نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 26-1-2017
السنة العاشرة
العدد: 3436
فى رحاب نجيب محفوظ
“التناصّ النقدى“
قراءة أخرى للأحلام الأولى (3)
وهو النقد الذى لم ينشر قبلا
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (3)
هذا سطح سفينة يتوسطه عامود مقيد به رجل يلتف حوله حبل من أعلى صدره حتى أسفل ساقيه وهو يحرك رأسه بعنف يمنة ويسرة ويهتف من أعماقه الجريحة
متى ينتهى هذا العذاب؟
وكان ثلاثتنا ينظرون إليه بإشفاق ويتبادلون النظر فى ذهول
وتساءل صوت:
من فعل بك ذلك؟
فأجاب الرجل المعذب ورأسه لا يكف عن الحركة
أنا الفاعل
لماذا؟
هو العقاب الذى أستحقه
عن أى ذنب؟
فصاح بغضب:
الجهل
فقلت له:
عهدنا بك ذو حلم وخبرة
جهلنا أن الغضب استعداد فى كل فرد
وارتفع صوته وهو يقول:
وجهلت أن أى أنسان لا يمكن أن يخلو من كرامة مهما يَهُن شأنه
وغَلَبنا الحزن والصمت.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
…..وفجأة سمعنا صوت جسم يرتطم بالماء، فنظرنا إلى العمود فلم نجد الرجل وقلنا أبهذه السرعة يلقى حتفه، فقال أحدنا هذا أرحم مما كان فيه، قلت له: لكنه اعترف بجهله واستحقاقه للعقاب فكان يستحق العفو لا الإعدام، قال الثانى: وهل هذا إعدام؟ إنهم رموه إلى البحر ليتطهر، قال الأول: وكيف ذلك والأرجح أنهم ألقوه وهو مازال موثقا بالحبال، إنه حين يعترف بحقه فى الغضب وحق كل إنسان فى الكرامة، ….،…..، ولم أستمع إلى بقية حديثهما وتركتهما يتناقشان وسارعت وعدوت نحو البحر وأنا بكامل ملابسى وسبحت فى اتجاه صوت ارتطام الجسم بالماء ولم أبال بالبرودة، لكننى لم أجد أحدا طافيا على الماء أو حتى يغرق، فقط عثرت على قارورة تطفو فوق سطح الماء وهى مربوطة بحبل ممتد فى اتجاه السفينة التى خيل إلىّ أنها تتحرك ببطء، لم أستطع الإمساك بالقارورة لكننى استطعت لف حبلها حول ذراعى، ثم قطعت ما تبقى منه يربطه بالسفينة.
عدت إلى الشاطئ وصاحباىَ ينظران إلىّ فى هلع، وحين وصلت فوجئت أن ملابسى لم تكن مبتلة، وسألانى دون دهشة، ماذا وجدت؟ فقلت: لم أجد إلا هذه، وناولتهم القارورة، فنزع أحدهما فلّتها فى حذر، وإذا بداخلها رسالة لم تصلها الماء لإحكام غلقها، وحين طلبنا منه قراءة محتواها فردها وانتظرنا وهو يحاول، ثم قال: إنها مكتوبة بلغة لا يعرفها، اللهم إلا سطرا واحدا قبل التوقيع الذى كان أوضح، وبجواره بضع كلمات فسألته عن ما استطاع قراءته من ذلك قال: إنه توقيع “سيدنا يونس”، وأنه كان “يسعى للحقيقة وليس للتوبة”.