نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس:5-1-2017
السنة العاشرة
العدد: 3415
منتدى النقد:
فى رحاب نجيب محفوظ
مقدمة لنقد رواية
يقين العطش: إدوار الخراط
شيخى الجليل.
أرجو أن تسمح لى أن أتقدم خطوة لا أعتقد أنك سوف ترحب بها جدا، مع أننى أعرف أنك ترحب بكل جهد مثابر وتشجع أية محاولة جادة.
أقدم لك اليوم، وفى الأسابيع التالية غالبا، بعض اجتهاداتى فى قراءة أعمال روائى أعلم أنك تحترمه وتقدر انتاجه (مثلما تفعل مع الكثيرين) وإن كنت أشعر أن الاختلاف بينكما شديد، لكنه اختلاف مفيد.
أنا حين أقرأ لك يا سيدى أشعر أننى لا أقرأ، بل أعيش ما تكتبه، وما يصلنى منه يحضر فى وعيى مباشرة، لكننى حين أقرأ لإدوار الخراط فإننى أشعر أنه يحضر شخصيا جدا، يحضر: مقتحِماً، واثقاً، قوياً، ساخطاً، جائعاً، فارضاً، مفترضاً (1)، وفى كلٍّ خير!
اليوم سوف أبدأ بمقدمة محدودة عن ظروف دراستى لروايته، (أعنى كتابه، أعنى أطروحته، بعنوان:) “يقين العطش”.
وقد سبق أن أبلغتك – سيدى – بموقفى الواضح عن أطروحتى الباكرة بعنوان: “إشكالية العلوم النفسية والنقد الأدبى” (2)، وهى التى حاولت فيها أن أحدد تفاصيل ما يتضمنه مصطلح “العلوم النفسية” وبالتالى أن ما يسمى “التفسير النفسى للأدب” يختلف باختلاف انتماء الناقد لأى مدرسة (أو أكثر) من المدارس النفسية أو العلوم النفسية، كما بينت فى هذه الأطروحة كيف أن الأدب هو أسبق من هذه العلوم فى الكشف عن مكنون النفس وتركيبها وأبعادها وأغوارها، وأنه على العلوم النفسية والمشتغلين بها أن يتعلموا من الأدب، لا أن يمارسوا نوعا من الوصاية عليه تحت زعم التفسير النفسى، مع احتمال التبادل بين المنظومتين ليثرى كل منهما الآخر.
ثم إنى قمت بتطبيق عملى لما قصدت إليه فى هذه الأطروحة ونشر ذلك فى كتابى “تبادل الأقنعة” (3) وهو العنوان الذى اقترحه أ.د. مصطفى الضبع مدير التحرير لمنشورات قصور الثقافة: حيث قمت بتطبيق هذا المنهج على عملين من أعمال ديستويفسكى: الأول: عن كيف كشف ديستويفسكى عن أبعاد سيكولوجية الطفولة (نيتوتشكانزنانوفنا، والبطل الصغير) والثانى: كيف سبق ديستويفسكى إلى سبر غور أبعاد العلاقات البشرية (العلاقة بالموضوع/ الآخر) سعيا إلى هارمونية البشر معاً إلى الكون الأعظم (إيجابا) وذلك فى الإخوة كارامازوف.
وقد اعتبرت هذا العمل بمثابة فتح الباب لسلسلة من القراءات التطبيقية التى تشير إلى هذا النهج الذى يشمل البعدين المتبادلين معاً، تبادلا وتكاملاً، الأمر الذى يتفق مع عنوان السلسلة كما اقترحه أ.د.مصطفى الضبع أى “تبادل الأقنعة” مع غلبة وسبق الكشف الأدبى للنفس على الكشف النفسى للأدب، وأرى أن التكامل بين المنظومتين إنما ينطلق من التوازى المعرفى للتكامل حتى يحقق ما أسميته “المصداقية بالاتفاق”، (4) وأنا أعنى بهذا المصطلح الوصول إلى نفس الحقيقة أو الرؤية من مصدرين مختلفين منهجا وأبجدية حتى بدعم كل منهما للآخر، أو يكمله أو يؤكده من منطلقه الخاص. وفى رأيى أن هذا المنهج جدير بأن تتجلى من خلاله أبعاد النفس بشكل أرحب وأعمق يثرى كلا المنظومتين دون وصاية إحداها على الآخرى.
وسوف أبدأ الأسبوع القادم فى سلسلة نشرات أرجو أن تغطى الدراسة النقدية لـ “يقين العطش” أملا أن أجد فرصة لاحقة للمقارنة ليس فقط بينها وبين “اسم آخر للظل” لحسنى حسن، وهو ما نشر فى الأسابيع الماضية، ولكن أيضا مع “خالتى صفية والدير” لبهاء طاهر، وأيضا “السراب” لو أمكن.
[1] – ولى معه خبرة غير طيبة فى ندوة حضرتها فى مكتبة الإسكندرية عن أعمالك يا سيدى أفضل ألا أشير إليها.
[2] – يحيى الرخاوى: “إشكالية العلوم النفسية والنقد الأدبى” مجلة فصول: المجلد الرابع- العدد الاول- سنة 1983.
[3] – يحيى الرخاوى “تبادل الأقنعة) ” دراسة في سيكولوجية النقد)، الهيئة العامة لقصور الثقافة سنة 2006
[4] – استعمل هذا المصطلح استعمالا خاصا إذ لا أقصده على الاتفاق الآنى، وإنما أمدّه إلى الاتفاق التاريخى أيضا.