نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 2-2-2017
السنة العاشرة
العدد: 3442
فى رحاب نجيب محفوظ
“التناصّ النقدى“
قراءة أخرى للأحلام الأولى (4)
وهو النقد الذى لم ينشر قبلا
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (4)
بهو مترامى الأركان متعدد الأبواب خال من كل شئ فوقف ثلاثتنا فى ركن مكنون، صاحباى يرفلان فى كامل حليتهما حتى رباط العنق على حين اكتفيت أنا بالجلباب المغربى ودون شعور بأى حرج لشدة الألفة التى تجمعنا، سمعت حركة، نظرت فرأيت رجلا لا أدرى من أين جاء فى ملابس رسمية توحى بأنه ممن يشرفون على الحفلات تلفعت فى جلبابى وقلت لصاحبى:
أخاف أن تقام حفلة!
فقالا بالتتابع
لا أظن
لا أهمية لذلك..
وجدت حركة أخرى فنظرت فرأيت رجلين ماثلين للأول قد انضما إليه فزال كل شك وهربت إلى أقرب باب وفتحته وكأنى وجدت وراءه سداً من جدار البهو فكررت المحاولة مع الأبواب جميعا وخاب مسعاى كالمرة الأولى رجعت إلى صاحبىّ واندسست بينهما كأنما أستتر بهما.
وطمأننى بعض الشئ أن الرجال الثلاثة لم يعيرونا أى التفات
وتتابعت الحركات وانهمر سيل من المدعوين من كافة النواحى.
وأخذوا يملأون المكان دون أن ينظر نحونا أحد مركزين أبصارهم فى ناحية واحدة فلم نملك إلا أن نفعل فعلهم وبدا فجأة شخص جليل فى هيئة الزعامة فتعالت قعقعات الهتاف. وكلما تقدم الرجل خطوة اشتد الهتاف ولكنهم حذروه فى الوقت نفسه من السير نحو الباب الذى بدا أنه يقصده وقلت لصاحبى:
سيفتح الباب عن سد لا منفذ فيه.
وتقدم الزعيم وسط هتاف متصاعد وتحذير مستمر حتى فتح الباب ودخل مختفيا عن الأنظار.
التناصّ (التقاسيم):
ملأنى الغيظ وأنا أقول لنفسى حتى السدود التى وراء الأبواب تتحيز لأمثال هؤلاء فتستجيب لهيلمانهم، خيل إلىّ أن السد قد انزاح من وراء الباب الذى دخل منه الرجل الجليل فى هيئة الزعامة، وأننى لو اتبعت خطاه لخرجت مثله، اندفعت بغير تفكير نحو الباب ولكننى قبل أن أصل إليه ارتبكت إذ لم أستطع أن أتبين أى باب هو الذى انفتح للرجل، فقلت أختبرها واحدا واحدا وما يحدث يحدث، وبدأت بالباب الأول إلى اليمين فلم يفتح أصلا، فلم أعرف إن كان وراءه سد أم لا، وانتقلت بسرعة للباب الثانى فانفتح قبل أن ألمسه، وإذا بى فى ردهة متوسطة الاتساع وسمعت صوت غلق الباب خلفى وحده، وأجلت نظرى أتعرف على المكان فلمحت فى آخر الردهة بابا آخر على جنب فانجذبت إليه، وكأنه هو الذى يدعونى للمرور، فلم أتردد أن أفعل، وحين فتحته وجدتنى فى حقل شديد الخضرة كأنه حقل برسيم تترعرع خضرته فى بهجة، ولاح لى من بعيد ما يشبه قطيع أغنام يتحرك، القطيع ظل يقترب منى بسرعة وكأنه تعرّف علىّ من جلبابى المغربى، وكلما اقترب ازداد عدده وتسارعت خطواته، ورأيت الراعى يهش بعصاه الطويلة على الغنم الشاردة، كل ذلك وأنا لا أكاد أصدق أن هذا هو خلفية البهو الذى كنا فيه، وحين اقترب الراعى منى تبينت أنه نفس وجه الشخص الجليل فى هيئة الزعامة برغم ثياب الراعى التى يتخفى فيها، وحاولت أن أتجنب أن تلتقى أعيننا وكأننى أخشى أن يعرفنى كما عرفته؟ لكنه هو الذى تقدم إلىّ وقال: “ما الذى أتى بك إلى هنا”، قلت له: “ما شأنك أنت؟ ثم أردفت” ألم تكن انت الذى مررت بنَا فى البهو”؟ ثم لما تقاربنا أكثر تبين لى كأننى أعرف هذا الوجه من قبل فاطمأننت وقلت له: “لا تنسى أننى أعطيتك صوتى فى الانتخابات السابقة”.
فقهقه قائلا: لكنى لم أكن مرشحا فى أى انتخابات، فلا تستعبط، ثم أنت مغربى وليس لك حق التصويت كمصرى، قلت: وأنت ما جنسيتك؟ قال: إنت مالك؟