نشرت فى الدستور
8 / 10 / 1997
فى شرع مين؟
لا أذكر لمن الأغنية تحديدا، فى الأغلب هى لأم كلثوم، ولعل كلماتها تقول” فى شرع مين، يامنصفين، أو يا مسلمين، وقد اختلطت عندى مع أغنية ” هوه دا يخلص من الله”؟
أدلت السيدة أولبرايت بأن ما يفعله السيد نتانياهو وآله من بناء مستعمرات جديدة، وتوسيع مستعمرات قديمة فى أرض غير أرضه، وفوق أجساد ضحايا ليسوا من أهله، وعلى عينك يا تاجر، ما يفعله هذا الوقح القادر الفاجر، هو أمر “مشروع”، وهذه أول مرة تصرح فيها الخارجية الأمريكية بموقفها علانية ومباشرة، بعد أن كانت تختبئ وراء التأجيل، والتحريك، والضغط التحسيسى جدا (ممكن والله أضغط عليك شوية؟) وقد صرحت أولبرايت لشبكة الإذاعة الأمريكية أن اعتراضها السابق كان على “التوقيت”، لا أكثر، أما المبدأ، فلا جدال حوله، فلنتنانياهو أن يبنى كيف شاء أين شاء، حتى فى باب الشعرية أو سوق عكاظ، فهى أرض الله، وهو من خلق الله، فمن ذا الذى يجرؤ أن يعترض على إرادة الله؟ فالمشروع مشروع فقط: “بعدين بعدين”، ومن حقنا أن نتساءل – لا نعترض- عن مدى هذا الـ ”بعدين”، بعد سنة أو شهرين أو سنة وثمانية أشهر؟ وهذا يتم الاتفاق عليه بين الأطراف المعنية مباشرة دون تدخل، لأن الداخل بين البصلة وقشرتها لا ينوبه إلا صنتها، ونحن لا ينقصنا “صــنان” والحمد لله نعم، بعدين حينما تزداد جرعة التخدير حتى ننسى ممر القدس ثم جبل أبو غنيم ثم رأس العمود، ثم ننسى القدس (لنذكر جيروساليم) ثم ننسى القاهرة بالمرة (لنذكر مدريد وأوسلو وكوبنهاجن) بل لعل التوقيت يكون أكثر دبلوماسية وأحذق سياسة إذا انتظر السيد نتنياهو حتى ننسى مكة والمدينة بالمرة، اللهم إلا فيما يتعلق بأداء العمرة لقراءة الفاتحة أن يحنن الله علينا قلب أمريكا حتى تتفضل بالسلامة فتقوم بهز عملية السلام، ويا حبذا تحريكها، بأن تنشط – حبة حبة- المحادثات بين الأطراف المعنية بأمن إسرائيل (وليس المعنية بالاحتلال ولا حتى بقضية الشرق الأوسط، لأن الوقت ليس وقت هذا الكلام الأباحة)، ذلك أن إسرائيل أصبح عندها إضافة إلى البوليس والجيش والمخابرات جهازا أمنيا متفرغا إسمه السلطة الفلسطينية، وهو متفرغ لحمايتها جدا جدا من أى حادث، بل من أى نية سوء، سواء وقع هذا الحادث فى القدس أو فى غزة أو فى ميدان التحرير، ثم إن أبو علاء مسئول أيضا لأنه كان ينبغى عليه أن يضغط على أبو عمار ليضغط بدوره على أبو زنهار الذى لا بد أن يضغط بدوره على أبو رجل مسلوخة ليحول دون قتل السياح الألمان لأنهم كان يمكن أن يدفعوا تعويضات جديدة تكفيرا عن جناية أجدادهم، ويمكن كانت تنفع هذه التعويضات فى الحفاظ على أمن إسرائيل، أو يمكن دخان الحريق قد جعل عينى سائح إسرائيلى فى هليتون النيل تدمعان من غير داع، وهذا قد يؤثرعلى أعصاب عزام عزام فى سجنه المحتجز فيه ظلما!! ثم بعد كل هذا يصبح من حقنا أن نرسل استفسارا مهذبا يسأل السيدة أولبرايت أو العايق كلينتون أن يطلعونا - إن أمكن – على ذلك “الشرع” الذى أحل كل هذا فجعله “مشروعا”.
فى بلدنا كانوا يطلقونا إسم “المشروع” على شق طريق أو حفر ترعة، ثم يلصق الاسم بما يجرى حتى بعد نهاية العمل فيه بسنوات، وآخر عمل يعلق فى ذاكرتى احتفظ بلقب”المشروع” كان مصرفا مليئا بالمياه العطنة، والرائحة البشعة، والسمك الميت، فإذا كانت السيدة “كل الوهج” all brightتقصد ذلك، فلا بد أن نشكرها وندعو لها بما تيسر!!
يا ساتر يارب !! إلى متى؟ إلى متى؟ فى شرع مين؟ هوه دا يخلص من الله؟
يا جماعة، نعلن الاستسلام، ونفضها سيرة، ثم نبدأ أو لا نبدأ، أحسن كدا عيب والله العظيم.