وجهه، لعلى أعرف هل هو مهتم أن أكمل أم لا، وكثيرا ما كان يلتقط ترددى هذا فيطلب وبالألفاظ الصريحة أن أكمل فعلا، وأحيانا يطلب ذلك بإلحاح، كما كان د. زكى سالم أيضا يشارك فى هذا الموقف بحبه الشديد للمعرفة كلما أتيحت الفرصة، وأحيانا يفعل مثل ذلك الأستاذ توفيق صالح.

النقطة قبل الأخيرة هى أننى لاحظت بعد انتهائى من العمل وإعادة قراءته، أن كثيرا منه، قد يبلغ النصف، كان متعلقا بجلسات الحرافيش أساسا، علما بأن الحرافيش الأصليين لم يكونوا منتظمين أبدا باستثناء الأستاذ توفيق صالح فى تلك الفترة، وأيضا علما بأننى لم أعدّ نفسى من الحرافيش الأصليين أبدا، وقد كررت دائما تفضيلى أن أصف نفسى باعتبارى حرفوشا احتياطيا، يلعب فى الوقت بدل الضائع، ومع ذلك فإن كثيرا مما جاء فى هذه العمل كان بيننا نحن الثلاثة: الأستاذ، وتوفيق، وشخصى، ثم أحمد مظهر أحيانا، وجميل شفيق أحيانا أقل، وبهجت عثمان أقل فأقل، وعادل كامل بضعة مرات أثناء زيارته مصر من مهجر بناته فى أمريكا، ثم جورج البهجورى مرة واحدة، ولعل القارئ يلاحظ أنه حدث عدة مرات أن لقاء الحرافيش كان يقتصر علينا نحن الاثنين: الأستاذ وأنا، وقد كان ذلك من أجمل وأثرى اللقاءات، ترتب على ذلك أن كل الاصدقاء الآخرين فى سائر الأيام الأخرى، لم يردْ ذكرهم، ولا حتى بالأسماء إلا لماما، ولم تظهر أيضا كل الأسماء التى لحقت بهذه الجلسات بعد هذه الفترة الباكرة، وبالتالى لم تظهر آراؤهم ولا مواقفهم كما ينبغى لما ينبغى، اللهم إلا بعض من كانوا يحضرون لقاء الجمعة فى تلك الفترة الباكرة فحسب، حيث أننى توقفت عن المشاركة فى لقاءات الجمعة مع أنها فى بيتى، حين قبـِل الأستاذ مشكورا – من واقع الحال- أن يكون بيته هو قبل أن يكون بيتى، فيكون هو المضيف مائة بالمائة، وقد استمرت هذه المجموعة بالذات فى تواصل اللقاء حتى الآن[10] (2011)، وتسمت باسم “جماعة الجمعة”، نسبة للقائهم كل يوم جمعة، علما بأن أغلبهم (فيما عدا د. زكى سالم، د. فتحى هاشم، أ.د. محمد عبد الوهاب وربما أخرين) قد التحق بهذا اليوم –الجمعة فى بيتى- بعد توقفى عن كتابة هذه الخواطر، فكان لزاما أن اشير إلى هذا التقصير منى، الذى بعض أسبابه واقعية، والأخرى شخصية 11].

خلاصة القول: إن هذا العمل ليس تسجيل سيرة إنسان رائع خلال فترة زمنية محددة ولا هو حوار فى شكل سؤال وجواب مثل عمل رجاء النقاش، (اللهم إلا ما جاء فى الحلقة قبل الأخيرة التى وردت فيها أسئلة المحررة الفرنسية وظهرت الإجابات حرفية)[12]، نعم كانت كل الحوارات تنساب كيفما اتفق، ثم أسجلها بعد عودتى بيوم أو أيام كما ذكرت.

‏ وهكذا أعود فأحذِّر ‏ ‏القاريء‏- ابتداءً- ‏أن‏ ‏يتلقى ‏هذه‏ ‏الكتابة‏ ‏باعتبارها‏ ‏تاريخا‏ ‏أو‏ ‏تأريخا‏ ‏أو‏ ‏حقيقة‏ ‏أو‏ ‏وثيقة‏، ‏وأستغفر‏ ‏الله‏ ‏لما‏ ‏أكون‏ ‏قد‏ ‏عجزت‏ ‏عن‏ ‏الوفاء‏ ‏به‏. ‏كما‏ ‏أعتذر‏ ‏لشيخى‏ – ‏شيخنا‏ – ‏لما‏ ‏أكون‏ ‏قد‏ ‏سمحت‏ ‏لنفسى ‏به‏، ‏فما‏ ‏دفعنى ‏إلى ‏هذه‏ ‏المخاطرة‏ ‏سوى‏ ‏حبى ‏له‏، ‏وللأرض‏ ‏التى ‏أنجبته‏، وللناس الذين أحبهم، وللأصدقاء والقراء وكل الناس الذين أحبوه وإلا حرصى ‏على ‏أجيال‏ ‏تأتى ‏من‏ ‏بعدنا‏، ‏أرى ‏لزاما‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نوصل‏ ‏لها‏ ‏أفضل‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏نحن‏، ‏وهل‏ ‏هناك‏ ‏أفضل‏ ‏مما‏ ‏هو‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ‏/‏مصر‏، هذا‏ ‏الانسان‏ ‏الطيب‏… المبدع ‏المؤمن‏ ‏العارف!!؟

