فى رحاب نجيب محفوظ : قراءة أخرى للحلم (37) تقاسيم على اللحن الأساسى
نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 21-9-2017
السنة الحادية عشرة
العدد: 3673
فى رحاب نجيب محفوظ
قراءة أخرى للأحلام الأولى (37- 52)
تقاسيم على اللحن الأساسى
نواصل تقديم الــ 52 حلما الأولى بأسلوب: “التناصّ النقدى“
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (37)
المحمل يتمايل فوق الجمل المزين بالألوان والورود. أمامه رجل يغرس فى فيه عامودا ذا رأس تدلى منها شراشيب ورأس الجمل فى مستوى أول طابق من بيت أطل أنا من نافذته وتلاقت عينى مع عين الجمل فقرأت فيها ابتسامة وغمزة وحلت لى البركة فطرت من موقعى وراء النافذة ودرت حول رأس الجمل بجلبابى وشعرى المنفوش وكبر الناس وهللوا وزهللوا لوقوع المعجزة وتماديت أنا فارتفعت فى الجو وتراجعت نحو سطح بيتى وهبطت. وبعد مرور المحمل تجمع الناس أمام البيت يريدون مشاهدة الإنسان الطائر. وإذا بهم يتحولون فجأة من الإعجاب إلى الخوف والحذر وقالوا إن روحا شريرة حلت بالشخص الطائر وأن طيرانه حول رأس الجمل نذير شؤم للناس جميعا وإنه يجب أن يبرأ من الشيطان وذلك بجلده حتى يتطهر تماما فإذا رفض الدواء عرض نفسه للعقاب المناسب وهو القتل، وركب الرعب الشاب وأسرته واستنجدت الأسرة بالشرطة واشترط المأمور أن يرى المعجزة وهى تحدث أمام عينيه وذهب إلى البيت ورأى المعجزة وبهر بها حقا ولكنه وجد نفسه بين رأيين. الأسرة تقول إنها كرامة من كرامات الأولياء والناس تؤكد أنه عبث من الشيطان ونذير شر.
وأخيرا قرر المأمور أن يضع الشاب فى السجن حتى ينسى الموضوع برمته.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
فى السجن لم يصدر ضدى قرار إتهام محدد، ووجدت نفسى محجوزا مع بعض أصحاب السوابق، وحكيت لهم موجزا لما حدث، فطلب أحدهم منى أن أطير من على المقعد المكسور فى حجرة الحجز إلى الحصيرة التى يجلس عليها وقهقه عاليا، وعذرته فهو لم ير المشهد من أوله، ولم أحاول أن ادافع، لكن الشاويش العجوز الطيب دخل علينا ونحن نتناقش وقال أنه كان هناك وأنه فعلا رأى المشهد، وإن كان غير متأكد أننى كنت أنا هو الشخص الطائر أم لا، فقلت له: الحمد لله أنك غير متأكد، وطلبت منه أن يدلى بشهادته تلك لحضرة الضابط، وأنا على يقين أن الشك فى صالحى. فقال: انا مالى، فطلبت منه أن يقنع زميلى أننى لا أدعى، فعاد يقول: إيش عرفنى أنك انت، قلت: راجع المحضر وستعرف تهمتى، قال: لقد راجعته ليلة أمس وتأكدت، فقلت له: تأكدت من ماذا؟ قال: تأكدت أنه يضع سره فى أضعف خلقه، فالتفتُّ إلى زميلى من أصحاب السوابق وقلت له: هل صدقت؟ قال: صدقت ماذا؟ وهل قال الباشاويش شيئا فى صالح شطحك؟
وفجأة أطل علينا المأمور وصاح باسم الجاويش فصاح بدوره: “أفندم”، وانطلق إليه.
قلت: أحسن.
قال صاحب سوابق آخر: أحسن ماذا؟
قلت: كل ما يأته به ربنا أحسن
ودخل علينا الشاويش مرة أخرى وهنأنى بقرار الإفراج، فنظرت إلى الزملاء أودّعهم، ووجدت فى عيونهم خليطا من الغيظ والحسد، فَـلَـعـَّبت لهم حواجبى دون أن يلحظ الشاويش.
وانصرفت معه وأنا أكاد أتأبط ذراعه.
2017-09-21