نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 9-2-2017
السنة العاشرة
العدد: 3449
فى رحاب نجيب محفوظ
“التناصّ النقدى“
قراءة أخرى للأحلام الأولى (5)
وهو النقد الذى لم ينشر قبلا
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (5)
أسير على غير هدى وبلا هدف، ولكن صادفتنى مفاجأة لم تخطر لى فى خاطرى فصرت كلما وضعت قدمى فى شارع انقلب الشارع سيركا.
اختفت جدرانه وأبنيته وسياراته والمارة وحل محل ذلك قبة هائلة بمقاعدها المتدرجة، وحبالها الممدُودة، وأراجيحها، وأقفاص حيواناتها، والممثلون والمبتكرون والرياضيون حتى البلياتشو، وشد ما دهشت وسررت وكدت أطير من الفرح، ولكن بالانتقال من شارع إلى شارع، وبتكرار المعجزة، مضى السرور يفتر، والضجر يزحف حتى ضقت بالمشى والرؤية وتاقت نفسى للرجوع إلى مسكنى.
ولكم فرحت حين لاح وجه الدنيا وآمنت بمجئ الفرح. وفتحت الباب فإذا بالبلياتشو يستقبلنى مقهقها.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
لم أستجب لقهقهته وفزعت أن أكون قد دخلت إلى منزل غير منزلى، لكنه رحّب بى وطمأننى، ودعانى للدخول، وتعجبت فالمفروض أننى صاحب البيت، وأننى أنا الذى أدعوه للبقاء أو أساله عن سبب وجوده، وطبعا لم أفعل لا هذا ولا ذاك، وكدت أستدير لأرجع وأتأكد أنه بيتى، وأن الامر ليس به خطأ، وطلبت منه أن يفسر لى وجوده، فقال وهل يحتاج الأمر إلى تفسير بعد الذى شاهدته بنفسك فى كل الشوارع، ثم تحت القباب والمدرجات، قلت له : “ولكن هذا بيتى وليس مكانا عاما”، قال: “وهل أنا قلت غير ذلك، أنت الذى لا تجمّع”، قلت: “أجمع ماذا؟”، وهنا فتح الباب ودخلت حسناء لا أعرفها فاندفع المهرج إليها مرحبا، واحتضنها بلا حياء، فاستجابت ثم ابتعدت ، ثم قرصته فى أذنه وهى تشير إلىّ، فقال لها: “لا عليك ، إنه منا وعلينا”، ولم أتدخل أو أعترض من فرط دهشتى، لكننى اسرعت إلى باب الخروج بلا تردد وأنا أقول لنفسى : حتى لو كان هذا هو بيتى فعلا فإنه لم يعد كذلك، وحين فتحت الباب وجدتنى أمام حشد من الناس يحملون نعشا، ويرددون بعض أبيات البردة، ووراء النعش جمهرة من النساء تولول، فاقتربت من أحد المشاركين وسألته من المرحوم، فذكر اسمى، وقلت له: “هل أنت متأكد”؟ قال: “طبعا”، فتماديت، وقلت: “وهل أنت قريبه”، قال: “وما شانك أنت”، ومضى يردد البردة مع المرددين، فانضممت للجنازة وحين وصلت المقابر، وجدت سرادقا قد أقيم على هيئة قبة السيرك ووجدت البلياتشو وصاحبته يرحبان بى ويفسحان الطريق وهما يدعوانى للدخول إلى القبر لا إلى الحوش المحيط تحت القبة مثل المعزين، فزعت ولم أنطق لأعترض أو استفسر، بادرت الفتاة قائلة، “لقد وجدوا النعش فارغا بعد أن وصلنا، وكان لا بد أن نحفظ ماء وجوهنا أمام المشيعين والمعزين، فوقع الاختيار عليك”،
وانقطع تيار الكهرباء فجأة، فأظلمت الدنيا قبل أن يغشى على.