إذن فهى عينة غير مكتملة لمن هو نجيب محفوظ، وهى جزء يسير من فترة معاشرتى له، إذ أنها ليست سوى لقطة محدودة ممتدة لبضعة أشهر، رصدتها ذاكرة بشرية لها وعليها، لذلك أشعر بضرورة الاعتذار للأصدقاء الذين لم يرد ذكرهم فى هذه الخواطر، ممن حضر هذه الفترة الباكرة، وأيضا ربما وجب الاعتذار لبقية الأصدقاء الذين واصلوا صحبته هذه الأيام، بشرف، وكرم، وحب، والتزام بقية تلك السنوات التى فاقت العشرة، وللتخفيف من آثار هذه الورطة طلبت من د. زكى سالم، أن يمدنى بأسماء من يتذكر ممن كانوا يحضرون فى أيام الاسبوع المختلفة، وقد أمدنى فعلا بما تذكر، وكنت أنوى أن أثبتها كملحق للكتاب، لكننى عدلت، فهم أطيب وأكرم وأنبل من أن يحتاجوا لمثل ذلك.

أما بالنسبة ليوم الخميس وهو يوم الحرافيش، فلم يكن بى حاجة إلى طلب الأسماء، فأنا أعلم بها، فالحمد لله رب العالمين.

وبعد:

شيخى وسيدى، عذرا وشكرا

أطال الله عمرك!!

يحيى الرخاوى

المقطم فى 8 يناير 2011

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- يحيى الرخاوى: “فى شرف نجيب محفوظ” الكتاب الأول، الطبعة الأولى 2018 ، منشورات جمعية الطبنفسى التطورى، والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة وفى منفذ مستشفى د. الرخاوى للصحة النفسية  وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث العلمية – المقطم – القاهرة.

[2] – وقد جعلتها ملحقا لهذه المقدمة فى آخر لحظة لما لها من دلالة بذاتها.

[3] – يحيى الرخاوى: الترحال الأول: “الناس والطريق” سنة 2000، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى.

[4] – وهى موجودة فى الحلقة الثامنة والثلاثون فى (الكتاب الثانى) من هذا العمل.

[5] – رجاء النقاش: “نجيب محفوظ: صفحات من مذاكراته وأضواء جديدة علي أدبه وحياته” مركز الأهرام للترجمة والنشر – القاهرة، سنة 1998

[6] – وهى النشرة التى أصدرها منذ أول سبتمبر 2007 وحتى اليوم ( 20 مارس 2018)، وما زالت تصدر، وقد شغلت هذه النشرات التى جمعت هذا العمل: من الفترة 27-9- 2007 إلى30-12-2010 ، بعد أن انقطعت خلال ذلك لأكثر من عام حيث شغلت نشرة الخميس بنقدى لـ “أحلام فترة النقاهة”.

[7] – وهى التى كانت تصدر كل خميس بنفس العنوان: “في شرف صحبة نجيب محفوظ” فى موقعى: www.rakhawy.net

[8] – الصديق الذى صاحب الأستاذ أيضا طوال الإثنى عشر عام، وكان مسئولا – تقريبا – عن لقاء الأثنين

[9] – أنظر الحلقة (السادسة والستون) “بدايات شديدة الحسم، ونهايات بالغة التعميم” الكتاب الثالث، ص 111

[10] – “الآن” هنا كانت لحظة كتابة هذه المقدمة وهذا النص، وكان ذلك فى يوم ما سنة 2011

[11] – لعل فى ذلك ميزة تمت بالمصادفة، فربما كانت حوارات الحرافيش هى الأكثر حضورا وتركيزا، لقلة العدد، ولأنها جلسة مغلقة على الحرافيش، ولأننى انتظمت فيها أكثر من أى لقاء آخر بما فى ذلك لقاءات الجمعة فى بيتى كما ذكرت، وبذلك كنت أتمكن من تسجيل بعض ما تم فيها عقب عودتى مباشرة أو بيوم أو اثنين على الأكثر.

[12] – حتى رجّحت أن هذا قد جاء من واقع تفريغ تسجيل صوتى استعرته من توفيق صالح، (الحلقة التاسعة والستون) الثلاثاء‏ 6/6/1995 “خلاف حميم، وحديث مع المخرجة الفرنسية” (الكتاب الثالث) ص 129

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *