نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 23-3-2017
السنة العاشرة
العدد: 3491
فى رحاب نجيب محفوظ
“التناصّ النقدى“
قراءة أخرى للأحلام الأولى (11)
وهو النقد الذى لم ينشر قبلا
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (11)
فى ظل نخلة على الشاطئ استلقت على ظهرها أمرأة فارعة الطول ريانة الجسد وكشفت عن صدرها ونادت. يزحف نحوها أطفال لا يحصرهم العد. وتزاحموا على ثدييها ورضعوا بشراهة غير معهودة، وكلما انتهت جماعة أقبلت أخرى وبدا أن الأمر أفلت زمامه وتمرد على كل تنظيم. وخيل إلىّ أن الحال تقتضى التنبيه أو الاستغاثة ولكن الناس يغطون فى النوم على شاطئ النيل. وحاولت النداء ولكن الصوت لم يخرج من فمى وأطبق على صدرى ضيق شديد. أما الأطفال والمرأة فقد تركوها جلدة على عظم ولما يئسوا من مزيد من اللبن راحوا ينهشون اللحم حتى تحولت بينهم إلى هيكل عظمى. وشعرت بأنه كان يجب على أن أفعل شيئا أكثر من النداء الذى لم يخرج من فمى وأذهلنى أن الأطفال بعد يأس من اللبن واللحم التحموا فى معركة وحشية فسالت دماؤهم وتخرقت لحومهم. ولمحنى بعض منهم فأقبلوا نحوى أنا لعمل المستحيل فى رحاب الرعب الشامل.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
…. أى مستحيل هذا الذى يمكن أن أعمله بعد أن صفــُّوا لبنها ونهشوا لحمها ولم يبق منها إلا هذا الهيكل العظمى، انتبهتُ إلى أى مدى وصلت خطورتهم وقدرت أنَّ أسلـَم شىء هو الإسراع بالاختفاء بعيدا عنها وعنهم ، فليس مستبعدا أن يفعلو بى ما فعلوا بها، مع أن نحافتى لا تغرى بأى وليمة، وربما كسروا عظامى بعد أن ينتهوا من نهش ما تيسر من لحمى حتى يمصمصوا نخاعها، استدرتُ بسرعة وأطلقتُ ساقىّ للريح وإذا بهم ينتبهون إلى حركتى ويتبعونى وهم يشيرون إلى ما تبقى من المرأة، وسمعت أصواتا تلعن أهلى، وبعضها يتهمنى – أو هكذا خيـِّل إلى – أننى أنا الذى فعلت ذلك بالمرأة، درت دورة كاملة حتى وجدت نفسى عند المرأة مرة ثانية وقد اختفى الأطفال عن آخرهم لا أعرف أين ولا كيف، وبدلا من أن أفرح وأنصرف، لا أعرف ما الذى دفعنى أن أتقدم إلى بقايا المرأة المتمددة، ورحت أمسك بما تبقى من ثيابها الممزقة، وأحاول أن أغطى ما ظهر من عورتها، واقتربت أكثر وإذا بها تحرك إحدى ساقيها ثم الأخرى، وبسرعة وجدت أنها اكتست لحما وشحما وعضلات وقامت واقفة ممشوقة، ومدت كلتا ذراعيها إلى أعلى فارعة رائعة، وكأنها تتمطى، وقالت بصوت عذب واضح لم أتوقعه وليس فيه أى أثر للألم أو الشجن، قالت: أين هم، قلت لها : “هم من؟ هل أنتِ…؟”، ولم أكمل..، إذ لم يحضرنى ما أقوله بعد,,، قالت: “أنا مشغولة عليهم فهم لا يعرفون المنطقة، ولا يعرفون طريق العودة إلى بيوتهم، قلت لها: ولكن…!! قاطعتنى قائلا: لكن ماذا؟ يبدو أنك لا تفهم.
وأصبتُ بالبكم، وانصرفتُ مسرعا وأنا أتلفت خوفا من أن ألقَى الأطفال هنا أو هناك؟
وحين وصلت إلى الشارع الكبير وجدت نفس الأطفال يلبعون الكرة فى ساحة على جانبه وهم فى غاية النشاط والمرح، فاقتربت أكثر وأنا متردد، فلمحتها هى هى، وهى تعدو بينهم رائحة غادية ولم أعرف إن كانت تقوم بدور المدرب أم الحَكم.
لكننى فرحت .