نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 6-4 -2017
السنة العاشرة
العدد: 3505
فى رحاب نجيب محفوظ
“التناصّ النقدى“
قراءة أخرى للأحلام الأولى (13)
وهو النقد الذى لم ينشر قبلا
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (13)
هذا هو المطار. جوه يموج بشتى الأصوات واللغات. وكن قد فرغن من جميع الاجراءات ووقفن ينتظرن. اقتربت منهن وقدمت إلى كل منهن وردة فى قرطاس فضى، وقلت:
– مع السلامة والدعاء بالتوفيق
فشكرننى باسمات وقالت إحداهن
– إنها بعثة شاقة ونجاحنا يحتاج إلى أعوام وأعوام.
فأدركت ما تعنى، وغمر الألم قلبى وتبادلنا نظرات وداع صامتة ولاحت لأعيننا مسرات الزمان الأول
وتحركت الطائرة وجعلت أتابعها بعينى حتى غيبها الأفق.
وحال عودتى الى بهو المطار لم أعد أذكر إلا رغبتى فى الاهتداء إلى مكتب البريد، وكأننى ماجئت إلا لهذا الغرض وحده. وسمعت صوتاً يهمس أنت تريد مكتب البريد؟ فنظرت نحوه ذاهلا فرأيت فتاة لم أرها من قبل فسألتها عن هويتها فقالت بجرأة:
– أنا بنت ريا. لعلك مازلت تذكر ريا وسكينة؟
فقلت وذهولى يشتد.
– إنها ذكرى مرعبة
فرفعت منكبيها وسارت وهى تقول:
– إن كنت تريد مكتب البريد فاتبعنى.
فتبعتها بعد تردد غاية فى العنف.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
وحين وصلنا إلى مكتب البريد واللافتة عليه واضحة، وجدت الفتاة تتجاوزه مسرعة وهى مازالت تشير إلىّ أن أتبعها، وخطر لى أنها سوف تذهب بى إلى أمها ريَّا فرعبت وأنا لا أحمل إلا ثلاثة جنيهات وساعة قديمة لا تستأهل المخاطرة التى سمعتها عن ريا وسكينة، فتريثت قليلا وناديت عليها فتمهلتْ ورحت أشير إلى مكتب البريد الذى تجاوزناه، فقالت هذا المكتب هو لاستلام الرسائل فقط وليس لإرسالها، فقلت هذه أول مرة أسمع فيها هذا التخصص ولكن دعينا نسأل الموجودين، فقالت إسأل كما تشاء وأنا فى انتظارك، وحين دخلت مكتب البريد وجدت الفتيات اللاتى ركبن الطائرة منذ قليل يتسلمن رسائلهن بالاسم، وكل واحدة ممسكة بالوردة التى قدمتُـهـَا لها فى قرطاسها الفضى، وحين رأيننى تزاحمن علىّ للترحيب بى شاكرات الهدية، فقررت أن أسألهن كيف عُدْن إلى المطار بعد أن أقلعت الطائرة، فتعالت ضحكاتهن أكثر وقالت أجملهن: “هذا هو”، فقلت: “لا: هذا ماذا؟” قالت الثانية: “هذا الذى تقوله”، ثم سألتنى الثالثة: أين ذهبتْ صاحبتك، قلت لها: صاحبتى مَنْ: قالت: ابنة ريّا، قلت لها: فأنت تعرفينها، قالت: وأعرف أمها، ونحن مدعوّون على العشاء عندها الليلة، وهى لا تمانع أن نحضر أصدقاءنا معنا فهل تحضر؟ فعاودنى الرعب من جديد وشكرتها وتقدمت الرابعة وناولتنى رسالة وقالت خذ هذه رسالة باسمك فاستلمت رسالة وعليها اسمى فعلا وفتحتها وإذا بها صورة بطاقتى الشخصية، وصورتى وأنا أقف مع الشيطان، وتهديد بالقتل إن لم أرجع عما أنوى؟ واحترت فأنا لا أنوى على شئ، واعتذرت وشكرت وانصرفت بسرعة، وأنا أكاد أعدو، وعدلت عن إرسال أى شىء، وما أن دخلت إلى الشارع الجانبى حتى أخرجت الرسالتين من جيبى ومزقتهما وألقيت بهما فى أقرب صندوق قمامة، وأنا أتلفّت.