نشرت فى جريدة أخبار الأدب
الأحد : 23-12-2012
فـي عـيـن الـشـمـس
السياسة .. والشعر .. والعرش
مختلفون حتي مع أنفسنا.. منشطرون شظايا لا نود أن نرحم بعضنا البعض..ممزقون خيرا وشرا.. لكن الهم الأكبر واحد ووحيد: البحث عن لحظة أمان ولو مؤقتة، وومضة يقين حتي ولو مراوغا..لحظة طال الشوق إليها علي هدي وبينة..وليس علي تضليل وتدليس.. تتوارد الخواطر المعذبة.. تتخاطر النفوس خاصة المبدعة التي تتحسس الطريق وتنقل إشارات وبشارات لعلها تعين علي رؤية ضوء يتيم في النفق الذي يبدو أنه أكثر إظلاما وإيلاما..
يحرضني علي هذه الحروف القلقة.. الرسالة التي بعثها عالم النفس د. يحيي الرخاوي، حيث يتجلي هذه المرة شاعرا، إذ بعث لي بقصيدة أبدعها بعنوان(بعد الجلوس علي عرش مصر) يقول إنها (شعر علي شعر) يشرح فيها أوجاعه الموضوعية، يحلل ويعمق وينذر ويبشر، تمتزج فيها :عالم النفس والكاتب والشاعر والمواطن، يستلهم اللحظة الراهنة المصابة بالإنشطار حتي الثمالة.. ذلك أن لمصر عرشا عظيما..والإستواء عليه.. يحتاج احتواء وإدراك كل حرف من حروف اسم مصر، بما فيها ومن فيها: يقول العالم الشاعر د.يحيي الرخاوي:
(عزيزي ….هذه هديتي إليك، وإلي مصر، وقد كتبتها عقب قراءة قصيدتك… مباشرة، لعلك تعلم أن الشعر لا يُنقد إلا شعرا، هذه ما تعلمته وأنا في العشرين من عمري من شيخي محمود محمد شاكر وهو ينقد قصيدة الشمّاخ “القوس العذراء« ، ثم مارسته في نقدي لأحلام نجيب محفوظ الفصل الثاني ، الذي كتبت فيه تقاسيمي حين استشعرت أن هذه الأحلام نص شعري ..قصيدتك ( قبل الجلوس علي عرش مصر العظيم ) حرّكت فيّ بعض ما كنت أحسب أنه انطفأ إلي الأبد ، فنقدتها شعرا كما تري، لأهديها لك، ولا أعتقد أنها صالحة للنشر إلا مع إعادة نشر قصيدتك..
قبل …الجلوس علي عرش مصر العظيم
(أ. مجدى العفيفى)
(1)
وسيخدعونَك مثلما خدعوا الكثير،
وســيحرقون لـك البخــــــور ،
ويقدمون لك القرابين السخية والنــذور !
(2)
يســعون نحــوك بالكــلام الحلــو،
والمـعســـول من لـــــغـــة الـعيونْ !
وســـيزحفون علي البطـونْ !
وسيكشفون لك الذي لايكشف !
وسـيألفونك بالذي لا يؤلفُ !
وسيرقصــون علي خطاك !
يتسـكعون علي رؤاك !
وسيسـرقون النور من عيـنيك ،
حتي يـشــعلوا فيــك الحــنــين !!
(3)
سيخادعون، ويبدعون
ويناورون.. يراوغون،
يتكشفون .. يعاقرون،
يتأودون.. ويهرعون،
ويهرولون، ويلهثون،
ويعكفون في ناديهم الأعلي نكاية،
وسيعبثون بكل ألوان الوشاية،
وسيمكثون، ويكتبون، ويقرأون،
يرتلون ألواح الهداية والغواية..!
(4)
وسيرتدي الـ (هامان) أقنعته..
وسينفق الـ (قارون) أمتعته
ويفض كل خزائنه
ومفاتحه .. وعوالمه.. ومعالمه
وتنوء عصبتهُ… ويئز موكبهُ…
وسيركعــون، ويسـجدون ،
و يهللون .. يـــرددون :
“أنت الحبيب وأنت أنت السيدُ “
“أنت الأمير وأنت أنت الأوحـدُ”
“أنت الخليفة، أنت أنت المُنعمُ
“أنت الولي وأنت أنت الملهـَمُ”
“أنت الذي.. أنت الــذي .. “!
(5)
“ما شئتَ لا ما شاءت الأقدار
فاحكم فأنت الواحد القهار”
(6)
وتطوفُ حولكَ.. جارية:
“مولايَ تأمرني بشيء”
وتموء أخري .. لاغية
“مولاي إني كل شيء أي شيء”
تمتص ما بك من رحيقْ !!
وتعــود للجحـر العتيقْ !!
(7)
وستخرج الأفعي الكبيرة ،
بالفحيح فتطربكْ !
وتشــل روحك تصـلبكْ !
وترقـِّص الناب العجوز وتشـربك !
وسـتحتويك وتمضغـكْ !
وإذا أفقــتَ.. سـتلفظـك !
ضحكاتها العمياء تسلبك التحدي والإباء
وعيونها الخرساء تطفيء فيك نور الكبرياءْ
وتعــاود الأفعــي الصغيــرة للتلوي،
ترســم الدور اللطيـف !
وتظل تلدغ فيك باسم الحبِ، والحـب العفيف
(انتهي المتن الاصل)
بعد …الجلوس علي عرش مصر العظيم
(شعر على شعر)
(أ.د. يحيى الرخاوى)
(1)
واعلمْ جديدًا- سيـّدي ما أنتَ تعلم:
عمِيَتْ بصيرةُ كلِّ من قَبـِِلَ الخداعْ
والله أعلم بالسرائرْ
وكفَي بنفسك أن تكون حسيبها ورقيبها حتي النخاعْ
والدورُ، بعد الدورِ، دائرْ
(2)
أفلستَ تعلم سيدي:
أن العليمَ يحاسب الناسَ جميعا، حين يأتُـونَ فـُرادي
والطائرُ المربوطُ طوْْعا في الرقابِ يغرّد اللحن الشهيدْ :
لا تتمادي !
والله خير الشاهدين
(3)
ويحاسبُ الموْلي علي زيف الكلامِ
كما يحاسبُ عن قبولـَِكَ للمديحْ
تلتف أفعي النفخ حول رقاب من لا يستبين
أنين جوع الناس من صوت الفحيح
(4)
لا تعتذرْ مثل الذين استمرأوا تمرير قهر الاحتقار
ثـُمَّ المبادرةُ الغبية باعتذاٍر فاعتذارْ
لا تعتذر وتقول : إن العيب فيهم،
فالعيب فينا ، لا الزمان ولا العدوّ ولا الرفيق
العيب فينا نحن بعد أن وضحَ الطريق
(5)
إيّاكَ منكَ سيـّدي، إياكَ منكْ:
أنت الشريكْ
في كلِّ ما يجري ولو أعلنتَ أنـَّك ضدَّه،
وأنّ صدْرك منه ضاق، وأن قلبك لا يطيقْ
لا يستمرُّ نفاقهم إلا بأن ترضي عليه :
مـِـنْ دَعـِيٍّ أو صديقْ
ما عاد يُـجدي أن تقول: العيبُ فيهمْ
حتي القتيل مشاركٌ في مصرعـِـهْ
فانظر بداخل داخلك: تجد الحقيقةَ كالبريق
(6)
قد تخدع الناسَ، ونفســَكَ، بالنوايا
لكنّ ربك يعلم السرَّ وأخفي:
“إن الرئيس له رجال لا يعيثون فسادا
إلا بأمرٍ صادرٍ من جُـبْ وجدان الرئيسْ
(7)
ها !! جاءني “الفتي مهران« يحكي:
قالها الشرقاوي يوما، بلسانهْ:
“فاعتراضٌ واحدٌُ ممنْ يحبك
لهوَ خيرٌ ألفَ مرّهْ
من رضا كاظم غيظٍ يبغضكْ”
(8)
مصر أبقي – سيدي- من كل كيد الحاقدين
من جميع الغافلين
من جميع الذاهلين
من جميع المادحين
من جميع الأغبياء الطيبين
مصر أقوي من جميع الزاعمين بحبـِّها
من جميع الناكرين لفضلِها
من جميع الناهبين لخيرِها
لا : ليس يبقي سيدي للفردِ إلا ما سَعَـي
والله يجزي المحسنين المبدعين
(9)
الخير خيرُ الناس، خلق الله، نبض الكادحين
لا، ليس حكرا للذي يـُلقِي برأيٍ لامعٍ لم يُختبر:
“حالا” و”فعلا”
ويقول “هذا دينكم”
وأنا الوصي علي عقول الناس والله المعين
وكمثل زبـَد البحر يمضي الفاسدُ المضروب هشـًّا وجُفاءً
لا يبقي إلا نفعُ كلِّ الناس طـُرّا أجمعين
(10)
الناس، كل الناس، ينتظرون خيرا غامضا
من جُهد من وََلُّوا عليهم
ليسَ لأنك ساحر والجن والإنس رجالك
لكن لأن الناس ناسٌ يأملون الخير
من ربِّ كريمٍ عبـْر من هو مثلهم،
هل أنت ذلكْ؟
“فإذا فرغتَ فانصبْ وإلي ربك فارغبْ”
ولكلِّ مجتهد نصيب
(11)
واقبل دعائيَ سيدي
حتي تكون القادرُ الفذُّ الأمينْ
الخير خيرٌ، لا يساءل واحدٌ عن مصدرهْْ،
ما دام خيرا مثلما الحق المبين
الخير للناس الكرام العاملين
الخير في الفعل المدعّم باليقين
الخير إبداعُ الحياة لكل خلق الله جمْعا أجمعين
الخير ليس له وطن!!
الخير فرزُ الكدح نحو الله رب العالمين
من كلِّ حدبٍ، من كل صوبٍ، من كل دينْ
(12)
الخير يجري عبرَ كلِّ وسائل الدنيا “إليه”
فابذل قصاري ما لديك، سيدي !
وسيعم خيرُك، إن كان حقا “خيرَه« :
في كل دربٍ يُحمدُ الله عليه
فإذا نسيتَ فأنتَ خير العارفينْ :
الشعب بالمرصاد، والله المعينْ .