نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 22-2-2018
السنة الحادية عشرة
العدد: 3827
فى رحاب نجيب محفوظ
مراجعة وتحديث التناص على الأحلام المتبقية
(من 53 إلى 210)
تقاسيم على اللحن الأساسى
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (59)
إنه عجيب لطول قامته.. عجيب فى سلوكه، أما عن قامته فهى مثل مئذنة الزاوية، وأما عن سلوكه فإنه يعترض سبيل من يختار من أهل حارتنا، ويحنى قامته المديدة حتى يوازى وجهه وجهه، ويتفرس فى أساريره بإمعان، كأنما يبحث عن سر دفين، ويمضى بعد ذلك نحو المقصد حتى يختفى عند المنحنى .. وتلقاه الناس بدهشة واجمة وامتعاض شديد، بل إن أحدهم تبعه عن بعد ليكشف أمره، ولما طالت غيبته خرجت جماعة من الأهل والجيران للبحث والاطمئنان ولكنها رجعت مخيبة الرجاء.
عند ذاك جاء دور شيخ الحارة فنهض ليؤدى واجبه، ورجع الرجل جريح الكبرياء، وانقلب الحادث إلى حكاية على كل لسان، كثرت حوله الأفكار والظنون، ولكن بلا جدوى فطواه النسيان أو كاد.
وذات يوم كان شيخ الحارة يسامر إمام الزاوية إذ شعر بوجود يحل فى وجوده، ورأى أمره العجيب بل ولمح قبسا من سره الذى حير الناس، وقرر فى الحال القبض عليه، وأذاع ما عرفه من سره على الملأ.
وهمّ بالقيام ولكن خانته قواه جميعا، فلم يستطع أن يتحرك ولم يستطع أن ينطق.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
… شاع بين الناس أن شيخ الحارة هو الذى أخفاه داخل إمام الزاوية، وبعضهم اتهمه أنه هو هو، وأنه اتفق مع إمام الزاوية على كل شئ، وأن تمثيلية إذاعة السر لا تَخْفى على أحد، فقد كان الناس كلهم يعرفونه، فما معنى إذاعته هكذا؟
وظل شيخ الحارة فى موقعه لا يتحرك ولا ينطق ولا يدافع عن نفسه ولا يموت.
…انقطعت عنى أخبار حارتنا كل هذه السنين بسبب النسيان والسفر والدراسة، وبعد عودتى قابلته فى ميدان التحرير، تعرفت عليه من شعاع عينيه فقط، فقد صارت قامته إلى عكس ما كانت، صار قزما أحدبا، لكنه غير منفّر، بل بدا لى أقرب إلى أقزام السيرك المهرجين بالإضافة إلى الحدب أعلى ظهره، لكنه عاد يزاول مهمته وشعاع عينيه لم يتغير. كان مازال يعترض بعض المارة وهو يشب على أطراف أصابعه فينحنون له وكأنه يجذبهم بشعاع عينيه، ولم يكن يبحث عن السر هذه المرة بل كان يقرأ الطالع، فكانوا يسلمونه عيونهم دون حرج،
لا أعرف كيف تذكّرنى بسهولة، واتفقنا أن نزور حارتنا القديمة بعد أن تأكدنا من استحاله معرفة السر برغم أن كل الناس عرفوه قبل إذاعته. طلب الرجل أن نعود شيخ الحارة حين أخبرته بما صار إليه، لا يتحرك ولا ينطق ولا يموت، فمضينا إليه، وإذا بالمفاجأة تنتظرنا لتذهلنا فور دخولنا عليه: قفز شيخ الحارة وهو يصيح “الله أكبر الله أكبر”. حدثت المعجزة، راح شيخ الحارة يفسر لنا كيف عرف الرجل بعد أن صار قزما أحدب وهو الذى كان طول مئذنة الزاوية، إنه شعاع العينين الذى لم يتغير، وفحصه للناس وانجذابهم إليه. سأله القزم عن إمام الزاوية، فقال شيخ الحارة: لعنه الله ذهب إلى الجحيم.
لمحت فجأة تغيرا فى لهجته وتعبيرات وجهه وإشارات يديه، اختفت الفرحة بمعجزة الشفاء، وتوجستُ شرا كأنه أرسل إشارات سرية للمخبرين للقيام بالواجب، فقررت أن نهرب بأسرع ما يمكن.