نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 3-8-2017
السنة العاشرة
العدد: 3624
فى رحاب نجيب محفوظ
قراءة أخرى للأحلام الأولى (30- 52)
تقاسيم على اللحن الأساسى
نواصل تقديم الــ 52 حلما الأولى بأسلوب: “التناصّ النقدى“
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (30)
هذا بيتنا بالعباسية، أدخل الصالة أمى تذهب إلى المدخل وأختى تجئ فتقف لحظات ثم تلحق بأمها، لم نتبادل السلام ولكنى أعلنت عن جوعى الشديد بصوت مسموع، لم يرد أحد فكررت الطلب وسمعت أصواتاً فى الحجرة المطلة على الحقل فذهبت إليها فوجدت أخى الأكبر يجلس صامتاًً ويتربع أمامه على الكنبة شيخ الأزهر، وقال الشيخ كلاماًً جميلاً، ولما انتهى قلت له أنى جائع فقال لى أن أحدا لم يقدم له القهوة ولا حتى قدح ماء، فغادرت الحجرة وقلت بصوت تسمعه أمى وأختى أن يقدما القهوة لفضيلة الشيخ وأن يحضرا لى طعاما ولو قطعة خبز وجبنة ـ ولم أتلق إلا الصمت غير أنى سمعت حركة فى الحجرة المطلة على الفناء فأسرعت إليها وذكرت أنها حجرتى وفيها الفونوغراف والأسطوانات التى أحببتها فوجدت بنت الجيران التى كانت تزورنى لتستعير بعض اسطوانات سيد دوريش خصوصاًً اسطوانة “أنا عشقت” وكانت تبحث عن إبرة لتسمع أسطوانة فقلت لها إنى جائع، فقالت لى أنها جائعة أيضا. وغلبنى الجوع فغادرت الحجرة وصحت طالبا لقمة، ولما لم أجد أى شئ، غادرت البيت وقد حل المساء، يظل الطريق خال وخفت أن تكون المحال قد أغلقت ولكنى اتجهت نحو المخبز منهوك القوى من الجوع وثمة أمل يراودنى.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
ووجدت فضيلة الشيخ الذى كان يقرأ فى بيتنا جالسا أمام ماكينة قبض النقود، ووجدت أخى هو الذى يقف أمام الفرن ويدخل صاج العجين إليه وعليه أقراص الأرغفه فتخرج منتفخه مدخنه لامعة، محمرة بعض حوافها، فاشتد جوعى، لكننى اطمأنئت إلى طيبة الشيخ ومودة أخى، وتقدمت أعلن جوعى فقال لى الشيخ: حلال عليك فهذا شعور الأولياء الواصلين لا يشبعون إلا من رحمة الله، فالتفت إلى أخى فرأيته يهز رأسه بالموافقة على كلام الشيخ، لكن أحداَ منهما لم يمد يده لى بما يناسب هذا الترحيب، فرجعت لبيتى غير مقتنع بموقفهما، ووجدت جارتنا الجميلة مازالت تتنظرنى بالحجرة، وحين سألتها عن أمى وأختى قالت: اطئمن، فقد ابتدعت رواية عن أوكازيون فى السوق فذهبتا لينتهزا الفرصة، وسألتها عن جوعها فقالت: إنها مثلى تماما، وتقاربنا ونحن نتوقع عودة أمى وأختى فى أى وقت، لكنهما لم يحضرا حتى شبعنا، وحين دق جرس الباب ورحت أفتح متوقعا أمى وأختى، إذا بى أجد فضيلة الشيخ وأخى وقد عادا، وحين رآنا الشيخ ابتسم وقال: على بركة الله، أما أخى فقد قفزت الغيرة إلى وجهه حتى كاد يصبح مثل رغيف العيش الخارج لتوه من الفرن، ولم ينبس.