فى رحاب نجيب محفوظ: تقاسيم على اللحن الأساسى: الحلم (72)
نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 24-5-2018
السنة الحادية عشرة
العدد: 3918
فى رحاب نجيب محفوظ
مراجعة وتحديث التناص على الأحلام المتبقية
(من 53 إلى 210)
تقاسيم على اللحن الأساسى
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (72)
امتلأ البيت القديم بالعباسية بالطيور المهاجرة من الإخوة والأخوات فى اليوم المتفق عليه لزيارة الوالدة، وطلبوا منى إعداد أكلة سمك من سماك العباسية المشهور. ذهبت من فورى إلى المطعم وطلبت الطلب ووجدت جميع الموائد مشغولة إلا المائدة التى تلى الباب مباشرة فذهبت إليها وجلست على كرسى فى طرفها أنتظر. وجاءت سيدة فى الستين مصطحبة معها فتاة فى العشرين وجلستا إلى المائدة، وجاء النادل بالأطباق والطواجن. وعلى خلاف المعهود دعتنى السيدة لمشاركتهما الطعام، وبخلاف المتوقع لبيت الدعوة صامتا وبدأت فى تناول الطعام، وسرعان ما جاء النادل باللفافة المعدة للمنزل فتناولتها وانسحبت من المائدة دون اعتذار أو شكر وخرجت من المطعم فرأيت على بعد ذراع صديقى المرحوم ع . ش وسررت برؤياه سرورا كبيرا. وعلى سبيل المجاملة قدمت له اللفافة لكنه أخذها بلهفة ومضى دون أن ينبس بكلمة إلى باب مفتوح فدخله وأغلقه. وأدهشنى بتصرفه ولكنى لم أجد مناصا من تجديد الطلب فرجعت إلى المطعم وجددت الطلب. وكان النادل يحمل الحلوى إلى السيدة والفتاة. ودعتنى للمشاركة فذهبت دون تردد، وهنا قالت السيدة أنها ترغب فى الذهاب إلى شارع بين السرايات ولكنها لا تدرى كيف السبيل إليه، فتطوعت بتوصيلها وسار ثلاثتنا فى شارع العباسية. وتم التعارف بالشكر وتفرع الحديث بنا واستحوذ على حتى أنى مررت بشارع بين السرايات دون أن أنتبه لذلك، كما نسيت الطعام الذى يجهز لى فى المطعم وكما نسيت المنتظرين والمنتظرات فى البيت القديم بالعباسية.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
… فجأة تميزت ملامح قادم من الناحية الأخرى فى مواجهتنا وتعجبت ما الذى أرجع المرحوم ع.ش. إلىّ من جديد، وكان مازال يحمل اللفافة، وتصورت أنه عاد يشكرنى على لفة السمك التى أخدها منى دون سماح واضح، وإذا به حين اقترب بدرجة كافية يقذف اللفافة فى وجهى وهو يقول: أهكذا. تعطينى سمكا نتنا تكاد رائحته تصل إلى ميدان التحرير؟ التفتُّ إلى السيدة والبنت فوجدتهما تنظران إلىّ شذرا وكأنهما فقدتا الثقة فىّ بغير أمل فى تصحيح، فقررت أن أعلن حقيقته أمامهما حفظا لماء وجهى، فقلت له بأعلى صوتى: إنها ليست رائحة السمك بل رائحة القبر الذى هربتَ منه. ولم تفهم السيدة والفتاة ما أعنى إلا حينما تغيرت ملامح وجهه فغارت عيناه وخدّاه وبرزت العظام لتحدد معالم جمجمة مفزعة، وحين صرخت السيدة والفتاة معا عرفت أننى لا أتخيل.
… حين عدت إلى البيت القديم بالعباسية وجدته قد خلا من كل الطيور المهاجرة، لكن ما أن فتحت حجرة الاستقبال حتى فوجئت بسيدة المطعم والفتاة تجلسان متجاورتين على الأريكة الممتدة فى انتظارٍ قادم يعرفانه، ثم سرعان ما تبينت أنه “أنا”، وراحت السيدة ترحب بى فى أدب جم، وتسألنى عن أمى وأخوالى وأحوالى، ثم أضافت فجأة فى لهجة اعتذار طيب:
– كان من عينىّ يا حبيبى، يا ابن الغالية، لكنها يا ابنى مخطوبة له منذ ولدت.
فرحت أسائل نفسى سرًّا: ففيم كانت كل تلك الوعود؟
ثم التفت لهما فى تسليم قائلا:
– كل شئ قسمة ونصيب!
وإذا بالبنت ترتفع فينفتح السقف لتختفى فى ثنيات السماء.
ثم يغلق السقف وأنا فى حال.
ولم أستطع أن أتحمل نشيج الأم المكتوم، فانصرفت مهرولا، لا ألوى على شيء.
2018-05-24