نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 20-4 -2017
السنة العاشرة
العدد: 3517
فى رحاب نجيب محفوظ
قراءة أخرى للأحلام الأولى (15- 52)
تقاسيم على اللحن الأساسى
نواصل تقديم الــ 52 حلما الأولى بأسلوب: “التناصّ النقدى“
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (15)
بهو رُصّت على جوانبه المكاتب.. إنه مصلحة حكومية أو مؤسسة تجارية والموظفون بين السكون وراء مكاتبهم أو الحركة بين المكاتب.
وهم خليط من الجنسين والتعاون فى العمل واضح والغزل الخفيف غير خاف. وأنا فيما بدا من الموظفين الجدد ومرتبى على قد حاله وشعورى بذلك عميق، ولكنه لم يمنعنى من طلب يد فتاة جميلة وهى كموظفة أقدم وأعلى. والحق أنها شكرتنى ولكنها اعتذرت عن عدم الاستجابة لطلبى قائلة:
- لا نملك ما يهيئ لنا حياة سعيدة
وتلقيت بذلك طعنة نفذت إلى صميم وجدانى.
ومن يومها تحسبت مفاتحة أى زميلة فى هذا الشأن على الرغم من إعجابى بأكثر من واحدة. وعانيت مر المعاناة من العزلة والكآبة.. وألحقت بالخدمة فتاة جديدة فوجدت نفسى فى مكانة أعلى لأول مرة. فأنا مراجع وهى كاتبة على الآلة الكاتبة. ومرتبى ضعف مرتبها إلا أنها لم تكن جميلة بل الأدهى من ذلك أنى سمعت همساً يدور حول سلوكها، وبدافع من اليأس قررت الخروج من عزلتى فداعبتها فإذا بها تداعبنى ومن شدة فرحى فقدت وعيى وطلبت يدها، وقالت لى:
- آسفة!
فلم أصدق أذنى وقلت وأنا أتهاوى
- مرتبى لا بأس به بالإضافة إلى مرتبك
فقالت بجدية:
- المال لا يهمني
وهممت أن أسالها عما يهمها حقا ولكنها ذهبت قبل أن أنطق.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
وأثناء عودتى مغموما وأنا راكب فى أول مقعد قريب من سائق الأتوبيس التفت إلى المرآة ، وظهر لى وجهى بجوار السائق، فتعرفتُ عليه وكأنى أرانى لأول مرة ، لكننى لم أطل التأمل فيه والتفت الناحية الأخرى، ثم عدت إلى المرآة مرة أخرى، فلاح لى وجه السائق بجوار وجهى، ورحت أقارن بيننا، ولا أعرف لِـمَ جذبنى وجه الساق أكثر من وجهى، مع أن ملامحى أكثر تناسقا، وهو أكبر منى سنا ، ثم رجعت أتأكد أنه وجهى أنا، فأنكرته كما خيل لى فى البداية ، وفرحت أننى أنكرته حتى لا أواصل المقارنة والإحساس بتفوق جاذبية السائق، ورنت فى فكرى كلمة جاذبية، ولم أعرف لها مرادفا، فأغمضت عينىّ، وحين فتحتهما عندما توقف الأتوبيس فى محطة ما، ونظرت من النافذة، وجدت مجموعة من الفتيات الشابات يتغامزون ويتدافعن ويتمايلن فى بهجة طفولية، وودت لو اقتربت منهن أكثر، لكن الأتوبيس انطلق بسرعة، فقررت أن أنزل فى المحطة التالية، وفعلا نزلت، ورجعت فى اتجاه موقع الفتيات لكننى لم أعثر على أى منهن ولمحت مجموعة من الكلاب تجرى وراء كلبة أجمل، كما لمحت فى نهاية الشارع امرأة منتقبه وبجوارها رجل ملتح متجهم يمسك بيدها، وهى تكاد تلتصق به، وهما يعبران الشارع، ومع كل منظر كان يقفز تساؤل مخيف : يا ترى إذا كان المال لا يهم، فما الذى يهم؟
ولمت أمّى أنها لم تعلمنى: ما الذى يهم.